أطلقت أبو عقل عددًا من الأغاني منذ ذلك الوقت، وشاركت في عدد من المهرجانات، كما تحيي منفردة ريستالات دينية في الكنائس بمونتريال، وفي 25 نيسان/ أبريل الفائت كان الحفل الأول لها منفردة على مسرح "مارسلان شامبنيان" Marcellin Champagnat. حفل حضره عدد من النواب الكنديين والشخصيات الرسمية والدينية والفنان العالمي كورناي (Corneille) وقدّمت الحفل اللبنانية ساندرا الحلو.
على مدى ساعة ونصف الساعة، قدّمت كريستا ماريا أبو عقل مجموعة من أغانيها الخاصة والعديد من الأغاني اللبنانية والفرنسية، ومنها "بُكرة واليوم" بالعربية والفرنسية "Hier et Demain"، "عزلة Solitude"، "البكاء Le cri"، "La boheme" ،"Voila" التي قدمتها مع أستاذها Paul Marc Rousseau. ودمجت أبو عقل بين اللغتين العربية والفرنسية في عمل واحد، حيث غنّت "لبيروت" مع "Dernière Danse"، ودمجت بين "نسّم علينا الهوى" و "J'ai quitté mon pays". واستعادت التراث اللبناني مع "كان عنا طاحون" و"كانوا يا حبيبي" بمرافقة فرقة الأرز في كندا، إضافة إلى عدد من الأغاني الأخرى. كما قدّمت كريستا ماريا عددًا من طلابها في الحفل الذين غنوا "Laissez Moi Danser".
ما بدا لافتًا وأثار الإعجاب أن كريستا ماريا كانت تغني وتعزف على البيانو في آنٍ واحد في عدد من الأغاني، وهو إنجاز فني نادر في الساحة الفنية العربية، بل وحتى على المسارح العالمية.
وقبل أن ينتهي الحفل كرّمت كريستا ماريا والدتها صاحبة موقع "الكلمة نيوز" في كندا، الإعلامية جاكلين جابر، بأغنية "ست الحبايب" وبرزت قوة صوتها في هذه الأغنية وكانت الأكثر ملاءمة لصوتها بالعربية، حيث ظهر تأثّر الجمهور واشتعل المسرح بالتصفيق.
في هذا الحوار، تحدّثنا كريستا عن بداياتها، واختيارها للغناء بلغتين، وتشبّثها بتراثها بدون أن تغلق الباب أمام التجديد، مؤكدة أن الموسيقى قادرة على أن تكون جسرًا بين الثقافات، ومكانًا تتجاور فيه الهويّات بدل أن تتنافر.
(*) حدّثينا عن بداياتك مع الموسيقى والغناء، وكيف تطوّر هذا الشغف مع انتقالك إلى كندا ودراستك للموسيقى هناك؟
بدأتُ بتعلّم البيانو عندما كنتُ في السادسة من عمري. كنت ضمن كورال المدرسة، وذات مرة، في إحدى حفلات المدرسة، كان على كل واحد منا أن يغني بمفرده، فأُعجب الحضور بصوتي وهتفوا لي. يومها شجّعني مدير المدرسة وتحدث مع أهلي عن موهبتي وضرورة الاهتمام بدراستي للموسيقى والغناء. بعدها شاركت في عدد من البرامج الموسيقية في لبنان، وبدأتُ جديًا، في عمر الثانية عشرة، أدرس البيانو والموسيقى الكلاسيكية. عندما قدمت إلى كندا، قررت أن أُكمل دراستي للموسيقى في الجامعة، وهذا ما حصل، لكنني انتقلت من الموسيقى الكلاسيكية إلى موسيقى الجاز. وفي الجامعة، كان اختصاصي البيانو، وسأتخرّج خلال شهر.
(*) كيف كانت تجربتك في برنامج La Voix؟ وكيف تلقيتِ تفاعل اللجنة والجمهور، خصوصًا عند دمجك بين النص العربي والفرنسي في أغنية واحدة؟
بما أنني كنت أول من يغني أغنية بالعربية على قناة TV1، كان الأمر مقلقًا بالنسبة لي. لم أكن أعرف كيف ستكون ردّة فعل الجمهور، وكيف سيتلقى المستمعون هذا الأمر. كان الأمر غريبًا، وكنت متوترة وخائفة؛ أن تغني في برنامج مسابقات بلغة لا يفهمها أحد من الحاضرين. الحقيقة أنني صُدمت من ردّة فعل لجنة التحكيم، فقد أحبّوا جدًا كيف دمجتُ أغنية باللغة العربية مع أخرى بالفرنسية. ماريو بيلشيه (Mario Pelchat)، وهو مدير فريق La Voix، كلّمني بعد ذلك باللغة العربية، وأخبرني كم يحب لبنان. وعند تصويت الجمهور، حصلت على 74% على أغنية "نسم علينا الهوى" التي دمجتها مع أغنية J'ai quitté mon pays "غادرت بلادي". لم أتوقع أن يحب الجمهور هذا الدمج وأن يصوّتوا لي بهذه النسبة العالية. بالتأكيد هناك جمهور لبناني دعمني، ولكن الكثير من الكنديين الكيبيكيين صوّتوا لي عندما رأوا أمامهم عملًا جديدًا لم يسبق لهم أن سمعوا مثله. وقد عبّر لي كثيرون منهم بأنهم شعروا بما كنت أغنيه بالعربية من دون أن يفهموا الكلمات.
