}

غابي بطرس: الفن الحقيقي ذو رسالة إنسانية

حوارات غابي بطرس: الفن الحقيقي ذو رسالة إنسانية
غابي بطرس


شهد مسرح Oscar Peterson Concert Hall في جامعة كونكورديا بمونتريال يوم 23 أيار/ مايو 2025، عرضًا موسيقيًا تكريميًا لأم كلثوم لمرور خمسين عامًا على رحيلها (عام 1975)،  قدّمته كلّ من الفنانة العراقية رانيا جمال والفنانة اللبنانية نجوى طنوس، وذلك بتنظيم من "موسيقى بلا حدود" Music without Borders في كندا بإشراف الموسيقي الكندي السوري غابي بطرس، وبرعاية "الجمعية العراقية الكندية في مونتريال".

شهد الحفل حضورًا كبيرًا من مختلف الجاليات إضافة إلى حضور كندي (كيبيكي) بارز، كما وشهد تفاعلًا واسعًا من الجمهور، حيث غنّت نجوى طنوس "بعيد عنك"، "أنساك"، "سيرة الحب"، "القلب يعشق"، و"إنت عمري"، كما غنّت رانيا جمال "أمل حياتي"، "هذه ليلتي"، و"ألف ليلة وليلة". أخذتنا كل واحدة منهما إلى زمن أم كلثوم تمامًا، فلم تكتفيا بإعادة إحياء التراث، بل أعادتانا إلى الجذور الأصيلة للموسيقى، بعيدًا عن هشاشة ما تكدّست به أذهاننا في عالمٍ بات يحتفي بالتفاهة.  

أسّس غابي بطرس منظمة "موسيقى بلا حدود" في كندا عام 2023 بالشراكة مع اللبنانية جنى ضاهر في مدينة مسيساغا في مقاطعة أونتاريو. وهذه المنظمة لا تُعنى فقط باستعادة التراث الموسيقي العربي والحفاظ على الهوية الموسيقية العربية، بل تُعنى أيضًا بتقديم موسيقى الشعوب.  وقد قدّمت "موسيقى بلا حدود" في أوقات سابقة عددًا من الأعمال الفنية منها مسرحية "سهرة حب" للأخوين رحباني، وأمسية غنائية بعنوان "عالضيعة" وهي مختارات من الفولكلور والأغاني لفيروز، صباح، وديع الصافي، نصري شمس الدين، وزكي ناصيف. كما استعادت "موسيقى بلا حدود" أغاني للكثير من عمالقة الغناء العربي مع أصوات نقية وطربية، منها "تحية إلى بليغ حمدي".

نجوى طنوس ورانيا جمال تتوسطان الفرقة الموسيقية في اختتام الحفل، وإلى جانبهما غابي بطرس (يسار)


وغابي بطرس هو مؤلف وموزّع موسيقي وعازف غيتار، أصدر ثلاثة دواوين موسيقية: "حب وقصيدة"، "أغاني المهجر"، "أغاني العشق الإلهي"، ويعمل حاليًا على إنتاج ألبوم جديد بعنوان "حب دمشقي"، وفي كل ألبوم منها تترافق الموسيقى مع قصائد لأبرز شعراء التراث والشعراء المعاصرين.

تتميّز تجربة غابي بطرس بأنه يجمع بين الإبداع الفني والعمل الثقافي، وفي هذا الحوار، يحدّثنا عن مشروعه الموسيقي، ويرى في الفن رسالةً ثقافيةً وإنسانية لا تنفصل عن قضايا الهوية والحنين والانتماء، والأهم أنها تساهم في تقارب الثقافات.
هنا الحوار معه:

(*) حدّثنا عن بداياتك وظروف انتقالك إلى كندا؟

في بداياتي، بدأتُ بتعلُّم العزف على آلة الغيتار، وكنت آنذاك في دمشق. ثم التحقت بالمعهد العالي للموسيقى. خلال سنوات الدراسة الجامعية، بدأ اهتمامي بالموسيقى الشرقية يزداد، على الرغم من أنني في البداية كنتُ مركّزًا أكثر على الموسيقى الكلاسيكية الغربية.

