}

كيف تتعلم كتابة الشعر في عشرة أيام!

رشا عمران رشا عمران 11 نوفمبر 2021



قبل أكثر من ثلاثة وثلاثين عامًا، تحديدًا في عام 1987، افتتح المخرج المصري حسن الجريتلي ما أسماه (فرقة الورشة)، وهي عبارة عن تجمع مستقل يضم ممثلين أو مؤدين غير محترفين، كان اعتمادها الأول أداء الحكاية بطريقة تلقائية فيها الكثير من الصدق والبساطة، حتى أن مصطلح (فن الحكي) بات مرتبطًا بورشة حسن الجريتلي التي استطاعت خلال سنوات أن تصدر إلى عالم الفن عددًا لا يستهان به من أكثر نجوم مصر تميزًا في الأداء الدرامي، وفي الانخراط بالشأن العام المصري، وهو بالعموم شأن الكثير ممن يشتغلون بالمسرح التجريبي والجاد في العالم العربي، لا سيما في بلد مثل مصر كان على مدى التاريخ الحديث (هوليوود) الشرق من حيث كم الإنتاج السينمائي والدرامي والذي كان يتطلب المزيد من الوجوه الجديدة للعمل في مهنة التمثيل، لا يتميز منهم (ثقافيًا ووعيًا سياسيًا واجتماعيًا) سوى قلة ليست بالصدفة أنها عملت بالمسرح الجامعي أو الفرق المسرحية التجريبية.

لكننا لسنا هنا بصدد الحديث عن فرقة الورشة المسرحية المصرية وإنما الحديث عن فكرة (الورشة) وما يمكن أن ينتج عنها بعد الانتشار الكبير لورشات العمل على مختلف أنواعها، وفي كل فنون الإبداع، ولعل أكثرها شهرة هي ورشات الكتابة الدرامية، التي أصبحت مؤخرًا ظاهرة ملفتة مع بدء المنصات التلفزيونية بإنتاج مسلسلات درامية (نيتفلكس/ شاهد.. إلخ)، ورغم أن ثمة مشرفا عاما سوف يكون اسمه هو الأول في (تتر) العمل الدرامي، إلا أن ورشات الكتابة الدرامية يمكنها أن تكسر بامتياز النمطية في كتابة المسلسلات الدرامية، لا سيما تلك المكتوبة للموسم الرمضاني، أي ذات الثلاثين حلقة، حيث باتت الأحداث كلها متوقعة في المسلسل الدرامي. وبعد أن أصبح عنصر التشويق مفقودًا لفرط التكرار في الأفكار المكتوبة سنويا، ستساعد ورشات الكتابة الدرامية على إنقاذ الأعمال التلفزيونية من نمطيتها وتكرارها بفضل الأفكار الجديدة الناتجة عن ورش كهذه، خصوصًا وأن معظم المشاركين فيها هم من الجيل الشاب المتابع  بجدية لما ينتج في الغرب من الأعمال التلفزيونية، الجيل الذي يتميز عن سابقيه بامتلاكه للغات أخرى تمكنه من الاطلاع على كل ما يخص العمل الدرامي، بدءًا من الكتابة وانتهاء بتقنيات الإنتاج الحديثة التي تتطلب نمطًا مختلفًا عن السائد السابق في الكتابة الدرامية، وهو ما كان ينقص غالبية كتاب الدراما العرب، الذين كانوا يكتفون بالإطلاع على ما ينتج عربيا فقط، وأحيانًا ما ينتج في بلد الكاتب نفسه فقط من دون الاهتمام بالمنتج الدرامي في دول عربية أخرى، مما راكم في الأرشيف الدرامي العربي عددًا هائلًا من المسلسلات التلفزيونية التي لا تمتلك أية قيمة لا على مستوى الأفكار ولا الإخراج ولا التمثيل. ففي النهاية، لا ينجح عمل درامي بدون أن يحقق شرط التكامل، فالنص الجيد سوف يتصدى له مخرج جيد، والمخرج الجيد سوف يبحث عن ممثلين يصلحون للأدوار بغض النظر عن نجوميتهم وشهرتهم، وللحق فإننا، كمشاهدين، قد بدأنا نتلمس الفروقات في الأعمال الدرامية التلفزيونية بين تلك المكتوبة على الطريقة التقليدية، والأخرى التي نهضت على أكتاف ورشة عمل غالبية أفرادها من الجيل الشاب، الجيل الذي عايش الربيع العربي وحلم بالتغيير، مثلما عايش إرهاصات فشل هذا الربيع وما نتج عنه من اليأس وفقدان الأمل وانسداد كل الآفاق التي فتحها هتاف الحرية في  شوارع وميادين العواصم العربية  قبل عقد كامل من الزمن.