|
"كلبنانية مهاجرة إلى كندا، لا يمكنني أن أقيم حفلًا موسيقيًا هنا من دون أن أستحضر تراثنا اللبناني، ولا يمكن أن أتجاهل جزءًا أساسيًا من هذا التراث، وهو الدبكة" |
(*) هل ترين أن الغناء بلغتين، العربية والفرنسية، في أغنية واحدة يعكس تقاربًا بين الثقافات؟
بالتأكيد، إنه يشكّل حوارًا بين اللغتين والثقافتين. هذه المعايشة جزء من تجربة كل شخص مهاجر، وهي معركة يخوضها، ولو في داخله. لا نستطيع أن نتخلى عن ثقافتنا ولغتنا، عن عاداتنا وتقاليدنا. نبقى دائمًا بين هنا وهناك، ونشعر بالفروقات يوميًا. هذه أمور نفكر فيها كمغتربين. هناك جزء منّا يريد أن يبقى في كندا ويتأقلم وينسى لبنان، وهناك جزء آخر مرتبط بثقافتنا ولغتنا. وجدتُ أن الموسيقى وسيلة رائعة لدمج الاثنين، وليس من الضروري أن نختار بين أن نكون لبنانيين أو كنديين، يمكننا أن نكون الاثنين معًا وننتج شيئًا خاصًا بنا، ولسنا مضطرين لتقبّل كل شيء في ثقافة البلد الذي نهاجر إليه. مع الوقت سنتأثر ونتغير، ولن نكون أنفسنا تمامًا كما تربّينا في بلادنا. يمكننا أن نبتكر شيئًا فريدًا، نمزج بين الثقافتين واللغتين عبر الموسيقى، ونثبت أن هذا التداخل مشروع وجميل.
(*) كم أغنية خاصة أطلقتِ حتى الآن، وهل من جديد قريب؟
أصدرت ثلاث أغانٍ خاصة، وأغنيتين بالتعاون مع مغنّين آخرين. أغنياتي الخاصة هي: "بُكرة واليوم" (Hier et Demain)، "عزلة" (Solitude)، و"البكاء" (Le cri). أنا أكتب بعض أغنياتي، كما يكتب لي المغني العالمي كورناي (Corneille) وزوجته صوفيا دي ميدوروس (Sofia de Medeiros). أغنية "بُكرة واليوم" كانت أول عمل أطلقه بعد برنامج La Voix، غنيتها بالفرنسية وكتب لي كلماتها بالعربية طوني أبو كرم، فغنيتها أيضًا بالعربية. حاليًا أعمل على عدد من الأغاني الجديدة التي سنطلقها قريبًا، ونحن في مرحلة التوزيع الموسيقي.
(*) رأيناكِ تقدّمين أغاني لفيروز ومن التراث اللبناني برفقة فرقة الأرز. ما الهدف من هذا الخيار؟ وهل لمستِ تعطّش الجمهور اللبناني لهذا النوع من الموسيقى؟
كلبنانية مهاجرة إلى كندا، لا يمكنني أن أقيم حفلًا موسيقيًا هنا من دون أن أستحضر تراثنا اللبناني، ولا يمكن أن أتجاهل جزءًا أساسيًا من هذا التراث، وهو الدبكة. كان من المهم جدًا بالنسبة لي أن أُعيد إحياء هذا التراث، ليس فقط من خلال الموسيقى، بل من خلال الرقص أيضًا. بهذه الطريقة أعبّر عن ثقافتي، وخصوصًا عبر أغاني السيدة فيروز. خلال الحفل، رأيت كيف أنني ابتعدت عن وسط المسرح وغنيت من الجهة اليسرى، كي أُفسح المجال للجمهور لرؤية فرقة الدبكة، لأنني كنت ألمح مدى سرور الكنديين، وخصوصًا الكيبيكيين، برقصة الدبكة. رأيت في عيونهم نوعًا من الدهشة الممزوجة بالفرح. وعندما انتهى الحفل، تقدّم مني العديد منهم وعبّروا عن إعجابهم الشديد، وقالوا إنهم رأوا شيئًا لم يسبق لهم أن شاهدوه وأحبّوه جدًا. هذا أسعدني كثيرًا. بالتأكيد، لست أول مغنية تقوم بهذا، لكنني سعيدة لأنني استطعت أن أعرّف الكنديين إلى ثقافتنا، وعندما أرى مدى حبّهم وفرحهم، لا يسعني إلا أن أكون فخورة ببلدي وهويتي.
