}

إبراهيم نصرالله: أكثر حكايات الحبّ الفلسطينيّة موؤودة بسبب الإبادات

أوس يعقوب 29 نوفمبر 2024
حوارات إبراهيم نصرالله: أكثر حكايات الحبّ الفلسطينيّة موؤودة بسبب الإبادات
يشغل نصر الله موقعًا مهمًّا على خريطة الثقافة العربيّة
ولد إبراهيم نصر الله لأبوين فلسطينيّين هجّرا من أرضهما عام 1948، وعاش طفولته وشبابه في مخيّم الوحدات للاجئين الفلسطينيّين في العاصمة الأردنيّة عمّان. بدأ حياته العمليّة معلمًا في المملكة العربيّة السعوديّة، وعاد إلى عمّان وعمل في الصحافة، وفي مؤسّسة عبد الحميد شومان، وفي عام 2006 تفرّغ للكتابة.
يشغل نصر الله موقعًا مهمًّا على خريطة الرواية الفلسطينيّة والعربيّة، وهو موقع اكتسبه بجدارة من خلال مسيرته الأدبيّة الخصبة، حيث صدرت له منذ روايته الأولى "براري الحُمّى" (1985) وحتّى الآن ثلاث وعشرون رواية، تشمل السلسلتين الروائيّتين "الملهاة الفلسطينيّة"، التي تشكّل نوعًا من التاريخ الروائيّ لفلسطين لما يزيد على 250 عامًا، والتي بدأها برواية "قناديل ملك الجليل"، و"الشرفات" المكوّنة من عشر روايات تتأمّل الحال العربيّة من مختلف وجوهها الإنسانيّة والاجتماعيّة والسياسيّة.
كما صدر له، حتّى الآن، ستّة عشر ديوانًا، آخرها ديوان "مريم غزّة"، وأصدر في كانون الثاني/ يناير 2020، عن "الدار العربيّة للعلوم – ناشرون" في بيروت، أعماله الشعريّة في ثلاثة مجلّدات؛ ضمّت مجموعاته الصادرة بين عام 1980 التي افتتحها بديوانه "الخيول على مشارف المدينة"، وحتّى عام 2017 الذي أصدر فيه ديوان "الحبّ شرير".
وقد شهدت تجربة صاحب "الخيول على مشارف المدينة" الشعريّة، خلال هذه الفترة الزمنيّة الواسعة، تحوّلات كثيرة في خياراتها الجماليّة والفكريّة المتنوّعة، بدءًا من القصيدة بطولها العاديّ، إلى القصيدة القصيرة جدًا التي كرّس لها أربعة أعمال شعريّة، مرورًا بالقصيدة السيريّة ذات النفس الملحميّ، وصولًا إلى العمل الأوبراليّ.
وبحسب النقّاد، فإنّ هذه التجربة الثريّة استفادت من تقنيّات السرد الروائيّ، والسينما، والفوتوغراف، والفنّ التشكيليّ، والفلسفة... وغير ذلك من المشاغل الفنّيّة والفكريّة والوجوديّة.
وقد تُرجمت له العديد من الروايات والدواوين الشعريّة إلى الإنكليزيّة، والفرنسيّة، والإسبانيّة، والبرتغاليّة، والإيطاليّة، والفارسيّة، والتركيّة ولغات أخرى.
ولنصر الله العديد من الكتب النقديّة وكتب السيرة والسينما، وهو رسّام ومصوّر، وقد أقام أربعة معارض فرديّة في التصوير.
نال نصر الله عدّة جوائز أدبيّة، منها: "جائزة عرار للشعر" (1991)؛ "جائزة تيسير سبول للرواية" (1994)؛ "جائزة سلطان العويس للشعر العربيّ" (1997)؛ "جائزة القدس للثقافة والإبداع" الدورة الأولى (2012)، والتي تمنح لأوّل مرة تقديرًا لأعماله الأدبيّة؛ "جائزة كتارا للرواية العربية" (2016)، عن رواية "أرواح كليمنجارو"؛ "جائزة البوكر العربيّة" (2018)، عن روايته "حرب الكلب الثانية"؛ "جائزة كتارا للرواية العربيّة" للمرّة الثانية (2020)، عن روايته "ثلاثيّة الأجراس: دبابة تحت شجرة عيد الميلاد"، ليكون بذلك أوّل روائيّ عربيّ يفوز بهذه الجائزة عن هذه الفئة مرّتين؛ و"جائزة فلسطين للآداب" (2022). وكان أن اختيرت روايته "براري الحُمّى" من قبل صحيفة "الغارديان" البريطانيّة: كـ "واحدة من أهمّ عشر روايات كتبها عرب أو أجانب عن العالم العربيّ". إلى ذلك أنجزت العديد من أطروحات الدكتوراه والماجستير حول أعماله الروائيّة.
عن أحدث رواياته الموسومة "مصائد الرياح"، الصادرة في شهر آب/ أغسطس الماضي، عن " الدار العربيّة للعلوم ناشرون" بيروت، وعن ديوانه السادس عشر "مريم غزّة"، الصادر أخيرًا عن "دار طباق" في مدينة رام الله بالضفّة الغربيّة، وعن جولته الأخيرة في الولايات المتّحدة، وأهمّيّتها في الوقت الذي تستمرّ فيه حرب الإبادة الجماعيّة الصهيونيّة الهمجيّة ضدّ قطاع غزّة للشهر الثالث عشر، ودورها في خدمة القضيّة الفلسطينيّة، وكذلك عن مشروعيه الملحمتين "الملهاة الفلسطينيّة" و"الشرفات"، وعن أعماله الروائيّة والشعريّة المترجمة إلى عدّة لغات أجنبيّة، وعن مسيرته الأدبيّة الإبداعيّة، كان لنا معه الحوار التالي:




