}

قصائد

هاتف الجنابي 10 يناير 2025
شعر قصائد
(كريم رسن)
بنيامين عبدية إقبال زفانيا
Benjamin Zephaniah
هذه الأغنية،
لم تكن كل ما نقلته الرياح
من جزر الأسلاف والغزوات،
ولا كل ما تركته هاندزورث وبوليسُها من أثر (1)
لم يكنْ ابنُ (هيرليفا) أكثرَ عطفًا من كتاب دوميزدي
- كاشف العقارات والأملاك والأراضي (2)،  
أين الإنسانُ، يا أخي، أين أنت وأنا
(أنحن من مي لاي؟) (3)
أين "الفتى اللاجئ" والعجوزُ جوي غاردْنر
وحامي النظام كيث بلاكلوك (4)؟
رميتُ نفسي وخبزي على وجه الماء
لم أجدْني وخبزي ما زال يطوف (5)
هذا السهم العابر للقلوب والرايات والحدود،
لم يكن غير سهمك،
يا له من شبهٍ بينه وسهم آخر هندي من الأباتشي.
هذه مملكتي، رأسي، عينايَ، يداي، رجلايَ، رئتاي،
كبدي وقلبي، شراييني وأوردتي، وأسناني التي غرزْتُها
في أصابعي من شدة الحنق،
قد شحنتها أغانيك حبّا وحلما،
أنت يا ابن الطقوس والآلهة المستلبة
هنا في بلاد الماء والنار، اليُسْرِ والعُسْرِ،
هي ذي إمبراطوريةُ المستعمر والنقيضِ، التمرد والخنوعِ.
لا الأنبياءُ أوقفوا نزيفك أو نزيفي، حزنك أو حزني،
لا الممرضةُ الحنون ولا الطبيبة، حتى عامل البريد
لم يخبرنا بموعد الرحيل الأخير،  
يا "منارة الألم، ومصدر الإلهام" (6)
أناديك من عمق قبري في الحياة،
سآتيك يوما مُكللا بالغار والخيبة،
بالألم الرهيب كأنني حجرٌ ساقط في الماء
بمزيج من الهوان والكبرياء،
لكنْ ستبقى صرختي أعلى من الجلجلة،
ورفضي أعتى من الجبال.
ورثتُ الطبلَ والقيثار ولوعةَ الكمان
لم يكن أهلي رعاةً،
وما زلت عازفا على المزمار.
مررتُ بقبرك أمسِ، فنادَيتَني يا أخي، يا أخي:
من الحب البدايةُ والنهاية،
واصِلْ أغانيكَ بعدي، واكتبْ ملحمةَ الغريب
كما لو كنتَ من هذه المرتفعات والوديان،
من المناجم والحانات، من القنوات والأشجار.

(برمنغهام، 24. 10. 2024)

1. هاندزورث: حي يقع في برمنغهام تقطنه غالبية من المهاجرين من أصول مهاجرة وفيه ولد الشاعر بنيامين الذي وقف إلى جانب حركة الاحتجاج والاضطرابات التي قادها السود سنة 1985 فوقعت مواجهات بينهم وبوليس المدينة. 2. كتاب دوميزدي- Domesday (1086): وضع باللغة اللاتينية في عهد ويليام الأول الفاتح (William the Conqueror) ملك إنكلترا وقد ورد اسم هذا الحي فيه. ومن المعروف أن ويليام ولد لأم غير شرعية اسمها هيرليفا كانت عشيقة لأمير نورماندي. 3. ماي لاي (The Mỹ Lai massacre): إشارة إلى مجزرة قرية مي لاي خلال حرب فيتنام. 4. الفتى اللاجئ: رواية ألفها بنيامين ونشرت عام 2001. والعجوز هي (Joy Gardner) امرأة سوداء قتلت في أحداث الشغب في حي هاندزورث، مع كيث (Keith Blakelock) رجل بوليس قتل أيضا في أحداث أكتوبر 1985، وقد اتخذ فيلم "أغاني هاندزورث، 1986" موتهما نقطة انطلاق له. 5. "ارم خبزك على وجه المياه فإنك تجده بعد أيام كثيرة"- سِفْر الجامعة، الإصحاح الحادي عشر. 6. الممرضة إشارة إلى (لنيف) أم بنيامين المهاجرة من بربادوس وجامايكا إلى بريطانيا، والطبيبة زوجة الشاعر المهاجرة من العراق وبولندا. وعامل البريد هو والد الشاعر (أزوالد). وصف جيرمي كوربين، رئيس حزب العمال السابق، الشاعر بأنه "منارة الألم ومصدر الإلهام".  

