من أين نبدأ؟ وكيف نعيد لبهاء صيحة المتنبي جمالها في الانتصار لمجالسة الكتاب؟ هذا هو السؤال الصعب. وهذا ما حاول ويحاول هذا الملحق الانخراط فيه.
ما أملنا القيام به في هذه الصفحات كل شهر هو ان نوقد نيران رقصة الاحتفاء بالكتاب، عوض لعن الذين لا يقرأون. حاولنا ان نشرع النوافذ على عرضها، شرقاً وغرباً. فحضر معنا كِتاب وأفكار الشرق من الصين واليابان والهند وباكستان إلى جانب حضور كِتاب وأفكار الغرب بلغاته المتعددة. مُرادنا كان وما زال كسر احتكار الفكرة وإنتاجها، مساهمة في زحزحة وطأة المركزية الغربية الهابطة على ثقافتنا وثقافات العالم. ليس منطلق ذلك استعداء طفولياً غير مبرر لكل ما هو غربي، ذاك ان غناء الأفكار من مدارس الثقافة والفلسفة الغربية لا يجادل فيه أحد، بل هو الإصرار على عالمية وإنسانوية التثاقف واندياحه عبر الحامل الاساسي له وهو الكتاب.
خلال ذلك ايضا حاولنا كسر احتكار الأقلام المعروفة في كتابة مراجعات ونقد الكتب، وشرعنا صفحات الملحق لأقلام شابة واعدة تجاور تلك الراسخة. جوهر ذلك كله كان محاولة تقديم فكر النقد، ومراجعات النقد، لا فكر الجواب ولا مراجعات التبجيل. احيانا نجحنا وأحيانا لم ننجح، لكن المهم في ذلك كله كان تعزيز ثقافة وفكر السؤال والتأمل والبحث، ومواجهة ثقافة الادعاء بامتلاك الأجوبة او الوقوف على نهايات المسائل والتاريخ وتلقيمها للبشر والقراء. تقنيا، حاولنا الاستقواء بالصورة غير التقليدية مساهمة في إثارة السؤال والتأمل، بخلاف تلك التي تقدم مشهدا كسولاً، ومعها إخراج أملنا ان يلتقط عين القارىء ولا يكون مملاً.
صارت هذه الصفحات عنواناً ثقافيا معروفا ومتميزاً في المشهد العربي، وصار لها شخصية رصينة تسوغ الاعتزاز بها، وصار لها كتابها وقراؤها ومنتظروها. أهم ما فيها أنها إنتاج جماعي يتشارك فيه الكتاب والمساهمون مع هيئة التحرير ورئاسة تحرير الصحيفة وسكرتاريتها. تمأسست، وهذا مسوغ آخر للاعتزاز، الى درجة إخلاء سبيلي للانصراف إلى مشاريعي البحثية والجامعية التي تراكمت. بعد سنة من العمل الممتع مع الزميلة الرائعة علياء الربيعو في تأسيس وتحرير ملحق الكتب أقول وداعاً ... لكن تبقى الكتب، ويبقى ملحقها. أترك الملحق وعلياء مع هيئة التحرير العريضة الممتدة من بحر هذا العالم العربي الغربي إلى بحره الشرقي، لمتابعة ومواصلة قيادة ما قد تأسس.