}

أنخليس فرنان غوميث: فلسطين دائما في القلب

ميسون شقير ميسون شقير 23 يونيو 2022

 

تؤجل الغربة فينا وحشتها حين نلتقي في هذي البلاد البعيدة من يحفظ لنا جرحنا طازجًا، ومن يحتفي بشعرنا وأدبنا ويكرم شعراءنا الراحلين، مع أنه لم يعرف يومًا لغتنا، ولم يولد ويكبر في بلادنا، ولم يشرب ماءنا وصوتنا.

إنها الشاعرة الإسبانية أنخليس فرنان غوميث، المنسقة والمنظمة لتكريم الشاعرين الفلسطينيين الراحلين محمود صبح، وأحمد يعقوب، في مدريد، والتي قامت بتقديم التكريمين، وقرأت مطولًا عن علاقتها بهما، وبالقضية والأدب الفلسطيني من خلالهما.

وهي المنظمة للعديد من الأنشطة الأدبية منذ عام 2007، ابتداء من لقاءات الخريف الشعرية الفنية، وصولًا لمهرجانات التعايش بين شعراء المجموعة الشعرية المفتوحة في غريدوس في مدريد.

وهي أيضًا الشاعرة المؤسسة لجمعية "قهوة خيخون الشعرية" في مدريد، التي يشارك فيها الرسامون والشعراء "الذين يحاولون إلهام بعضهم البعض في المقهى الأدبي التاريخي في مدريد"، حسب تعبيرها، وهي أيضًا الشاعرة المشاركة، سواء في التحضير أو بشعرها الخاص، في العديد من الأحداث الثقافية والفنية، مثل الجمعية العامة للمؤلفين، وكل نشاطات الأتينيو الثقافية في مدريد، ونشاطات مدرسة جوليان بيستيريو للشعر، ونشاطات مكتبة فناك المركزية في مدريد.

وأنخليس فرنان غوميث هي الشاعرة التي أصدرت العديد من القصائد الشعرية والسردية، تحت عنوان النص والتفسير (مع الكاتبتين باتريشيا مونخي وباولا هيريا) للأداء الأدبي الذي يتناول الحوارات مع الجسد، والمساهمة (مع الكاتبة روزا سيلفيريو) في نشر "سيناريو وتفسير أداء سيلفيا، وآن"، استنادًا إلى حياة وعمل الشاعرتين سيلفيا بلاث، وآن سيكستون. وهي أيضًا عضو لجنة التحكيم في حفل توزيع جوائز الشعر HARAWIKU الدولية وجوائز ROSSETA.

وهي الشاعرة صاحبة ثلاثة كتب قصصية منشورة: لقاءات في سامبارا، في مدينة خطية، وحكايات فيلاندو عن النساء ودون كيشوت في مقهى خيخون. وصاحبة المجموعات الشعرية: لقطات شعرية، شعر قصير، افتتاحية، وتعال إلى البيت الخاص بي، وهي الشاعرة الإسبانية التي أجرت مع الشاعر الفلسطيني محمود صبح سلسلة من القصائد الشعرية لفلسطين ولد منها كتاب "فلسطين في القلب".

ولأجل أن نتعرف أكثر على علاقتها بالشاعرين الفلسطينيين الراحلين، وبالقضية الفلسطينية، وبالأدب العربي المترجم للإسبانية، كان لنا معها هذا الحوار:

أنخليس فرنان غوميث خلال تكريم الشاعر والمترجم الفلسطيني الراحل محمود صبح في مدريد



(*) بما أنك منظمة ومساهمة في نشر كتاب "فلسطين في القلب"، ما الذي أضافه هذا الكتاب إلى تجربتك الشعرية والفكرية؟

جاءت الفكرة من الشاعر الفلسطيني الذي رحل مؤخرًا (أو الشاعر الفلسطيني الإسباني Palespanish، كما كان يحب أن يطلق على نفسه) الأستاذ محمود صبح، حيث كانت جمعتنا معًا عدة لقاءات وحوارات ومهرجانات شعرية، وتواصلنا بشكل جيد جدًا منذ البداية. وذات يوم اتصل بي وقال: أريد أن أقوم بسلسلة من القصائد الشعرية لفلسطين، وألقيها بعدة لغات. وأريدك يا ​​"ملك" (لطالما كان يناديني بذلك)، أن تساعديني في ذلك

