وثانياً، كون إنسانيتها تغلبت على خوفها السوري من رعب القبضة العسكرية، وكامرأة تغلبت على عقدة الأنوثة الشرقية المتمثلة في الرعب من الاعتقال والاغتصاب الذي يحولها من ثائرة حرة إلى مغتصبة ذليلة، إذ حكمت هذه العقلية الكثير من المثقفات السوريات ومنعتهن من النزول للشارع والوجود الفعال بين الناس.
ثالثاً، كونها تنتمي من ناحية الأهل لطائفة الأسد، وهي الطائفة التي ربى هذا الأخير فيها
رابعاً، وهو الأهم، هو موقف فدوى الواضح والجريء الرافض لأي انحراف في مسار الثورة منذ بدايات تشكل التيارات والدعوات الإسلامية، إذ أن أي متابع للتطورات التي مرت بها الكارثة السورية يكتشف في كل المراحل أن النظام السوري هو المسؤول الأول عن كل هذا الدمار والتخريب، وعن تخريب البنى الاجتماعية السورية، مثلما هو المسؤول الأول عن موت ما يزيد عن مليون إنسان ونزوح عشرة ملايين ودمار معظم المدن، وتلف معظم البنى التحتية، ويكتشف أن اصراره على الحلول القمعية والعسكرية هو ما أوصل الإنسان السوري لكل هذا الانهيار، ولكن هذا لا يكفي، فلا بد من أن نقر بأن هناك أطرافاً أخرى سورية تتحمّل أيضاً بعضاً من المسؤولية، كالنخب وكالمثقّفين والأحزاب حيث أن عدداً كبيراً من المثقفين الذين وقفوا مع الحراك بجرأة ومواجهة، قد تنازلوا عما يميز المثقف من قدرة على الاستشراف ومن قدرة على نقد الذات ومراجعتها، ورضخوا لشعارات دينية وطائفية يعرفون هم أكثر من غيرهم خطورتها وفشلها، لكنهم ولأجل أن يستمر الحراك، وأن يستمر حب الشارع لأسمائهم، كانوا يؤجلون معركتهم مع العقول السوداء المغلقة لمرحلة ما بعد سقوط النظام، ولقد كان هذا من أكبر ما ارتكبته النخب المثقفة الداعمة للثورة السورية من خلل جعلها تقبل الكثير من الأخطاء الأيديولوجية، والأخطاء الأخلاقية، وتدخل في أزمة أخلاقية مع نفسها ومع الفئات المثقفة الأخرى، وجعل المثقفين يتحولون إلى منظرين إسلاميين بدلا من أن يكونوا مثقفين ثوريين، وجعلهم يساهمون في تخريب الثورة أكثر مما ساهموا في دعمها واستمرارها، لكن فدوى بقيت متفردة في رأيها، وبُعد نظرتها، ودفعت ثمن هذا التفرد.
خامساً، إيجابية فدوى وإصرارها على أن تكون عنصرا فاعلا حقيقيا ومؤثرا، فبالرغم من أن المطالب التي استقطبت أصوات الاحتجاج في عموم الشارع العربي في بدايات الربيع كانت تبشر بالدخول في مرحلة نهضة فكرية وسياسية واجتماعية قوية مدعومة من كل عنصر الشباب المسكون بالأحلام النهضوية التحررية، إلا أن حالة القمع الطويلة التي عاشتها الشعوب العربية جعلت أعدادا من المثقفين تدخل في حالة الإحباط وإحساس اللاجدوى، وجعلت حقيقية فعاليتها وتأثيرها في مسار هذه الثورات تتقزم وتنحسر، متمترسة في برجها العاجي الوهمي، منكسرة ومهزومة، وبالرغم من أنها تدعي غير ذلك فإنها بالنتيجة غابت تماما عن كل آلية الحراك، وتحول المثقف إلى "رجل التأمل المجرد، المُفاصل للواقع، والمنقطع عن الحياة العامة"، وغاب عن كل التشكيلات الجديدة التي أنتجها الحراك من تنسيقيات محلية، ومن إعلاميين، ومن نشطاء قياديين مؤثرين، ومن مؤسسات كبيرة مثل المجلس الوطني أو الائتلاف تاركا الساحة السورية للمرة الثانية مفتوحة وفارغة ومتخبطة تأخذها أية جهة تملأ هذا الفراغ القاتل، وتسير بها بخطى ثابتة نحو الهاوية.