(*) في مستهل حوارنا، أسألك عن أحدث رواياتك 
"مصائد الرياح"، التي يرى نقّاد أنّها "عمل أدبيّ فريد يدمج بين السرد التاريخيّ والرمزيّة الشعريّة والفلسفة الإنسانيّة"؟
هي واحدة من روايات مشروع "الملهاة الفلسطينيّة" الذي يكون قد مرّ على بداية التحضير والعمل عليه أربعون عامًا، حيث كانت البداية عام 1984، ومن الطبيعيّ أنّ أعمال هذا المشروع تعدّدت رؤاها، فقد ولد وعمر النكبة 36 عامًا، وها نحن في العام السادس والسبعين من عمرها، وخلال هذه الفترة تغيّر الكثير، حتّى أنّني أحيانًا أرى في تحوّلات الكتابة ذاتها في روايات "الملهاة" أنها تشكّل رواية جديدة عن الكتابة والكاتب والحكاية الفلسطينيّة، ولعلّ في "مصائد الرياح" شيء كثير من هذا، ففيها شخصيّة كاتب، وفيها ثلاثة أزمنة، هي الزمن الفلسطينيّ ما قبل النكبة، والزمن الإنكليزيّ في الربع الأخير من القرن العشرين، والزمن العربيّ الآن. وبالطبع، ثلاثة أمكنة تدور فيها الأحداث، كما أنّ فيها الأجيال العابرة لقرنين من الزمان، وللأحفاد، مساحتهم الأكبر، لأنّه لم يسبق أن حضروا بهذه الكثافة في "الملهاة".
كلّ ذلك في ظني كان يحملني ككاتب لتأمّل كلّ ما مرّ، لا على المستوى الوطنيّ فحسب، بل على المستوى الإنسانيّ أيضًا، ففي هذه القضيّة تكمن أسئلة البشريّة كلّها حين نتحدث عن الحقّ في الحياة كما نريد، والحرّيّة التي نريد، والموت كما نريد أن يكون، طبيعيًّا بلا دم ولا أشلاء، والحبّ كما نريد، فكثير من حكايات الحبّ الفلسطينيّة موؤدة بسبب الإبادات المتلاحقة.
الحبّ في "مصائد الرياح" هو الخيط الذي يربط ذلك كلّه، الخيول والبشر وأسئلة الوجود المؤرّقة، التي بقدر ما تؤرّق الإنسان، تؤرّق الكاتب، وتؤرّق الكتابة، وتؤرّق القارئ الحقيقيّ. 

(*) ماذا عن ديوانك الأخير "مريم غزّة"؟ ولماذا اخترت هذا العنوان؟
ولدت قصائد ديوان "مريم غزّة" من خلال هذه المكابدة الكبرى التي عشناها ونعيشها منذ أكثر من عام، كان الشعر هو الأقدر على أكثر من مستوى ليعبّر عن هذا الذي أعيشه، ولعلّه الأقدر في هذه الفترة على التعبير عمّا يمرّ عبر قلبي وروحي من مشاعر ليس أوّلها عدم القبول بالصمت، وليس آخرها الغضب، كما في إحدى قصائده "وغاضبًا عليك أن تظلَّ". لم يكن ممكنًا اللجوء إلى الرواية، فالرواية أعقد بتكوينها من أن يتمّ اختيارها وسيلة للتعبير في هذه الفترة. ولعلّ رواية "أعراس آمنة" التي صدرت عن غزّة قبل عشرين عامًا، تقول الكثير الذي أودّ قوله الآن، فقد كتبتها في تلك الأيّام متحرّرًا من سطوة حاضر غزّة اليوم، كتبتها بعد إعداد استمرّ عشر سنوات، وحين أرى كيف تُستقبل هذه الأيّام باعتبارها روح ما يحدث في هذه الإبادة، وأتحدّث هنا عن قارئ عربيّ وقرّاء في لغات مختلفة ترجمت إليها الرواية، أرى كم هو صعب أن تكتب رواية عن غزّة الآن.
"مريم غزّة" ضمّ 17 قصيدة جديدة، ونُشر جزء منه في ديوان "فلسطينيّ" في نيويورك، بترجمة رائعة للدكتورة والكاتبة هدى فخر الدين، وتمّ تحويل القصيدة التي يحمل الديوان اسمها إلى عمل سيمفونيّ غنائيّ شعريّ طويل، لحّنه الموسيقار الفلسطينيّ سهيل خوري، كما قدّمت المغنّية التونسيّة غالية بنعلي بعض قصائده، وتُرجم لكثير من اللغات، وسأوقّعه في تركيا الشهر المقبل، كما وقّعته في نيويورك.
أمّا عن العنوان فهو لكي أذكّر أنّ مريم عليها السلام ابنة هذا الشعب، وأنّ أخواتها (المريمات) في فلسطين يعانينّ ما عانت، ومريم هذه المرّة من غزّة، والقصيدة أصلًا حوار بينهما واستعادة لتاريخ الألم.

