}

ميثاء الخياط: الأدب وسيلة قوية لنقل التراث للأجيال الفتيّة

فريد الخمال 3 يونيو 2025
حوارات ميثاء الخياط: الأدب وسيلة قوية لنقل التراث للأجيال الفتيّة
ميثاء الخياط
من قلب رأس الخيمة، بدأت ميثاء عبد الوهاب الخياط رحلتها ككاتبة إماراتية، مستلهمة من تراثها وقيمها ما يلهم عقول الفتيان ويُثري خيالهم. في أقل من عقد، نجحت في كتابة الكثير من القصص والروايات، بعضها عَبَر حدود اللغة والثقافة ليُترجم إلى الإنكليزية والتركية. في هذا الحوار، نقترب أكثر من عوالم ميثاء الإبداعية، ونتعرف على شغفها بالحكايات التي تجمع بين الأصالة والخيال، وكيف انعكست تجربتها الشخصية ورؤيتها الثقافية على أعمالها، لتبني جسورًا بين الأجيال وتترك بصمة خاصة.


(*) ما الذي دفعكِ لكتابة رواية "ابنة غواص اللؤلؤ" للفتيان؟ هل كان هناك حدث معين أو إلهام خاص وراء القصة؟

خلال فترة الجائحة، تواصلت معي السفارة الأميركية في أبو ظبي للتعاون مع شركة Company E، المتخصصة في عروض الرقص المعاصر المستوحاة من الحكايات. رغم أنني كاتبة للأطفال واليافعين ولم أكتب في هذا المجال من قبل، رأيت في هذه الفرصة تحديًا جديدًا خلال الحجر المنزلي. طرح بول إيمرسون، مدير الشركة، فكرة عن غواص اللؤلؤ وابنته التي تطمح لأن تكون غواصة، مع تركيز على تمكين المرأة. أوضحت له أن المرأة الإماراتية قوية ومستقلة وتحظى بدعم كبير، واقترحت التركيز على حياة الغواصين، مستلهمة قصص أجدادي وإبراز التضحية التي قدموها لجيل أقوى. بعد اجتماعات افتراضية، كتبنا مشاهد ملائمة للعرض الراقص الذي عُرض في مهرجان ثقافي بأبو ظبي عام 2022 ونال استحسانًا كبيرًا. لاحقًا، طُلب مني تطوير القصة ضمن مشروع أدبي مع "صندوق الوطن". أثناء الكتابة، أعدت صياغة الأحداث لتكون الرواية أكثر تعقيدًا ومزيجًا بين التراث والفانتازيا، مما جعلها ملائمة ومشوقة لليافعين.

(*) كيف تمكنتِ من جعل عالم الغوص على اللؤلؤ ممتعًا وقريبًا من الفتيان؟ وكيف سعيتِ لجعلهم يشعرون بأنهم جزء من هذه البيئة؟

لجعل عالم الغوص على اللؤلؤ ممتعًا وقريبًا من الفتيان، حرصت على تقديمه كتجربة حية مليئة بالحركة والعاطفة. وصفت أدوات الغوص، الطقوس اليومية، والمخاطر التي واجهها الغواصون بأسلوب حسي يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش التجربة، من صوت الأمواج إلى برودة المياه وأعماق البحر الغامضة. أضفت عناصر فانتازيا مستوحاة من التراث الإماراتي، مثل المخلوقات البحرية الأسطورية وحكايات الغواصين، مثل "سلامة وبناتها"، لتحقيق توازن بين الواقع والخيال. قدمت شخصيات شابة تواجه تحديات تعكس قضايا الفتيان مثل الشجاعة وتحقيق الذات، مما يجعل القصة ليست فقط بيئة حية بل تجربة قريبة من أحلامهم.

بالإضافة إلى ذلك، قمت بتضمين القيم الإنسانية المرتبطة بالغوص، مثل التضحية والعمل الجماعي والصبر، مما يعمق اتصال الفتيان بهذه البيئة ويجعلها جزءًا من هويتهم الثقافية بأسلوب ملهم.

(*) ما هي الرسالة التي تودين إيصالها من خلال قصة الفتاة في الرواية؟ وهل كان هناك قيم معينة أردتِ أن تزرعيها في نفوس القراء؟

من خلال قصة "موزة"، أردت إيصال رسالة عن الشجاعة في مواجهة التحديات والإصرار على تحقيق الأحلام مهما بدت مستحيلة. موزة تمثل نموذجًا للشخص الذي يكسر القيود لإثبات قدراته والسعي لتحقيق ذاته. كما سلطت الضوء على فكرة أن الجيل الحالي غالبًا ما يعتبر النعم أمرًا مفروغًا منه، بدون إدراك التضحيات التي قدمها الأجداد، مثل والد موزة، الغيص عبيد، الذي جسدت من خلاله معاناة الغواصين لبناء مستقبل أفضل. أردت زرع شعور الامتنان والتقدير للجهود السابقة وربط القراء بقيم العمل الجاد والتضحية. القيم مثل العمل الجماعي وتحمل المسؤولية تجلت في شخصية صالح، ابن عمة موزة. القصة تحمل رسالة عن تقدير النعم والسعي لتطوير الذات، حيث يرمز الغوص في البحر إلى الغوص في أعماق الذات واكتشاف القوة الكامنة بداخلنا مع الحفاظ على هويتنا.

