}

القس سهيل سعود: الفكر الصهيوني مسؤول عن الإبادة والتدمير

منى سكرية منى سكرية 2 ديسمبر 2024
حوارات القس سهيل سعود: الفكر الصهيوني مسؤول عن الإبادة والتدمير
القس سهيل سعود

يمارس القس الإنجيلي، الدكتور سهيل سعود، دوره اللاهوتي في كلية اللاهوت للشرق الأدنى في منطقة رأس بيروت. ويقوم بواجبه الإيماني/ الاجتماعي بمساعدة النازحين. صدر له 17 مؤلفًا في أمور الدين والدنيا. يؤمن أن المسيح لو كان موجودًا على الأرض لما سكت، ولرفض الإبادة على غزة. هنا، نحاوره عن الكنائس الإنجيلية.

سيدات فلسطينيات أمام أحد المخابز لشراء الخبز في دير البلح/ غزة بعد أكثر من عام من العدوان الإسرائيلي (27/ 11/ 2024/الأناضول)


(*) ماذا عن الكنيسة الإنجيلية في لبنان، وعن علاقاتكم مع كنائس في الوطن العربي، ومع من مِن كنائس الغرب؟
في عام 1821، قدم إلى لبنان مرسلون إنجيليون من أميركا وإنكلترا وأوروبا، وأنشأوا أول مدرسة للبنات عام 1835، والتي حفيدتها المدرسة الإنجيلية في الرابية في كسروان. كما أنهم عملوا على تأسيس الجامعات. لا ننسى وجود التنافس التربوي في تلك الفترة من أواخر القرن التاسع عشر... فأحد المرسلين، القس الدكتور كورنيليوس فان دايك، أسّس قسم الطب في الجامعة الأميركية في بيروت. وذات مرة، قال: سأعمل على تأسيس كنيسة ومدرستين في الجنوب. فقيل له لماذا مدرستان؟ فأجاب: عندما سأبني مدرسة سيأتي إخوتنا الكاثوليك ويبنون قبالتها مدرسة. وقد استفاد لبنان من هذا التنافس التربوي، فكان إنشاء الجامعة الأميركية في بيروت عامة 1866، وفي عام 1875 أنشئت الجامعة اليسوعية في بيروت.

(*) تنافس تربوي وتنافس تبشيري أيضًا...
صحيح. مع أنّ الإنجيليين في لبنان يشكلون فقط ما بين 0.5% إلى 1%، ولكن قوتهم كانت من خلال نشر التربية والتعليم في المدارس والجامعات. أسّس الإنجيليون في لبنان أربع جامعات من أصل عشر لها قوة الاعتمادية، وذلك قبل تفريخ هذه جامعات "بازارية"، عدم المؤاخذة.

(*) الآباء المؤسسون أتوا من الغرب، وأنت تقول إن الكنيسة هنا من نسيج هذا الشرق. كيف تفسّر ذلك؟
جرى عام 1959 ما سمي بالدمج، وانسحب كل المُرسلين الأجانب، وأصبحت هذه الكنيسة كنيسة وطنية. كل العاملين في كنائس السينودس الإنجيلي الوطني في لبنان وسورية هم من اللبنانيين والسوريين. انسحبوا وتركوا لنا هذه المؤسسات. كان المعلم بطرس البستاني إنجيليًّا، وهو من أسس أول مدرسة اسمها المدرسة الوطنية في بلدة عبيه (غرب منطقة الشوف). الكنيسة الإنجيلية منذ نشأتها من خلال المصلح مارتن لوثر الذي أطلق حركة الإصلاح الإنجيلي في ألمانيا في القرن السادس عشر رفضت التدخلات الأجنبية. والكنائس الإنجيلية لا تأخذ تعليمات من البابا. مثلًا، في ذلك الوقت كانت البابوية تفرض الضرائب على البلدان الأوروبية. حينها رفض مارتن لوثر، وقال ضرائب ألمانيا لألمانيا. ثم كانت روما تقوم بتعيين الأساقفة وغيرهم، وأيضًا رفضها لوثر، وركّز على أن المُعينين يجب أن يكونوا من داخل كل وطن. لقد رفض التدخل الأجنبي. ونحن نرفض التدخل الأجنبي، ونرى أن الوطن عطية من الله.