(*) حدّثنا عن جولتك الأخيرة في الولايات المتّحدة، وعن أهمّيّتها في الوقت الذي تستمرّ فيه حرب الإبادة الجماعيّة الصهيونيّة الهمجيّة ضدّ قطاع غزّة للشهر الثالث عشر، وعن دورها في خدمة القضيّة الفلسطينيّة؟
كانت الرّحلة بدعوة من "كرسي محمود درويش" في "جامعة براون"، الذي أسّسه ويشرف عليه المؤرّخ الفلسطينيّ الدكتور بشارة دوماني، أمّا المحاضرة فقد كانت افتتاحيّة نشاطات هذا الكرسي، لكنّ الزيارة شملت "جامعة برينستون"، ومدينة فيلادلفيا، ونيويورك، وتمّ خلالها تقديم ست محاضرات وقراءات شعريّة، وجاءت الرحلة في أوج الذكرى الأولى لأكتوبر 2023، وبالتالي كان حجم الترقّب والتفاعل ممتزجًا بكلّ ما عاشه البشر من جرائم بحقّ الفلسطينيّ.




ولعلّ الملاحظ أنّ الجمهور الذي حضر هو جمهور أميركيّ بالدرجة الأولى، وهنا يمكن أن تتلمّس أثر هذا الهول الذي يعيشه الفلسطينيّ في قلوب هؤلاء البشر، وإذا كان من دليل يمكن أن نقيس به حجم التفاعل، فإنّ ديوان "فلسطينيّ" الذي خصّصنا ريعه لدعم غزّة انتهت نسخه خلال خمسة أيّام. وهذا أمر يدل على حجم انصهار كثير من البشر في أدقّ تفاصيل قضيّتنا.

(*) كتبتَ بنفسٍ ملحميّ "الملهاة الفلسطينيّة" و"الشرفات"، فهل ترى - من خلال مشاهداتك أثناء رحلاتك التي قمت بها في السنوات الأخيرة-، أنّه لا يزال هناك قرّاء يقبلون على الأعمال المطوّلة ذات النبرة الملحميّة؟
دائمًا أقول، لا تستطيع أن تعرف إن كان الكتاب طويلًا أو قصيرًا إلّا حين تبدأ بقراءته، ورواياتي الأربع الطويلة "زمن الخيول البيضاء" و"قناديل ملك الجليل" و"دبابة تحت شجرة عيد الميلاد" و"طفولتي حتّى الآن" من أكثر الكتب توزيعًا وبعضها وصل إلى ثلاثين طبعة.
ما أخاف منه أن يكتب الكاتب بنصف قلبه أو ربع قلبه، لأنّ القارئ سيقرؤه في هذه الحالة بنصف قلبه أو ربع قلبه.
حتّى الترجمة، التي اعتقدت دائمًا أنّ طول الكتاب مشكلة حين يتعلّق الأمر بدور النشر الأجنبيّة، فإنّ التجربة أثبتت غير ذلك مع الروايات الطويلة.


