للوقوف على ما جاء في الكتاب، الذي يقع في 656 صفحة، تحاور "ضفة ثالثة" أحد مؤلّفيه المؤرّخ والمحاضر الأكاديميّ جوني منصور، الذي تحدّث لنا عن تفاصيل هذا الكتاب الذي يتألف من ثلاثة أقسام: الأوّل والثاني منها يشتملان على تسعة فصول، بينما خصّص القسم الثالث لعرض وثائق ذات صلة مباشرة بموضوع البحث، وهو دراسة قضيّة "اللجوء واللاجئين" والمجتمعات المضيفة في تاريخ الشعب الفلسطينيّ الحديث، وتحديدًا بين سنة النكبة 1948 و1950، والتركيز على مدينة نابلس دراسة حالة، ومقارنة نابلس بوصفها مجتمعًا مضيفًا بحالتين رئيستين حديثتين في ألمانيا بصرف النظر عن الفارق الزمنيّ.
جوني منصور، المولود في مدينة حيفا في فلسطين المحتلّة عام 1960، يعمل في حقل التربية والتعليم منذ 35 عامًا؛ وهو ناشط اجتماعيّ وسياسيّ في أطر وطنيّة مختلفة داخل الخطّ الأخضر. صدر له العديد من المؤلّفات، منها: "شوارع حيفا العربية" 1999؛ "مسافة بين دولتين" 2004؛ "الاستيطان الإسرائيليّ" 2005؛ "الأعياد والمواسم في الحضارة العربيّة" 2006؛ "الخطّ الحديديّ الحجازيّ" 2008؛ "إسرائيل الأخرى"، و"معجم الأعلام والمصطلحات الصهيونيّة والإسرائيليّة"، و"المؤسّسة العسكريّة في إسرائيل" (مشترك مع فادي نجاس) 2009؛ "المدينة الفلسطينيّة في فترة الانتداب البريطانيّ" 2010؛ "خارطة حيفا العربيّة" 2014؛ "حيفا: الكلمة التي صارت مدينة" 2015؛ "مئويّة تصريح بلفور (1917 – 2017): تأسيس لدولة، وتأشيرة لاقتلاع شعب" 2015؛ "يوم الأرض" 2016؛ "القاموس التاريخيّ لفلسطين" (مشترك مع إيلان بابيه) 2022؛ "غزّة: حجر الزاوية"، القدس في المحفوظات الملكيّة المصريّة" 2024. إضافة إلى العديد من المقالات والأبحاث والدراسات التي تركّز على تاريخ الشرق الأوسط الحديث والصراع الإسرائيليّ – الفلسطينيّ، وتاريخ المدينة الفلسطينيّة؛ والمسيحيّين وتطوّرهم في الأراضي المقدّسة.
هنا نص الحوار:
(*) كيف يقدّم الدكتور جوني منصور نفسه لقرّاء "ضفة ثالثة" الذين لا يعرفون الكثير عن سيرته ومسيرته في البحث والتأليف والأكاديميا؟
أنا من مواليد حيفا في فلسطين المحتلّة. لعائلة وصلت إلى هذه المدينة في عام 1920 قادمة من قرية الجش في قضاء صفد في الجليل. وسبب انتقال العائلة طلب الرزق. فالقرى الفلسطينيّة عمومًا خرجت من الحرب العالميّة الأولى مستنزفة وضعيفة اقتصاديًّا. والفرص بدأت تتكوّن في حيفا بوجه خاصّ، وهي المدينة الأكبر في شماليّ فلسطين، ومع الزمن أولاها المحتلّ الإنكليزيّ اهتمامًا من حيث تطويرها. كانت ولادة والدي كما ولادتي لاحقًا في حيّ وادي النسناس الشهير، وهو حيّ فلسطينيّ. وتعرّضت عائلتي إلى التهجير والرحيل إلى لبنان ثمّ عادت إلى الوطن لتبدأ مسيرة حياتها من الصفر في ظلّ حكم جديد هدفه تجريد الفلسطينيّين من علاقتهم بوطنهم وأرضهم وتاريخهم.