(*) هل هناك شخصيات أو أحداث مستوحاة من الواقع داخل الرواية؟ وما الذي ألهمكِ في اختيار تلك التفاصيل؟

بالفعل، لا توجد شخصية في الرواية إلا واستلهمت ملامحها أو خصالها من أشخاص عرفتهم أو عشت معهم، سواء في الوصف الخارجي أو السمات الشخصية أو طريقة التفكير. الشخصية الأكثر تأثيرًا وإلهامًا لي في هذه الرواية هي والدي، فقد مررت بفترة شعرت فيها وكأنني فقدته معنويًا، لكن رؤيته يفخر بإنجازاتي وبأني أرفع رأسه أعاد إليّ شعور الامتنان. والدي كان ملهمي الأول، ليس فقط في هذه الرواية، بل في رحلتي الأدبية كلها. قوته، حكاياته، ودعمه أثرت بشكل عميق على عملي، وأضفت بعدًا إنسانيًا أصيلًا إلى القصة.




(*) كيف لعبت القيم الثقافية دورًا في بناء شخصيات الرواية؟ وكيف قدمتِ هذه القيم بطريقة تجذب الفتيان؟

لعبت القيم الثقافية دورًا محوريًا في بناء شخصيات الرواية، حيث حرصت على أن تكون متجذرة في التراث الإماراتي، مع انعكاس تطلعات وأحلام جيل اليوم. استلهمت قيم الشجاعة والصبر والتضحية وأهمية العائلة، وربطتها بمواقف تجعلها قريبة من واقع الفتيان. قدمت هذه القيم من خلال أحداث مثيرة بعيدًا عن الطرح المباشر، مثل شجاعة صالح في مواجهة المخاطر، وصبر موزة لتحقيق هدفها، وتضحية الوالد الغيص عبيد مستلهمة من قصص الأجداد. استخدمت أسلوبًا يمزج بين الحركة والفانتازيا لجعل القارئ يعيش الأحداث مع الشخصيات ويتعلم القيم من خلالها. كما ركزتُ على تعزيز الهوية والانتماء عبر إبراز التراث بلمسات حديثة، مما يحفز الجيل الجديد على تقدير ثقافتهم والانفتاح على عوالم جديدة.

(*) كيف أثرت خبرتك في أدب الأطفال على أسلوبك في كتابة رواية موجهة للفتيان؟ هل شعرتِ بتحدٍّ أو تغيير في طريقة الكتابة؟

منذ صغري، كنت شغوفة بقراءة الفانتازيا وتأثرت بحكايات عالمية مثل «البجعات المتوحشة»، Lord of the Rings، وHarry Potter. هذه القراءات ألهمتني حلم كتابة قصص فانتازيا خاصة بي يومًا ما. عند كتابة روايتي للفتيان، استفدت من خبرتي في أدب الأطفال لتقديم أفكار مشوقة، لكنها تطلبت تعمقًا أكبر في بناء الشخصيات وحبكة تناسب اليافعين. أكبر تحدٍ كان ضيق الوقت، حيث تطلب العمل إضافات وتعديلات عديدة. التحدي الآخر كان جمع تفاصيل التراث المرتبط بالغوص، لكن دعم والدي، بصفته محررًا ثقافيًا ومطلعًا على هذا التراث، أضاف بعدًا عميقًا للرواية. المزج بين التراث والفانتازيا خلق قصة مشوقة وغنية بالثقافة الإماراتية.

(*) عند تناولكِ للتراث الإماراتي، ما هي التحديات التي واجهتكِ، خاصةً في خلق تفاصيل تغوص في أعماق هذا التراث؟

عند تناولي للتراث الإماراتي في روايتي، واجهت تحديات كبيرة في جمع التفاصيل الدقيقة التي تعكس عمق هذا التراث، خصوصًا أنني لم أعايش حياة الغوص بنفسي. لكنني كنت محظوظة بوجود والدي، الذي لم يكن فقط محررًا ثقافيًا بل أيضًا كان دكتورًا متقاعدًا من الجامعة، ومطلعًا بشكل عميق على التراث والتاريخ الإماراتي. والدي شغوف بالحكايات السردية التراثية، مما جعله أشبه بـ"مندوس" مليء بالقصص والمغامرات التي تخص تلك الفترة. فوجئت أثناء العمل أن خال والدي كان غواصًا، وكان يروي مغامراته لأبي عندما كان صغيرًا، مما أتاح لي الاطلاع على حكايات أصيلة عن حياة الغوص. كما أن جد والدي كان "طواشًا" يبيع ويشتري اللؤلؤ، وكانت له مغامرات أضافت بعدًا إنسانيًا إلى الرواية.