(*) إلى أيّ حدّ تطلّ سيرتك الذاتيّة في رواياتك، خاصّة في "طفولتي حتّى الآن" و"شمس اليوم الثامن"، الروايتان المدرجتان ضمن مشروع "الملهاة الفلسطينيّة"؟ وهل تفكر بكتابة سيرتك أو مذكراتك بعد أن بلغت هذا الشهر عامك السبعين؟
"طفولتي حتّى الآن" هي المساحة الأرحب "روائيًّا" لحياتي، ففيها الكثير منها، وكانت رواية لأنّني أردت أن يكون لمن عايشتهم دور البطولة والامتداد الزمنيّ الذي تحقّقه الرواية، عكس السيرة الذاتيّة التي أعتبر بِنْيتها بِنْية ماحية لأنّها عندما تتحدّثُ عن شخص ما نادرًا ما تعود إليه، فكأن دوره امّحى، كما أنّها خاضعة لسلطة صاحب السيرة المُطلَقة، وأكثر ما أسعدني في هذه التجربة أنّ كثيرًا جدًا من القرّاء يقرؤونها ويرون في الأمّ بطلة للرواية، أو نور، أو العمّة، أو الأصدقاء، وغالبًا لديهم فضول كبير للتعرّف إلى هذه الشخصيّات شخصيًّا.
أن تمنح من عايشتهم وعايشوك هذه المساحة الكبيرة في كتابتك بعد أن منحوك مساحات واسعة في حياتهم، فهذا هو الوفاء لهم. أحببت أن أكون وفيًّا وأقول إنّني من صُنْعِهِم، ومن محبّتهم ومن أرواحهم. أمّا "شمس اليوم الثامن" فهي مستوحاة من سيرة جدّي الذي يحضر شاعرًا وعاشقًا في "طفولتي حتّى الآن"، وخارج هذه الرواية هناك الكثير من حياتي في "طيور الحذر"، وفي كتابي "السيرة الطائرة"، الذي أراه بشكلٍ من الأشكال الجزء الثاني من رواية "طفولتي حتّى الآن"، وكذلك هناك "كتاب الكتابة- تلك هي الحياة... ذلك هو اللون" الذي يغطي بشكلٍ مباشر كثيرًا من تجربتي في الكتابة وتجربتي في الحياة، وفي أعمالي الشعريّة بالطبع هناك الكثير من حياتي، لكنّني لا أظن أنّني سأكتب سيرة ذاتيّة بالمعنى الشائع للسيرة...

(*) ترى أنّ "الرواية تعيد النظر في التاريخ بأكمله وتطرح رؤية. وهي، بهذا الحكم، تاريخ روائيّ ليس مطلوبًا منه أن يقول كلّ شيء، ولا أن يسجّل المجرى التاريخيّ الذي يسجله مختصّوه، بل يكتب لقارئ حيويّ قد يرى ما لم يره الكاتب"... فهل بمقدور السارد صنع معادل روائيّ للتاريخ؟ وبأيّ معنى وكيف تقوم الرواية بإعادة قراءة التاريخ وقول رأيها فيه؟
الرواية حقل مختلف عن حقل التاريخ، تلتقي معه وتفارقه وتتمرّد عليه، وهي تعيد قراءته ووضع نقاط كثيرة منه على الحروف؛ النقاط التي طالما غيّبتها السلطة المُتحكِّمة بكتابة التاريخ، ولذلك لا أبالغ حين أقول اليوم إنّ على التاريخ الحديث أن يخشى الرواية، لأنّها القراءة الموازية لما نعيش. لذا، على مؤرّخ السلطة ألا يكون مطمئنًا اليوم وهو يكتب تاريخنا، فالسلطة لم تعد تملك القدرة المطلقة على أن تئدَ الحقيقة كما كانت تفعل دائمًا.
في بعض روايات "الملهاة" إعادة فعليّة لقراءة بعض الأحداث ودور بعض الشخصيّات بصورة معاكسة لصورتهم التي روّج لها التاريخ أو احتضنها الوعي الشعبيّ المُضلّل بالتاريخ وبالسلطة، وكانت بعض المفاصل في هذه الروايات تبدو وكأنها انتحاريّة في قراءتها لشخصيّات (وطنيّة) قالت الرّواية أنّها ليست كذلك، لكن من المهمّ أنّ أحدًا لم يقف ليقول إنّ الرواية أخطأت، لذا، لا يمكن أن تكون كتابة الرواية استعادة للتاريخ، بل لطرح رؤيتها فيه، وفي حالات كثيرة تقدّم الذي كان مهمشًا على ذلك الذي احتلّ المشهد بالقوّة أو التزييف أو السلطة، أو مؤرّخي البلاط، الذي لا يختلفون عن شعراء البلاط.