درست في مدارس حيفا وأنهيت الثانويّة في الكلّيّة الارثوذكسيّة وتابعت تعليمي الجامعيّ حتّى نلت درجة الدكتوراة في التاريخ. ومنذ صغري وأنا أميل إلى القراءة المكثّفة للكتب والمقالات التاريخيّة. وأكثر ما جذبني فيها تلك التي تعالج تاريخ العرب والإسلام وتاريخ فلسطين في مختلف الفترات الزمنيّة، وأيضًا تاريخ المسيحيّة المشرقيّة. وجرّاء استمرار الصراع الإسرائيليّ/ العربيّ – الفلسطينيّ أبديت اهتمامًا به. ولهذا، تتمحور معظم مؤلّفاتي وأبحاثي في هذه الحقول التاريخيّة والسياسيّة.
وعي فلسطينيّ عميق لأهمّيّة التضامن المجتمعيّ
(*) ما الذي يقوله لنا كتابك المشترك مع المؤرّخ إيلان بابيه، "التضامن في أوقات الأزمات: دروس معاصرة من النكبة"؟ وما الذي حفّزكما على اختيار موضوعه "اللجوء واللاجئين"، وتضامن المجتمعات المضيفة في تاريخ الشعب الفلسطينيّ الحديث، وتحديدًا بين عامي 1948 و1950؟ ولماذا هذين العامين تحديدًا؟
لا بدّ لي من أن أكشف لك أمرًا، هو لم يعد سرًّا بالمرّة، أنّني في عام 2014 قمت برفقة صديق لي بزيارة المكتبة العامّة في نابلس لغرض الاطّلاع على سجلات المحاكم الشرعيّة الإسلاميّة فيها. وأثناء جلوسي في قسم الوثائق وغرقي في الحديث مع أمين القسم في أمور تتعلّق بعالم الأرشيفات والوثائق، لفت نظري وجود عدد كبير من الصناديق البلاستيكيّة باللونين الأصفر والأزرق. فنهضت من مقعدي وبدأت بقراءة اللاصقات عليها. وفتحت صندوقًا، وإذ بي أجد عددًا كبيرًا من الوثائق التي تتطرّق إلى فترة النكبة وتحديدًا لتهجير الفلسطينيّين من حيفا ويافا وقراهما باتّجاه نابلس وجنين وطولكرم. وللتوّ قمت بتسجيل أرقامها.
وتشاورت مع صديقي المؤرّخ إيلان بابيه حول الموضوع. وأنا أعرفه منذ ثلاثين عامًا، إذ أنّنا نعمل في الحقل ذاته. ورسى قرارنا على أنّه يجب علينا معالجة هذه الجزئيّة من التاريخ الفلسطينيّ، وأعني بين 1948 سنة النكبة واللجوء و1950 سنة بدء نشاط وكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين- "الأونروا"- في رعاية شؤون اللاجئين. ونعني أنّ سنتين تقريبًا مهمّتين ومصيريّتين من تاريخ الشعب الفلسطينيّ في مجال كيفيّة إدارة حياته كانت غائبة عن البحث التاريخيّ. وهذا هو المهمّ، أن نكشف مسألة في غاية الأهمّيّة وهي اهتمام الفلسطينيّين الذين لم يتعرّضوا للتهجير برعاية الفلسطينيّين المهجرين/ اللاجئين. وهكذا قرّرنا أن نبدأ بالمشروع معًا في عام 2016، وعرضنا الفكرة على صديقنا الدكتور عزمي بشارة، المدير العامّ للمركز العربيّ، وطاقم لجنة البحوث العلميّة في المركز، وجميعهم أيّدوا الفكرة ودعموا مشروعنا حتّى صدور الكتاب قبل شهرين تقريبًا.
