}

فارس يواكيم: النشر يعاني من مشكلات في الغرب أيضًا

ميشلين مبارك ميشلين مبارك 17 يناير 2025

يدخل عامه الثمانين وهو ينبضُ بالفكر، يتحدث عن الجمال، ويكتبُ التاريخ والثقافة والفنّ. فارس يواكيم المصري المولد واللبناني النشأة والألماني الإقامة. ولد في الإسكندرية في السادس عشر من كانون الثاني/ يناير من عام 1945. نشأ على أرشيف والده من دار الهلال بالإضافة إلى الدوريات والصحف الأجنبية والعربية الأمر الذي مكنّه منذ صغر سنه من امتلاك ثقافة مميّزة. تخصص في الإخراج في المعهد العالي للسينما في القاهرة. تخرج في عام 1966، وما لبث أن عاد إلى جذور عائلة والده في قيتوله (قضاء جزين- لبنان) مع الحنين إلى عائلة والدته في زحلة. عاد إلى لبنان، لينطلق في مسيرة أدبية وفنيّة انطلاقًا في بيروت، وليستمر على مدى نصف قرن في العمل والكتابة في مختلف فضاءات الأدب والثقافة والإعلام: في الصحافة (المكتوبة والمرئية – المسموعة)، في كتابة المسرحيات (الكوميدية، والغنائية، ومسرحيات الأطفال، وعروض الشانسونييه)، وفي كتابة السيناريو (أكثر من 37 سيناريو لأفلام روائية وأخرى وثائقية)، في البرامج الإذاعية (برامج ثقافية وسياسية ومسلسلات تمثيلية إذاعية)، وفي التلفزيون (برامج ومسلسلات)، وفي كتابة الأغاني (المسرحية للكبار وللأطفال)، فضلًا عن تأليف الكتب منها "حكايات الأغاني" و"المسرحيات- آخ يا بلدنا وأخواتها"، و"قصائد في الظل"، إضافة إلى الترجمة (من الفرنسية والألمانية إلى العربية) وأبرزها مؤخرًا ترجمته لرائعة لويس أراغون "عيون إلزا". ونال يواكيم جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي عام 2018.

للولوج إلى عالم هذه المسيرة الغنيّة، لنغرف مما تعلمه في هذه الحياة في يوم دخوله عتبة الثمانين، كان لناهذا الحوار مع أحد روّاد فنّ الكتابة الكوميدية وحارس ذاكرة الزمن الجميل فارس يواكيم.

(*) ماذا تهمس لك الثمانون وأنت على عتبة بابها؟

عندما أرنو الآن من شرفة الثمانين إلى مسرى السنوات الماضية، أشعر بالسعادة وأشكر الله. تفوقت النجاحات في حياتي على التجارب الفاشلة. حققت 90 بالمئة مما كنت أحلم بتحقيقه. في الواقع، إنّ أبرز محطات الفشل، هي إخفاقي في إخراج الأفلام، بالرغم من أنني درست المادة أكاديميًا، وكنت الأول على دفعتي. رفض المنتجون في بيروت المغامرة مع شاب ليست لديه تجارب سابقة. ظل هذا الفشل غصة في حلقي. في سنوات لاحقة تمكنتُ من تحقيق ثأر ناعم، فأخرجت بعض مسرحيات الأطفال، وعروض الشانسونييه، وبعض الأفلام الوثائقية ومنها "حكاية اللوحات" للتلفزيون الفرنسي FR3 ومنها للتلفزيون القطري "كان وأصبح الآن" و"بلادي في عيون أولادي". بيد أن التعويض الأكبر تمثّل في نجاحي في الكتابة.