وأثناء دراستي في المعهد، لفت انتباهي مدى غِنى الموسيقى الشرقية لدينا وكم هو جميل أن يتقن الإنسان هذه الموسيقى ويقدّمها بشكل راقٍ أمام الثقافات الأخرى. لذا، بدأت أتعلمها بعمق أكثر. لاحقًا، اضطررت لمغادرة سورية بسبب الأوضاع السياسية، وواجهت بعض المشاكل عام 2015 نتيجة لمعارضتي للنظام السوري. أصبحت مهدّدًا في حال بقيت في سورية، فغادرت إلى لبنان، حيث شاركت في ورشة فنية نظّمتها عازفة الغيتار سوزان ماكدونالد. وعندما علمت بقصتي وبالخطر الذي كان يهددني، خصوصًا أنني لم أكن في أمان حتى في لبنان، ساعدتني على السفر إلى كندا عبر منظمة تُدعى Artist Protection Fund، هذه المنظمة تعمل على دعم الفنانين الذين يعيشون في مناطق نزاع، ولديهم مشاريع موسيقية لا يستطيعون استكمالها بسبب ظروف الحرب، فتؤمّن لهم الانتقال إلى بيئة آمنة تمكّنهم من متابعة مشاريعهم.

كان الخيار هو كندا، بفضل العلاقة التي كانت تربط سوزان ماكدونالد بجامعة فيكتوريا في مقاطعة بريتيش كولومبيا، حيث تم ترتيب شراكة معيّنة مع الجامعة التي استضافتني. سافرت إلى كندا عام 2019 في منحة استمرت قرابة عام، قدّمت خلالها عددًا من الحفلات الموسيقية عبر هذه المنظمة، وكانت فرصة للتعرف إلى مختلف المدن الكندية، إذ قدّمت نحو أربعين حفلة موسيقية في تلك الفترة.

ولكن بعد انتهاء المنحة، للأسف بدأ وباء كوفيد، وتوقّف نشاطنا كموسيقيين إلى حدّ كبير. في تلك الفترة، انتقلت إلى أونتاريو. في بريتش كولومبيا لم تكن هناك جالية عربية كبيرة، ولذلك لم أكن أركّز كثيرًا على الموسيقى العربية في الحفلات التي قدّمتها هناك، بل كانت في الغالب موسيقى كلاسيكية تستهدف مختلف الثقافات الموجودة في كندا. أما بعد انتقالي إلى أونتاريو، وجدت أن هناك جالية عربية كبيرة ونشطة، وتمكنت من بناء علاقات جيدة معهم. وهذا ما أتاح لي لاحقًا أن أؤسس منظمة "موسيقى بلا حدود"، التي تهدف إلى تقديم موسيقى من ثقافات متعددة، خصوصًا ثقافات المهاجرين في كندا، وتقديمها بشكل راقٍ أمام المجتمع الكندي، الذي هو في الأساس مزيج من هذه الثقافات.

(*) ما الذي دفعك لتأسيس هذه المنظمة الموسيقية؟

هناك سببان رئيسيان. الأول، أنني، مثل كثير من المغتربين، أشعر بشغف دائم بالعودة إلى الجذور الثقافية، وأرغب في عرضها أمام الثقافات الأخرى بشكل لائق ومشرّف. أما السبب الثاني، فهو ضعف الحضور الموسيقي العربي في كندا عمومًا. لم تكن هناك جهات تمثّل موسيقانا بشكل سليم، أو تعكس جمالها وأهميتها، كما ينبغي.

كما ذكرتُ سابقًا، نحن كمغتربين نحب أن نفتخر بثقافتنا، ونُظهر أن لدينا موسيقى راقية وحضارة غنية. لذلك شعرت بالحاجة إلى كيان يمثّل الموسيقى العربية في هذه المنطقة. من هنا، انطلقتُ في مشروع "موسيقى بلا حدود"، الذي توسّع لاحقًا، وأخذ منحًى أوسع، ليصبح منصة لتقديم موسيقى الشعوب، مع تركيز خاص على الموسيقى العربية، لكوننا من هذه المنطقة.

لكننا لم نحصر أنفسنا بالموسيقى العربية فقط، بل قدّمنا حفلات موسيقية من ثقافات مختلفة، موسيقى أميركا اللاتينية، وموسيقى إيرانية وتركية، نحن نسعى دائمًا إلى التقريب بين هذه الثقافات، وتقديمها بشكل فني يجمع بينها.

بشكل عام، هدفنا هو تقديم موسيقى الشعوب بأسلوب جميل، وعرضها أمام المجتمعات المتنوعة في كندا، لتعزيز التفاهم والتقارب الثقافي.

شهد الحفل حضورًا كبيرًا من مختلف الجاليات إضافة إلى حضور كندي (كيبيكي) بارز



(*) كيف تختارون الأغاني التي تعيدون تقديمها؟ وما هي المعايير التي توجّه هذا الاختيار؟

"موسيقى بلا حدود" هي منظمة غير ربحية، وقد تعمّدت أن تبقى كذلك لأنني منذ البداية أردت لها أن تُعنى بالموسيقى الجادّة، وليس الموسيقى التجارية أو الهابطة، التي انتشرت بعد الثمانينيات، والتي لا أراها تمثّل ثقافتنا الحقيقية.