(*) لماذا ركّزت الدراسة على مدينة نابلس كحالة؟
توجّه عدد كبير من النازحين من حيفا ويافا وقراهما نحو نابلس وجنين وطولكرم كما أشرنا، في حين أنّ أعدادًا ليست بقليلة توجّهت إلى لبنان وخصوصًا عبر ميناء حيفا والحدود الشماليّة، ومن يافا إلى غزّة (والقصد لاحقًا قطاع غزّة) ومصر. وكانت نابلس بالرغم من عدد سكّانها القليل آنذاك (30 ألف نسمة) مقارنة مع اليوم (300 ألف نسمة) مركزًا للمنطقة الشماليّة لما أصبح يعرف بـ "الضفّة الغربيّة". ثمّ إنّ رئيس بلديّتها وعددًا من قياداتها شرعوا بتأسيس لجنة قوميّة لرعاية شؤون النازحين وعدم تركهم وحيدين غرباء. وهذا دليل قاطع على وعي عميق لأهمّيّة التضامن المجتمعيّ في أزمنة الأزمات الذي لاحظناه في بحثنا هذا. وطبعًا بالإمكان نسخ فكرتنا على مواقع أخرى لفحص أمور شبيهة. فمن نابلس أديرت اللجنة ومنها تمّ توزيع المساعدات على القرى في المنطقة إلى حين تسلّمت وكالة "الأونروا" مهامّها وأنشأت المخيّمات.
(*) أنجزتَ هذا الكتاب بالتعاون مع إيلان بابيه، فما هي دوافع هذا التعاون؟ وما هي ظروف ومراحل إنجاز الكتاب؟ وكيف تقاسمتما العمل عليه؟
بابيه مؤرّخ رصين ومثابر وله خبرة. كما أنّه أصدر كتابًا مهمًّا جدًا بعنوان "التطهير العرقيّ في فلسطين"، وعمل في الأرشيفات الإسرائيليّة والأجنبيّة لجمع موادّ لكتابه هذا. كما أنّه مؤرّخ مناصر وداعم للقضيّة الفلسطينيّة ومناهض للصهيونيّة ومشاريعها ومخطّطاتها التوسّعيّة.
بالإضافة إلى أنّه من الضروريّ كما وجدت أن نتقاسم العمل لتسهيل إنجازه. وكلانا نملك من الخبرة العلميّة والبحثيّة ما يكفي للتعاون وإخراج عمل على مستوى علميّ متقدّم. وأيضًا لأهمّيّة تبادل الأفكار والطروحات المرتبطة بكيفيّة بناء الفصول ومناقشة قويّة بيننا في أمور عدّة. فبعد أن قمنا بتصوير قرابة ثمانية آلاف وثيقة من الملّفات/ الصناديق التي أشرت إليها سابقًا، بحثنا فيها وحلّلناها معًا، وتقاسمنا بعضًا منها لتسهيل العمل.
(*) سبق أن تعاونت مع بابيه في تأليف أكثر من دراسة، ما الذي تجده في هذه الشراكة معه دون غيره؟
لقد تعاونا سابقًا في وضع "القاموس التاريخيّ لفلسطين" باللغة الإنكليزيّة، والذي صدر في عام 2022. والحقيقة أنّه هو من بدأ فيه، ولكن لكثرة التزاماته الأكاديميّة والبحثيّة تجمّد عمله لسنين طويلة. ولما أطّلعني على المشروع والعراقيل التي اعترضت طريقه، أصرّيت على المتابعة وأبديت استعدادي لمشاركته الفكرة. وفعلًا تعاونا على إنجاز موادّه من خلال اتّفاقنا على اختيار 800 مفهوم ومصطلح فلسطينيّ وصهيونيّ لها صلة بالقضيّة الفلسطينيّة ووضعنا نصوصًا بالإنكليزيّة حولها. هدفنا من هذا القاموس هو مخاطبة القارئ والباحث الغربيّ. وعرض رواية لفلسطين في مواجهة الرواية الإسرائيليّة التي تعمل باستمرار على تجريد فلسطين من فلسطينيّتها. وها هو القاموس ضمن المراجع المركزيّة في المكتبات والكلّيّات الجامعيّة ومعاهد البحوث التاريخيّة والسياسيّة في عدد كبير من دول العالم.
المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات يقوم بدورٍ مركزيّ
في الردِّ على الرواية الصهيوإسرائيليّة ودحضها
(*) ماذا يعني لك إصدار هذا الكتاب عن المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات؟ وكيف تنظر كمؤرّخ وباحث أكاديميّ إلى مشاريع ومنشورات المركز من كتب ودراسات ودوريّات، إضافة إلى إطلاق موقع "القدس: القصّة الكاملة"، و"المنتدى السنويّ لفلسطين" وغيرهما؟
لقد أثبت المركز العربيّ منذ انطلاقته قبل أكثر من عقد من الزمن أنّه يدأب على تحقيق وإنجاز دراسات جديدة غير مكرّرة لقضايا مركزيّة وجوهريّة في العالم العربيّ كافة، إلى جانب ترجمات رصينة لبحوث ذات صلة بالتاريخ العربيّ والفلسطينيّ والعلوم الاجتماعيّة والفلسفة. الأبحاث والترجمات ليست فقط إضافة بل مراجع مركزيّة للنظر إلى القضايا التي تخصّ الأمّة بمنظار معاصر يأخذ النظريّات البحثيّة على أنواعها وتوجّهاتها بعين الاعتبار.
