}

كهلان الشجاع: نحن في حاجة إلى مثقف نقديّ

صدام الزيدي صدام الزيدي 23 يناير 2025

 

كهلان الشجاع شاعر وباحث يمني، يواصل حاليًا إعداد رسالة ماجستير في التنمية الدولية والنوع الاجتماعي، بعنوان "دور المنظمات غير الحكومية في التنمية الاجتماعية في اليمن خلال الفترة 2015- 2022"، وقبل ذلك كان حصل على شهادة دبلوم دراسات عليا في التنمية الدولية- مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي والتنمية، جامعة صنعاء، 2022.

فاز بجائزة "عناوين" الشعرية (المركز الثاني مناصفةً) عام 2023 عن ديوانه الشعري "الحدائق مكتظة بالجنازات".

تنشر له قصائد ومقالات في عدد من مواقع النشر الإلكتروني اليمنية. شارك في المؤتمر الاقتصادي الأول المنعقد بجامعة تعز (تشرين الأول/ أكتوبر 2024)، بورقة بحثية بعنوان: "المسار الاجتماعي لإعادة الإعمار في اليمن"، وأخرى بعنوان: "الابتكار الاجتماعي في اليمن: الفرص والتحديات"، قُدِّمت في المؤتمر العلمي الدولي الأول، جامعة العلوم والتكنولوجيا، عدن (آب/ أغسطس 2024).

هنا حوار معه:

(*) لنبدأ الحديث معك من جائزة "عناوين" التي فزت بها عام 2023 في الشعر (المركز الثاني مُناصفةً). ما الذي أضافته لك الجائزة؟

ربما تساهم الجوائز في تسويق الأعمال الإبداعية، وتمنح من يحصل عليها حضورًا ما، ولكنها لا تضيف شيئًا.

(*) وبمناسبة الحديث عن الجوائز الأدبية، هنالك مسابقات أخذت في الانتظام في الآونة الأخيرة مكرسة للاحتفاء بالرواية اليمنية. وفي المقابل، تكاد جوائز الشعر قد نسيت تمامًا. برأيك، ما هي الأسباب؟

أولًا على مستوى الجوائز بشكل عام، هي لا تتجاوز عدد أصابع اليد، ولكن مع قلّتها تكاد تكون هذه الجوائز سواء كانت للشعر أو للرواية، جوائز تسويقية، أطلقتها جهات تجارية أو رجال أعمال، بمعنى أن هدفها لا يتعدى التسويق والترويج لهذه الجهات، ومع ذلك لا ننكر دورها في تحفيز الشباب وتشجيعهم.

على الجانب الآخر، جوائز الشعر قد نسيت تمامًا. أما أسباب ذلك، فأعتقد أن الزمن هو زمن الرواية على مستوى العالم وليس على مستوى العالم العربي فقط. فكرة الجوائز دائمًا ما تكون محكومة بقناعات وأهداف الممول، وهذا يعود للقائمين على هذه الجوائز.

(*) كواحد من أدباء اليمن، ما هو نصيبك من الاكتواء بتشظيات اللحظة اليمنية المحتربة منذ عقد من الزمن؟

نصيبي هو نصيب أي شاب يمني، تفتّق وعيه في بداية الحرب، بكل ما خلّفته من تشظيات وتداعيات على مختلف الصعد، وبالطبع كان تأثيرها على الجانب الثقافي والإبداعي أكثر حدّةً. ففي بلد كاليمن كانت المؤسسات الثقافية فيه شبه غائبة حتى في ما قبل الحرب، وخلال فترة الحرب وما خلّفته من انقسام سياسي وآثار اقتصادية سيئة جدًا، تلاشت أشباه المؤسسات التي كانت، وهذا بدوره أثّر عليّ كشاب كان يتطلع إلى حياة أفضل على المستوى الشخصي وعلى المستوى العام، وأصبح الإحباط هو المهيمن. فالأدب والإبداع يحتاجان إلى بيئة صحية ومحفزة، وفي ظل غياب هذه البيئة، والوضع النفسي الذي نعيشه، فمن الطبيعي أن يتراجع اهتمامنا بالإنتاج الأدبي وتطوير أنفسنا لصالح محاولة تأمين متطلبات المعيشة.