هناك معايير واضحة لاختيار الأغاني. أولًا، يجب أن تكون الموسيقى أصيلة، تنتمي إلى التراث الموسيقي العربي. وثانيًا، يجب أن تتوافر فيها مقوّمات موسيقية رفيعة، من حيث اللحن، التوزيع، والكلمات. على سبيل المثال، عندما نختار عملًا لمحمد عبد الوهاب، لا نأخذ أي أغنية بشكل عشوائي، لأن حتى عبد الوهاب نفسه قدّم في بعض فترات حياته أعمالًا خفيفة تُعرف بـ"الطقطوقات". نحن لا نحكم على هذه الأعمال بالجودة أو السوء، فلكل شخص ذوقه، ولكن هدفنا هو الحفاظ على الموسيقى الكلاسيكية الراقية، التي بدأت للأسف بالتلاشي، ولم تعد الأجيال الجديدة تعرفها.

نحن نسعى للحفاظ على هذا التراث لأسباب عدّة، أهمها أنه مصدر فخر للمغتربين، وثانيًا لأننا نحاول من خلال حفلاتنا أن ننقل الحضور ليس فقط زمنيًا، بل مكانيًا أيضًا؛ أي أن نجعل المستمع يشعر وكأنه عاد إلى بلده، واستعاد مشاعر قديمة عاشها هناك. لذلك، فإن اختيار الأغاني يستند إلى معايير صارمة من حيث القيمة الموسيقية، والتراث الفني، والرسالة الثقافية التي تحملها.

(*) ما أبرز التحديات التي تواجهونها؟

دعيني أقول إنّ أول تحدٍّ نواجهه هنا، للأسف، هو عدم وجود موسيقيين عرب محترفين. هناك موسيقيون، لكنهم هواة، وهؤلاء موجودون بكثرة. أما الموسيقيون العرب المحترفون، فهم قلّة قليلة، وموجودون فقط في بعض المناطق.

دائمًا التحدي الأكبر بالنسبة لنا هو أن نجمع هؤلاء الموسيقيين والمغنين في حفلة واحدة. كما قلت، هم محدودون، وفي الوقت نفسه لديهم ارتباطات. فهذا أصعب تحدٍّ: أن تجد موسيقيًا، وبعد أن تجده، أن يكون متاحًا في اليوم المحدد للحفلة، وهذا أمر مهم. هذا هو التحدي الأول.

أما التحدي الثاني، فهو جذب الجمهور، بما أنّنا نقدّم موسيقى جادة نوعًا ما أو كلاسيكية. فالجمهور هنا منقسم إلى نصفين: نصف ما زال يحب أن يسمع هذه الأغاني، مثل أغاني أم كلثوم، وصباح، وفيروز، وعبد الوهاب، وهؤلاء من السهل الوصول إليهم وجذبهم للحفلات. أما النصف الآخر، الذي تأثر أكثر بالموسيقى الحديثة، فمن الصعب استقطابه، وهذا تحدٍّ نواجهه.

وهناك أيضًا تحدّي الوصول إلى الأجيال الجديدة التي نشأت هنا في كندا، وجذبهم لحضور الحفلات، لأنّ أحد أهدافنا أن تتعرّف هذه الأجيال إلى موسيقاها، وأن تحبّها كما نحبّها نحن. لذلك نواجه بعض الصعوبة في استقطاب هذه الشريحة، لكن هناك نجاح يتزايد مع الوقت في هذا الجانب.

(*)  هل واجهتم تحديات مالية في تنفيذ هذا المشروع واستمراريته، خاصة وأنه يتطلب تنقلًا وإنتاجًا موسيقيًا مستمرًا؟

نعم، التحدي المالي من أصعب ما واجهناه، خصوصًا في السنوات الأولى. لكنني درست التجارة والاقتصاد إلى جانب الموسيقى، ولدي فكرة عن كيفية إدارة المشاريع ماليًا. أعلم أن أي مشروع يحتاج إلى وقت حتى يثبت وجوده، ولا يجب أن تتوقعي منه أرباحًا منذ البداية، بل عليك دعمه حتى يقف على قدميه، ثم يبدأ لاحقًا بتغطية نفقاته.

واجهنا صعوبات مالية كبيرة، ولا تزال موجودة حتى اليوم، خاصة عند السفر. وكندا بلد يعتمد على الطيران، لكن أسعار الطيران فيها، للأسف، غير مدروسة، وهذا يُشكّل عائقًا كبيرًا أمام تقديم عروض في مدن أخرى. نفكر مرارًا قبل السفر إلى فانكوفر أو مونتريال بسبب ارتفاع التكاليف.

