ولها مخطوطان تحت الطبع: "منديل لبكاء العالم" و"أفعال فائضة".
هنا حوار معها:
(*) كيف ترين إلى قصيدة النثر الليبية التي تكتب الآن؟
مع ركون معظم المشهد إلى النص التقليدي فإن قصيدة النثر الليبية على مستوى الكيف تشهد تميزًا خاصًا يقود شعلته روادها الأوائل، وحشد جميل من الأسماء الشابة التي تضخ دمًا متجددًا إلى بنية النص النثري في ليبيا، ولهذا يمكن أن أقول إن قصيدة النثر الليبية بخير خصوصًا أنها على المستوى العربي معروفة جدًا بل وإنها تنافس وبقوة في مشهد الشعر العربي، بالإضافة إلى حركة الترجمة للكثير من الأسماء الشعرية الليبية إلى لغات أخرى وهذا يساعد على انتشارها أكثر وعلى أنها تمضي نحو العالمية بجدارة.
"حكايات لا تتوقف عن الغرق"
(*) منذ مجموعتك الشعرية الأولى "جدوى المواربة" (2003)، وحتى "حكايات لا تتوقف عن الغرق" (2024)، أين تجدين نفسك شعريًا؟
أجد نفسي في المكان المناسب تمامًا ما بين ربكة البدايات ونضج التجربة الشعرية الآن، بالطبع ثمة اختلاف في نصي الذي أصبح أكثر كثافة وأشد تماسكًا وأكثر عمقًا، لأن الاشتغال على مدى أكثر من عشرين سنة على تطوير النص بمسؤولية والانهمام بعوالمه لا بدّ من أن يؤثر في تطوره.
(*) (أكتب نصوصًا كثيرة ولا أنشرها/ أدفنها في حديقة البيت/ فتنبت بدلها/ زهورًا سوداء/ تنظر للشمس وتبكي./ أكتب عن الحرب نصًا طويلًا/ أطويه/ على هيئة طائرة ورقية/ أو على شكل عبادة شمس/ يدور وجهها في النور).... مقطع اقتبسته من "ديوان الحرب"، مجموعتك الشعرية الصادرة إلكترونيًا بموقع "بلد الطيوب". كيف خضت تجربة قصيدة الحرب (حيث حلقت بأجنحة الكلمات في سماء ليبيا وفلسطين واليمن وسورية والعراق وغيرها). السؤال: متى وأين كتبت النصوص ولماذا اكتفيت بنشر الديوان إلكترونيًا؟
دوّنت هذه النصوص بشكل يومي ومتواصل فعليًا وبشكل واقعي تحت سطوة الحرب والمدافع والموت المنتظر والخوف، ولم يكن في نيتي أن أجمعها مع بعضها، ولكن كان لا بد من ذلك لأن النصوص تشكل إدانة للموت والحروب وتشكل أيضًا وثيقة شعرية يومية تدين الحرب المستشرية بين أبناء الوطن الواحد، ولصعوبة النشر وغلاء كلفته داخل ليبيا حيث أن وزارة الثقافة تكاد تكون متوقفة عن النشر، قمت بنشره إلكترونيًا عبر موقع "بلد الطيوب" الذي يشرف عليه الصديق الشاعر رامز النويصري.
(*) وفي المجمل، ما الذي فعلته الحرب بأهل الثقافة والإبداع في ليبيا، وأنت واحدة منهم؟
هذا سؤال يجلب الكثير من الوجع، ولكي أكون صريحة، أنا كنت متفاجئة جدًا من موقف بعض المثقفين خصوصًا في الحرب على طرابلس الأخيرة، فبدلًا من أن يكون المثقف تنويريًا ومناهضًا للحرب أصاب العمى الفكري الكثير من الأسماء التي كنا نعوِّل على فرادتها، فرأينا أسماء معروفة شحذت أقلامها لمناصرة الحرب على طرابلس في غياب تام للوعي الإنساني الذي ينأى بالمثقف عن أن يكون بوق سلطة أو حرب، والمضحك المبكي أن من ناصروهم عندما انتهت الحرب انقلبوا عليهم وأقفلوا لهم مؤسساتهم الثقافية وحجروا على حرياتهم الفردية والفكرية.
(*) وهذا يقودنا للسؤال عن المشهد الثقافي الراهن في ليبيا. هل هو بخير؟
بنظري ليس كثيرًا، تسيطر التفاهة وانعدام القيمة على معظم الإصدارات والمناشط والأمسيات الشعرية والندوات، وتكتظ المنابر بمن لا يضيفون جديدًا، وتساهم المؤسسات الثقافية في ترويج التفاهة وغياب النشاط الإبداعي الحقيقي، بالاضافة إلى غياب النقد الأصيل، أيضًا الإعلاء من شأن السطحية وأصحابها في مقابل إقصاء وتهميش المبدع الحقيقي.
