حرّر الكتاب، وساهم في تأليفه إلى جانب نخبة من الباحثين والخبراء المتخصّصين في العلاقات الدوليّة في العالم العربيّ، الأكاديميّ السوريّ الدكتور أحمد قاسم حسين، الباحث في المركز العربيّ، ومدير تحرير دوريّة "سياسات عربيّة"، ومدير تحرير الكتاب السنويّ "استشراف للدراسات المستقبليّة".
حسين حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدوليّة من جامعة فلورنسا في إيطاليا. وكان عمل أستاذًا مساعدًا في كلّيّة العلوم السياسيّة في جامعة دمشق، وتتركّّز اهتماماته البحثيّة في نظريّات العلاقات الدوليّة، وله العديد من الأبحاث والدراسات المنشورة في مجال تخصّصه.
صدر له كتاب "الاتّحاد الأوروبي والمنطقة العربيّة: القضايا الإشكاليّة من منظور واقعيّ" (2021). كما حرّر العديد من الكتب، منها: "ليبيا: تحدّيات الانتقال الديمقراطيّ وأزمة بناء الدولة" (2022)؛ "حرب حزيران/ يونيو 1967: مسارات الحرب وتداعياتها" (2019)؛ "استراتيجيّة المقاطعة في النضال ضدّ الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيليّ: الواقع والطموح" (2018)، وكلّها صادرة عن المركز العربيّ.
عن هذا الكتاب تحدّث إلينا الدكتور أحمد قاسم حسين في الحوار التالي:
(*) بداية، أرجو أن تضع القرّاء في المناخات الفكريّة التي يتحرّك فيها هذا الكتاب الجماعيّ، الذي عملت على تحريره علميًّا، والذي ساهمتَ في كتابته؟
مثّلت المنطقة العربيّة مختبرًا حقيقيًّا لبحث افتراضات النظريّة الواقعيّة واختبارها منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية ونيل الدول العربيّة استقلالها تباعًا عن القوى الأوروبيّة الفاعلة في النظام الدوليّ (فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا)، وتزامن ذلك مع صعود الحركات القوميّة العربيّة التي تدعو إلى الوحدة العربيّة وتعمل من أجلها. وقد شهدت الدول العربيّة نشأة نظام إقليميّ يتمثّل في جامعة الدول العربيّة، لكنّ مشروع التكامل بينها ظلّ معطّلًا بنيويًّا؛ بسبب هيمنة المصالح القُطريّة على المصالح المشتركة، على الرغم من التهديد الذي جسّده المشروع الصهيونيّ وقيام إسرائيل، بدعمٍ وتمويلٍ من دول أوروبيّة؛ فهذا المشروع يُعدّ تحدّيًا استعماريًّا للدول العربيّة على نحو عامّ، والدول المحيطة بفلسطين على نحو خاصّ. لقد كانت المنطقة العربيّة ساحة من ساحات الصراع على النفوذ والسيطرة من جانب القوّتين العظميين خلال الحرب الباردة التي كانت سيادة التنظير فيها في حقل العلاقات الدوليّة للواقعيّة. ودخلت الدول العربيّة في سلسلة حروب مع دولة الاحتلال الإسرائيليّ (الأعوام: 1948، و1967، و1973)، فضلًا عن المواجهات العسكريّة في الأردن، ولبنان التي عرفت صعودًا للقوى السياسيّة والعسكريّة الفاعلة من غير الدول (قوى المقاومة الفلسطينيّة، والقوى العسكريّة المسلّحة للأحزاب اللبنانيّة). ولم تقتصر تجلّيات استخدام القوّة العسكريّة في المنطقة على دول الطوق المحيطة بإسرائيل؛ فقد دخلت دولٌ عربيّة في حروب ونزاعات مع القوى الإقليميّة في المنطقة؛ مثل الحرب العراقيّة – الإيرانيّة (1980-1988)، والحرب الليبيّة – التشاديّة (1978-1987). وظهرت سلسلة من النزاعات والخلافات مع دول إقليميّة وأخرى بينيّة عربيّة؛ مثل الخلافات الحدوديّة التي شهدتها منطقة شبه الجزيرة العربيّة، والخلاف بين مصر والسودان على إقليم حلايب، وقضيّة الصحراء الغربيّة التي ظلّت عنوانًا للتنافس على الدور والنفوذ بين الجزائر والمغرب، في حين مثّل الغزو الأميركيّ للعراق، عام 2003، "الحدث الزلزال" الذي تعيش المنطقة العربيّة تداعياته سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا حتّى اليوم، وكان التجسيد العمليّ لاستخدام القوّة الغاشمة في تغيير توازن القوى في النظام الإقليميّ العربيّ. أضف إلى ذلك أنّ الثورات العربيّة التي اندلعت شرارتها عام 2011 فجّرت تساؤلات عديدة عن شكل النظم السياسيّة الجديدة، وطبيعتها، وتفسير دورها في الإقليم. وتمثّل بعدها الجيوستراتيجيّ المهمّ في تأثيرها في الخريطة الجيوسياسيّة في المنطقة، وما يرتبط بها على مستوى القوى الدوليّة والإقليميّة الفاعلة والمؤثّرة في الإقليم؛ لذا جرى بحثها من منظور التاريخ، أو علم الاجتماع والأنثروبولوجيا. وقد احتلّ التنظير في علم السياسة والعلاقات الدوليّة نصيبًا كبيرًا في بحث هذه الثورات ودراستها وما أعقبها من ثورات مضادّة؛ لِما لها من تأثير في السياسة الخارجيّة لدول المنطقة والتنافس المحموم على النفوذ وهيمنة القوى الإقليميّة (إيران وتركيا)، والدوليّة (روسيا والصين والاتّحاد الأوروبيّ). وعليه، يأتي هذا الكتاب الجماعيّ في سياق بحثيّ يهدف إلى إعادة النظر في موقع العالم العربيّ داخل النظام الدوليّ، من خلال عدسة الواقعيّة السياسيّة. في ظلّ التحوّلات الجيوسياسيّة المتسارعة، وتزايد التنافس الدوليّ في المنطقة، يسعى الكتاب إلى استكشاف حدود وعود المقاربة الواقعيّة، وقيودها، في تفسير تفاعلات الدول العربيّة مع القوى الإقليميّة والدوليّة.
اختبار قدرة النظريّة الواقعيّة
(*) تحت أيّ لافتة يمكننا وضع هذا الكتاب؟ وما الذي أغراكم باختيار هذا الحقل المعرفيّ للكتابة فيه والتفكير ضمن مشاغله في سياق التفاعلات الإقليميّة والدوليّة؟
يندرج هذا الكتاب في إطار الأبحاث المتخصّصة في نظريّة العلاقات الدوليّة، حيث حاولت في هذا المشروع البحثيّ اختبار قدرة النظريّة الواقعيّة على تفسير الظواهر الدوليّة التي ترتبط بالمنطقة العربيّة. لذا يسعى هذا الكتاب لتقديم مقاربات نظريّة نقديّة للمفاهيم الأساسيّة التي شكّلت الفروض الأساسيّة للنظريّة الواقعيّة، بناءً على خبرات باحثين في حقل العلاقات الدوليّة عايشوا تلك الأحداث والأزمات في منطقةٍ شكّلت القدرات العسكريّة والتحالفات وتوازن القوى والصراع بين الفاعلين الدوليّين ملامحها، وما زالت تمرّ بتحوّلاتٍ كبرى.
(*) ما هي أبرز الأفكار والطروحات الرئيسة التي يتضمّنها؟ وهل من معوّقات وتحدّيات جابهتكم أثناء الإعداد والكتابة والتحرير؟
يقدّم هذا الكتاب قراءة تحليليّة معمّقة لعلاقات الدول العربيّة الدوليّة من خلال المقاربة الواقعيّة في حقل العلاقات الدوليّة، بهدف استكشاف مدى فاعلية هذه النظريّة في تفسير التحوّلات الجيوسياسيّة التي تمرّ بها المنطقة.
