}

سارة بكويل: تمازج الفلسفة والأدب يقدّم "كوكتيلًا فكريًا منعشًا"

تيم ماديغان 25 فبراير 2025
حوارات سارة بكويل: تمازج الفلسفة والأدب يقدّم "كوكتيلًا فكريًا منعشًا"
سارة بكويل (Getty)
ترجمة: لطفية الدليمي

سارة بكويل Sarah Bakewell مؤلفة بريطانية ذائعة الصيت لكتب جذابة تتناول أفكارًا مثيرة. تتحدّث بكويل في هذا الحوار مع تيم ماديغان Tim Madigan (*) عن آيريس مردوخ، مونتين، معنى الأمل، الإنسانية، إمكانية اقتراف الخطأ، حياتها الشخصية من بين موضوعات شتى.

نشرت بكويل كتبًا عديدة حقّقت أعلى المبيعات، منها: "كيف تعيش، أو حياة مونتين في سؤال واحد وعشرين محاولة للإجابة" (2010)؛ "في مقهى الوجودية: الحرية، الوجود، وكوكتيلات الخوخ" (2016)؛ "ممكنٌ بشريًا: سبعمائة عام من التفكير الإنساني الحر والإستقصاء والأمل" (2023) (مترجم إلى العربية). وحازت بكويل على "جائزة وندهام كامبل الأدبية" عام 2018 عن فئة "الأعمال غير التخييلية" Non-Fiction وذلك عن أعمالها التي حاولت فيها فكّ مغاليق اللغز الفلسفي المعقّد بحيوية وذكاء، ودفع اهتمامها المفرط بالتفاصيل قرّاءها إلى تمثّل حيوات أعظم الفلاسفة.

(*) كيف انتهى الأمر بك
لأن تصبحي مولعة بالفلسفة؟

بدأ ولعي بالفلسفة عندما كنتُ لم أزل مراهقة بعدُ. كنتُ حينها أقرأ أعمال مؤلّفين على شاكلة جان بول سارتر وألبير كامو وسائر الكتابات الوجودية المعروفة. اعتزمتُ بعدها دراسة الفلسفة في جامعة إيسكس؛ لكن لم يحصل الأمر منذ بداية شروعي بالدراسة الجامعية. درستُ الأدب أوّل الأمر، وفي ثنايا المقررات الأدبية حصل أن درسنا مقرّرًا منهجيًا في الفلسفة. كان هذا المقرّر الرائع متعدّد التخصصات Multidisciplinary، ومن حسن حظي أنّني درسته في السنة الجامعية الأولى. اكتشفتُ الفلسفة كتخصّص فرعي بمعونة ذلك المقرر متعدّد التخصصات، ثمّ غيّرتُ الأدب لأجعل من الفلسفة تخصصي الدراسي الرئيسي.

شرعتُ بعد إكمال دراستي الجامعية الأولية في العمل على الدكتوراه في الفلسفة حول موضوع يختصّ بهايدغر الذي أبديتُ نحوه حماسة متفجّرة عندما قرأته أوّل مرّة في دراستي الأولية، وبخاصة عن فكرته حول الوجود Being. أفترضُ من جانبي أنّ فلسفة هايدغر، الغريبة والغامضة بشكل ما، تمثّلُ ميدانًا للإثارة الفكرية المدهشة لكلّ دارس شاب للفلسفة. ثمّ حصل بعد حين أن فقدت فلسفة هايدغر مكمن إثارتها لعقلي فهجرتها!! وبسبب ذلك تغيّرت مسالك حياتي تغيرًا كاملًا حتى أنّني لم أمضِ في إكمال رسالة الدكتوراه. انتهى بي الأمر بعدها للعمل في مجالات عدّة غير الفلسفة ولزمن طويل، وتخصّصتُ خلال ذلك بالكتب النادرة بعد أن عملتُ أمينة مكتبة ويلكوم في لندن. كتبتُ حينها سيرة تاريخية، ومن الغريب أنّ الفلسفة بدأت تجد لها طريقًا إلى عقلي مرّة ثانية. عرفتُ بعد خوضي تلك التجربة الفكرية المثيرة أنّني أجد نفسي عند توأمة الفلسفة بكتابات السيرة؛ إذ غالبًا ما يكون هذا المزيج الفكري أكثر ملاءمة لمزاجي من الفلسفة الخالصة.