من جانب آخر، فإنّ موقع "القدس: القصّة الكاملة" يؤكّد مركزيّة كون هذه المدينة خاصّة وفلسطين عامّة مركزيّة في الخطاب التاريخيّ والسياسيّ العربيّ والإسلاميّ. وتقديم المعلومات والتحليلات باستمرار هو أيضًا ردّ على الرواية الصهيوإسرائيليّة التي تعمل ليل نهار على إنكار وجود الشعب الفلسطينيّ ورفض الاعتراف بمسؤوليّة إسرائيل والحركة الصهيونيّة عمّا اقترفته في سنة النكبة. أمّا "المنتدى السنويّ لفلسطين" فهو منصّة هامّة لتبادل الخبرات والأفكار البحثيّة مع مجموعة كبيرة من المهتمّين بتاريخ فلسطين في العالمين العربيّ والغربيّ.
(*) لماذا الكتابة عن فلسطين مهمّة في زمن الإبادة الصهيونيّة؟ وهل الكتابة الفكريّة والأدبيّة الإبداعيّة قادرة على تغيير أفكار مجتمعاتنا والمجتمعات الغربيّة، وعلى أن تصنع حراكًا حقيقيًّا في أوساط هذه المجتمعات؟
لا يمكن لأيّ باحث ومؤرّخ أن يكون غائبًا عمّا يجري في غزّة والضفّة والداخل ضدّ الشعب الفلسطينيّ. الكتابة هي فعل مقاومة ضدّ الاحتلال والقمع والإنكار. أيّ نوع من الكتابة من أجل فلسطين هو كلمة حقّ من أجل نشر العدل. النصوص التي يكتبها أدباء ومؤرّخون وباحثون عن فلسطين بوجه خاصّ في هذا الزمن الإباديّ تهدف إلى تثبيت الحقّ وإلى دعوة مناصري القضيّة إلى التحرّك من أجل العدالة. لقد ظُلمَ الفلسطينيّون عبر الزمن، ويكاد العالم ينسى أنّ هناك فعل إبادة إجراميًّا في غزّة. تأتي الكلمة المكتوبة والمنطوقة لتوقظ العالم وتحرّكه للعمل من أجل فلسطين. وبرأيي أنّ الحروب أصناف.
الحرب التقليديّة هي بالسلاح، والحرب الأخرى هي بالكلمة. وأعتقد أنّ حرب الكلمة أشدّ قوّة وتأثيرًا على المدى البعيد.
(*) بين التأريخ والبحث الأكاديميّ وكتابة المقالة، ما الذي تهتمّ بالتوقّف أمامه ومحاولة استنطاقه؟
لكلّ بحث مقوّماته وأهدافه سواء أكان كتابًا أو مقالة. لكن ما يميّز التوجّه نحو وضع كتاب أنّ المجال المساحيّ واسع لإضافة وثائق وصور وبيانات. في حين أنّ المقالة تكون موجّهة لمعالجة جزئيّة محدّدة وسط محدّدات كثيرة، منها تكثيف النصّ والتقليل من الإضافت كالملاحق. هذا على نطاق المظهر. في حين أنّ الهدف الجوهريّ هو كيفيّة تطوير الفكرة التي يعالجها الكتاب أو المقال. وكيفيّة تدعيمها بالإحالات والاقتباسات الداعمة. وأنا أسعى دائمًا ليس لنقل المعلومة فقط، وإنّما ربطها بالواقع المستجدّ. بمعنى آخر، أن يربط الباحث ومن ثمّ القارئ بين الماضي والحاضر ضمن سياق تاريخيّ يأخذ بعين الاعتبار التحوّلات على أرض الواقع.