(*) ومن هي مرجعيتكم؟
من طبيعة الكنيسة الإنجيلية أنها طبيعة استقلالية، مثلًا، منذ بدء حركة الإصلاح، رفض المصلحون الالتزام بتفسيرات البابا للإنجيل، بينما كانت الكاثوليكية تلتزم بما يقول البابا بتفسيره للإنجيل. آمن الإنجيليون بأنّ الروح القدس يفسّر الكلمة عندما نقرأ الإنجيل فيفهمنا إياه، ولسنا في حاجة لمرجع كبير يفسّر لنا. وبالتالي، هذا أعطى حرية التفكير، وحرية التعبير، وحرية المعتقد للإنجيليين. وبالتالي، لهذا الأمر سلبية وإيجابية. لأن المشكلة كم سيكون في مقدورنا أن نضبط هذه الحرية الإنسانية. مثلًا، عندنا في لبنان 13 كنيسة إنجيلية متنوعة، مثل الكنيسة المشيخية، والمعمدانية، وكنيسة الله، وغيرها. وكلهم منضوون تحت المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في سورية ولبنان، والمجمع هو المسؤول إداريًا أمام الدولة.

(*) أرجو التوضيح بشأن هذه الحرية المتاحة لكل كنيسة بأن تجتهد في تفسيرها للكتاب المقدس... هل يعني هذا أنها تتمتع بفوضى إفتاءات- إذا كنا نريد أن نستخدم مصطلح الفتاوى الإسلامي-، بمعنى إفتاء مستقل وحر بما يؤدي إلى هذا التنوع والحرية؟...
صحيح. صحيح. أما السلبية في الأمر فإنها أحدثت إنقسامات. هنالك خمسة مبادئ تميّز الإنجيليين عن الكنائس المسيحية، ألا وهي: الأول: "الكتاب المقدس وحده"، في حين أن غير كنائس تؤمن أن هنالك مَرجعيْن للعقيدة، وهما الكتاب المقدس، والتقليد الكنسي من سير الآباء. أما الإنجيليون فقد اعتمدوا الكتاب المقدس وحده كمصدر للعقيدة والإيمان والحياة. لذلك هم لا يقبلون بأي تعليم خارج الكتاب المقدس. الثاني: هو "النعمة وحدها"، أي أن الله يبادر نحونا، فالموضوع عمل الله وليس استحقاق الإنسان. والثالث: "الإيمان وحده"، فالإخوة الكاثوليك يؤمنون أنّ الخلاص أمام الله هو بالإيمان والأعمال، لكننا نؤمن أننا نخلص أمام الله بالإيمان وحده، بينما الأعمال تأتي نتيجة الإيمان، لأن الإيمان الحقيقي يُنتِج أعمالًا صالحة ورائعة.




والمبدأ الرابع: هو "يسوع المسيح وحده"، في حين يؤمن أتباع باقي الكنائس بشفاعات القديسين، وشفاعة القديسة مريم العذراء بالدرجة الأولى. لكن لا شفيع للإنجيليين سوى يسوع المسيح وحده. نحن نكرم العذراء، ولكن لا نصلي لها ونقول خلصينا، أو تشفّعي فينا. والمبدأ الأخير: هو "المجد لله وحده"، مهما فعل الإنسان يجب ألاّ يعطي إنسان المجد لنفسه، وإنما يعطيه لله وحده.