إن البروفيسور والمترجم والشاعر محمود صبح المولود في صفد (الجليل)، طرده الصهاينة مع عائلته بالكامل، كالعديد من الفلسطينيين، في عام 1948، عندما كان عمره 12 عامًا فقط. كانت سورية هي الدولة المضيفة له، حيث تدرب بطريقة علمية حتى بلوغه سن الرشد. لهذا كان دائمًا ممتنًا جدًا لدمشق وقد آلمه ما حل بها بقدر ما آلمه ما حل في وطنه فلسطين. وفي وقت لاحق، ومن أجل أطروحة الدكتوراه، جاء الدكتور محمود صبح إلى إسبانيا، حيث أصبح أستاذًا للغة العربية في جامعة كومبلوتنسي. لقد كان باحثًا وأستاذًا حقيقيًا. وكان أيضًا شاعرًا عظيمًا وكان يعتقد أن أفضل طريقة لفعل شيء من أجل فلسطين الحبيبة والمساهمة في إنهاء المعاناة هو النضال والشعر، وهذا بالتأكيد سبب إقامة تلك اللقاءات، مرتين في الأسبوع في المقهى الأدبي في منطقة خيخون في مدريد، وأيضًا لقاءات شعرية أخرى في مبنى الأتينيو المعروف في مدريد، وقد كانت هذه اللقاءات تحت عنوان "فلسطين في القلب". حيث تمت تلاوة القصائد حول فلسطين في 15 لغة مختلفة. ولهذا السبب أردنا أن نجمع القصائد التي نقرأها هناك، وهنا وُلدت فكرة تنسيق كتاب يحمل نفس العنوان: "فلسطين في القلب"، نجمع فيه القصائد المرتلّة، بالاضافة إلى صور فوتوغرامية للأحداث الشعرية التي ألقيت فيها هذه القصائد وبكل اللغات، لقد حاول أن يوثق كل شيء في الكتاب، وترك لي حرية كتابة المقدمة وحرية تنسيق الكتاب كما أريد. وهذا ما أعجبني كثيرا وذلك لأنني انتهزت الفرصة لإدخال العديد من الأشياء حول تاريخ الأستاذ محمود صبح، سفير الثقافة والجرح الفلسطيني في مدريد، سواء في المجالات الشخصية والمهنية والشعرية، موضحة أيضًا ذلك من خلال التصوير الفوتوغرافي. ولأجل ذلك قرأت العديد من المقالات التي كتبها، بالإضافة إلى المقابلات التي أُجريت معه في وسائل الإعلام طوال حياته، وبهذا المعنى، كانت بالنسبة لي تجربة أعطتني معرفة بالعديد من الأشياء الأساسية، حول فلسطين، وحول ثقافتها، وحول شعرها، وكتابها، وطبعا حول عدالة قضية كل فلسطيني على هذا الكوكب.

(*) ما الذي جعلك تختارين أن تكوني دائمًا إلى جانب القضية الفلسطينية وعدالتها؟

لطالما كنت حساسًة جدًا لمعاناة كل المظلومين الذين يعيشون على هذا الكوكب، وبالتالي، أنا أدرك تمامًا أن صراعات الحرب التي لا تجلب سوى الظلم والموت والألم. لهذا السبب، فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لا نهاية له بالنسبة لي يمثل واحدًا من تلك الحروب والصراعات الأكثر فظاعة، وقد أصابني على وجه الخصوص على وتر حساس خاصة وأن الشعب الفلسطيني هو شعب مظلوم بطريقة لا تحمل أي مجال للشك.

ومع ذلك، لقد كانت صداقتي العميقة مع الأستاذ والشاعر محمود صبح هي التي جعلتني أقرب إلى الشعور بفلسطين وبقضيتها العادلة، وإلى الاهتمام أكثر بمشكلتها الخطيرة للغاية، ومحاولة القيام بشيء لتخفيف المواجهات السيئة التي طال أمدها بشكل مؤلم، والمظالم والفظائع التي جعلهم الصهاينة يعانون منها. إن الوجع الفلسطيني يؤلمني جدًا.

أنا دائمًا أميل إلى الوقوف إلى جانب الطرف الأكثر ضعفًا، إلى جانب أصحاب الحق، وليس إلى جانب الغزاة مهما كانت أسبابهم، والحروب والصراعات لا تولد سوى الكراهية بين الأطراف المتصارعة، وأنا أعتقد أن القوى العالمية التي قررت كتابة تاريخ هذه الأراضي لم تكن صحيحة في قراراتها ولا يبدو أنه يوجد للصراع حل سهل في المدى المنظور، لأن القوى العالمية المتحكمة لا تريد ذلك. على أي حال، فإن العنف ليس حلًا أبدًا، بل هو مشكلة تزيد من حدة المشكلة وتفاقم من الآثار الإنسانية المرعبة للصراع.