ينقسم الكتاب إلى مجموعة من الفصول التي تتناول الوعود التي تقدّمها الواقعيّة كأداة تحليليّة، وحدودها في تفسير الظواهر المعقّدة في السياسة الخارجيّة للدول العربيّة. ينتظم الكتاب في اثني عشر فصلًا موزّعًا على ثلاثة أقسام. عنوان القسم الأوّل "قضايا نظريّة في المقاربة الواقعيّة للعلاقات الدوليّة"، وفيه أربعة فصول ركّزت بشكلٍ أساسيّ على القضايا النظريّة المتعلّقة بالمقاربة الواقعيّة وتناقش تحدّيات تطبيقها على دول الجنوب والعالم العربيّ. أمّا القسم الثاني، "القوى الدوليّة الكبرى من منظور واقعيّ"، ففيه ثلاثة فصول حاولت رصد وتحليل التنافس بين القوى الرئيسة في النظام الدوليّ "الولايات المتّحدة الأميركيّة، الصين، روسيا، الاتّحاد الأوروبيّ" وتأثير استراتيجيّاتها من منظور واقعيّ على المنطقة العربيّة. ويختتم الكتاب بالقسم الثالث، "القوى الإقليميّة من منظور واقعيّ"، وفيه خمسة فصول كانت بمثابة دراسات حالة للسياسة الخارجيّة للقوى الإقليميّة في المنطقة وتفاعلها مع النظامين الإقليميّ والدوليّ.
(*) حدّثنا عن مساهمتك ككاتب وباحث في المركز العربيّ، والتي جاءت في الفصل السادس من هذا المؤلّف الجماعيّ.
حاولت في الفصل السادس من هذا الكتاب الجماعيّ الذي جاء تحت عنوان "سياسة الاتّحاد الأوروبيّ الخارجيّة تجاه المنطقة العربيّة: محاولة فهم من منظور واقعيّ"، مقاربة تحوّلات سياسة الاتّحاد الأوروبيّ، بوصفه فاعلًا صاعدًا في النظام الدوليّ، تجاه المنطقة العربيّة في مراحل مختلفة مقاربةً واقعيّة، وقد ركّزت في ذلك على التنافس بين الرؤيتين الأطلسيّة والأورومتوسطيّة. حيث تؤكّد المقاربة الواقعيّة على أهمّيّة فهم الأهداف والتوجّهات الأميركيّة في المنطقة بوصفها عاملًا محوريًّا لتحليل مشاريع الاتّحاد الأوروبيّ؛ نظرًا إلى القوّة السياسيّة والعسكريّة للولايات المتّحدة وقدرتها على التأثير في المنطقة. وتشير المقاربة الواقعيّة إلى أنّ الولايات المتّحدة ترى أنّ المنطقة العربيّة والمتوسطيّة جزءٌ من نفوذها العالميّ، وتسعى للحفاظ على سيطرتها وتأثيرها فيها. لذا، يتعيّن على الاتّحاد الأوروبيّ أن ينسجم مع هذه الرؤية الأميركيّة وأهدافها؛ لضمان استمرار التعاون والتوافق بين الطرفين. وأجادل بأنّ الولايات المتّحدة تستخدم سيطرتها على خطوط الطاقة والنقل في المنطقة؛ مثل النفط والغاز، وسيلةً لممارسة الضغط على الاتّحاد الأوروبيّ ومنعه من الحصول على دور فاعل في المنطقة. لذا، عليه مواجهة هذا الضغط والعمل على تعزيز دوره وتوسيع نفوذه في المنطقة. ويشير التحليل الواقعيّ أيضًا إلى أنّ الاتّحاد الأوروبيّ يواجه تحدّيات من الولايات المتّحدة في الحفاظ على دوره الخارجيّ المستقلّ، وتحقيق أهدافه الاقتصاديّة والسياسيّة في المنطقة العربيّة. ومن ثمّ، يتعيّن عليه أن يتبنّى سياسة خارجيّة تستند إلى مصالحه الخاصّة وتسعى للتوازن بين الضغوط الأميركيّة وتحقيق أهدافه الخاصّة في المنطقة. كما يشير التحليل الواقعيّ كذلك إلى أهمّيّة أن يكون الاتّحاد الأوروبيّ قادرًا على تحقيق التوافق بين الرؤية الأطلسيّة والأورومتوسطيّة، وتحديد أولويّاته واستراتيجيّاته في المنطقة العربيّة، مع مراعاة الضغوط الأميركيّة والتحدّيات الداخليّة والخارجيّة التي تواجهه.