(*) ما أبرز ما حققته في الكتابة؟

من دواعي سروري أنني كما نجحت في بلدي لبنان، حققت نجاحًا في كل البلدان التي أقمت بها، في لبنان ودول الخليج العربي وسورية وفرنسا وألمانيا، وفي أعمال مشتركة مع فنانين مصريين، وفي مختلف المجالات اقترن اسمي بأسماء كبار. الكتابة جعلت أعمال كثيرة مهمة تخرج إلى النور. فمثلًا: أول عمل تلفزيوني احترافي كان من إعدادي لبرنامج "سهرة مع الماضي" وقدمته ليلى رستم، ألمع المذيعات، والتي غادرتنا منذ مدة قصيرة. ثم إنّ أول عمل مسرحي كتبته كان نصًا لفنان الكوميديا اللبناني حسن علاء الدين (شوشو) وقد رافقته في أعمال عديدة أبرزها مسرحية "آخ يا بلدنا". أمّا بالنسبة إلى المطربة الكبيرة صباح فكانت بطلة لثلاث مسرحيات غنائية من كتابتي. بالإضافة إلى بعض الأفلام الروائية والمسلسلات التي أدى أدوارها كبار النجوم. على سبيل المثال: مسلسل "آثار على الرمال" الذي قامت ببطولته الممثلة إلسي فرنيني، وبالمناسبة كان أول مسلسل تلفزيوني لبناني تؤلف له موسيقى تصويرية خاصة به. الملفت أنّ من وضع هذه الموسيقى كان المتميّز زياد رحباني (وكان عمره 17 عامًا).

في الحقيقة، أعتزّ بأنني كنت من أبرز كتّاب مسلسل "افتح يا سمسم" للأطفال. وبأنني كاتب سيناريو الفيلم الفرنسي الوثائقي "إمارات الخليج تاريخ شعب" (قدم في التلفزيون الألماني بعنوان "نفط ولؤلؤ") وهو يحكي لمحات من تاريخ الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، وقد أخرجه الفرنسي كريستيان جاك وألف موسيقاه غابرييل يارد، وبأنني نلت "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي"، وبأنني كنت في الماضي مديرًا للقسم العربي في "دويتشه فيله". إذًا، الكتابة حققت نجاحي.

 

(*) أنتَ المقيم في ألمانيا، كيف تقرأ ثقافة أوروبا اليوم مقارنة مع الوضع الثقافي في الدول العربية. ما الذي ينقصنا كعرب وهو مُتاح عند الغرب. في المقابل ماذا تغيّر في الثقافة الأوروبية؟

قبل تلاقي الحضارات والتواصل بين الشعوب، كان الأخذ المتبادل بين اللّغات التي استوعبت كلمات وتعابير من لغات أخرى احتكت بها. وبعد التواصل نشأ التبادل المعرفي. من طريق الترجمة عرف العرب الثقافة الإغريقية، وطوروا علومها، إلى أن أبدعت الحضارة العربية والإسلامية معارف تعلّم منها الغرب. في الآداب تميّز العرب بالشّعر، لكنهم تعلموا فنون المسرح والرواية والسينما والصحافة من الغرب، إلى أن صار إبداعهم ذاتيًا متميزًا بانتمائهم إلى بيئتهم. حاليًا، تلعب الترجمة دورها في نقل ثقافات الشعوب. يقرأ الغربيون أبرز المؤلفات العربية المترجمة، ويحتفون بها، خصوصًا بأسلوب الحكاية المتوارث عن "ألف ليلة وليلة"، كما نتابع نحن الإصدارات الغربية. لكن النشر يعاني مشكلات في الغرب أيضًا، عدد القراء في تناقص واضح. كنت أشاهد ركاب التراموي والباص منهمكين في قراءة الكتب، أو الصحف، أما الآن فلا شيء يثير الإهتمام مثلما الهاتف الجوال الذي بدّل كثيرًا في ثقافة الشعوب.


(*)
ما سرّ شغفك بكرة القدم؟ وهل ترى في الطابة انعكاسًا للإنسان الذي تتقاذفه الأحداث التي يمرّ بها العالم العربي؟

السرّ يعود إلى طفولتي عندما اصطحبني والدي إلى استاد الإسكندرية لمشاهدة مباراة لمنتخب المجر الذهبي (بوشكاش ورفاقه) فبدأ شغفي بكرة القدم، وأصبحت مدمنًا على متابعة المباريات المحلية، ومع انتشار التلفزيون تابعت المباريات العالمية. هذا الإلمام ساعدني في عملي لاحقًا كمعلّق على مباريات الكرة الألمانية لحساب "ترانستيل" التابعة لإذاعة "الدويتشه فيله".

