}

المواجهة النسوية لهيمنة الشمال

شيرين أبو النجا 20 أغسطس 2019
آراء المواجهة النسوية لهيمنة الشمال
رجل يشارك في مسيرة نسوية في نيويورك (20/1/2018/فرانس برس)
تعاني التوجهات النسوية في منطقة الجنوب العالمية من النبذ المجتمعي غير المعلن والرفض الفكري الصريح مع التهميش الكامل (الممتزج بسخرية مبطنة)، ويعود ذلك الموقف إلى عدة أسباب تاريخية وسياسية واقتصادية. ويُعتبر أهمها هو القناعة الكاملة أن النسوية والجندر ليسا إلا أفكار أتى بها الاستعمار، وهو ما يفسر اختلال منظومة علاقات القوى الجندرية بعد رحيل الاستعمار. في الوقت ذاته لا بد أن نتذكر أن نظرية ما بعد الاستعمار (المرتكزة على ما بعد البنيوية) لم تخصص للجندر أهمية في دراسة المجتمعات (باعتبار تشابه تجارب النساء) حتى قامت النسويات المهاجرات وتبعتهن الغربيات بإنشاء نظرية ما بعد الاستعمار النسوية. ومنذ ذاك الوقت اختلت منظومة إنتاج المعرفة بشكل واضح وأصبح الجنوب مجرد بنك معلومات للشمال فيما يتعلق بعلاقات الجندر (وأشياء أخرى)، وصعد نجم علم الأنثروبولوجيا والدراسات الإثنوغرافية ليُلخص الراحل إدوارد سعيد الأمر في مصطلح الاستشراق. برحيل المنظومة الاستعمارية حلت العولمة بكل ثقلها، وامتلأ الفراغ بالمنظمات التمويلية والمؤسسات العابرة للقارات النيوليبرالية، وتلك الأخيرة أصبحت أيضا قادرة على الإبقاء على فجوة واسعة بين الشمال والجنوب في إنتاج المعرفة. وبالرغم من غزارة الانتاج الفكري والمعرفي الذي يقدمه الجنوب- وهو أمر لا يحتاج إلى التدليل- ظلت الفجوة قائمة خاصة فيما يتعلق بالإطار النظري والآليات البحثية في دراسات الجندر.
في مقالها "اللقاء عند حافة الخوف" ترسم الباحثة الأسترالية راوين كونيل طريقا للخروج من
هذه الأزمة المعرفية.
وهو طريق يتضمن ثلاثة مخارج: أولاً على المجتمعات أن تُعيد قراءة عنصر الجندر في معناه الذي كان متجليا ما قبل الاستعمار، لأن الاستعمار يتسبب بإفراز الكثير من العنف في شكل الجندر سواء للمستعمِر أو المستعمَر. من ناحية يسعى المستعمِر إلى إرساء فوقيته عبر النساء، ومن ناحية أخرى يسعى المستعمَر إلى الحفاظ على كينونته عبر النساء. فالهدف الآن هو تحليل تأثير الاستعمار على تشكل الجندر في فترة ما بعد الاستعمار مع النظر إلى السياق الحالي أيضا، أي ضرورة فهم العالم الجديد الذي أتت به النيوليبرالية وتأثير ذلك على علاقات الجندر.
أما المخرج الثاني فيتعلق بالأولويات العملية المستهدف تحقيقها، والتي تُسمى في العصر الحديث "أجندة". فقد لاحظت كونيل أن الأجندات الغربية تُغفل (ليس عن عمد) ثلاثة عوامل تؤثر على الجندر في المجتمعات المحلية وهي: الدولة والسلطة (بتأثير من نظرية ما بعد البنيوية)، الهوية (بتأثير العولمة وما بعد الحداثة)، والأرض (باختفاء الدولة ورحيل الاستعمار وأفول المجتمعات الزراعية تنتفي أهمية الأرض). لكن بالنظر إلى أمثلة محددة كتشيلي والبرازيل وفلسطين تبدو الأرض أحد أهم الأولويات في تحليل الجندر. لا يمكن أيضاً إغفال أهمية سلطة الدولة وتأثيرها على شكل الجندر وتوظيفها له في خطابها أو قوانينها، كما تحظى مسألة الهوية وسياساتها بأهمية خاصة في مجتمعات الجنوب التي تحاول حتى الآن نفض صدمة الاستعمار وتبعاته. وهو ما يُفسر تهميش دراسات الجندر بوصفها بقايا الاستعمار.
أما المخرج الثالث- وهو ما يحدّد الشكل النهائي للمعرفة المنتجة- فيتعلق بالمناهج البحثية التي يتم توظيفها في دراسات الجندر. لا يخلو الآن أي برنامج دراسي في العالم العربي (والجنوب العالمي) من مقرر لدراسات الجندر، وهو أمر يشكل مفارقة إذا أخذنا في الاعتبار التهميش الذي تعانيه النسوية. هل يكفي أن يتم تخصيص محاضرة واحدة أو اثنتين لنظرية ما بعد الاستعمار؟ لا يمكن اختزال الأمر في بضعة أسماء ونص من مصر وآخر من فلسطين وثالث من المغرب. لا يليق أن نتفاخر بأسماء، كهدى شعراوي، وفاطمة المرنيسي، ثم نذكر عرضاً النسوية الإسلامية وبعض النصوص الأدبية ونكتفي بذلك لننتقل بعدها إلى تطبيق نظريات الجندر التي خرجت من عباءة نظريات ما بعد الاستعمار الغربية (برؤية الشمال العالمي الذي حولنا إلى مادة خام يُنتج بها نظرياته). لا بد لهذه النصوص والأسماء أن تفرض وجودها في شكل الإطار النظري الذي يتباه البحث؛ ما هو المنهج البحثي الذي يضمن سد الفجوة بين الشمال والجنوب؟

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.