(*) وكيف ترجمتم هذه الثنائية من إيمان وعمل؟ أذكر أنكم قدمتم في أثناء اجتياح لبنان عام 1982 هذا المكان، حيث نحن، وهو كلية اللاهوت للشرق الأدنى/ بيروت إلى مستشفى ميداني للهلال الأحمر الفلسطيني، فهل كان عملًا للفعل الاجتماعي كما تؤمنون؟
نحن نأتي من فكر يقول إن كلمة الله في الكتاب المقدس لا تُغيّرَك لوحدك، وإنما تُغيّر المجتمع أيضًا. الموضوع أنه لا أديرة عندنا، ورفضنا التقشف والتقوقع في مكان بعيد عن الناس. وقلنا إن مهمتنا أن ندخل إلى المجتمع ونساعد الفقراء ونغيّر بالمجتمع. مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت أسّسه الإنجيليون، وأيضًا بيت المسنين في بلدة حمانا، الذي كان مستشفى لمرض السل. وأول طبيبة إنجيلية أتت إلى هنا هي الدكتورة ماري آدي، التي أسّست تلك المستشفى. حاليًا، من الأمور التي أقوم بها أنا من خلال شركة الكنائس الإنجيلية المصلحة في الشرق الأوسط، العمل على مساعدة النازحين، وقدمنا إلى هذه اللحظة 1150 مساعدة لعائلات نازحة. ونحن نساعد الكل. وهذا أساس عملنا، لأننا نؤمن أن الإنجيل يتوجّه ليس فقط إلى قلب المؤمن كي يعمل على تغييره، وإنما يتوجّه إلى المجتمع كي يُغيرَه.

(*) ماذا عن موقف الكنيسة المشيخية في أميركا التي تشاركونها الإيمان وأعدادهم؟
أقول إن الكنيسة الإنجيلية المشيخية التي نتشارك معًا في الإيمان نفسه في أميركا تعترض بشدة على ما يحصل في حبيبتنا غزة، وعلى ما يحدث في لبنان من إبادة وقتل وتدمير وتهجير. هؤلاء المشيخيون يعارضون فكرة أن وجود دولة إسرائيل هي إشارة من الله إلى عودة المسيح. أما عددهم فلا أعرفه، ولكن ليسوا بالعدد الكبير. وسأوضح هنا أن الكنائس الإنجيلية تنقسم إلى قسمين: الأول هو الكنائس التي تتبع الإصلاح الإنجيلي ومؤسّسيه المصلحين مارتن لوثر، وجون كالفن، اللذين منذ خمسة قرون آمنا باللاهوت المصلح. والكنائس الإنجيلية التي تتبع هذا اللاهوت ترفض الفكر الصهيوني، وأن وجود دولة إسرائيل هو إحدى الإشارات إلى عودة المسيح ثانية. القسم الثاني هو الكنائس التي تتبع اللاهوت التدبيري، والذين يؤمنون أن المسيح سيعود ويحكم ألف سنة، ويُعَاد بناء الهيكل، وتُقدّم الذبائح. أما الفكر الإصلاحي فيرفض هذه المقولات.

(*) من هنا سندخل إلى ما ورد في كتابك بعنوان "القدس في الفكر المسيحي"، وفيه نفيت مقولة ما يسمى بإعادة بناء هيكل سليمان.
صحيح. إنّ الذي يميز الإنسان المسيحي عن الإنسان اليهودي، مع احترامنا الكامل للدين اليهودي، هو وجود العهد الجديد من الكتاب المقدس. سفر يشوع في العهد القديم يتحدث عن غزو الإسرائيليين لبلاد كنعان، إذ يذكر (اغزوا واقتلوا واذبحوا). هذا كان في العهد القديم، ولكن هذه النظرة تغيرت مع مجيء المسيح. ولذلك أنا كمسيحي يجب أن أتطلع إلى العهد القديم بعيون العهد الجديد، وبالتحديد بعيون يسوع المسيح الذي يرفض ما يحدث الآن في فلسطين من إبادة جماعية وقتل للأطفال، وأيضًا ما يحدث في لبنان. ولو أن المسيح موجود اليوم على الأرض لما سكت، وكان سيرفض هذه الإبادة على غزة.