رقصة الأرض

 إلى علي العامري

الحبرُ يبكي والفضاء يغرق بالدموع.
السحاب حجابُ ما لا نراه وما في داخله
أَطَالسُ تنشأ من جديد.
تَفتّتْ يا حجر العقل وظلمهِ
بما يُراق من الدماء،
هل ستنشق السماء؟
نعم، ستنهار وتردم الوديانَ كلها بالصراخ  
لكن إيقاعا وضيئا سيبقى مخترقا شغافَ القلوب والوهاد.
أنت والأرض ترقصان إلى الأبد،
أنت على إيقاع الجذور
وهي في رقصة لا تُرى مع كوكب الزُهرةِ،
في منتصف الطريق بين الأزرق والبرتقالي،
ترقصان، كلٌّ حول محوره لتلتقيا في مسار الشمس.
أهي رقصة گلگامشَ بعد مصرع (خُمبابا)،
ورقصةُ (هاكا) المتمردة (1)
أم تموّجُ الدرويش في الذِّكر،
والموجةِ في البحر،
أم أنها ذلك المِحْورُ المَخفيّ
في استغاثة المفطومِ من الأرض،
والدورانُ حول الجسد المنتفض؟
ارقصْ يا أخي، يا آخرَ هندي،
على وقع الخفاء والتجلي
لأجسادٍ يسلخها أباطرةُ الكرهِ،
فأنتَ حرّ.
هيرودوت مُنبئٌ، وإسْراءُ ما بعدَه،
وتلك التي كانت "ستمشي حافيةً
إلى فلسطين من أجل لمسة..." (2)
لامسْ رحمَ الأرض،
حضنُها دافئ ووجيبُها أنقى.
ستمتد الجذورُ بعيدا، والجذوعُ تورق،
سينهض الأسلاف من قبورهم ويولد الآتون قبل أوانهم
راقصينَ معا رقصةَ الخلاصِ من الموت إلى العشق...
وإذا الفردوس كان محتجبا ذات يومٍ
فالآن ثمارُه وأغصانُه حبلى تتدلى
حرّةً فوق رأس الراقص.  
"لقد وصلنا، نحن هنا، نحن نبحرُ،
نحن نبحرُ، في محيط العالم" (3)

1. رقصة هاكا الماورية: صيحة وتمرد لسكان نيوزيلندا الأصليين.
2. مقتبس من مسرحية "عطيل" لشكسبير، الفصل الرابع، المشهد الثالث.
3. ترنيمة رددتها النائبة النيوزيلندية (هانا- روهيتي كلارك) في برلمان بلدها.

(برمنغهام، 18. 11. 2023)