اشتباك نقديّ يعزّز الإسهام الفكريّ العربيّ
(*) لماذا اخترتم كباحثين وخبراء عرب متخصّصين في العلاقات الدوليّة في عالمنا العربيّ العمل على الكتاب من منظور مقاربات "المدرسة الواقعيّة" كإطار تحليليّ رئيسيّ؟
إنّ اختيار باحثين وخبراء عرب متخصّصين في العلاقات الدوليّة في العالم العربيّ للعمل على هذا الكتاب، ينبع من عدّة اعتبارات استراتيجيّة وفكريّة أساسيّة، نوجزها فيما يلي:
1- السعي لتحقيق التوازن المعرفيّ: لطالما كانت التنظيرات السائدة لفهم سياسات القوى العظمى والقوى الإقليميّة تجاه المنطقة العربيّة نابعة أساسًا من إسهامات الباحثين الغربيّين الذين يمتلكون تجارب طويلة في هذا المجال. ومع ذلك، فإنّ هذه الرؤى لا تعكس دومًا خصوصيّة السياق العربيّ. لذا، رأينا ضرورة تقديم قراءة نقديّة تعكس التجارب والواقع العربيّ، وتُعيد صياغة الفرضيّات التقليديّة بحيث تُدمج رؤى الباحثين العرب الذين يملكون فهمًا عميقًا للتحدّيات المحلّيّة والإقليميّة.
2- الاشتباك النقديّ مع فرضيّات المقاربة الواقعيّة: تُعتبر المقاربة الواقعيّة من النظريّات الرائدة في حقل العلاقات الدوليّة، حيث ترتكز على عدّة افتراضات تتعلّق بصراع القوى والمصالح القوميّة. ومع تطوّر السياقات الإقليميّة والعالميّة، برزت الحاجة لإعادة تقييم هذه الفرضيّات عبر نقد بناء يقيّم مدى انسجامها مع الواقع العربيّ. وقد سعينا من خلال المشروع إلى اختبار هذه الافتراضات والتأكيد على نقاط قوّتها والبحث في نواحي ضعفها، بما يتناسب مع خصوصيّة وتحوّلات المنطقة.
3- تعزيز الإسهام الفكريّ العربيّ في الدراسات ضمن حقل العلاقات الدوليّة: من المهمّ جدًا أن يكون للباحثين العرب حضور فاعل في رسم معالم الفكر في العلاقات الدوليّة. يأتي هذا المشروع كخطوة جادّة لتجميع رؤى وخبرات الأكاديميّين العرب، ممّا يساهم في إثراء النقاش العلميّ بتقديم منظور عربيّ فريد يقوم على نقد ومراجعة المقاربات الغربيّة التقليديّة. هذا النهج لا ينكر قيمة الدراسات الغربيّة، بل يهدف إلى إضافة بعد جديد يأخذ بعين الاعتبار التجارب والخصوصيّات التي تميّز العالم العربيّ.
(*) من هو الجمهور المفترض للكتاب، ومن القرّاء الذين تأمل أن يصل إليهم؟
إنّ الجمهور المفترض لكتاب "المقاربة الواقعيّة لعلاقات العالم العربيّ الدوليّة: الوعود والحدود" يتنوّع ليشمل عدّة فئات من المهتمّين بالدراسات الأكاديميّة والعلاقات الدوليّة في العالم العربيّ، وهم:
- النخب الثقافيّة العربيّة: يُوجه الكتاب إلى المفكّرين والباحثين في المنطقة العربيّة الذين يسعون لفهم التحوّلات الكبرى في بنية النظام الدوليّ وآثارها المباشرة على العلاقات الدوليّة المنطوية على تحدّيات وفرص جديدة للعالم العربيّ. يهدف الكتاب إلى توفير إطار تحليليّ يعزّز من قدرتهم على تحليل وتفسير تلك التحوّلات من منظور نقديّ يتماشى مع السياقات الثقافيّة والسياسيّة الخاصّة بالمنطقة.
- أساتذة الجامعات: يشمل الكتاب أيضًا الأكاديميّين في مجالات العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة الذين يسعون لاكتساب فهم أعمق للمقاربات التقليديّة والحديثة في تحليل السياسات الإقليميّة والدوليّة، وذلك من خلال دمج الرؤى الغربيّة مع الأفكار والآراء التي يقدّمها الباحثون العرب. سيكون الكتاب إضافة قيمة في تشجيع النقاشات الأكاديميّة وتوجيه البحث العلميّ في هذا المجال المعقّد.