(*) أرجو أن تقولها جملة كاملة على لسان قس إنجيلي لبناني...
نعم، أقولها بقناعة كاملة، دعيني أقدّم لك مثلًا. في العهد الجديد يذكر أن المسيح كان ينوي زيارة أورشليم من خلال مدن السامرة، فيطلب من تلامذته أن يحضّروا له الطريق، فقال له تلامذته: لا يريدونك. لا يريدون أن يستقبلوك. ثم سأله أحد تلامذته، قائلًا: هل تريد أن نفعل كما فعل إيليا ونطلب نارًا تهلكهم. فرفض المسيح رفضًا مطلقًا. في العهد الجديد طلب المسيح الغفران وهو على الصليب لمن صلبوه، فكيف يمكن أن يرضى بهذه الإبادة لشعب غزة، وأيضًا في لبنان. حاشا وكلا.

(*) كيف نواجه إبادة الشعبين الفلسطيني واللبناني بالكلمة السواء؟! وهل تنفع إزاء هذا القتل الصهيوني؟
لدينا في فلسطين كنائس إنجيلية. وهنالك القسيس منذر إسحق في بيت لحم، الذي من الركام عمل مذودًا للطفل يسوع في عيد الميلاد العام الماضي. إنّ الفكر الإنجيلي في لاهوته يعطي السلطة للدولة، وهو يؤمن بالدولة، يؤمن الإنجيليون أن الله يحكم العالم من خلال الكنيسة، ومن خلال الدولة. فالإنجيليون في القدس، وحتى المسيحيون الآخرون، يحكون عن مقاومة خلّاقة غير عنفية. الإنجيليون ليس لديهم ذراع عسكرية، لأنهم يؤمنون بسلطة الدولة. لكن لا يجب السكوت عما يحصل. هنا أنا أحكي فكريًا ولاهوتيًا بهذا الأمر.

(*) وأمام هذه الحالة تستمر الإبادة.
في فترة هتلر، والنظام النازي، للأسف كانت معظم الكنائس المسيحية في ألمانيا تنظر إلى هتلر كمخلّص، حينها صعدت مجموعة سمّيت الكنيسة الإنجيلية المعترفة، ومنهم قسيس اسمه ديتريش بانهوفر، الذي رفض إبادة هتلر، ورفع الصوت عاليًا، قائلًا إن سكوت الكنيسة عن هذا الظلم هو خطأ كبير. هؤلاء دعوا الإنجيليين الآخرين في دول الخارج للضغط على الحكومات كيما توقف إبادة هتلر. وهذا ما يجب أن يحصل اليوم. وهنا أقول كمسيحي مشرقي إن كل مسيحي لا ينفطر قلبه أمام ما يحصل في غزة ولبنان يُشك في إيمانه، كما ويُشك لأي دين انتمى.




إن أي شخص لا ينكسر قلبه ولا تدمع عينه أمام غزة ولبنان يُشكّ في إيمانه. نحن بشر، يجب أن نكون رحومين، نتألم لآلام الموجوعين والمتألمين والمعذّبين.