ويتابع يواكيم قائلًا: مباريات كرة القدم هي من الحقائق القليلة في عالمنا، لا تخضع للتحوير كما في الإعلام السياسي، ولا إلى التزوير كما في السوشيال ميديا. وفضلًا عن متعة التشويق في أثناء مشاهدة المباريات، فمتابعة هذه الرياضة هي موضع اهتمام مختلف البشر. في جمهور الفريق الأول مثقفون وأميون، أغنياء وفقراء، موظفون ومدراء، مؤمنون من مختلف الطوائف وملحدون، ومن أنصار مختلف الاتجاهات السياسية، ويقابلهم في جمهور الفريق المنافس جمهور من الطبقات العرقية والسياسية والثقافية والاجتماعية ذاتها.

(*) أنت الشاهد على أحداث كبيرة، تقول في مقابلات لك سابقة بأننا "مقبلون على مرحلة خطيرة أبرز معالمها شهوة الحروب لدى الدول". فماذا تقول لفلسطين اليوم؟

عمري من عمر النكبة تقريبًا، أكبُرها بثلاث سنوات. مررت بفلسطين بالقطار في رحلة من بيروت إلى بورسعيد سنة 1947. هكذا أخبرتني أمي وكنت في حضنها. من بعد "ضاع شادي" ظل حلم الزيارة قائمًا. عايشت السنوات العجاف كاملة، وها أنا أتابع أعنف المآسي حاليًا وقد تجاوزت الذروة، تقابلها لا مبالاة حكومية عالمية، تبلغ لدى بعض الدول حدّ التواطؤ، وكسل عربي يبلغ حدّ الشلل. الرأي العام الشعبي في العالم متعاطف تمامًا مع القضية، وكذلك السواد الأعظم من مثقفي العالم. وعلى النخبة العربية أن يكون صوتها مشابهًا لصوت فيروز على كلمات الأخوين رحباني "دايما طاير، يزوبع في الضماير، بلكي بيوعى الضمير". لا ينبغي الاستسلام للتعب. التعب بداية الاعتراف بالهزيمة.

(*) بعد هذه المسيرة الحافلة ما الذي يفعله فارس يواكيم اليوم، وماذا يقرأ؟

انتهيت مؤخرًا من تأليف خمسة كتب ستنشر تباعًا: "ديوان الشعر الألماني" (أنطولوجيا مكثفة للشعر الألماني)، "تاريخ ما أهمله التاريخ" (عن الصحافي اللبناني القدير حبيب جاماتي الذي تألق في مصر)، "عكاظيات معاصرة" (عن مهرجانات الشعر التي أقيمت في العالم العربي في القرن العشرين)، "شوشو في الذاكرة" (تصحيح الأخطاء الواردة في الكتابات التي تناولت سيرة الفنان الكوميدي، وإلقاء الضوء على تفاصيل مهمة في حياته)، "الهوية الثقافية للمسيحية المشرقية" (عن الدور التاريخي والثقافي للمسيحيين العرب). وحاليًا بدأت تحرير كتاب عن "إشكاليات تعليم اللغة العربية للأطفال".

وعلى خطٍ موازٍ، أعمل على ترجمة بعض الكتب والدواوين الشعرية الفرنسية إلى اللغة العربية، فالترجمة ليست حرفة عندي، وهي ما زالت في خانة الهواية. أعيد قراءة ما ترجمته مرارًا وأتساءل هل العبارة ذات معنى واضح؟ أحرص على تدقيق معاني العبارات والكلمات المجازية في النص الأصلي، لكي لا أترجمها حرفيًا، كما أحرص على أن يبدو النصّ المترجم وكأنه كتب أساسًا باللغة العربية. اللغات عندي هواية، وبحكم اختلاطي بأقوام مختلفة، أجيد فهم اللهجات العربية جميعًا، وأتحدث بعضها بطلاقة وبعضها بجودة مقبولة. وأستطيع أن أؤدي وظيفة المترجم الذي يفسر لعربي ما قاله عربي آخر بلهجته.

ومن ناحية أخرى، أمضي وقتي في قراءة المراجع التي تفيدني في تأليف كتبي التالية. وفي مشاهدة مباريات كرة القدم التي تمتعني بحد ذاتها، وتنسيني الهموم.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.