(*) يبدو الأمرُ وكأنّكِ تشعرين بانجذاب فكري إلى الفلاسفة الذين كانوا شواخص أدبية إلى جانب اشتغالاتهم الفلسفية. شخصيات مثل مونتين، دي بوفوار، كامو، سارتر...

أوووه بالتأكيد. ثمّة إمكانيةٌ دومًا لأن نختلف كثيرًا بشأن ما إذا توجّب علينا أن نصف شخصًا مثل مونتين على أنّه فيلسوف أو كاتبٌ مقال أو كاتب متعدّد الاشتغالات المعرفية. أنا من جانبي أميلُ إلى الاعتقاد بأنّه لا يتوجّب أن يكون هذا التوصيف أو ذاك، والأمر ذاته يسري على سيمون دي بوفوار وألبير كامو وجان بول سارتر. أظنني منجذبة لهؤلاء جميعًا لأنّ الأدب كان -ولم يزل لحدّ كبير- عشقي الأوّل، ولا يزال يمثّلُ أهمية مركزية في الحياة بالنسبة لي. لستُ أرى الأدب أبدًا كخادم للفلسفة بأيّ شكل من الأشكال المفترضة، والعكس صحيح أيضًا: لا أظنّ أنّ الأمر يستوي بأن تكون الفلسفة خادمة للاشتغالات الأدبية. التخادم ممكن جدًا؛ لكنّ الخدمة من طرف واحد وبكيفية قصدية تبدو أمرًا غير منتج. الأدب بطبيعته يميلُ إلى حكاية تجارب شخوص محدّدين هم في نهاية الأمر أناسٌ في وقت وزمان متعيّنيْن، تحصل لهم وقائع محدّدة في سياق يشبه كثيرًا ما يحصل في واقع الحياة التي نعيشها ونختبرها على نحو يومي. نحن لسنا نمطًا من "الوعي الخالص" الفلسفي؛ بل نحنُ نُلقى في لجّة التاريخ كما كتب هايدغر. الوقائع اليومية والمصادفات الغريبة واللقاءات الطارئة وغير المخطّط لها مع آخرين هي جزء صميم في قلب الأدب؛ لذا أرى أن التمازج بين الفلسفة والأدب يمكن أن يقدّم لنا كوكتيلًا فكريًا منعشًا.


(*) هل كان لك ولعٌ منذ البدء بآيريس مردوك Iris Murdoch؟

بالتأكيد. لطالما كرّرت مردوك عبارتها الرائعة "الفلسفة المأهولة" Inhabited Philosophy التي لم تقصد منها أبدًا أن تكون الفلسفة شيئًا تعيشه في حياتك بطريقة طهرانية نقية بقدر ما عنت منها أن تكون لكلّ منّا فلسفةٌ مرتبطة تمامًا بموضوعات الحياة. مفهوم مردوك هذا عن تمثّل الفلسفة أكثر دفعًا للاهتمام من مجرّد فكرة هائمة عن أنّ الفلسفة والحياة يمضيان في مسارين متوازيين لا يلتقيان.

في الفترة الأخيرة نُشِر العديد من الكتب حول الفلسفة البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية، مع تركيز خاص على الفيلسوفات النساء في كلّ من أكسفورد وكامبردج. تلعب آيريس مردوك دورًا مركزيًا في هذه الفلسفة إلى جانب ثلاث نساء أخريات كنّ محور هذه الكتب.

(*) نعم، هذا صحيح. صدر كتابان عن هذه المجموعة من الفيلسوفات: إليزابث أنسكومب، فيليبا فوت، ماري مدغلي، آيريس مردوك، في وقت متزامن، وهذا أمرٌ يحصل في عالم النشر أحيانًا ويخشاه معظم المؤلّفين الذين لا يريدون مشاغلة جانبية لأعمالهم من جانب مؤلفين آخرين في الموضوع ذاته.