لكن ابتداءً من هذا العام، بدأنا بالحصول على دعم من الدولة على شكل منح مالية لإقامة حفلات في مقاطعات مختلفة داخل كندا، وكذلك لتنظيم مهرجان سنوي نُطلق عليه اسم "مهرجان موسيقى بلا حدود". في هذا المهرجان نستضيف فرقًا موسيقية من ثقافات متنوعة تقدم عروضًا مختلفة. يُقام المهرجان بين شهري أكتوبر ونوفمبر، ويمتد لعدة أسابيع، حيث تُنظم حفلات كل يوم سبت وأحد، وذلك في أونتاريو فقط، وتحديدًا في تورونتو وميسيساغا.

غابي بطرس يقود الأوركسترا التي أسّسها في أحد عروضه الموسيقية السابقة



(*) تنظّمون حفلات للموسيقى الشرقية والفارسية والتركية ومن أميركا اللاتينية وغيرها، فهل يتوفر الموسيقيون والآلات الموسيقية لهذه الأنماط في كندا؟

بالنسبة للموسيقى التركية، للأسف، يعاني المجتمع التركي من المشكلة ذاتها، وهي قلّة عدد الموسيقيين المحترفين الأتراك الموجودين هنا. أما الجالية الإيرانية، فهي تحتوي على عدد كبير جدًا من الموسيقيين الإيرانيين، وذلك يعود لأسباب سياسية، إذ كان من الصعب في إيران تقديم الموسيقى بسبب التشدد الديني من قبل الدولة. فهاجر أغلب الفنانين إلى خارج إيران، وهم موجودون هنا بكثرة. لذلك من السهل جدًا أن نجد موسيقيين إيرانيين محترفين وعلى مستوى عالٍ.

(*) هل لا تزال الحفلات التي تقدمونها محصورة في فضاء الجالية العربية، أم أنها بدأت تتجاوز حدود اللغة والثقافة لتصل إلى جمهور كندي أوسع؟

في كل حفلة، كنت أفاجأ أنه بعد انتهائها وخروجنا للقاء الناس، يأتيني أشخاص من ثقافات أخرى، لم أكن أتخيّل أنهم سيحضرون. مثلًا، الإيرانيون هم ثاني أكبر جمهور يحضر حفلاتنا، لأنني اكتشفت أن الإذاعة الإيرانية كانت تبث في فترة ما أغاني أم كلثوم، فأصبحت جزءًا من ذاكرتهم، رغم أنهم لا يتحدثون العربية بطلاقة. هم تعلّموا العربية كلغة قرآن، لكنهم لا يفهمونها جيدًا، ومع ذلك، أم كلثوم موجودة في ذاكرتهم. فدائمًا، في أي حفلة لمؤلف أو مطرب مصري، نجد إيراني".." مثلًا، أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.

كذلك هناك جمهور من أميركا الجنوبية، وذلك بسبب انتشار الرقص الشرقي هناك، حيث أُنشئت مدارس لتعليم الرقص الشرقي، حتى هنا في كندا. الأغاني التي يسمعونها في هذه المدارس غالبًا ما تكون أغاني مصرية، وخصوصًا لأم كلثوم أو من تأليف محمد عبد الوهاب، الذي كان يضم مقاطع موسيقية مناسبة للرقص. لذلك، عندما يسمعون أن هناك حفلة لأم كلثوم، يحضرون بكثرة، أحيانًا يأتي أساتذة مدارس رقص مع طلابهم لحضور الموسيقى مباشرة.

وهناك شريحة أخرى تحب استكشاف موسيقات جديدة، مثلًا قدّمنا مؤخرًا حفلة بعنوان "ديوان العشق الإلهي"، قدّمنا خلالها موسيقى وشعرًا صوفيًا باللغة العربية، وجدنا شرائح مختلفة من الناس، كان أغلب الحضور غير عرب: باكستانيون، إيرانيون، هنود، وكنديون من أصل أوروبي. هؤلاء لديهم رغبة حقيقية في التعرّف على الثقافة العربية والشعر العربي.

(*) أين الجيل الجديد من هذا التراث؟ هل لمستم حضورًا للشباب العرب؟

هذا الأمر يتطور من حفلة إلى أخرى. مثلًا، في حفلة أم كلثوم في مونتريال، كانت هناك شريحة كبيرة من الشباب، بعضهم وُلد هنا ولا يعرف اللغة العربية جيدًا. بعد الحفلة في مونتريال، التقيت بأشخاص أعمارهم بين 15 و20 سنة، لا يتحدثون العربية، لكنهم يفهمونها قليلًا، مثل أغلب الأطفال العرب الذين وُلدوا هنا، يفهمونها لأن أهلهم يتحدثون معهم بالعربية، لكن لا يتقنون التحدث بها.