في بيتنا الإسكندر المقدوني

الطبولُ تدق والأبواقُ تعزف
وثمة خوذةٌ ذهبية وارفة تلوح في الأفق.
تلك العربة، بروحها الرحيمة المزمجرة،
لا تهدأ في النهار، ولا تكلّ في الليل،
لأن آلاف المشاعل تُوقدها،
بعدما تركتْ خلفها "الطرقَ التسعةَ" ثكلى
ولا من أحدٍ يلحقُ أنْ يَنعى فَقدَ أحد (1)
ثمة مزهريةٌ ذهبية تبدو كالشعاع عند المدخل.
آمالٌ بحجم الكرة الأرضية
لاحتْ من أرض مقدونيا،
فانوسُها لا ينطفئ،
لكنها ليست بحجم الهالة التي تحملها
الكواكبُ المعلقة، على برج بابل
ولا بقدر تمثال "الحمامة البيضاء" (2)
ليست بإيثاكا ولا ذاك الفتى بأوديسيوس
إنها مملكة الإلهام في العالم الأرضي،
تاجُ إلهٍ بشري، روحٌ من رحيق الآلهة،
هبوطٌ من الأوليمب إلى منبع النجوم
في موئل الدنيا ومملكة النشور.
آهٍ، يا رحيقَ السيول العارمة،
أيتها الصبيةُ الفاتنة- سميراميسُ،
يا شمسَ وادي الرافدين
جاء الفارسُ الفتى من الشمال
وما له دون جناحيك مَأمنٌ
ولا أفقٌ دون عينيك
أراه رافعا رايتَه، مُلوّحًا بصولجانِه
فترعد الرياحُ وتعصفُ،
لكنّ قلبه أسيرٌ بين كفيك.
ويا گلگامشُ كنْ وأنت في العالم الآخر،
حارسًا لمسرى القادم الغريب الأليفِ
في بحثه عن عشبة الخلودِ.
أرى رياحه تكنس ما تبقى
من أعداءِ بابلَ ماضيًا
ويا ليتها تكنسهم حاضرًا،
فأرى البروقَ تعلو أسوارَها
ثم تنشر الشمسُ رداءَها فوق الجنائن،
ويستيقظ الأسدُ الحارسُ من غفوته.
دخل الفتى دارَ حكمةٍ فألفى عالَمًا
من شعاعٍ وأطلسَ من مروجٍ ونجوم
وأهلَ بابلَ في انتظار فجرٍ حالمين،
لم يدركوا أن التعاويذَ ولا مزارَ الإلهِ "إيا" ومعبدَه (3)
لم تُنقذْ نبوخذ نصرَ من قبلُ،
ولا من ساروا على خطاه غزاةً فاتحين،
كم زهرة هم حملوا لمنتصر،
كم قبلة للشفاه،
وكم قارورة من الكافور للموتى.
وبابلُ تبقى دائما بابل،
فإما تدخلها عاشقا أبديا
كقلبِ الفتى المقدوني،
أو أحمقَ غازيًا لِحين.
هدموا بابلَ قبلَه، أحرقها أعداؤه بالأمس
قبل أن يهزمهم هذا المخلّصُ الآتي
من عالم الحلم، من رحم الحياة.
هكذا نُسجتْ واتّسَعتْ خيوطُ الحلم الوليد
بمَهد (روكسانا) وذابتْ في الجنائن (4)
كي يظلّ الفتى أبدَ الدهر مُلهمًا
كضوء القمر، كالوردة والغبش،
والحبُّ ناهدًا كنهدٍ فتيٍّ في أرض بابل.
الحسرةُ تأسى دائما والسعادة تبسمُ
ضدانِ يلتقيان كالنجم في كبد السماء
والظلامِ في منتصف الليل،    
وثمة خيط ضنينٌ بينهما عند أدنى سقطةٍ ينقطع
يتشبث الأعمى به والمبصرُ، الخاسرُ والمنتصرُ.
في غفلةٍ من حرس الحياة ولعبة النرد
ها هي الأجراس تدقّ والأبواق تعزف  
بنبرةٍ أخرى ولحنٍ غريب تردده الريحُ
حتى كادت السماءُ على الأرض تنطبقُ.
عندما صاح النذيرُ واهتزت الأرجاء
تجمهر الناس ثم لاذوا بالدعاء،
صاح الملاكُ قبل أن يُطفئ آخر شمعة:
"حتى في أركاديا ها أنا ذا" (5)
هكذا خيّم الضبابُ وأشرع بابَه الديجور
بكت النساءُ الحبيباتُ عليه،
واهتزتِ الأرض في بيلا (6).
قالوا انبثق الهواءُ من زفرته
وأزهرتْ في كل خطوة زنبقة
وقالوا احْمَرّت الغيومُ بعد موته
وسالت ثلاثٌ وثلاثون دمعة
على صدر سميراميسَ وانطفأت لبرهةٍ عيناها.
بعدها حلّقتْ روحُه كطائر نحو الشمال
ولاحت كنجمٍ مذنبٍّ من بعيد.
ثم قالوا سينبعثُ،
سيعود بروميثيوسَ ربما خِضْرا،
جسدا مضيئًا مزهرا
بروح بابلية.

1. في عام 477 استولى الإسكندر على قاعدة الفرس في بلدة "الطرق التسعة" (أمفيبوليس) وأسر العديد من الشخصيات المهمة مُنهيا خطرهم في المنطقة. 2. تقول الأسطورة إن الحمامة البيضاء هي التي رعت البيضة التي خرجت منها سميراميس (سمو رامات) وهي أيضا ولدت في خِضمِّ سيولٍ عارمة. وكان لها تمثال في بابل. 3. ورد أن الاسكندر المقدوني قبل موته تم وضعه في مزار الإله "إيا" من أجل شفائه. 4. روكسانا زوجة ألكسندر الكبير ولدت طفلها بعد موت أبيه بأشهر. 5. ورد هذا القول عند الشاعر الألماني غوته كإشارة على وجود الموت في كل مكان. 6. پيلا: المدينة التي ولد فيها ألكسندر المقدوني (الكبير).

(برمنغهام، في 30. 07. 2023)

قصائد اخرى للشاعر

شعر
10 يناير 2025
شعر
10 مارس 2017

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.