في الدَّارِالْبَيْضَاء رُفْقَةَ غُيُومِ الْبَيْضَاء
تُهْتُ كَغَرِيبٍ بِخُطُوَاتِي الْقَرَوَيَّة
بَيْنَ وُجُوهٍ تَشْتَعِلُ بِالْحَيْرَةِ
وَنَوافِذَ مُثْقَلَةٍ بِرَتَابَةِ الْحَيَاة
يُصَاحِبُنِي كِتَابُ الدَّهْشَة
تَشُدُّ عَلَى يَدِي جَلَبَةُ تْرامْوَاي الْعَابِرِ سَمَاءَ الْأَرْض
تَفْزَعُنِي سَيَّارَاتُ الْأُجْرَةِ بِجُنُونِ الرَّاكِبِينَ
والرَّاجِلِينَ التَّائِهِينَ فِي مَدَى طُرُقٍ تَنْبَحُ بِغُرْبَةِ الْمَحَلَّاتِ
الْمَتَاجِرِ الْفَاغِرَةِ أَبْوَابَهَا لِرِيحِ الْبَحْرِ
الضَّاجَّةِ بِكَآبَةِ الْوَقْتِ
بِضَجَرِ الْمَقَاهِي مِنْ زُبَنَاءَ خَارِجِينَ مِنَ غُرَفِ الْخَوْفِ
مِنْ بُيُوتٍ يَسْكُنُهَا الضَّيْقٌ
يَتَعَنْكَبُ فِيهَا الرَّبْوُ
وَيَسْتَقِيلُ الْفَرَحُ مِنْ نَوَافِذِهَا الْكَئِبَة
فِي الدَّارِ الْبَيْضَاءِ
حَيَّانِي
الْمْسِيحُ* فِي مَعْرِضِ الْحَيَاة
عَانَقَنِي بِحَرَارَةِ شُعَرَاءِ قَصِيدَةِ النَّثْرِ
بَلَّمُو* فِي يَدِهِ قَلْبٌ يَسْرِي مَحَبَّةً
وَيَزْرَعُ ضَحْكَةً تُحْيِي الْقُلُوبَ وَهِيَ مَكْلُومَة
وَبِرَمَادِ الْيَقِينَ أَوْقَدَ نَارَ اللُّغَةِ فِي جَسَدِ الْخَيَال
وَرَوْضِي* بِقَلَقِ الشُّعَرَاءِ يُشْعِلُ سَمَاءَ الْبَيْضَاءِ
بِفَرْحَةِ الْأَطْفَال
وَيَأْبَى أَنْ يَسْقُطَ مِنْ عَلِ كَصَخْرِ جُلْمُودٍ تُدَحْرِجُهُ الْخُطُوب
وَيَرْشُقُنِي بُوسْرِيفُ* بِغَيْمَةِ الْقَلْبِ ظَلّاً يُدْفِءُ شَجَرَ الصَّدَاقَة
وَبُوزْفُّورُ* مُتَلَبِّساً يَخْتَلِسُ النَّظَرَ إِلَى الْوَجْهِ الْعَزِيزِ
مِنْ بُحَيْرَةِ الْقَلْب
فِي الدَّارِ الْبَيْضَاء
رَأَيْتُ ثَعْلَبَ زَفْزَاف بِابْتِسَامَتِه
الَّتِي تَشِعُّ بُكَاء
أَحْمَدَ بَرَكَات يَجْهَرُ فِي "كِتَابِ الْخُسْرَانِ"
أَبَداً "لَنْ أُسَاعِدَ الزِّلْزَال "
وَيَمْلَأُ سَاحَةَ مَارْشَال بِرَقْصَةٍ هَائِلَةٍ بِالْحَيَاة
يُعَانِقُهُ حِدَادُ الْمَلْيَانِي الْعَازِفُ إِيقَاعَ الْقَلْبِ
"حَبِيبِي تَحَنَّنْ "
فَسَاحَةُ الْحَمَامِ طَوَّقَهَا سِيَاجُ الْكَآبَةِ
وَالسَّاعَةُ انْتَحَرَ فِي عَقَارِبِهَا الْوَقْت
