}

صفاء سالم إسكندر: التكنولوجيا حولتنا إلى أحجار

دارين حوماني دارين حوماني 8 أبريل 2025
حوارات صفاء سالم إسكندر: التكنولوجيا حولتنا إلى أحجار
صفاء سالم إسكندر


ثمة ما يلفت في تجربة الشاعر والرسام العراقي صفاء سالم إسكندر، فحين يرسم نشعر أننا نقرأ قصيدة، وحين يكتب الشعر نشعر أننا نقرأ لوحة فيها توطين لكثير من المعاني. وفي مقابل ذلك، يشتغل في أعماله الفنية على تضمينها شعرًا لنقع على ثنائية نادرة تخاطب القارئ في أكثر من اتجاه... يقول عن ذلك في حوارنا معه "الفكرة من ذلك هي اختزال ما تم إلغاؤه". ولا يمكن فصل تجربة إسكندر عن أحوال العراق بعد تبدّل وجه الحرب بأكثر من طريقة فإذ بالموت والخوف يتصاعدان من هنا وهناك داخل نصوصه الشعرية الأخيرة: "ضد الحب نهاية الأشياء" التي صدرت مؤخرًا عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق. ولصفاء سالم إسكندر خمس مجموعات شعرية أخرى هي "الكون قبر لوحدتي"، "تنغيم سيرة الوردة"، "أغنيات لليوم التالي"، "سأم بغداد"، و"غرفة القارئ"، وكتاب يوميات "حيث أبدأ وأنتهي"، وروايتان "طفولة چان" و"عمتي وأنطون تشيخوف". تُرجمت مختارات من نصوص إسكندر إلى الإسبانية، والإيطالية، والفارسية. كما أقام معرضًا فنيًا في مدريد تحت عنوان "موسيقى شرقية"، وشارك في معرض فني مشترك في هولندا تحت عنوان "لا حرب بل فن" مع التشكيلي الإيراني نيما خدايار.

عن إصداره الشعري الأخير وأعماله الفنية كان لنا معه هذا الحوار:

(*) مجموعتك الشعرية الأخيرة تحمل هاجس الحرب والخوف والموت "مثل أي عراقي في الحرب، يهرب من وجوده" كما تعبّر، هل إن الشاعر لا يمكن أن يقتلع ذاته من واقعه، أم أنك تفكر في دور الشاعر أو الرسام كشاهد على الأحداث؟

الكتابة عن الموت هي كتابة ضد الموت؛ الموت بمفهومه الأرضي، وهذا الأمر لا يحتاج إلى تحليل، وعندما أريد التحدث أو الكتابة عن السلام لا أجد كلمة تحقق لي ذلك، لأن الزيف سيبدو واضحًا وجليًا، لكني مع ذلك كتبت عن الوردة، التي لا يمكن لي الالتفات لها في زمن الحرب، إشارة إلى الأمل، مع ذلك ثمة لائحة بانتظارنا، السؤال الدائم هو ما القادم، نحن لا نعرف ذلك...

أمام المشاهد اليومية للحرب والدمار الهائل، لا ينتهي هاجس الخوف. خصوصًا وأنه ثمة استخفاف بالإنسان العربي لدرجة لا يمكن وصفها، لا أخلاق ولا مفاهيم حقيقة. هذه هي الأزمة الكبيرة التي نعاني منها، ومن المستحيل أن يعالج الأدب أو الفلسفة ذلك، لكن وجود الأديب أو المفكر أو الرسام ضروري كشاهد حرب.

ثمة دمار هائل في روح ونفس كل إنسان حقيقي، هذا الاشتراط الذي يجب أن تتلاءم معه المفاهيم الجديدة، إذا كنا نقصد السلام.

من مؤلفات صفاء سالم إسكندر 


(*)
في مجموعتك تحضر روح السياب، سعدي يوسف، سركون بولس، فروغ فرخزاد، محمد الماغوط، وغيرهم... ما الذي يمثّله وجودهم داخل نصوصك، هل تشعر بأنك تحاورهم، أم أن تأثيراتهم عليك تفرض نفسها؟

القصد أني يوما حاولت أن أكون مثلهم، لكن الأمر صعب، على الأقل قصائدهم عاشت معي وعشت معها، سواء في الأيام السعيدة أو التعيسة، لكن تظل بالنسبة لي لغة سعدي هي الساحرة، وشاعرية ريلكه هي الأقوى رغم أنكِ لم تأت على ذكره ولا أنا حتى في نصوصي، القصد أن يتنفس معك شاعر آخر، هو أكبر وأبلغ منك.

(*) تقول إميلي ديكنسون "سوف أخبرك بكل شيء/ كيف فُقد الشعر.../ وكيف هدأ الحزن ونام قليلًا/ كأن روحي صماء/ ولم يكن بوسعي سوى أن أرسم إشارات..."، كأن فقدان الشعر أدى إلى ولادة شكل آخر من الإبداع. هل ترى أن الإبداع قادر على التحول بين أشكاله المختلفة عندما يخفت أحدها؟ أو يتعامل مع الفجوة التعبيرية؟

حتى أكون صريحًا، بعد هذه المشاهد من الحروب والقتل والدمار، هل غيّر الأدب أو الفن شيئًا من العالم؟ الجواب: لا.