(*) أمام ما يحصل من جريمة إبادة سكت العالم عنها، وقوانين الدول انمحى حبرها، والأمم المتحدة منبر للسلام أصابه الشلل. أمام هذا الوضع، ماذا عن دور الكنيسة في أميركا، وعن المسيحيين المتصهينين، وهل هم الأقوى؟
مع الأسف، الكنائس التي تتبع الفكر التدبيري هم الذين يؤمنون أن وجود دولة إسرائيل هو إحدى الإشارات إلى عودة المسيح ثانية، والذين يؤمنون أن المسيح سيعود ويحكم ألف سنة ويُعَاد بناء الهيكل، وتُقدّم الذبائح. هم الأقوى ماديًا، والأكثر عددًا، ربما 40 مليونًا. يؤمن التدبيريون أن هنالك تدابير عدة، وأنه الآن وقت تدبير الكنيسة، ولاحقًا سيكون وقت تدبير إسرائيل. لكن الفكر الإنجيلي المصلح الذي عمره 500 سنة رفض هذا التفسير. آمن المصلح جون كالفن، الذي درس الكتاب المقدس جيدًا، أن نبوءات ووعود العهد القديم، التي تتحدّث عن عودة الإسرائيليين إلى أرض الميعاد في فلسطين، قد تحقّقت بموت المسيح وقيامته. آمن المصلح كالفن أنّ أرض الميعاد كانت ظلًّا موّقتا، في انتظار الحقيقة الكاملة، لأنّ رجاء المسيحي ليس في قطعة أرض في منطقة محددة، لكن في ملكوت السموات. كما أن الله خالق الكل لا يميز بين الشعوب. ولا مرة في العهد الجديد، ولا في سفر أعمال الرسل، الذي هو سجل الكنيسة الأولى، يوجد حديث عن وعد بأرض سأعطيكم إياها. فنبوءات العهد القديم قد اكتملت بموت المسيح وقيامته. كان رجاء المسيح والرسل الأوائل، منذ ألفي عام، أن يتحوّل من يسمع رسالة المسيح إلى الإيمان المسيحي. أضيفي إلى ذلك، نحن لا ننتظر إعادة بناء هيكل سليمان، لأن الهيكل قد اتّخذ في العهد الجديد معنىً جديدًا. نحن نؤمن أن المسيح الذي قال: ههنا أعظم من الهيكل، هو الهيكل الجديد، وكنيسته هي الهيكل الجديد. لهذا يتحدّث الرسول بطرس عن الحجارة الحية.


(*) ماذا عن كتابك "القدس في الفكر المسيحي"...
في سفر حزقيال، هنالك 8 إصحاحات تحكي عن بناء الهيكل الجديد، فأتى المصلح جون كالفن وقال: عن ماذا أنتم تتكلمون؟ هذا تفسير مجازي. لذلك علينا التمييز بين التفسير المجازي والتفسير الحرفي. وكل الآيات في العهد القديم، التي تحكي عن إعادة بناء الهيكل، قال كالفن إنها يجب أن تُفسّر تفسيرًا مجازيًا.

(*) لكننا نجد أن هذا الفكر الصهيوني الذي تجذر في عقيدة تلمودية/ توراتية لاقى صدى في الغرب وتأييدًا.
سأقاطعك. الموضوع ليس فقط ديني. هنالك من قادة الغرب من لا يؤمنون بالله. والصهيونية السياسية تأتي قبل الصهيونية المسيحية. المشكلة الآن أنهم يتبنونه كذريعة لتبرير القتل، ولتكريس كيان إسرائيل دولة يهودية. الكنيسة المشرقية اعترضت على قيام إسرائيل، وطرد الناس من بيوتها. ولكن مع الأسف ليس هنالك ضمير عالمي، والعالم كله ساكت أمام ذبح الأطفال في غزة. هذه هي الوحشية الإنسانية. فأين الضمير العالمي، وكيف هذا الصمت ونحن قلوبنا تتفتت على معاناة الناس. نحن نعيش أزمة أخلاق إنسانية لا يكفي معها الحديث عن حقوق الإنسان. نحن من سيعلمهم حقوق الإنسان، ونعلمهم كيف يتعاملوا مع البشر. مرفوض رفضًا باتًا ما يحصل، وأن يتحول الكتاب المقدس إلى كتاب موت. خطر أن نقرأ العهد القديم من دون أن نقرأ العهد الجديد، إذ لا يمكن فصلهما. نحن لن نقبل بأن يتحوّل الإنجيل إلى سلاح للموت. الإنجيل هو رسالة حياة، وليس رسالة موت، ونحن نرفض استخدام الدين، واستخدام اسم الله، لقتل الأطفال. من يرضى بهذه الإبادة وقتل الأبرياء يُشكّك في إيمانه، وإلى أي دين كان. فالله الذي نؤمن به هو إله رحوم كثير والرحمة والإحسان.