- طلبة الجامعات: واحد من الأهداف الأساسيّة لهذا الكتاب هو تقديم مادة دراسيّة حديثة وثريّة تساهم في إثراء المعلومات التي يحصل عليها الطلبة في جميع مراحلهم الجامعيّة (البكالوريوس، الماجستير، الدكتوراه). حيث سيمكّنهم الكتاب من التفاعل مع أبرز النظريّات في العلاقات الدوليّة وتحقيق فهم أعمق للواقع الإقليميّ والدوليّ، بل وقد يفتح أمامهم أفقًا واسعًا للبحث العلميّ في هذا المجال. من خلال ذلك، نحن نأمل أن يصل الكتاب إلى جمهور أكاديميّ عريض يزيد من الحوار ويعزّز من البحث في مجالات العلاقات الدوليّة في عالمنا العربيّ، ممّا يساهم في آفاق جديدة للتفكير والتطوير الأكاديميّ في هذا الحقل المعرفيّ.
(*) كيف تنظر كباحث أكاديميّ إلى حقل "علم السياسة" بشكلٍ عامّ، وحقل "العلاقات الدوليّة" على وجه الخصوص، في الجامعات العربيّة، خاصّة وأنّك أشرت في مقدّمة الكتاب إلى أنّنا لا نزال بعيدين عن بلورة منظور عربيّ لفهم الظواهر الدوليّة؟
على الرغم من التطوّر النسبيّ في حال علم السياسة في البلدان العربيّة خلال العقود الثلاثة الماضية، إلّا أنّه ما زال علم السياسة في مرحلة الترجمة والتلقّي واستيعاب الفكر الغربيّ والتوليف على أساسه، أكثر ممّا هو في مرحلة الإبداع، أو بلورة منظور عربيّ لفهم الظواهر الدوليّة. وهذا بطبيعة الحال لا يعني انعدام إسهامات عربيّة في مجال التنظير في حقل العلاقات الدوليّة، ولكنّها إسهامات قليلة نسبيًّا، مقارنةً بما يجري نقله من لغات أجنبيّة إلى اللغة العربيّة. في هذا السياق جاء تأليف هذا الكتاب الذي يسعى إلى سدّ فجوة معرفيّة في حقل العلاقات الدوليّة حديث النشأة مقارنةً بالحقول المعرفيّة الأخرى في العلوم السياسيّة. إذ أنّ جلّ المفاهيم والمصطلحات والنظريّات والمداخل الجديدة فيه تأتي من هذه المجتمعات ما دامت دراسةُ العلوم السياسيّة في صورتها الحديثة أقدمَ عهدًا في المجتمعات الغربيّة، وهو ما يستدعي التعرّف إلى تلك المقاربات النظريّة المهمّة في هذا الحقل، وفي مقدّمتها الواقعيّة، وفهمها، والاشتباك معها نقديًّا، على نحو قد يُسهم مستقبلًا في تقديم مساهمات أصيلة في حقل العلاقات الدوليّة.
(*) ما هو مشروعك القادم على صعيد البحث والتأليف؟
أعمل حاليًّا على مشروع بحثيّ أرصد فيه تطوّر حقل العلاقات الدوليّة عربيّا، وكيف تعاملت النخب الفكريّة في المنطقة العربيّة في مطلع القرن العشرين مع الأحداث الكبرى التي شهدتها المنطقة كالحرب العالميّة الأولى (1914-1918)، وانهيار الدولة العثمانيّة والتغيّر في بنية النظام الدوليّ ومؤتمر الصلح في باريس عام 1919؟ حيث أجادل في هذا البحث بأنّ النخبة الفكريّة عرفت مفهوم العلاقات الدوليّة قبل الاصطلاح عليه بوصفه حقلًا معرفيًّا جرى التأسيس له في بريطانيا بعد الحرب العالميّة الأولى. وقد بنت تصوّرًا عن "حقل العلاقات الدوليّة"، قبل أن يصبح مفهومًا يدرك بالمعنى الدلاليّ ضمن مجموعة من الخصائص المفهوميّة العلائقيّة التي تمكّننا من أن نضبط محتوى المفهوم. كما أعمل على رصد واقع حقل العلاقات الدوليّة عربيًّا بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية (1939-1945) وبدء استقلال الدول العربيّة التي شرعت في تأسيس كلّيّات ومعاهد للعلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة، وما حدود الاختلاف بين تعاطي النخبة في الفترة (1900-1950) مع الظواهر الدوليّة والنخبة الأكاديميّة في الفترة التي تلتها.