اعتمدت أيضًا على مصادر مكتوبة تناولت تفاصيل دقيقة مثل "الفطام"، "الديين"، "الهيرات"، وغيرها من المصطلحات والممارسات المرتبطة بالغوص التي باتت نادرة في المحادثات اليومية. دمج هذه التفاصيل في الرواية لم يكن مجرد إضافة للمعلومات، بل إحياء للتراث بأسلوب يناسب جيل الشباب، ليظل هذا الإرث حيًا في وجدانهم، وليشعروا بالارتباط بجذورهم الثقافية بطريقة ممتعة ومشوقة.



(*) برأيك، ما أهمية تعريف الفتيان بتراثهم وتاريخهم الإماراتي من خلال الأدب؟ وهل تجدين في ذلك قيمة خاصة؟

تفاجأت حين لقّبوني بـ"حارسة التراث"، وأنا لا ألومهم، لأنني أحب أن أكتب عن تراثي وأحتفي به في أعمالي، مثل: "حين يشتهي الجمل اللقيمات" و"يدّوه مُوضي على الموضة". أؤمن بأن الأدب وسيلة قوية لنقل التراث إلى الأجيال القادمة وتعزيز الهوية والانتماء. فهو يربط الجيل الجديد بجذورهم بطريقة عاطفية وإنسانية، ويُظهر أن قصص الماضي مصدر غني بالقيم مثل التضحية والصبر. من خلال تقديم التراث في إطار قصصي مشوق، يمكننا تعزيز شعور الشباب بالفخر والاعتزاز بماضيهم. الأدب يمنح التراث حياة جديدة، ويربطه بأحلام الأجيال القادمة ليظل دائمًا حاضرًا وملهمًا.

(*) هل تخططين لمزيد من الروايات الموجهة للفتيان؟ وإن كان الجواب نعم، هل ستبقى هذه الأعمال مستوحاة من الثقافة الإماراتية؟

نعم، رواية "ابنة غواص اللؤلؤ وعقد البعو" هي الجزء الأول من سلسلة مغامرات بطلتها موزة، التي تسعى لاسترجاع اللؤلؤة التي ستنقذ عائلتها. السلسلة تستكشف مزيجًا من التراث الإماراتي والفانتازيا، مع إضافة عناصر من الثقافات الأخرى، لتعكس التعايش والتنوع الثقافي في الإمارات. أهدف لتقديم حكايات تُبرز القيم الإنسانية مع الحفاظ على خصوصية التراث المحلي. حاليًا، أعمل على ترجمة الرواية إلى الإنكليزية للوصول إلى جمهور عالمي، وتعزيز التفاهم بين الثقافات، مع إبراز التميز الثقافي لدولتنا.

(*) ما رأيكِ بالدعوات التي تطالب بفصل أدب الفتيان عن أدب الأطفال؟ وهل ترين أن لكل منهما خصوصية وتحديات تتطلب تناولًا مختلفًا؟

أرى أن فصل أدب الفتيان عن أدب الأطفال مبرر، لأن لكل فئة عمرية احتياجاتها الخاصة. أدب الأطفال يركز على التبسيط والقيم التربوية، بينما أدب الفتيان يتناول قضايا أعمق مثل الهوية والعلاقات، ويحتاج إلى لغة وأسلوب يناسب مرحلتهم الانتقالية. كما يميل الفتيان إلى قصص تجمع بين الحركة والخيال الواقعي، مما يتطلب جهدًا أكبر في بناء الشخصيات والأحداث. رغم ذلك، أعتقد أن كلا النوعين يكمل الآخر، حيث يضع أدب الأطفال الأساس للخيال، ويأخذ أدب الفتيان القارئ إلى مستويات أعمق من التفكير والتفاعل.

(*) وأخيرًا، كيف ترين دور الجوائز الأدبية في تشجيع الكتابة للفتيان؟ وهل تلاحظين تأثيرًا ملموسًا للجوائز على تشجيع الكُتاب للاهتمام بهذا المجال؟

لم أكن يومًا من الكُتّاب الذين يركزون على الجوائز كهدف أساسي، لأن الكتابة بالنسبة لي شغف ورسالة أواصلها، سواء حصلت على جائزة أم لا. لدي جمهور كبير كبر على قصصي، وأرى أن الوقت قد حان لتقديم أعمال تناسب أعمارهم الجديدة بنفس الأسلوب الذي أحبوه. ومع ذلك، لا أنكر التأثير الإيجابي للجوائز الأدبية، خاصة العالمية منها مثل جائزة اتصالات، في تسليط الضوء على أدب الفتيان وتشجيع الكُتّاب على الاهتمام بهذا المجال. الجوائز تسهم في رفع مستوى الأدب محليًا وعالميًا، وتوفر منصة للتقدير والانتشار. هذا الدعم يُلهم الكتّاب لإنتاج أعمال مميزة تثري هذا النوع الأدبي وتصل إلى قلوب الفتيان.

* روائي وباحث متخصص في أدب الفتيان، طنجة/ المغرب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.