}

وكانتْ دمشقُ تبتعد

غياث المدهون 16 مارس 2017
شعر وكانتْ دمشقُ تبتعد
عمل للفنانة السورية مريم سمعان

 

كتبتُ هذه القصيدة لامرأةٍ أحببتُها، وافترقنا. هي الآن لديها رجلٌ آخر، وأنا لديّ هذه القصيدة.

 

حين غادرتُ دمشقَ، كنتُ أنا ثابتًا في مكاني، وكانت دمشقُ تبتعدُ، هذا تحديدًا الذي حاولَ آينشتاين أنْ يقوله في النظرية النسبية، والذي حاول ويتمان أنْ يقوله في أوراق العشب، والذي حاولتُ أنا أنْ أهمسهُ في أذنكِ حين كنتِ تحاولين أنْ تحبّيني.

***

كانت دمشق تبتعدُ، وكان قلبي ملفوفًا بعنايةٍ في حقيبةِ السفرِ، قلبي الذي تعرفينه جيّدًا، كان يعوي مثل ذئبٍ في صحراء الأردن، وأنا أقصُ الأثر خلف جوعٍ قديمٍ، لأني لم أشبعِ الحبّ مُذْ غادرتْني دمشقُ، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله المسْتَعَانُ.

***

قلبي الذي تعرفينه جيّدًا، كنتُ أُطعمُه بحَّة صوتكِ، كي يستكينَ، وأنفثُ فيهِ غيمةً من حشيشةِ الكيف، ليهدأ، وكان البدويّ الذي يلبسُ جلدي شاردًا مع عربِ الشمالِ، كيف لي أنْ أستقرّ وأسكنَ في بيتكِ، والله أكَّدَ أنّي في كلّ وادٍ أهيمُ؟! كيف لي والمواويلُ تسرقني من حضنِ أمّي، ويأسرني خصركِ الواضحُ كالموتِ من بين أصدقائي، فأتبعكِ كما يتبعُ صاحبُ امرئ القيس صاحبَه/ البلادُ البلادُ العبادُ العبادُ/؟! وأفرُّ منكِ كما: يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ.

***

كانت دمشق تبتعدُ، وأنا ثابتٌ في مكاني، حقيبتي تهربُ إلى الأمام، وقلبي الذي تملؤه البلاغة العربية مشغولٌ بالترحالِ، قلبي الذي تعرفينه جيّدًا، كلّما أخرجته من كهفه في الليل، ليرى القمر، يعوي باسمكِ، ولكنّي أقسى من الحجر، وقلبي الذي تعرفينه جيّدًا لا يرقُّ.


يمكنُ للشاعرِ أنْ يتحوَّلَ إلى ذئب

 

قالتْ لهم: انظروا إلى الجبلِ، كي تروني

نظروا إليها، كي يروا الجبلَ

وكانت دمشق تبدو أقربَ، كلّما حدّثتُكِ عنها

فالأجسامُ التي نراها في المرآة تبدو أقربَ ممّا هي عليهِ في الواقع

وتلك التي تحملُ أرواحنا ابتعدتْ كثيرًا

وصارَ لزامًا عليها أنْ تأخذَ أقربَ وسيلة مواصلاتٍ للعودة

وهكذا…

يمكنُ للشاعرِ أنْ يتحوَّلَ إلى ذئبٍ

إنْ هو فكَّرَ في المرأةِ التي يحبّها بطريقةٍ مُمنهجة

وقد يصيرُ مقعدًا في حديقة، إنْ مسَّهُ النثرُ

ويمكن للمدينةِ أنْ تصبحَ غرفةَ تبديلِ ملابسَ، في كواليس مسرحٍ صغيرٍ، في بلدةٍ، لم يسمعْ بها أحدٌ بلا أسباب مقنعة

ويمكن أيضًا أنْ أحبّكِ بلا أسبابٍ مُقْنِعةٍ

أو أنْ ألتقيكِ قبل الرجل الذي لمسَ قلبَكِ بخمس دقائق، لو كنتُ أملكُ جواز سفرٍ معترَفًا به في تلك الأيّام

وقد لا أجد تبريرات لرجل الأمن في المطار حول نحولي عن الصورة في جواز السفر إلاكِ

ويمكنُ أيضًا لجميعِ الكلماتِ التي همستُها في أذنكِ أنْ تُشكِّل قصيدة إيروتيكية مُحتمَلَة، إنْ تمّت إعادةُ جَمْعها وتدويرها في أذن امرأةٍ أُخرى

وأعتقدُ أنَّ هنالك بعضَ الأمل لأنْ يكون هنالك بعض الأمل

إذ حتّى تاريخ كتابة هذا النصّ لم تتوصّل أجهزة الاستشعار في الفيزياء الحديثة إلى أجوبة مقنعة حول التأثير الذي أحدثتْه الأمواج الصوتية لكلماتِكِ في أذنيّ على الشعر في الشرق الأوسط

كذلك يمكنُ أنْ أقعَ في حبَّكِ مرّةً أُخرى

فالتاريخُ يكرِّر نفسه، كما يقول ماركس

ويمكن لمنزلنا أنْ يكون رحبًا بالأصدقاء

أو أنْ يكون لطفلتنا ملامحُكِ وعيناي

ويمكن أنّني لم أغادرْ دمشق في ذلك المساء الخريفي من العام ٢٠٠٨

وذلك يعني أننا لم نلتقِ أصلًا

وأنني لن أكون قادرًا أن أقول لكِ إنكِ تبدين أقربَ كلّما حدّثتُكِ عن دمشقَ

أو كلّما حدّثتُ دمشقَ عنكِ

فالأجسامُ التي نراها في المرآة تبدو أقربَ ممّا هي عليه في الواقع

وتلك التي تحملُ أرواحنا أكلها حيوانٌ مفترسٌ، يُسمّى البحر الأبيض المتوسّط.


*شاعر من فلسطين 

قصائد اخرى للشاعر

شعر
16 مارس 2017
شعر
15 ديسمبر 2016

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.