(*) ومن هنا، بدا لافتًا غياب صوت المثقف في تداعيات وطنية كهذه. ترى ما هي أسباب غياب دور المثقف في التصدي لفكرة الحرب من الأساس؟...

قبل الإجابة عن هذا السؤال، يجب علينا أن نسأل أولًا من هو المثقف؟ وبناءً على هذه الإجابة نستطيع الإجابة عن أسباب غياب صوت المثقف.

نحن في حاجة إلى مثقف نقدي، ينظر في مشاكل وقضايا المجتمع وينطلق منها، ويحاول التفكير في إيجاد حلول لها. وبسبب غياب هذا المثقف النقدي، الذي يفترض أن يكون بمثابة الإنذار المبكر في المجتمع، وصلنا إلى هذه الفوضى، فكيف نقول إن المثقف غائب وهو غير موجود. طبعًا هذا يعود إلى غياب المؤسسات الثقافية، ومراكز البحث والتفكير، فالمثقف لا يأتي من العدم، المثقف تصنعه المؤسسات، فلو كان المثقف موجودًا وفاعلًا، لما وصلنا إلى هذا الوضع.




حراك ثقافي "افتراضي"

(*) منذ السنة الأولى للصراع الذي أفضى إلى إغلاق منابر الحياة الثقافية، تشكلت مسارات ثقافية بديلة انطلقت من السوشيال ميديا عبر "غروبات" (منتديات) افتراضية. تابعنا مخرجات رائعة: مسابقات، إصدارات ثقافية، ورش كتابة، حوارات، إلخ.... إلى أي حد استطاعت الغروبات الثقافية التفاعلية النجاح في مهمة كهذه؟

باعتقادي أن "الغروبات" والحراك الثقافي الافتراضي أو ما أسميته المنابر البديلة في السوشيال ميديا هي مهمة من جانب، ولكنها ليست بديلة بمعنى أنه إذا لم توجد مؤسسات حقيقية على الواقع لديها رؤى وخطط وتقوم بعمل فعاليات وتتبنى تحريك المشهد، وتساهم في صناعة الوعي، فإن هذه الكيانات الافتراضية لن تقوم بهذا. من الممكن أن تكون هذه المسارات رديفة للمؤسسات الحقيقية، وفي هذه الحالة يمكن القول إن استخدام السوشيال ميديا أو الوسائل الافتراضية حقق نجاحًا ما. ولكن في الحالة اليمنية التي لا توجد فيها أي مؤسسات حقيقية، قد توفّر هذه المسارات مساحة ما، وهي كنوع من مقاومة الواقع السيء، ولكنها لا تعتبر بديلًا للمؤسسات الحقيقية ولا يمكن أن تقوم بدورها.

(*) ما الذي قدّمته لك منصات التواصل الاجتماعي؟

كتجربة شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، أتاحت هذه المواقع والمنصات نافذة لمتابعة الكثير من الفاعلين والمبدعين على الساحتين اليمنية والعربية، والاطلاع على ما ينشر فيها في الثقافة والفكر وغيره. مع أن دخولي هذه المنصات كان متأخرًا.

وفي ظل الوضع السيء الذي تعيشه البلد ثقافيًا، قدّمت المنصات منبرًا أو نافذة استطعنا من خلالها أن نكتب، وننشر، بغض النظر عن طبيعة التلقي والجمهور. ولذلك مثلت هذه المنصات بديلًا لما كان موجودًا من صحف ومجلات وغيرها. 

لذا فهي وسيلة يمكن للمبدع استخدامها ليتصل بالمشهد، وينشر من خلالها ويطّلع على كل جديد لكن لا يمكن أن تؤثر في تطوير إبداعه أو تضيف له شيئًا ما لم تكن لديه رؤية حقيقية ووعي بضرورة تطوير نفسه ومعارفه.