(تستطرد بكويل في إكمال جوابها السابق) كان كتاب السيرة الخاص بالفيلسوف ديريك بافيت Derek Paffet الذي كتبه ديفيد إدموندز، والذي صدر العام الماضي، أحد أجمل الكتب التي وجدتُ متعة هائلة بقراءتها. إنّه مثالٌ رائع على التداخل الخلّاق الذي أعنيه بين السيرة والفلسفة. كان بارفيت شخصية فلسفية غير عادية، ومثيرة للحيرة والإرباك في كثير من المناحي الوجودية. أحبُّ القراءة عن مثل هذه الأشياء لأنّها في النهاية جزءٌ من الاهتمام العام بالناس؛ لكن عندما تكتبُ عن فيلسوف أو روائي فإنّك تكتبُ عن شخصٍ يتأمّلُ أيضًا حياته الشخصية. الحالة الأكثر تطرفًا في هذا الشأن هي مونتين؛ إذ لا يوجد ما يمكنك قوله عنه لم يقله هو عن نفسه. ثمّة ثروة عظيمة من التأمّل في حياة مونتين وتجاربه الخاصة، ومن الوقائع الرائعة التي يمكن أن تحصل -كما حصل معي- أن تكتب عن شخص كتب كلّ شيء عن نفسه.

(*) ما الشيء الخاص في مونتين والذي دفعكِ إلى العودة إلى الكتابة في الفلسفة؟

كنتُ في البدء مهتمّة بمونتين باعتباره كاتبًا في المقام الأوّل أكثر من اهتمامي به كفيلسوف، ثمّ حصل أن قادني مونتين إلى التفكير الحثيث في تأثير الفلاسفة الأبيقوريين والرواقيين والشكوكيين: تلك المجموعات الثلاث من الفلاسفة الذين أبديتُ ولعًا عظيمًا في دراستهم والتفكّر في تراثهم الفلسفي. إنّها فلسفة تتموضعُ تمامًا على حافة التأمّل الأدبي.

حقّق كتابي عن مونتين نجاحًا معتبرًا، وانتهى بي الأمرُ في كتابي التالي إلى العودة إلى الفلاسفة الذين أعجبتُ بهم في بواكير المراهِقة، وهذا ما دفعني لاحقًا إلى الكتابة عن الوجوديين والفلسفة الوجودية. كان ثمّة اقترانٌ بين أعمالي ومونتين لأنّه رسّخ في عقلي فكرة إمكانية الكتابة عن فلسفة الوجود في حياتنا كما نعيشها. كانت أعمالي تمثلًا مؤكّدًا وتطبيقيًا لعبارة مردوك عن "الفلسفة المأهولة".

أمّا فيما يختصُّ بأمر كتابتي عن مونتين فقد جاء عملي عنه تأكيدًا لحبي الخالص له وليس بأيّ توجّه قصدي مسبّق. اكتشفتُ كتابات مونتين بالصدفة المحضة؛ فقد حصل أن كنتُ على وشك المضي في رحلة طويلة بالقطار من بودابست إلى أمستردام، وقبل الرحلة رحتُ أبحثُ عن كتاب لأقرأه في رحلة القطار.

كان هناك مجموعة محدودة للغاية في متجر كتب مستعملة صغير بالقرب من محطة القطار في بودابست. تمعّنتُ في الكتب القليلة التي كانت لدى المتجر من تلك التي لم تكن مكتوبة باللغة المجرية، وكان أحدها ترجمة لمقالات منتخبة لمونتين؛ فلم يكن أمامي خيارٌ سوى هذا الكتاب. في رحلة القطار تلك إختبرتُ اكتشافي الأعظم: مونتين.

أذهلني أن أقابل شخصًا حقيقيًا مثل مونتين. قراءته تمنحك شعورًا بأنّه إنسانٌ مع كلّ التناقضات والغرائب والآراء المتطرفة والتحيّزات التي لدينا جميعًا؛ لكنّه -ربّما بخلافنا- لا ينفكّ يتأمّل إخفاقاته طول الوقت. كانت قراءتي الأولى له تجربة شديدة الثراء والمتعة؛ إذ بعد قراءتي تلك والتي جاءت بصدفة غريبة شرعتُ في الكتابة عنه وإن جاءت كتابتي عقب وقت طويل من معرفتي به.

(*) أحد الموضوعات الرئيسية التي تشغلُ كتبكِ هو الرغبة في العيش بأصالة Live Authentically. لاحظتُ خلال تدريسي مقرّرًا دراسيًا عنوانه (مقدّمة في الفلسفة) أنّ جميع الفلاسفة الذين جاء ذكرهم في المقرّر حتى القرن التاسع عشر وما بعده بقليل انتهوا سجناء أو معدومين او تحت طائلة التهديد بالنفي والموت لأنّ الآراء التي كانوا يجهرون بها مثّلت منطقة جدال عنيف...