وَحَلَّ لَيْلُ النَّهَارِ مُبَكِّراً
وَلِي مَا تَيَسَّرَ مِنْ حَنِينٍ بَدَوِيٍّ
يُضَمِّدُ حَيْرَةَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ تَرَكُوا
خَطْوَهُمْ يَحْمِلُهُ التّيهُ
يُغَنِّي تَحِيَّةً مُعَلَّقَةً عَلَى شُرَفٍ مُتْرَعَةِ
بِنَعِيقِ حَافِلَاتِ النَّقْلِ
وَأَنَاقَةِ بَائِعِي الْوَرْدِ
فِي الدَّارِ الْبَيْضَاء
تَرَكْتُ ظِلِّي مُثْقَلاً
بِرَوَائِحِ الْغُبَار
وَعِطْرِ الْغُنْبَازِ الْقَادِمِ مِنْ أُصًُصِ أُمِّي
رَسَائِلَ الْحُبِّ وَدِيعَةَ لِنَوَارِسِ الْبَحْرِ
تَحِيَّةَ وَجْهٍ طَافِحٍ بِالشَّمْسِ عَبَرَ زِحَامَ الْحَيَاة
الْبَصَمَاتِ عَلَى بَابَ الْمَسْجِدِ الْمُقِيمِ جَنْبَ الْمُحِيط
تَحْكِي تَغْرِيبَةَ النَّايِ
تَهَجُّدَ السَّالِكِينَ عَتَبَاتِ الْأَرْضِ
الصَّاعِدِينَ سَلَالِمَ السَّمَاء
فِي الدَّارِ الْبَيْضَاء
طَرَقْتُ بَابَ التِّيه حَتَّى تَعِبَ مَسْعَايْ
وَقَفْتُ فِي سَاحَةِ الْحَمَام
أَفُكُّ عَتْمَةِ الْقَلْب بِنُورِ الْحَنِين
أَصْعَدُ سَلَالِمَ الرُّوح
أَرَانِي غَيْمَةً تُقَبِّلُ سَمَاءَ الْمَدَى
وَرْدَةً فِي شُرْفَةِ تُطِلُّ عَلَى شَارِعٍ كَئِيب
شَجَرَةً فِي بُسْتَانٍ نَسِيَهُ الْمَطَر
تَحِيَّةً فِي يَدِ امْرَأَةٍ طَافِحَةٍ بِالْمَحَبَّة
شَارَةَ نَصْرٍ لِرِفَاقٍ صَدَّقُوا وَهْمَ الثَّوَرَات
فِي
بِلَادٍ
تَنْتَصِرُ لِشَرِيعَةِ الرَّمْلٍ
وَتُرْدِي الشَّمُوسَ ضَحِيَّةً لِلْمَغِيب
فِي الدَّارِ الْبَيْضَاء
يَدِي تُقَبِّلُ فَرَاغَ الْمَدَى
فِي مَقْهى بَارِدٍ مِنَ الرًّوَاد
خَطَوَاتِي يَلْبَسُهَا شَارِعٌ يَتِيمُ الْسَّكِينَة
يَحْرِسُ سَاعَةَ الْمَدِينَةِ الْمُعَطَّلَة
أَسْرَابَ الْحَمَامِ
وَلَا شَجَرٌ تَرْتَدِيهِ الْعَصَافِير
فَالْهَدِيلُ
جَلَبَةُ الطُّيُورِ
حَفِيفُ الْأَجْنٍحَةِ
فِي الْأَقْفَاصِ
وَاَنَا هُنَا
غَارِقُ فِي صَقِيعِ الْغُرْبَةِ
بَعِيدٌ عَنِّي
أَحِنُّ إِلَيَّ
أُعَانِقُ ظِلِّي
وَأَحْمِلُ مَاتَبَقَّى مِنِّي
فِي
مُدُنٍ
تَطْرُدُ الْقَمَرَ مِنْ الشُّرُفَات
فِي الدَّارِ الْبَيْضَاء