(*) غطت روايات "الملهاة الفلسطينيّة" نحو 250 عامًا من التاريخ الفلسطينيّ في محاولة لمقاومة عملية التزوير الكبرى التي يمارسها المحتلّ الصهيونيّ لهذا التاريخ وإعادة وضع الأمور في نصابها الطبيعيّ، وفي روايات "الشرفات" رصدتَ تحوّلات الواقع الاجتماعيّ العربيّ بتمظهراته الكثيرة، مفكّكًا في تفاصيلها منظومة الاستبداد السياسيّ... ما سبق يدعوني لسؤالك: كيف تولد الرواية من رواية؟
يمكن أن تولد الرواية من رواية كما حدث مع "شمس اليوم الثامن" التي ولِدت من رحم "طفولتي حتّى الآن"، إذ كان من المفترض أن تسرد الأمّ قصّة لنا، وتوقعتُ أنّها ستكون نصف صفحة، كما أعرفها منذ طفولتي، ولكنّها بدأت تطول وحين انتهت اكتشفت أنّ أمي لم تقلّ لنا سوى نصف القصّة فأكملتها. هذا هو الردّ (الحرفي) على السؤال، لكنّ مشروع "الملهاة" ومشروع "الشرفات" لم يولد الواحد منهما من رحم الآخر، لأنّ كلّ واحد منهما يملك وجهه الخاصّ به، حتّى في التنوّع الفنّيّ، ولكنّهما مشروعان ضروريان لي إنسانيًّا، وأنا أعايش هذه الإبادات المستمرّة التي عصفت وتعصف بفلسطين، وهذه الإبادات التي تتعرّض لها الحرّيّة والحقّ في التطوّر، والانتماء لهذا العالم، التي يكابدها الإنسان العربيّ، في العالم العربيّ الذي أعيش فيه، وإذا كانت "الملهاة" مكرّسة لفلسطين وأطيافها، فـ"الشرفات" مكرّسة للإنسان العربيّ والإنسان عمومًا، ومساحتها التي تتحرّك فيها منذ بداية وجود الإنسان على هذه الأرض. الراوية القادمة من "ثلاثيّة الراوي العليم" التي تشكّل "مصائد الرياح" إحداها، معنيّة ببدايات وجود الإنسان، وكما كانت "مصائد الرياح" جزءًا من "الملهاة الفلسطينيّة" ستكون الرواية التالية من جزءًا من "الشرفات"، ولو سألتني كيف؟ سأقول لك إنّ الراوي العليم يتحرّك في "الشرفات" كما يتحرّك في "الملهاة" أيضًا.

(*) تقول: "طالما تمنّيتُ أن أكتب رواية حبّ عابر للحروب وتقلّبات الأزمنة". ماذا بإمكان الروائيّ أن يكتب وهو في وسط أهوال الحروب ومخاضاتها الدمويّة؟ ومن قبل، هل من حقّ الكاتب الفلسطينيّ أن يطرّق أيّ موضوع يرغب في التعبير عنه، مثل الكتابة بعيدًا عن القضيّة الفلسطينيّة، وما يتفرّع عنها من عسف احتلاليّ وقمع وإذلال وتآمر على الهويّة لطمسها وتبديدها، ومصادرة للأرض وتهويدها، وتهديد للمقدّسات... إلخ؟
فعلًا، طالما تمنّيتُ أن أكتب رواية الحبّ تلك، التي كتبتها أخيرًا، وأعني رواية "طفولتي حتّى الآن"، ويمكن أن أقول إنّ العمود الفقريّ لرواية "مصائد الرياح" هو قصّة حبّ أيضًا، كما أنّ الديوان قبل الأخير، وأعني "الحبّ شرير"، هو ديوان حبّ من 84 قصيدة.
الفلسطينيّ إنسان، أوّلًا ودائمًا، قبل هذه الحرب المستمرّة الذي تُشنّ عليه منذ مائة عام، وخلالها، وحين تنتهي، دائمًا سيحبّ ويتأمّل، وتؤرّقه القضايا الإنسانيّة وأسئلة الوجود، وإذا جرّدناه ممّا يعيشه البشر من علاقات ومشاعر فإنّنا نرتكب بحقّه أكبر إبادة جماعيّة في التاريخ، وهي تحويل البشر إلى أشياء، أو إلى بشر ببُعد واحد. في اعتقادي أنّ البشر في الحرب يكونون بحاجة للحبّ أكثر، ولكلّ ما يذكرهم بالحياة أكثر، من وردة تتفتح بين الركام، إلى ابتسامة طفلة لم تعرف بعد معنى فقدان أهلها.
من حقّ الكاتب أن يطرق أيّ موضوع، ببساطة لأنّه ليس هناك موضوع خارج المعنى العميق لفلسطين وقضيّتها، لا أظن أنّ هذا الشعب صمد وقاتل وامتلك هذه الحيويّة المدهشة، لأنّه روبوت، بل لأنّه إنسان بكلّ ما تعبر عنه هذه الكلمة.
لقد أشرت في إجابتي السابقة إلى ذلك، وأنا أتحدّث عن المساحة التي تتحرّك فيها كتابتي من بدء وجود الإنسان، إلى مستقبل يكون فيه الاحتلال ذكرى قديمة جدًا.

