}

فلسطين وكورونا.. تحاشياً لمطب الشائعات والفوضى

صونيا خضر 7 مارس 2020
آراء فلسطين وكورونا.. تحاشياً لمطب الشائعات والفوضى
نحت على الرّمّل أنشئ لنشر الوعي بفيروس كورونا (Getty)
"فلسطين خالية من الكورونا"- عبارة تصدرت نشرات أخبار الشاشة الرسمية الفلسطينية، على مدى أكثر من أسبوعين، سجّلت فيها الأقطار المجاورة عدة حالات وأعلنت فيها حالة الاستنفار، استمرت صلاحية هذا الإعلان وسط شكوك وتساؤلات الشارع الفلسطيني، وتسارع انتشار الفيروس في العالم، إلى ما قبل أقل من 48 ساعة، انقلبت فيها كل الموازين وثارت حالة من الذعر والفوضى مع أول إعلان باحتمال وقوع إصابات بالفيروس في فلسطين، لينهار الشارع تماماً بعد تأكيد سبع إصابات في مدينة بيت جالا الفلسطينية.

بعد التأكيد الرسمي وغير النهائي لعدد الإصابات في فلسطين، ببضع ساعات، أصدرت الحكومة الفلسطينية مرسوماً رئاسياً صارماً تعلن فيه حالة الطوارئ العامة لمدة شهر، مما ضاعف حالة الذعر بين المواطنين نظراً لسرعة إصدار هذا المرسوم وحدته، قياساً بدول أوروبية وعربية لم تحذو هذا الحذو وعلى هذا النحو رغم تسجيل عدد كبير من الإصابات، مثل إيطاليا التي لم تخرج بخطة طوارئ تتضمن إغلاق كافة أماكن التجمعات من مدارس وجامعات وغيرها، إلا بعد تجاوز عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا الـ3000 حالة، وإيران التي كسرت حاجز الـ3500 حالة واكتفت بخطة طوارئ مماثلة لأسبوعين فقط، ما زاد من ارتباك الشارع الفلسطيني، ودفع بعض المشككين بشفافية الحكومة لترويج الشائعات حول عدد أكبر من الإصابات يتم التحفظ عليه من قبل المسؤولين لغاية التخفيف من حالة الهلع أولاً ولغرض تجنب واحتواء غضب الشارع الذي سيحمّل الحكومة مسؤولية التقصير والمساهمة بانتشار الفيروس ثانياً.
بشكل عام وبموضوعية وحياد هذا يحسب للسلطة الفلسطينية، كسابقة عالمية في احتواء الأزمة ومحاولة الخروج منها بأقل قدر من الضرر والإصابات البشرية في وقت يتخبط فيه العالم بين استمرار الحياة بشكل طبيعي تفادياً لأزمات اقتصادية حادة أو شلّ حركة الملاحة الجوية والبحرية والجوية في سبيل حصر عدد الإصابات والحد من انتشار الفيروس.
إذاً ما يثير التساؤل هو قفز الحكومة الفلسطينية دفعة واحدة لإعلان حالة الطوارئ، وما يثير الريبة هو انقلاب الحافلة التي كانت تسير بهدوء وطمأنينة على هذا النحو الحاد والدراميّ، لكن لو نظرنا إلى الأمر بموضوعية، وبعد الانتهاء والاكتفاء من صبّ الغضب على الحكومة التي لم تتخذ التدابير اللازمة للوقاية من تفشي هذا الفيروس، كأن تحظر (ومنذ بداية اقتراب الوباء من المنطقة) وصول الوفود السياحية إلى فلسطين، بعد تجربة الوفد الكوري تحديداً قبل نحو الأسبوعين، نجد أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ورغم إثارتها للفزع بين المواطنين هي إجراءات صائبة، لدولة تعرف حدود إمكانيات قطاعها الصحي، وتدرك الاختلاف النوعي في التركيبة الاجتماعية  التي ترشّح عدد المصابين للتزايد والارتفاع بسرعة، للواقع المغلق الذي يفرضه الاحتلال من جهة وللترابط الذي يسود المجتمعات الضيقة من جهة أخرى، وهذا ما يعزز من احتمالات تفشّي الفيروس بوتيرة أسرع من المجتمعات الأكبر قياساً بتعداد السكان والحيّز الجغرافي والعلاقة الطردية بين الأماكن الضيقة وسهولة التفشّي، هذا سبب من أسباب انحياز الحكومة الفلسطينية لخطة طوارئ صارمة وصادمة بالإضافة إلى أسباب أخرى، تتعلق بالعادات الاجتماعية والإمكانيات اللوجستية وتقلبات الحالة الجوية وطبيعة الحياة في فلسطين المعتمدة أساساً على السياحة والتي تسجل رقماً قياسياً بعدد المقاهي والمطاعم في بقع جغرافية مجزأة مغلقة وصغيرة.