(*) كثرت في الآونة الأخيرة سجالات الوسط الثقافي اليمني ضمن ترندات، تفاعلًا مع محتوى يعجّ بالغث والسمين ويؤسّس في حيّز كبير منه لثقافة الفراغ والخوض في خصوصيات الآخرين دون وجه حق. فما الذي يحدث، وكيف يمكن قراءة مستقبل الثقافة عمومًا في ضوء ما هو حاصل حاليًا؟

لنعد قليلًا إلى ما قبل منصات التواصل الاجتماعي لنختبر فاعلية هذا الوسط وتأثيره، إذ لم يكن فاعلًا بشكل حقيقي. كان وسطًا هشًا وتغلب عليه العلاقات الشخصية والمماحكات الشخصية، بسبب غياب المؤسسة وتسيد الشللية في الأوساط الثقافية، وكذلك بتأثير الثقافة السائدة في المجتمع التي تغذي هذه الممارسات، والتي أنتجت ذوات متضخمة وجامدة، فالبعض لا يتقبل حتى فكرة النقد وينظر للنقد كاستهداف شخصي، ولا يفرِّق بين الشخصي والموضوعي.

أما ما بعد السوشيال ميديا فقد تضاعفت هشاشة وزيف الوسط الثقافي، وازدادت أعداد المتصدّرين ومُدّعي الثقافة والأدب، وبالتالي فإن الانشغال بقضايا جانبية وثانوية بعيدًا عن القضايا الحقيقية التي تمس المجتمع والبلد والوسط الثقافي والثقافة والأدب على وجه الخصوص، نتاج طبيعي لما كان سائدًا وما زال في المجتمع وفي الوسط الثقافي.

أما مسألة الحقوق والخصوصيات فهي مشكلة ناتجة عن الوعي والثقافة المهيمنة في المجتمع، فالكثير ممن يشتغلون في الوسط الثقافي أو المبدعين، لا يستطيع التفريق بين العام والخاص، ولا يعي حقوقه وواجباته كمواطن، وهذا بسبب الفشل خلال العقود الماضية في بناء أو تأسيس مجتمع مدني. فالحقوق والحريات واحترام الآخر والقبول به تمثل ألف باء المجتمع المدني. في اليمن بسبب غياب المؤسسات الثقافية والعلمية، وإن وجدت فهي مؤسسات بلا مؤسساتية. لم تستطع الثقافة أو الجامعة أن تكون مؤثرًا إيجابيًا في المجتمع، بل على العكس تأثرت الأوساط الثقافية والجامعات بالثقافة التقليدية السائدة في المجتمع وأصبح التعامل وفقا لهذه الثقافة سائدًا داخل الأوساط الثقافية والجامعات.

أما بالنسبة لقراءة المستقبل في صدد ما هو حاصل حاليًا، عادة ما ترتبط الثقافة بالسياسة في اليمن، وهذا وضع شاذ، حيث إن الطبيعي هو أن تؤثر الثقافة على السياسة وتوجهها. فالسياسة في اليمن تمثل متغيرًا مستقلًا بينما الثقافة متغير تابع.

ولذلك، فقراءة المستقبل الثقافي مرهون بقراءة الوضع السياسي ومستقبل الصراع، حيث إنه لا توجد ثقافة حقيقية مستقلة نستطيع أن نقرأها في ظل الوضع السائد. وباعتقادي أن تطور الثقافة مرهون بالإصلاحات السياسية والمتعلقة ببناء دولة مؤسسات حقيقية، عندها من الممكن أن نتكلم عن الثقافة ومستقبل الثقافة لأنه لا يمكن أن تزدهر الثقافة في مجتمع تسوده العشوائية واللادولة. الجهود الفردية لا تصنع فرقًا ولا تستطيع التغيير في أي مجتمع. لذلك فمستقبل الثقافة بنظري مستقبل أفراد هنا وهناك يشتغلون في الثقافة أو ينتجون أعمالًا إبداعية، في ظل غياب الإنتاج الفكري الذي يمثل روح وجوهر الثقافة.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.