إن ليبيا التي تمر بمرحلة مخاض طالت كثيرًا؛ من بدايات ثورة فبراير (شباط 2011). وهذا المخاض أنتج فئة ركبت الموجة وسيطرت على المشهد الثقافي، بالإضافة إلى تعيين وزراء للثقافة لا شأن لهم حتى بالكتابة العادية! فكيف والحال هكذا يمكن أن نقول بوجود مشهد ثقافي فاعل ومنتج وتنويري ونوعي!
(*) حدثينا عن راهن الصحافة الثقافية في ليبيا اليوم: من واقع تجربتك كمشرفة على ملحق ثقافي وصفحات ثقافية أخرى؟
أُشرِفُ منذ 2011 على عدة صفحات ثقافية وأصدرت "ملحق بيت الكتابة الثقافي" الذي كان بمثابة المشهد الثقافي الجامع لكل الأسماء المميزة في الشعر والقصة والنقد والرواية، وأيضًا أشرفت على إقامة صالون ثقافي خاص بصحيفة "فبراير"، وأيضًا على صفحة "على الطريق" الخاصة بالمواهب الإبداعية الجديدة، لكن لغياب الدعم المادي تحديدًا ما كان إلا أن يتوقف الملحق والصالون الثقافي.
أواصل الآن فقط الإشراف على الصفحة الثقافية الأسبوعية للجريدة، والتي أحاول أن تكون منبرًا للمشهد الثقافي الليبي.
(*) ما الذي قدمته لك السوشيال ميديا على صعيد النشر والقراءة والتثاقف مع الآخر، وكيف وجدت هذا الفضاء الذي يعجّ بالغث والسمين من النصوص والكتابات؟
في غياب واضح لدور مؤسسات الثقافة المختلفة، وجد الكاتب الملاذ في السوشيال ميديا، فصفحة الكاتب هي صحيفته وديوانه وكتابه، بالإضافة إلى التواصل المباشر مع المثقفين من أنحاء العالم ودُور النشر والمترجمين، هذا التواصل السريع والسهل ساهم في النشر والنشاط الثقافي، فقد صار من المعروف إقامة أمسيات وندوات على الهواء، والأمر لا يخلو بالطبع من مساوئ
وهو كما قلت يعجّ بالجيد والرديء، لكنه خدم الثقافة والشعر كثيرًا.
(*) "منديل لبكاء العالم"، و"أفعال فائضة"، مخطوطان شعريان لك. ماذا عن محتواهما، ومتى يريان النور؟
هما خلاصة تجربتي الشعرية ضمن نمط قصيدة النثر في الفترة من 2017 إلى 2022. قمت بجمع النصوص في ديوانين وتم توقيع عقود نشر منذ حوالي الخمس سنوات، وإلى الآن لم ينشرا لتعثر النشر في وزارة الثقافة التي يديرها من لا صلة لهم بالثقافة.
(*) ختامًا، نسأل عن "بيان توقف!" والذي نشرتِه في مايو (أيار) المنصرم في صفحتك على فيسبوك. فهل قرارك مستمر بالتوقف عن كتابة الشعر؟
"بيان توقف" جاء ضمن ظروف خاصة وعامة، ظروف تتعلق بالتوائم النفسي مع بيئة ومحيط محبطين أشد الإحباط فتحولت معظم نصوصي إلى نواح متواصل وظلّ قاتم لظروف الحرب التي من الممكن أن تندلع في أي لحظة ضمن صراع سياسي بين الشرق والغرب من وطن واحد تتصارع عليه قوى سياسية مختلفة، بالإضافة إلى ما أعانيه وأسرتي من ظروف تتعلق بالمرض والفقر وقلة الحيلة فقط لأن هنالك من لا يجيد التملق والاقتراب من أبواب المسؤولين، لذا كأنها أن تكون لعنة كونك من ليبيا أو العراق أو فلسطين أو سورية، الأمر يشبه عقوبة أبدية أن تكون عربيًا.
كل هذه الأمور تجعلك تكفر بالشعر الذي لم يستطع أن يغير شيئًا، لا بل يجعلك معزولًا ويائسًا، لهذا جاء هذا البيان كتنديد واحتجاج على كل شيء يكسر المبدع الحقيقي، فلا البيئة ولا المعيشة ولا بيئة العمل ولا الإنسان ككل يشجع على البقاء في عالم الشعر.
توقفت عن الكتابة نهائيًا، وأعكف حاليًا على تجميع نصوصي لنشرها في ديوان أخير.