(*) اليوم، ما الذي يضعه إبراهيم نصر الله في حسبانه حين يُقْدم على كتابة رواية جديدة؟
ليس لديّ روايات جديدة، بمعنى من المعاني، لديّ روايات أُعدُّ لبعضها منذ عشرين عامًا، كما حدث مع "ثلاثيّة الأجراس" التي بدأ الإعداد لها عام 1990 وصدرت عام 2019، لكنّ هذه الروايات لم تُكتب بعد. تخطر ببالي أفكار روايات الآن، ولكنّها لن تُكتب قبل نضوجها الذي لا أعرف متى سيتمّ، فكتابة الرواية أعقد بكثير من زراعة شجرة مثمرة، تعرف متى ستعطيك ثمرها، إنّها حالها مُركّبة فيها المعايشة والبحث والنمو والخروج عن إطار فكرة بفروع جديدة لها ومساحات لم تكن بالبال، وبانضمام شخصيّات لم تكن قد فكرت فيها من قبل، وببناء فنّيّ يتشكّل بما يليق بكلّ هذا.




لكن ما أحرص عليه أن تغطي كلّ رواية جديدة مساحة من داخلي لم يسبق أن وصلتها الروايات السابقة، وأن أختبر بها مناطق جديدة في عقلي أيضًا، بمواضيع لم أفكر فيها من قبل، رواية تُرضي ذوقي كقارئ صعب، إن أحببتها إلى هذا الحدّ سأكتبها، أيّ سأمنحها جزءًا من عمري الذي أصبح أغلى كما قلت في قصيدة ذات يوم "كلُّ عمرٍ مضى، في الحقيقةِ، أَحْلى!/ وما قدْ تبقّى لنا الآنَ أَغْلى!".

(*) اليابانيّ هاروكي موراكامي، وهو في السابعة والسبعين من عمره، قرّر إعادة كتابة قصّة قصيرة له، كان كتبها في شبابه، وعمل على تحويلها إلى رواية قائلًا: "لا أعرف كم من السنوات بقي لي، عليّ إنجازها قبل أن أرحل". وأنت في سنّ السبعين (أطال الله بعمرك)، هل تفكر بإعادة كتابة قصيدة أو رواية أصدرتها في زمن سابق، ما هي؟ ولماذا؟
لا تكفُّ روح الكاتب عن التطلّع لكتابة شيء لم يكتبه بعد، ما قاله أخي وصديقي الغالي فاروق وادي قبل رحيله، كان جملة واحدة "أريد أن أكتب". كازانتزاكي صاحب رواية "زوربا" قال على فراش موته "لو أنّ الله يمنحني عشر سنوات أخرى لأكتب ما لم أكتبه". هذه أمنيات ستبقى دائمًا، وأنا على يقين من أنّني لن أستطيع كتابة ما هو شبه جاهز فيّ على مستوى التحضير والشخصيّات والمواضيع والمعايشة، وهذه حسرة أثق أنّني سأحملها معي، لكنّني لا أستسلم إليها، فلا أستعجل شيئًا ولا أعيق تقدّمه، أريد أن أكتب ما يرضيني وأتعرّف به إلى العالم ونفسي، سواء كان الأمر منتميًّا لمشروع "الشرفات"، أو مشروع "الملهاة"، أو مشروعي الشعريّ، ففي المشروع الشعريّ كنت أتمنى أن أكتب عملًا أوبراليًّا، فكان "الحبّ شرير"، وعملًا ينتمي للبناء السيمفونيّ، موسيقى وغناء وقراءة مع الأوركسترا، فكان "مريم غزّة"، لكنّني أعرف كما أشرت أنّ هناك أشياء لن تتحقّق، كأن أحوِّل قصيدة كتبتها قبل ثلاثين عامًا إلى رواية، لا لشيء إلّا لأنّ هناك ما هو أكثر إلحاحًا أمامي، وليس خلفي.
أمّا إعادة كتابة رواية فهو أمر لم يخطر ببالي، ربّما راودتني فكرة كتابة جزء ثان لرواية، ولكنّني أيضًا لا أميل إلى هذا، فقد حرصت على أن تكون روايات " ثلاثيّة الأجراس" مستقلّة يمكن قراءة كلّ واحدة منها منفردة، كنت حريصًا على الخيط الرفيع بينها الذي يُمكِن للقارئ أن يقطعه بسهولة إن أراد أو يُمتّنه أكثر إن أراد، وكذلك الأمر بالنسبة للثلاثيّة الثانية "ثلاثيّة الراوي العليم"، التي لا تربط بينها الأحداث، لكن تربط بينها فكرة تأمُّل هذا العالم من زاوية لم تتأمّلها الروايات السابقة، أختبر بها قلبي وعقلي في اتّحادهما.