أنخليس فرنان غوميث خلال التكريم



(*) كيف تصفين تأثير حضور المرحوم صبح على حياتك؟

لقد كان من حسن حظي أن التقيت به، بل وأكثر من ذلك، لقد تمكنت من مناداته بالصديق. لقد كان شخصًا ذا ثقافة عظيمة، وكان من دواعي سروري مشاركة الأحاديث والصداقة معه. أستطيع أن أقول بأمان إنه كانت لديه مودة عميقة واحترام لي أيضًا. لقد تعلمت الكثير من الأشياء معه، كما أني تمكنت من خلاله من زيارة فلسطين في عام 2015 كضيف شاعر ومعي تسعة شعراء إسبان آخرين. لقد كانت تلك بالنسبة لي تجربة يصعب نسيانها، وقد قربتني أكثر من تلك الأرض المباركة، المليئة بالناس الطيبين والرائعين. هناك التقيت شعراء رائعين مثل أحمد يعقوب الذي رحل عنا مؤخرًا، والذي رافقنا طوال فترة الإقامة والذي كان له أيضًا تاريخ شخصي هائل مستمد من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

كان الدكتور صبح حقًا شخصًا مهمًا جدًا في حياتي والآن لدي أيضًا الصداقة التي بنيتها من خلاله مع عائلته في إسبانيا، لأنه بعد الاستقرار في إسبانيا، تزوج من امرأة إسبانية وأنجب منها ثلاثة أطفال وقد سافرت معه وابنته الكبرى وشاعرين إسبانيين آخرين إلى قطر في عام 2018. وكانت هذه آخر الرحلات التي قام بها الأستاذ محمود صبح رحمه الله.

(*) برأيك هل الشعر ينقذ حياتنا؟

نعم قد يكون الشعر والفن كله قادرًا على أن ينقذنا في المجال الشخصي، لأنه يمكن أن ينقذ حياتنا وأرواحنا، ومن الممكن أن يجعلنا نتمتع بكل هذه القوة خاصة إذا عرفنا كيف نتعامل معه بالاحترام الذي يستحقه.

لكن إذا كنا نعني إنقاذ العالم بشكل عام، أعتقد أن الشعر، في حد ذاته، لا يمكن أن يكون المنقذ الحقيقي لكل مآسي العالم المتزايدة، لأن القصائد لا تحمي من الرصاصة والقنبلة والصاروخ، ولا تشبع جائعًا.





(*) من هو الكاتب العربي الأكثر تأثيرًا فيك؟

أعتقد أن الكاتب اللبناني جبران خليل جبران وكتابه "النبي" كان لهما أثر كبير في نفسي منذ الصغر. لاحقًا، ربما أكثر من قرأته هو الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي أثر حقيقة في تجربتي الشعرية، ولقد كنت محظوظًا بما يكفي لزيارة ضريحه في رحلتي إلى فلسطين وقراءة قصيدة هناك. كما أني قرأت بعض القصائد للشاعرة الصوفية رابعة العدوية وقد أثارت اهتمامي كثيرًا.

حاليًا، بالإضافة إلى كتابات الصديق الشاعر الأستاذ محمود صبح، الذي أعتقد أنني أعرف جميع أعماله، تأثرت كثيرًا بشعر الشاعر الذي التقيت به في فلسطين والذي تحدثت عنه من قبل: أحمد يعقوب. إنه فعلًا شاعر متميّز. كما أني أستمع وأقرأ للشعراء العرب المقيمين حاليًا في إسبانيا. أنا مهتمة بشكل خاص بالشاعر والأستاذ الجامعي العراقي عبد الهادي سعدون، وبكتابات الشاعر وطبيب الأسنان السوري السوري محمد عثمان، ولن أقول إنني أحب جدًا شعر الشاعرة السورية ميسون شقير التي تجري معي هذه المقابلة.

(*) هل تعتقدين أن ما تُرجم من الأدب العربي إلى اللغة الإسبانية كافٍ لتقديم واقع الثقافة العربية؟

إنني على اتصال دائم بكل نشاطات البيت العربي في مدريد، وأيضًا أنا على تواصل دائم مع  CIHAR- الرابطة العربية الإسبانية، التي يديرها وينظمها الصديق عبده التونسي، وأنا أعتقد أنه قد تمت ترجمة العديد من الأشياء، لكني لا أعتبر نفسي في وضع يسمح لي بالحكم على ما إذا كان الأدب العربي المترجم للإسبانية كافيًا أم غير كاف، كثيرًا أم قليلًا، ومع ذلك وبسبب يقيني بأن المنتج الأدبي العربي المعاصر هو غني وكثيف، فأنا أعتقد أنه لا يوجد الكثير من الترجمة على الإطلاق، وأنه سيكون من الضروري الاستمرار في الكثير من مشاريع الترجمة حتى نتمكن جميعًا من المشاركة في الثروة الشعرية والأدبية بشكل عام التي يمتلكها العالم العربي. أتمنى أن نتمكن من مشاركتها من خلال العمل الشاق للمترجمين والمستعربين.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.