ليس لأن طريقة الأدب أو الفن لا تعتمد على الحوار النفسي، لكن الكلمة الفصل اليوم ضائعة، بسبب خليط المشاعر، وبسبب ضياع القيم، والاشتغال على إثبات الحضور بأي طريقة كانت مهما كانت رخيصة، أين الذات، والمعنى؟ أين الفضاء الذي لنا أن نعيش فيه بسلام كبير؟



(*) أغلبية نصوص المجموعة بلا عنوان، وهي ومضات تأتي على طريقة الإشارات التي تحدثت عنها ديكنسون، لماذا يمثّلك هذا المزاج الشعري؟

حتى يتأكد المرء من بقائه متغيرًا، وفي منطقة الخيال التي يتجاوز فيها نفسه، وهنالك جواب آخر، صعوبة العناوين.

(*) "لم تكن المدن صغيرة/ الوحدة أخذت مكانًا أكبر"، عبارتان وحدهما قصيدة، ووحدهما تعبّران عن الكثير من الاغتراب في دواخلنا، هل تشعر بالوحدة في العراق اليوم؟

لأن الوحشة أكبر من أن يبدو هذا العالم جميلًا؛ التكنولوجيا حولتنا إلى أحجار، لكن ما يبقينا هنا بمنتهى هذه العزيمة هي القصص الجميلة والخوف، من أجل هذا ثمة نسيان وظلام عظيم، وأحلام تدفعنا بعيدًا لتجاوز ما يمكن تجاوزه، بعد هذا أين المعنى الحقيقي للحياة؟ نحن نعيش في معسكر كبير، فإما أن يكون السجين مع الجماعة أو يعيش في عزلة من اختياره، لكنها عزلة غير كاملة، خاضعة لسيطرة الجماعة. بطبيعة الحال أمام ما يحصل يوميًا من قتل وذبح، نتفرج فقط، وذلك الموقف هو أقسى ما يكون، لا منطقة للحياد، إما ضد الشر أو مع الخير، لكن المشكلة حتى التعريف المنطقي للخير والشر تغيّر، ثمة تهجين لفطرة الإنسان.

(*) أنت رسام وشاعر، تمتد تجربتاك بموازاة بعضهما، من بدأ أولًا فيك، وهل هي عملية ترتبط بالخيط الواعي فيك لاختيار أسلوب التعبير عن نفسك؟

بالتأكيد، كل طفل يبدأ مع الرسم، الألوان اكتشاف مذهل للمشاعر، فيما بعد جاء الشعر ليمثل مرحلة أخرى من التعبير عن الحب أو الغضب، وإن ثمة توافقًا يرجح كفة الأشياء هنا، وهذه هي الحركة التوليدية للإبداع، لكن المستحيل أن الأشياء لن تكتمل أبدًا، وهذا ما يحفز الهائل فينا، مهما كانت قيمته، لكن تحويل المعطيات المادية إلى معطيات روحية هي واحدة من أعظم المقاصد اللغوية للإبداع.

من أعمال صفاء سالم إسكندر 


(*) ثمة رسامون رسموا بعد قراءة قصيدة وثمة قصائد كُتبت بعد قراءة لوحة، مع صفاء سالم إسكندر نقرأ القصيدة مع اللوحة، كيف تعيش هذه التجربة؟ وهل يحملان الصوت نفسه؟

الفكرة من ذلك هي اختزال ما تم إلغاؤه، أن يُقرأ النص من خلال الألوان لا من خلال الكلمات فقط، تلك ميزة إضافية ودخل آخر للنص، أن تجد هذه الآثار وهذه الدلائل للتعبير عن الأجواء والكيفية التي رسم من خلالها الشاعر قصيدته/ نصه، حتى يتلقى جوابًا عن هذا الذي دفعه إلى هذه المنطقة الساحرة، وهذا الاكتساب خارج حدود التناقضات.

 (*) ثمة شخوص ترسمها على شكل خطوط خارجية مع فراغ هائل داخل الشخص، كأنك تركزّ على الفراغ وتقول هذا الفراغ ممتلئ، وهذا أمر نادر في عالم الرسم، ما غايتك الحقيقية من ذلك؟

غايتي الفراغ نفسه.

(*) هل هناك خلاف في اللوحة حول "وزن" أو "إيقاع" في اللوحة كما هو موجود حول الشعر؟ وهل لديك مدرسة محددة في الرسم تمثلك؟

أنا لست رسامًا بالمعنى الاحترافي أو الأكاديمي للمفردة الحقيقية التي تمثله هذه الكلمة، لكني أجد ما يعبّر عني من خلال الألوان والخطوط، وهذه هي المنطقة الحرة بدون أي إحالة حتى أشير إلى حضوري، من خلال هذا الفراغ الذي يمثل منطقة مجهولة، ولغة غير معروفة القصد، ربما الفراغ تكملة لهذا الذي نحن فيه، أو منطقة الأرواح التي تغادر هذا العالم.

(*) تأثيرات الحرب الأميركية على العراق كثيرة، ثم تجربة داعش القاسية على الشعب العراقي، ثم المحاولات الخارجية لتأجيج الطائفية، أين هي التجارب الشعرية والتشكيلية العراقية اليوم من كل ذلك، هل أثّرت على المسيرة الإبداعية؟

بالتأكيد، ما شغلني، وشغل نصوص أبناء جيلي، هي ثيمة الموت، هذا مع اعتراضات كثيرة، رغم أن الإشارة إلى الموت هي تأكيد على وجود الشاهد ووجود الحياة. العراق، أرض عرض، لطالما كان الموت فيه مجانيًا، وفيه الكثير من القصص التي  تجبرنا على احتمال الأسوأ... والأسوأ.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.