(*) من موقعك الإنساني، قبل الموقع الديني، كيف تنظر إلى هذا العالم الذي يموج بكل هذا التراجع الأخلاقي، وماذا تستشرف لمستقبل البشر في ظل أعتى غياب للضمير؟ وماذا تخبرنا عن كتابك الصادر حديثًا "قيم للحياة"؟
نحن في عالم ساقط مع الأسف. ما شهدناه في لبنان من قتل جماعي بتقنيات تتجاوز تفكيرنا هو شهادة عن بؤس الناس الذين يستخدمون العِلم لقتل الناس. كتابي بعنوان "قيم للحياة" يتحدث على أنه في الوقت الذي يخسر العالم قيمه، علينا نحن أن نتمسّك بالقيم الروحية والأخلاقية التي تعطي معنى للحياة. سأذكر هنا أنه من حوالي شهرين تقدمت مجموعة من القادة الإنجيليين في الشرق الأوسط، ومن مفكريهم من فلسطين ولبنان والأردن وسورية والعراق، وأنا منهم، ووجهوا رسالة إلى كنائس الغرب للنظر إلى الكتاب المقدس باعتباره كتاب حياة، ورفض ما يجري في فلسطين. هذه المجموعة أثارت خضّة حتى ضمن الإنجيليين الذين لا يعرفون ماهية اللاهوت الإنجيلي المصلح الذي يرفض التفسيرات المجازية التي تبرّر القتل، وكذلك دعونا إلى الحوار مع كنائس الغرب.

(*) وهل تَجَاوَبوا؟
لنقل أثار هذا الأمر خضة. واللافت أنه أثار خضة هنا في الشرق، لأن هنالك من لا يميّز بين الفكر التدبيري والفكر المصلح. الخطر الكبير أن أبرّر الظلم، وأرسل أسلحة. الخطر في تشجيع الظلم والإبادة.  حصلت حركة وقد قادها القس فارس أبي فرحة في أميركا، وهو فلسطيني، وأيضًا القس الفلسطيني الذي يسكن في بيت لحم منذر إسحق.

(*) ما هي الأصداء التي تركها كتابك؟
فكرة الكتاب أن القدس ليست فقط لإخواننا المسلمين، وإنما أيضًا للمسيحيين. المسيح ولد في بيت لحم، وحياته هناك، وقيامته هناك. القدس مسيحية كما هي مسلمة.

(*) أليس فيها لليهود؟
 طبعًا، هم موجودون.

(*) قصدي هل من معالم أثرية تدل عليهم؟
هناك وعي بين بعض اليهود يرفض ما يحصل.
طبعًا، أنا أميّز بين اليهودية والصهيونية. والفكر الصهيوني هو المسؤول عن الذي يحدث في فلسطين ولبنان من تدمير. وأعتقد أن هنالك صمتًا على ذلك، ولكن تدريجيًا بدأ يحصل فهم أن في هذا الدعم خطرًا كبيرًا. ما يحدث وهم يدعمونه هو خطر وخطيئة. 

(*) هل سيصحو ضمير هذا العالم؟
أتمنى أن تكون صحوة تدريجية. وأن يغيّر الله النفوس ومواقف الدول صانعة القرار، وأن يتحقق حل الدولتين، فأنا أؤمن بدولة فلسطينية.

(*) هل هو موقف شخصي، أم موقف الكنيسة؟
 إنه موقف كثيرين.
في النهاية، أود أن أذكر أنه في كتابي "وحطّت الفراشة"، الذي أهديته إلى ابنتي غريس، التي تألمت وتوجّعت كثيرًا بسبب مرض سرطان، وانتقلت بعد معاناة، ذكرت في الإهداء أن آلام ابنتي غريس ارتبطت مع معاناة وآلام الشعب الفلسطيني.

*صحافية لبنانية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.