(*) وقّعتِ عقدًا مع شركة إنتاج كندية مباشرة بعد وصولك إلى المرحلة نصف النهائية فيLa Voix. هل صحيح أن شركات الإنتاج تظلم الفنان في بداياته؟
نعم، وقّعت عقدًا مع شركة الإنتاج Maison Canada (بيت كندا)، وهي تعود للمغني العالمي كورناي، الذي كان مدرّبي في La Voix. صحيح أن هناك شركات إنتاج قد تظلم الفنان ولا تعطيه حقّه، لكن هذا لا ينطبق على الجميع. أنا محظوظة لأنني وقّعت مع كورناي؛ فهو فنان مهم، وغالبًا ما يطالب بحقي أكثر مما أفعل أنا بنفسي. هو يسمعني، ويدرك ما الذي يجب أن أفعله، وفي الوقت نفسه يدفعني لأن أتخذ قراراتي وأتعلّم من تجاربي. بالتأكيد ليس كل شيء سهلًا في الحياة، وليست الأمور وردية دائمًا، لكن في مهنة مثل هذه، يجب أن نعرف ماذا نريد، ونثبت أنفسنا. بشكل عام، تجربتي مع كورناي ومع شركته كانت رائعة.
(*) ما هي الأنماط أو الألوان الموسيقية التي تفضلين العمل عليها مستقبلًا؟
لديّ خلفية قوية في موسيقى الجاز والبوب والموسيقى الشرقية (الأورينتال). ما أحب أن أحققه هو أن أمزج بين هذه الأنماط، كما فعلت في برنامج La Voix، وأن أقدّم أغاني تلامس الجمهور العربي والغربي في آنٍ معًا.
(*) هناك بعض الفنانين العرب في كندا قرّروا دراسة اختصاصات أخرى خوفًا من عدم استقرار مستقبلهم الفني. هل سبق أن راودك هذا التفكير؟
في الحقيقة، فكّرت مرارًا بدراسة اختصاص آخر غير الموسيقى. كنت أرغب في دراسة الهندسة، لكن في كل مرة يُغلق فيها باب، يُفتح لي باب آخر نحو الفن. هذا ما حصل مرارًا، منذ أن دخلت الكلية (Pre-University) ثم الجامعة. حدثت معي أمور صغيرة ولكنها كانت كالإشارات؛ كلما ظننت أني سأبتعد عن الموسيقى، كانت تأتيني فرص غير متوقعة. منذ ذلك الوقت، شعرت أن طريق الموسيقى قدري. حتى والدي، الذي كان يرغب في أن أدرس الهندسة، قال لي لاحقًا إن ما يحدث ليس عاديًا. لذلك، أعتقد أن على كل شخص أن يعرف ما يريد، ثم يدع الحياة وربّ العالمين يساعدانه في اتخاذ الطريق المناسب.
(*) كان هذا حفلَكِ الفردي الأول. كيف كانت التجربة؟ وما الهدف أو الحلم الذي تسعين لتحقيقه في المرحلة المقبلة؟
سبق أن شاركت في مهرجانات وفي الكنائس، لكن هذا كان أول حفل منفرد لي. أنا التي توليت التحضير له بالكامل، من الموسيقى إلى الإضاءة والمسرح. طبعًا، مدير الفرقة الموسيقية، وهو أستاذي، ساعدني، لكن الأفكار كلها كانت منّي. بذلنا جهدًا كبيرًا ليكون الحفل ناجحًا. كانت تجربة جميلة وممتعة، وأكثر ما أحببته هو أنني حتى اليوم ألتقي بأشخاص يخبرونني كم تأثروا خلال الحفل. بعضهم قال لي إنهم بكوا عندما غنيت، رغم أن الأغاني لم تكن حزينة، لكنهم شعروا بالحنين إلى بلادهم وطفولتهم. لم أتوقع هذه الردود. حتى بعض الكيبكيين بكوا عندما غنيت بالعربية، رغم أنهم لا يفهمون الكلمات. طموحي هو أن أستمر في الغناء، وأن أتمكّن دائمًا من أن أنقل إحساسًا صادقًا يصل إلى قلوب الناس، وأن أجعل الآخرين يشعرون بالشيء الذي نشعر به. بهذه الطريقة أشعر أن العالم كله روح واحدة عبر الموسيقى، وهذا هو طموحي للمستقبل.