وفي كل مرة أقرأ فيها نعومي في قصيدة، أتخيل أن معرفتي بها تلمسني في العمق. فأدرك أن الشعر لقاء من نوع آخر... أشعر أني أود أن أخبرها أشياء كثيرة حين أقرأ قصائدها مترجمة وأحيانًا بالإنكليزية، وأن هناك حديثًا مؤجلًا في دهشتي بعد قراءة قصيدة "الطيبة"، التي أعيدها دائمًا وخاصة حين تقول: "قبل أن تعرف ما هو الحنان/ يجب أن تخسر أشياء/ أن تحس المستقبل وهو يذوب كلمح البصر...".
لدى الشاعرة نعومي رؤيتها المتفردة واقتراحاتها الجمالية حول الكتابة، وما عرفته مؤخرًا أن نعومي تشرف على الكتابة الإبداعية في مناطق كثيرة لأعمار مختلفة وحاليًا تعمل كأستاذة في الجامعة وتدرس الكتابة الإبداعية.
وفي قصيدة أخرى "أثناء الطوفان"، تقول نعومي: "تنظر الذاكرة إلى صورتها العميقة في رأسي/ هل للعالم الواسع، فكرة عن وجود طريقين/ واحد لهم وواحد لنا".
استوقفتني قصيدة نعومي وجعلتني أهمس لذاتي أن هناك طريقين في هذا العالم، وربما علينا إيقاع الحاسة التي تعي المشي في طريقنا في كل مكان.
عاشت طفولتها وهي تتنقل بين فلسطين وتكساس، وفي طفولة الكلمات، كانت الأمكنة تتداخل. راسلت نعومي عبر الإيميل لأطرح عليها هذه الأسئلة القادمة من شعوري أن في داخل كلمات نعومي حنانًا أصيلًا وحوارًا مع طفولة الأشياء كلها.
(*) كشاعرة فلسطينية في المنفى، هل يشكل الشعر، بالنسبة لك، وطنًا، بيتًا أو ربما مكانًا مطمئنًا...
أتشرف أيضًا في هذا الحديث، لأني أيضًا لاجئة، والحديث معك هو تجربة مهمة بالنسبة لي. أحزن كثيرًا لما يتعرض له الفلسطينيون اللاجئون في كل مكان في العالم وأحزن، كيف يفسر هذا العالم الاقتلاع. نعم، الشعر موطني وبيتي، أسكن في اللغة، رغم أني ولدت في الولايات المتحدة الأميركية، لكنني أشعر أن الشعر هو موطن الأسئلة الحقيقية والاهتمام بها وبكل مكان في العالم.
(*) في قصيدتك "الحنان" تقولين: "حتى تعرف ما هو الحنان عليك أن تخسر أشياء"، فهل الشعر طريق الخسارة بالنسبة لك؟ أم أنه طريق الحنان؟
الشعر يؤمن بالخسارة، ويساعدنا كي نضعها في سياقات مختلفة حتى نستطيع أن نحيا، إنه يساعدنا على رؤية الخسارة، ولكن الشعر نفسه ليس خسارة. بل هو حزن من نوع آخر، معظم الناس لا يعرفون كيف يسمحون له بالدخول إلى حياتهم.
بالطبع لا وجود للشعر، في أقبية عالم السياسيين في الولايات المتحدة، لأنه ليس حربًا ومعارك وقسوة. إنه طريقة للحب، والتواصل، والإنقاذ، والتأسيس والبناء.
(*) في زمن المجازر والإبادة، كتبت قصائد كثيرة جميلة، هل من الممكن أن نعود إلى الكلمات كمأوى أخير في زمن التدمير الذي نحتاج فيه إلى الحركة والبناء والعمل؟
لدينا الكثير من العمل من أجل التغيير، لا أعرف من أين تكون البداية، أعتقد أن الشعر هو اللغة التي تهيئ التواصل من أجل ذلك مع مجتمعات أخرى.
(*) يقول الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس إن الكلمات مثل الحجارة ويمكننا بناء العالم بالكلمات...
نعم، الكلمات يمكنها أن تكون حجارة، هواء، دمًا، ضوءًا، الطرقات... نتمنى أن نبني عوالم أفضل بالنسبة لنا، خاصة الأطفال، لأنهم يستحقون عالمًا أفضل من هذا العالم الكئيب الذي نحيا فيه.
(*) أنا مهتمة جدًا بأنك مدربة وأستاذة في الكتابة الإبداعية، هل تلك الورشات التي كنت وما زلت تقومين بها، هي تمرين على الإبداع في عموم مجالاته؟
نعم دائمًا، لأن الأطفال عندما تكون ثقتهم في صوتهم الخاص، يعرفون أن بإمكانهم فعل أي شيء. تمامًا كما يفعل أطفال غزة على الانستغرام... كان أستاذي دائمًا يقول إن أصواتنا هي تذكرتنا، معظم الشعراء الفلسطينيين آمنوا بذلك. كانت أصواتهم مهمة جدًا للعالم في تلك الأوقات الصعبة والمرعبة التي مرت فيها البلاد.
(*) في قصيدة "جميلة جدًا" تقولين بأننا ننظر إلى الأشجار لتصبح أعيننا رقيقة أكثر؛ هل ينقذ الجمال العالم؟
أستعيد هنا قولًا للشاعر الراحل حسين البرغوثي أشار فيه إلى أن الجمال لا ينقذ العالم بل إن الجمال في العالم ينبغي إنقاذه. وأتمنى ذلك، لقد أعطانا العالم الطبيعي الكثير. وعلينا أن نحميه لنحمي أرواحنا.
(*) كشاعرة وأستاذة جامعية تدرسين الكتابة الإبداعية، هل تعتقدين أن على أجيالنا الجديدة أن تعرف الشعر في كل مكان في العالم؟
نعم، بالطبع. أعتقد أننا جميعًا علينا قراءة الشعر في كل مكان في العالم ومن ثقافات مختلفة، لأننا بذلك نعرف طبيعتنا الإنسانية ونتعرف عليها.
سأشكر بالاسم الشاعر مصعب أبو توهة ورفعت العرعير وكل شعراء غزة لأنهم أضافوا شيئًا مهمًا لهؤلاء الذين لا يعرفون الكثير عن فلسطين.
(*) ماذا يعني لك الصمت كشاعرة وكفلسطينية؟
إننا نحتاج لهذا الصمت لنستعيد أنفسنا، وأنا أؤمن بقوة باليوغا، وبالصلاة التي تجعل أرواحنا تصغي وتستمع، ولكن الصمت الجماعي في وجه الإبادة مرعب. كل من لا يتحدث شيئًا بالنسبة للإنسانية عليه أن يخجل.