(*) إلى أيّ حدٍّ يمكن أن يكون الباحث والمؤرّخ حياديًّا في قضيّة تمثّل وطنًا وشعبًا تعرّض لكلّ أنواع الظلم والاضطّهاد؟
لقد قلتها في السابق في مناسبات عدّة وفي مؤتمرات أيضًا، إنّ المؤرّخ بوجه خاصّ لا يمكنه أن يكون حياديًّا. وخصوصًا إذا كان هذا المؤرّخ يحمل قضيّة. فالحياديّة شعار سياسيّ أو للمقارعة بين الباحثين. فأيّ مؤرّخ فلسطينيّ أو عربيّ لا يمكنه أن يقف على الحياد في قضايا تخصّ العدالة. القضيّة الفلسطينيّة هي قضيتي قبل أن أكون مؤرّخًا. ولأنّي مؤرّخ فالقضيّة عميقة جدًا. القضيّة تخصّني. ولهذا عليّ واجب أخلاقيّ وإنسانيّ وتاريخيّ أن أكتب نصوصًا دفاعًا عنها ليس للتعريف بها بل وصولًا إلى قول الحقّ. وقول الحقّ هو الخطوة الأولى نحو تحقيق العدالة.
(*) أنت كاتب غزير الإنتاج. ما الذي تشير إليه هذه الغزارة، وهل لها علاقة بتقدّمك في السنّ؟ وكيف تخطّط لحياتك ككاتب ومؤرّخ خلال السنوات المقبلة؟
على الصعيد الشخصيّ لديّ الوقت الواسع للقراءة والبحث. وهذا على حساب العائلة وأوقات التسلية والترفيه والأصدقاء. وأنا في حقيقة الأمر وضعت جانبًا الكثير من فعاليّات الترفيه وتنازلت عن إقامة صداقات كثيرة، واهتمّمت ولا أزال بالقضيّة التي أؤمن بها. وهي القضيّة الفلسطينيّة. وأنّه عليّ واجب في أن أتجنّد لخدمة هذه القضيّة. وأعتقد من خلال خبرة طويلة أنّ علينا الاستفادة من عامل الزمن لصالح القضيّة. صحيح أنّ البحث والكتابة التاريخيّة ليست نزهة وتحتاج إلى بذل جهد وشحذ الذهن، وتخصيص وقت طويل للقراءة والتفكير ثمّ الكتابة. أمّا على مستوى التخطيط المستقبليّ، فلديّ عدد من المواضيع التي أريد إنجازها. وفي حقيقة الأمر إنّ تقدّم السنّ أمرٌ مهمّ ولكن علينا ألّا نفكر فيه.
(*) ما هي مشاريعك المستقبليّة في المدى المنظور في حقل الكتابة والتأليف؟
بدأت قبل 15 عامًا بكتابة فصول من التاريخ الفلسطينيّ من نهاية القرن الـ 19 وحتّى يومنا هذا. وكنت أكتب الفصول في أوقات متباعدة. وفي الوقت ذاته كنت أبحث في موضوع آخر. بمعنى آخر أنّني كنت أعمل على بحثين. واحد مكثّف والآخر على مهل. وآمل أن أنهيه حتّى بداية الصيف القريب. إذ يحتاج إلى مراجعات وتدقيق وإضافة بعض التفاصيل والبيانات والخرائط. وهذه، أعني البيانات والخرائط والصور، هي أيضًا رواية مهمّة لتدعيم وتعزيز حضور القضيّة الفلسطينيّة. وبدأنا أنا وزميلي إيلان بابيه بالتفكير في وضع مخطّط واسع لدراسة تاريخ فلسطين من القرن الثامن عشر وحتّى منتصف القرن التاسع عشر. والسبب هو شح الدراسات حول هذه الفترة، إذ أنّ المؤرّخين والباحثين اهتمّوا بالقضيّة الفلسطينيّة في سياق علاقتها مع المشروع الصهيونيّ، وهذا يعني منذ تصريح بلفور وحتّى يومنا هذا. وهذا أمر جيد وبالغ الأهمّيّة. لكنّ الفترات السابقة أيضًا مهمّة لأنّها تعكس فهمًا لتحوّلات تاريخيّة وسياسيّة مهمّة في مسيرة الشعب الفلسطينيّ.