أَمَامَ سَاحَةِ الْأُمَم
عُجْتُ عَلَى أُمَّةِ الْحَمَام
أَهْدِلُ بِنَشِيدِ الْفِجَاج
أُغَنِّي تَغْرِيبَةَ الْمَقَام
اُلَوِّحُ بِقَلْبِي لِحَنِينٍ يَسْكُنُ ذَاكِرَةَ الْمَكَان
تَشْتَعِلُ رَقَصَاتُ بَدَوِيَّاتٍ فِي شَرَايِينِي
عُذوبَةَ كَمَنْجَاتٍ تَحْرِقُ أَصَابِعِ الْعَازِفِ الْأَعْمَى
الْعَازِفُ الَّذِي أَيْقَظَ نَارَ الْأَوْتَارِ فِي جَذْبَةِ الْفُقَرَاء
وَغَرِقَ فِي تَسَابِيحِ الْآهات
تَقُودُنِي قَوَافِلُ اللَّقَالِقِ جِهَةَ الْبَحْرِ
تَحْمِلُنِي أَنْفَاسِي إِلَى مَوَانِئَ تُعَشِّشُ فِيهَا حِكَايَاتِ الصَّيَّادِين
وَعُزْلَةَ الْعُشَّاقِ
فِي الدَّارِ الْبَيْضَاء
خَانَتْنِي النَّوَارِسُ عَلَى سَاحِلِ الْمُحِيط
حَيْثُ الْبَحْرُ يَطْوِي مَوْجَهُ
وَيَنَامُ قُرْبَ مَسْجِدِ اللَّه
حَيْثُ الْعَسَاكِرُ مُدَجَّجُونَ بِأَسَفٍ ضَالِعٍ
فِي مَحَبَّةِ الْوَطَن
مُثْقَلِينَ بِرَسَائِلِ زَوْجَاتٍ يُقَبَّلْنَهُم عَبْرَ الْواتْسَاب
وَيُضَمِّخُونهُنَّ بِحَنِينِ عَلَى إِيقَاعِ الْمَاسَنْجْر
مُبْتَسِمِينَ فِي وَجْهِ الْبَحْر
وَاللَّقَالِقُ تَقُودُ الْمَدِينَةَ إِلَى عُرْسِ الْحَيَاة
فِي الدَّارِ الْبَيْضَاء
كَثِيرَةُ الْقَتَام هَذِهِ الْبُيُوت
لَا وَرْدَ يُصَافِحُ الْأُصُصَ عَلَى الشُّرُفَات
لَا قَمَرَ يَزُورُ نَوَافِذَ الْمَدِينَة
اللَّيْلُ يَتَسَكَّعُ فِي وَاضِحَةِ النَّهَار
عَيْنُ الذِّئَابِ تَحْرُسُ الذِّئَابَ مِنْ يَقْظَةِ الْفَجْرِ
سَاحَةُ الْمَارِشَالِ تُصَوِّبُ بَنَادِقَ الدَّهْشَةِ
ضِدَّ قُلُوبٍ مُفْعَمَةِ بِضَيْقِ الْحَيَاة
تُعِيدُ لِي
صُرَاخَ الْأَفْوَاه
عَوِيلَ الشَّوَارِعِ
كَآبَةَ الْمَصَابِيح
خَوْفَ الْأَبْوَابِ مِنْ طَرْقَةِ حُرَّاسِ الْأَنْفَاس
شُعْلَةَ الْأَحْلَامِ الَّتِي خَمَدَتْ فِي خَمْسٍ وَسِتِّينَ مِنْ قَرْنٍ آفِل
أَنَا الْقَادِمُ مِنْ أَقْصَى النِّسْيَان
الْمُثْقَلُ بِحَنِينٍ قَرَوِيٍّ
غَرِيبٌ
فِي ذَاكِرَةِ النَّزِيف
أَعُدُّ خَيْبَةَ الْوَطَنِ فِي الشُّمُوس
وَأُعَانِقُ تَسَابِيحَ الْمَحَبَّةِ فِي سَمَاءِ مَسْجِدِ اللَّه.
*شاعر من المغرب