ولم يزل شيء من هذا يحدث في شتى أنحاء العالم اليوم، ولا أحد منّا في مأمن منه تمامًا. في جامعاتنا (الغربية) مثلًا لم يزل حتى اليوم قدر كبير من الاشتباكات الجدالية بشأن حجم ونوع حرية الفكر في الجامعات. عندما شرعتُ بكتابة كتاب عن الوجودية أبديتُ اهتمامًا ببعض الحكايات القادمة من تشيكوسلوفاكيا (كما كانت تسمّى حينذاك، المترجمة) خلال حقبة الحرب الباردة. تمحورت تلك الحكايات حول فلاسفة وقعوا تحت التأثير المغوي لهوسرل وهايدغر، واعتمدوا مقاربتهما الفكرية حول موضوعات القمع والحرية، وكيفية عمل المجتمع الواقع تحت حكم نظام شمولي.

لا ينفكّ مونتين يتأمّل إخفاقاته طول الوقت


(*) تصرّحين بأهمية الأمل كثيرًا في كتابك المعنون "ممكنٌ إنسانيًا
Humanly Possible". غالبًا ما يكون للأمل دلالة رمزية دينية المنبع وبخاصة فيما يختصُّ بالأمل في الحياة الأخروية Afterlife. كيف ترين المفهوم الإنسانوي Humanist  (الدنيوي) للأمل؟

يركّز المفهوم الإنسانوي للأمل على هذا العالم فحسب، وبالإضافة لهذا فهو يعني - طبقًا بمواضعات الإنسانويين ومقاصدهم المحدّدة- أنّنا إذا أردنا جعل عالمنا مكانًا أفضل للعيش فيتوجّبُ علينا أن نفعل هذا بأنفسنا. الأمر كلّه مرهون بإرادتنا ومتروكٌ لرغبتنا وقدرتنا على الفعل. لدينا - كبشر- القدرة على التفكير في المستقبل والتخطيط له إلى حدّ ما، فضلًا عن أنّ التعاون والتواصل واتخاذ الخطوات السياسية المناسبة قد تعمل على تحسين ظروف وجودنا البشري. نحن مشتبكون معًا ومعتمدون عضويًا على بقية أشكال الحياة على هذه الأرض؛ لذا لدينا درجة معيّنة من المسؤولية عن كيفية سير الأمور على كوكب الأرض، وكذلك عن أنفسنا وحيواتنا الخاصة أيضًا.

أعلمُ أنّ كلّ هذا قد يبدو وكانّه حلمٌ يوتوبي الآن وبخاصة في الظروف التي تمضي فيها الأمور بمسارات سيئة للغاية. يجب أن نتساءل دومًا: كيف ينبغي أن نتصرّف بمسؤولية وبطريقة منتجة وفعّالة لحلّ المعضلات التي تواجهنا بدلًا من انتظار حلولٍ فوق- بشرية؟

(*) أتساءل عمّا إذا كان هناك نوع من المنطق الجدلي المتخالف بين كتابيكِ: "في مقهى الوجودية At the Existentialist Cafe" و"ممكن بشريًا". بعضُ الوجوديين في الأقلّ يبدون وكأنّهم يتعاملون مع موضوعات اليأس والقلق عبر التحديق بمرآة نحو قعر الهاوية؛ في حين أنّ منافحي الإنسانوية الذين كتبتِ عنهم في كتابك يقدّمون منظورًا أكثر أملًا وطموحاتٍ براغماتية تتفق مع العيش في عالم بشري؟

الحالة الكلاسيكية النموذجية لأوائل الوجوديين من الفلاسفة الذين يطيلون التحديق في الهاوية هي كيركيغارد. رأى هذا الفيلسوف أنه إذا كان ثمّة مِنْ خلاص مرتجى فإنّه سيأتي من كينونة تتجاوز الإنسان: شيء إلهي على وجه التحديد. سارتر من جانبه لم يؤمن بهذه الرؤية الفلسفية الخارقة للطبيعة.

هنا نتساءل بشكل طبيعي: ما العواقب التي تترتّبُ على كيفية عيشنا كبشر من غير أمل القوة العلوية التي ترتبُ لنا كل شيء؟ كان جواب الوجوديين هو أنّ الأمر متروك لنا لمعرفة كيف نفعل هذا؛ لذا ترى الوجوديين يشعرون بالنشاط الفكري المكثّف كلّ الوقت ضمن بيئة "الحرية" التي يعيشونها؛ لكنّ حرية الخيار يجب أن تحصل مترافقة مع مسؤولية اتخاذ القرار. لا حرية من غير مسؤولية مترافقة معها.