(*) يقال: إنّ اللغة هي الوطن "الملاذ"، أنت ما الذي تعنيه لك اللغة؟ وما دورها في مشروعك الأدبيّ الإبداعيّ المقاوم للاحتلال؟ 
أحبّ أن أقول إنّها الوطن الملاذ، لكنّ اللغة تكتمل بوجود وطن، وأحس أنّ لغتنا ناقصة لأنّنا نفتقد فيها كثيرًا من المفردات الضروريّة لنا، لا كأدباء وشعراء فقط، بل كبشر، ما تبقى من اللغة لنا بعد فقدان الوطن هو ما نعيش من أجله لكي تكتمل لغتنا، ولا أظنها ستكتمل إلّا بعودتنا إلى وطننا. ربّما تنتمي لغتنا الآن كثيرًا إلى عالم الفصاحة والحساسيّة والبحث عن معنى، لكن هناك شيء فينا يُتأتئ. ربّما نحاول، كأدباء، ونعمل على نفْي هذه التأتأة أو محوها بعمل أدبيّ جديد يستحقّ الحياة، يكون قادرًا على العودة إلى وطننا قبْلنا، عمل سنجده في انتظارنا هناك حين نعود، أو عمل قادر على التجوّل بحرّيّة في هذا العالم ونحن نعيش تحت الحصار.
ما يرتكب اليوم من إبادة جماعيّة ضد غزّة وأهلها والضفّة وأهلها، هو استيلاء على جزء من لغة جميلة كان يمكن أن نتحدّثها، ليس فيها كلمة إبادة، وليس فيها كلمة قصف، وليس فيها دم وأشلاء ودمار وتجويع وتهجير، وليس فيها "اف 16"، وقنابل الـ 2000 كغم، ولا من يُرسل هذه الطائرات والقذائف.
مرعب أن تكون هذه الأعداد من الشهداء الذين حلموا بيوم أجمل لأطفالهم؛ أطفال تمّ حشو أفواههم وقلوبهم وأرواحهم وأعينهم بكلّ هذا الموت، وكُتّاب من مختلف الأعمار قُتلوا وتجاوز عددهم الخمسين كاتبًا وكاتبة ومبدعًا ومبدعة، الذين خسرت لغتنا بغيابهم جمالًا كان يمكن أن يمنحونا إياه في إبداعاتهم ولغتهم، مثل هبة أبو ندى، رفعت العرعير، مريم حجازي، سليم النفار، وبيسان عبد الرحيم وغيرهم كثيرون.
اللغة، فلسطينيًّا، تتحوّل إلى لعنة، لفرط عذابها أمام ما يحدث، وكلّما عرفتها أكثر وأدركت سرها أكثر تضاعف حجم هذه اللعنة، لكن ليس لنا غيرها لنقول إنّنا جزء من هذا العالم وجماليّات أدبه، وروحه. وأنّنا قادرون على أن نُحبّ وغير قادرين على أن نموت، ومصرون على أن نعود. 

(*) قدّمت 23 رواية صدرت في أكثر من طبعة، حقّق بعضها جوائز أدبيّة هامّة، وتُرجم بعضها إلى العديد من لغات العالم، كيف يتكوّن الأديب العالميّ؟ 
حقيقة لا أعرف كيف يتكوّن الأديب العالميّ، كلّ ما أعرفه أنّ عليك أن تكتب وتعيش الحياة، ويكون لك رؤية واضحة فيها، ولا بأس أن تكون هناك رؤية مشوشة، خلال بحثك، ككثير من الأسئلة التي لا تستطيع العثور على إجابة شافية لها، لكنّك لا تكف عن البحث، وحين تلقاها لن تفرح بالعثور عليها، بل ستفتش عن إجابة أخرى، مثل كلّ الأسئلة التي أرّقت وعي البشر وأرواحهم، من سؤال الموت إلى سؤال الحبّ إلى سؤال الوجود إلى سؤال المصير.
يكفي أن تكون إنسانًا معنيًّا بروحك وما يحدث لها، وبالبشر في كلّ مكان لتكون عالميًّا، لا بالجوائز، فنحن نعرف أنّ بعض من ينالون "نوبل" لا نسمع بهم بعد عامين، وبعض من لم ينالوها يعيشون معنا دائمًا. هذا ينطبق على الجوائز العربيّة وعلى الجوائز في كلّ مكان. كما نعرف أنّ العالميّة صناعة في كثير من الأحيان، وأيدولوجيا في كثير من الأحيان، ونبوغًا في كثير من الأحيان، هناك كثيرون في العالم العربيّ استحقّوا "نوبل" ولم ينلها أيّ منهم، والآن هناك من يستحقّها أيضًا، ولكن بالجَرْي لا تستطيع أن تُقصِّر الطريق. 