ومع ذلك، كانوا مستمتعين جدًا بالحفلة، لأنهم، رغم ولادتهم هنا، تربّوا في بيوت ظلّت تسمع هذه الأغاني، فتكوّنت لديهم ذاكرة موسيقية مرتبطة بهذه الأعمال، وأصبحت جزءًا من ذاكرتهم.

(*) ما هو الدور الذي تعتقد أنّ الموسيقى العربية يمكن أن تؤديه في الحفاظ على الهوية الثقافية لأبناء الجاليات العربية هنا؟

كما يُقال دائمًا، الفن والثقافة هما آخر ما يتطوّر في أي مجتمع، لأن الإنسان عندما يكون غارقًا في أزمات سياسية أو اقتصادية أو حتى في مجاعات، لن يمتلك المساحة الكافية للتفكير في الشأن الثقافي أو الفني.

لكن وجود موسيقى متطوّرة، قادرة على أن تُقدَّم بصورة لائقة للثقافات الأخرى الموجودة هنا، يترك أثرًا إيجابيًا كبيرًا في أبناء الجالية المنتمين إلى هذه الثقافة. فالموسيقى هنا لا تكتفي بكونها وسيلة ترفيه، بل تُعيد ربط الناس بجذورهم، وتجعلهم يفتخرون بأصولهم، ويشعرون بانتماء أعمق إلى المكان الذي جاؤوا منه، وتُعزّز لديهم الرغبة في تقديم ثقافتهم والتعريف بها أمام الثقافات الأخرى.

(*) هل ترى أن عملك في المنظمة يتجاوز البُعد الفني ليحمل رسالة ثقافية؟

نعم، مائة بالمائة. فالفن دائمًا يحمل رسالة، وإن لم يكن يحملها، نُسميه، للأسف، فنًّا هابطًا، لأنه لا ينقل أي مضمون، حتى ولو كان مجرد رسالة إنسانية، برأيي، الفن لا يكون فنًا حقيقيًا إلا إذا حمل رسالة.

على سبيل المثال، ما لا يعرفه كثيرون عن أم كلثوم هو أن أغلب حفلاتها كانت تُقام لصالح دعم ميزانية الدولة المصرية، نظرًا لما كانت تمر به من أزمات اقتصادية. كانت تغني من أجل دعم الخزينة المصرية.

كذلك في لبنان، كان الرحابنة وزكي ناصيف شغوفين ببناء موسيقى تراثية لبنانية خالصة، حتى يتمكن اللبناني من القول: "هذه موسيقانا". ففي السابق، كانت الموسيقى في العالم العربي متداخلة بسبب الحقبة العثمانية، ولم يكن من الممكن التمييز بين موسيقى سورية أو مصرية مثلًا. لكن الرحابنة سعوا إلى تأسيس هوية موسيقية لبنانية، وكانت هذه رسالتهم؛ لم يكونوا يصنعون الموسيقى لمجرد صنعها، بل من أجل إيصال رسالة. لذلك، فالموسيقى تحديدًا، والفن عمومًا، يجب أن يحمل دائمًا رسالة هادفة.

(*) هل لديك حاليًا مشاريع موسيقية خاصة بك إلى جانب نشاطك مع المنظمة؟

الجزء الأكبر من وقتي مخصص للعمل في المنظمة، لكن ذلك لا يمنعني من ممارسة مشاريعي الخاصة. حاليًا أنا في طور تأليف عمل موسيقي بعنوان "حب دمشقي"، وهو جزء من سلسلة "الديوان الموسيقي" التي عملت عليها، ومنها ديوان عن "الحب والغزل"، ديوان عن "أغاني المهجر"، وديوان عن "العشق الإلهي".

هذا المشروع يُوثّق مجموعة من القصائد العربية ويلحنها بأسلوب كلاسيكي يُشبه موسيقى الزمن الماضي، وهو مشروع ألّفته مع صديقي حسام نعمان. يتضمن ديوان "أغاني المهجر" قصائد لشعراء المهجر الذين عاشوا ظروفًا شبيهة بظروفنا، ووجّهنا هذا العمل إلى جمهور عاش ظروفًا مشابهة لظروفنا. كلماته مليئة بالمشاعر، حنين، شوق، حزن، واشتياق. تعبّر عن الغربة، وكذلك الألحان التي وضعناها لها.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.