يؤكّدُ سارتر وسواه من الفلاسفة الوجوديين أنّ الأمر كلّه يتعلّق بما نصنعه من اختيارات: أي نوعٍ من الكائنات نريد أن نجعل أنفسنا على شاكلته عبر خياراتنا؟ هناك طيف واسع من الفلاسفة الوجوديين الذين يختلفون فيما بينهم بشأن موضوعات كثيرة؛ لكنّ كلمة السر التي تجمعهم هي "المسؤولية": تحمّلُ المسؤولية عن قراراتنا. جاء العصر النووي تأكيدًا للثنائية الشرطية الحرية/ المسؤولية. إذا شئنا حرية القرار في اتخاذ البقاء عوضًا عن الفناء النووي فيجب أن نتحمّل تكاليف خيار البقاء بكلّ مفاعيله الشاقة.

(*) واحدة من المعضلات الكبرى في عالمنا اليوم هي الذكاء الاصطناعي. أعرف أنّكِ حصلتِ على شهادة دراسات عليا في موضوعة تختصّ بالذكاء الاصطناعي؛ لذا كنتِ متقدّمة بعض الشيء عن مجايليك من الفلاسفة والأدباء...

نعم صحيح. كنتُ مهتمّة بالذكاء الإصطناعي عندما كنتُ لم أزل طالبة بعدُ؛ لكنّني اليوم متأخرة كثيرًا في الميدان. دعني أضع الأمور في سياقها التاريخي: تخرّجتُ من الجامعة عام 1989. حينذاك كان أحد الألغاز الرئيسية التي كثيرًا ما كانت مورد نقاش طويل ومعمّق هو: كيف تكتب برنامجًا حاسوبيًا يمكنه تحديد المسار الأمثل (بمعنى الأقصر، المترجمة) للانتقال من النقطة أ إلى النقطة ب؟ لنتذكّرْ: هذا ما تفعله خرائط غوغل اليوم مليارات المرّات في اليوم الواحد.

نبع اهتمامي بالذكاء الإصطناعي من اهتمامي بفلسفة العقل Philosopy of Mind. عندما تخرّجتُ من الجامعة كان ذلك وقتًا حصل فيه الكثيرُ من التداخل بين الفلسفة ومباحث الذكاء الاصطناعي، وحدث عقب ذلك أنّ الزيادة المفرطة في قوّة الحوسبة Computing كشفت لنا بشكل واضح تمامًا أنّ الكثير من المعضلات التي حسبناها ميدان ذكاء اصطناعي لم تكن أكثر من قدرة على معالجة بيانات ضخمة للغاية. من المؤكّد أن تدفعنا هذه الحقيقة إلى الشعور بالإثارة المفرطة رغم أنّنا لا نعرف على وجه الدقّة إلى أين سيقودنا الذكاء الاصطناعي.

كان وقتًا مثيرًا لأعلى أشكال الاهتمام ذاك الذي أمضيته في العمل بنطاق الذكاء الاصطناعي؛ غير أنّني لم أحصل على وظيفة في هذا المجال. حينها جاء قراري أن أعمل في مجال مختلف تمامًا.

أنت الآن ربما تعيشُ إحساسًا بما كنتُ أعيشه في شبابي. كنتُ في كلّ مكان حقًا، وبي رغبة جامحة في العمل بأيّ شيء وكلّ شيء معًا!!. كان وقتًا رائعًا. لا تعرف حينها أبدًا أي الأشياء التي تفعلها ستنتهي لأن تصبح شرارة متفجّرة تريد بعدها توسيع نطاقها لتمضي أبعد ممّا هي عليه.

(*) تيم ماديغان Tim Madigan: أستاذ في قسم الفلسفة بجامعة سانت جون فيشر في روتشستر بنيويورك.

* الموضوع أعلاه هو ترجمة لمعظم فقرات حوار مع سارة بكويل. الحوار منشور في العدد 164 من مجلّة Philosophy Now لشهري أكتوبر/ نوفمبر 2024.
هنا الرابط الالكتروني لمن يرغب بمراجعة الموضوع بلغته الأصلية هو:

  https://philosophynow.org/issues/164/Sarah_Bakewell

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.