القضية الفلسطينية لم تزل مُغيّبة
(*) صدرت لك خلال شهر أيّار/ مايو من العام الجاري، ست روايات مترجمة إلى الإسبانيّة، والبرتغاليّة، والإيطاليّة، والفارسيّة، لتنضمّ إلى عدد من أعمالك الروائيّة والشعريّة المترجمة إلى عدّة لغات أجنبيّة
. ما هو دور الترجمة ولا سيما بالنسبة إلى الأدب المرتبط بقضيّة مصيريّة؟ وهل لها مخاطر في هذا السياق؟
هذا العام هو العام الذي شهد أكبر عدد من الترجمات لكتبي، فمع نهايته ستكون هناك عشر ترجمات لروايات ودواوين شعريّة لي، هذا بالتأكيد رقم كبير، دون أن أغفل أنّ العمل على ترجمة بعض هذه الأعمال بدأ قبل عامين أو ثلاثة، لكنّها مصادفة جميلة بالتأكيد أن يجتمع هذا العدد من الترجمات في عام واحد.
أعرف جيدًا، ويعرف الوكلاء الأدبيّون الذين عرفتهم أو عملتُ معهم أنّ كتابًا عن فلسطين يحتاج إلى جهد من الوكيل الأدبيّ يوازي عشرة أضعاف، إن لم أقل أكثر، يحتاجه كِتاب قادم من الهند أو اليابان أو أميركا اللاتينيّة أو أوروبا الشرقيّة وهكذا.
القضيّة الفلسطينيّة لم تزل قضيّة مُغيبة حتّى مع وجود مئات الآلاف الذي يتظاهرون من أجلها في الشوارع، لا لشيء إلّا لأنّها لم تزل خبرًا أو أخبارًا حزينة أو مفجعة أو صادمة أو لا تحتمل، لكن حين يقرأ البشر عن الشهيد الذي قُتل وعن أمّه وأخواته نصوصًا أدبيّة، سيدرك البشر أنّ الإبادة الجماعيّة تتجاوز حدود غزّة، وسيدركون كم خسر العالم من بشر كان يمكن أن يكونوا جزءًا من جماله لو لم يُبدْهم هذا الوحش الفاشيّ، فإبادة البشر ليست إبادة أجساد أو زهق أرواح، بل إبادة لكلّ ما كان يمكن أن يقدّموه لوطنهم والعالم، وإقصاء النصّ الفلسطينيّ عن دور النشر الكبرى والصحافة الكبيرة (أتحدثُ بشكلٍ عام) هو مساهمة في القتل، لأنّه ينتمي في جوهره إلى تشيئ الفلسطينيّ، وتنميطه، ليسهل التخفّف منه، لذا، فوجود واحد مثل إدوارد سعيد أو غسّان كنفاني وسواهما مثلًا، ليس انتصارًا للثقافة الفلسطينيّة بل انتصار لفلسطين كلّها. 

(*) كيف ترى تيّار ترجمة الرواية الفلسطينيّة إلى اللغات العالميّة، خاصّة الإنكليزيّة والفرنسيّة بالتحديد؟ وصداها لدى القرّاء الأجانب؟ 
أعتقد أنّ الترجمة إلى هاتين اللغتين، ويمكن أن أقول أيضًا الألمانيّة والإسبانيّة واللغات الإسكندنافيّة واليابانيّة والصينيّة أيضًا، أقلّ ممّا يجب بكثير، وفي بعض الحالات تبدو الترجمة إلى بعض هذه اللغات أصعب، وبعض الترجمات تتحقّق بمعجزة، وفي لغات كثيرة يبدو الأمر أصعب بسبب المناخ السياسي السائد في هذا البلد أو ذاك، أحيانًا بسبب التذلّل لهذا الكيان الصهيونيّ، وأحيانًا انتصارًا له. يكفي أن ننظر إلى الرّعب الألمانيّ الذي تفجّر في وجه رواية "تفصيل ثانوي" لعدنية شبلي التي أتيح لها أن تنتشر في ألمانيا. كانت مهاجمتها فصلًا بشعًا للاعتذار عن جريمة لم ترتكبها عدنية، وهي ضحية ضحايا الحكم النازيّ الذي لا علاقة لفلسطين به، ولا علاقة لنا به، إلّا بكون الفلسطينيّ الضحيّة الكبرى له، والتي تنضمّ إليه ضحايا كثيرة في لبنان وأماكن أخرى.

(*) أخيرًا، هل من مشروع كتاب جديد في المنظور القريب؟ وهل ننتظر ترجمات أخرى لإحدى رواياتك قريبًا؟
هناك الرواية الثانية من "ثلاثيّة الراوي العليم"، وهناك ترجمات أخرى بالإيطاليّة والفارسيّة والإسبانيّة والكرديّة والتركيّة والإنكليزيّة، وآمل أن نجد قريبًا ناشرًا لروايتَي "زمن الخيول البيضاء" و"أعراس آمنة" (أعراس غزّة) بالفرنسيّة، فقد تمّ الانتهاء من ترجمتهما.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.