انقسام الشارع
بعد إعلان حالة الطوارئ في فلسطين، ووفقاً لما يرد على صفحات التواصل الاجتماعي، انقسم الشارع الفلسطيني بين مؤيد لهذه الخطة ومعارض لها على أساس حيثيات فصائلية وحزبية، تعمد إلى مواصلة انتقاد السلطة الفلسطينية، وتولي شأن الانقسام الفلسطيني والأزمات بين الفصائل والوضع الاقتصادي المتردي أولوية يجدر بالحكومة متابعتها عوضاً عن التركيز الشديد في احتواء أزمة كورونا، فيما تسود حالة من الذعر بين الفلسطينيين لإدراكهم لصعوبة الخروج من هذه الأزمة في حال تفشّي الفيروس، لكل الأسباب التي تتعلق بواقع الاحتلال من جهة وضعف الإمكانيات الطبية من جهة أخرى كما ورد أعلاه.

امتياز فلسطيني
نظراً لمحدودية نقاط العبور إلى فلسطين وخلوها من المطارات والموانئ، تستطيع السلطة استغلال هذا الامتياز الذي تفتقد إليه معظم دول العالم، عبر تطبيق دراسة إغلاق المنافذ القليلة المتوفرة لعبور فلسطين كما ورد بالبند الرابع من مرسوم إعلان الطوارئ، لجم جماح خطر محدق يتربص بها وحصر واحتواء عدد الحالات المصابة وإبقائها تحت السيطرة، وتطهيرها من الفيروس خلال فترة قصيرة.

على صعيد آخر
في الوقت الذي كثرت فيه النشرات التحذيرية من هذا الفيروس، كثرت أيضاً توجيهات الوقاية والتطمينات بأنه فيروس عادي، في الكثير من المقاطع المسجلة لأطباء واختصاصيين في علم الفيروسات والمناعة، وتم التطمين بأن الوفيات الناتجة عن هذا الفيروس لا تتجاوز 3%، غالبيتهم من كبار السن والمرضى. الأرقام لا تكذب، وهذا ما يبعث على نوع من الطمأنينة والهدوء، لكن بعض المفردات المتداولة لبعض المسؤولين تدعو لحالة من الإرباك والفزع، مثل وصف هذا الفيروس بالخطير جدا أو القاتل، أو تخصيص الجزء الأكبر من نشرات الأخبار للحديث عنه، والتحذير منه مع التركيز على عدد الوفيات وتسارع عملية الانتشار، مهمشاً الحالات البسيطة وحالات الشفاء التي تتجاوز الـ80% من الحالات، وهذا ما يترك أثراً ملتبساً على الإنسان العادي، المتابع الجيد والمعتمد على نشرات الأخبار وصفحات التواصل الاجتماعي.
بين الطمأنينة والذعر مسافة تتسع أحياناً لتمنح الإنسان فرصة للتدريب على إدارة الأزمات، والخروج منها بأقل الخسائر، وتضيق أحياناً لتضعه في قالب مغلق من الارتباك والفوضى، تدفعه للانجرار خلف الشائعات والانهيار ومراوحة مكانه أو التوغّل أكثر في الأزمة، كما تشير الأرقام هذه ليست نهاية العالم، بل هي أزمة حقيقية يواجه فيها العالم عدواً شرساً لا ينتمي إليه، ولا يعرف ملامحه وهدفه وخططه، لكننا ومع التقدم الطبي الملحوظ في العالم الذي على وشك حل معضلة مرض السرطان، ربما يجدر بنا إدارة هذه الأزمة العالمية العابرة، بحكمة وهدوء، وعدم الوقوع في مطب الشائعات والفوضى، للخروج منها بأقل خسائر ممكنة على الصعيدين النفسيّ والجسديّ.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.