أحمد المعلا/ سورية



وإذا كانت الورش المسرحية أو الكتابة الدرامية أو الورش التي لا يؤثر أعداد المشاركين فيها على نتائجها أو مجرياتها (كورش التدريب على الصوت أو الرقص أو الورش ذات البعد العلاجي التي يلجأ إليها المعالجون النفسيون كحلول جمعية لحالات نفسية متشابهة)، يمكن لها أن تعطي نتائج إيجابية جمعية على المدى الطويل، أو نتائج فردية سوف يكتشفها مشارك ما أو المحيطون به، إلا أن ثمة ورشات بدأت مؤخرًا بشكل كثيف في العالم، وهي ورشات الكتابة الإبداعية، فإذا استثنينا ورشات الترجمة التي لن تتأثر كثيرًا بعدد المشاركين فيها، فإن ورشات الكتابة الإبداعية يمكنها أن تثير الكثير من الأسئلة، كورشات كتابة القصة القصيرة أو الرواية أو الشعر (وهو أحد أكثر ورشات الكتابة الإبداعية عبثًا)، فمن الطبيعي أن أول شروط الكتابة هو توافر الموهبة اللازمة لعملية الكتابة، وهو أمر لا يبدو أن القائمين على هذه الورشات يأخذونه في حسبانهم، وموهبة الكتابة لا تعني القدرة على كتابة جمل صحيحة لغويًا أو ذات معنى، بل الموهبة متعلقة أيضًا بالتخصص، بمعنى آخر، قد يكون لدي باع طويل في كتابة الشعر ولكنني حين أقرر كتابة قصة قصيرة فربما سوف أفشل، موهبتي في كتابة الشعر قد لا تؤهلني لكتابة الرواية أو كتابة القصة القصيرة، فما بالكم بمن لم يجرب الكتابة مطلقًا؟ قد يدافع أحدهم عن الأمر بالقول إن المشرف على الورشة عادة ما يكون كاتبًا معروفًا وذا باع في مجاله، وهو قادر على تحديد من يمتلك الموهبة ومن لا يمتلكها، وبالتالي هو قادر على اختيار المشاركين، ويمكن لأحد الرد على هذا الدفاع بالقول إن للمشرف على الورشة ذائقته الخاصة به، وقد يكون منتجه هو أساسًا موضع أخذ ورد لدى قراء متنوعين، وبالتالي لا يمكن الاحتكام إلى ذائقته فقط، إلا إذا كان نتاج الورشة سوف يبقى كأرشيف يحتاج من شارك فيها إلى تدريب مكثف لاحقًا، وإلى التجريب أكثر من مرة قبل عملية النشر، أما نشر النتاج وإصداره ضمن مطبوعة ما فهو أمر يستدعي النقاش فعلًا، وربما لن يبدو الأمر بالغ السوء مع ورشات كتابة القصة القصيرة، إذ ثمة تقنيات للقص وللسرد يعرفها كُتاب السرد جيدًا، وباتت معرفتها أكثر سهولة مع التقدم المذهل في تقنيات المعلوماتية، ويمكن تعلمها بسرعة، مع أنني قرأت قبل أيام كتابا هو نتاج ورشة كتابة قصة قصيرة لثلاثة عشر كاتبًا وكاتبة من الوطن العربي، بعضهم يكتب لأول مرة، وبعضهم لديه بعض التجارب، ويمكنني القول إنني أنهيت الكتاب بصعوبة، بسبب التفاوت المهول بين مستوى القصص، وبسبب فقدان البعض لتقنيات القصة القصيرة واختلاطها لديهم بالسرد الروائي، أو بالنص الذاتي. لكنها رغم ذلك محاولة معقولة ويبدو جهد المشرفين عليها واضحًا.

لكن ماذا بخصوص ورشات الكتابة الشعرية؟ والشعر لا تقنيات محددة خاصة به، ولا شكل محددًا له، ويمكن أن يختلط به السرد مع المشهدية مع الحوار مع الخيال مع كل شيء، يحتمل الشعر كل أنواع الفنون، ويمكنه أن يختزلها كلها في نص قصير، هذا عدا عن أن الذائقة الشعرية متنوعة ومتعددة وتختلف بين قارئ وآخر، حتى بين شاعر وآخر. قد تنجح ورشة كتابة الشعر حين يتعلق الأمر بكتابة الشعر العمودي، حيث يمكن تدريس بحور الشعر وأوزانه، وتطبيقها بعملية نظم قد تكون جيدة وناجحة، لكن النظم يختلف عن الشعر حتمًا، مثلما تختلف قصيدة التفعيلة عن قصيدة النثر عن النص الذي تختلط فيه كل أشكال الشعر، فكيف يمكن أن نثق بورشة كتابة الشعر إذًا؟ وأساسًا كيف يتمكن شاعر ما من تحمل مسؤولية (تعليم) كتابة الشعر لعدد ممن يرغبون تعلمه؟ أظن أن هذه جرأة نادرة لا يملكها شاعر حقيقي، فالشاعر يشك أولًا بما يكتبه هو شخصيًا، يشك بمنتجه، ولا يكف عن التجربة والبحث عن أشكال ومفردات جديدة للغته الشعرية، ومتى وصل إلى مرحلة الاقتناع بأنه شاعر منجز وتجربته مكتملة فإن موهبته ستكون قد نضبت حتمًا ولم يعد لديه أي جديد يقدمه.

في العموم، ليس من حق أحد منع الآخرين من التجريب في كل أشكال الكتابة، وليس من حق أحد تقييم منتج إبداعي ما بطريقة قمعية أو تعسفية، ولكن التساؤل حول جدية هذه المشاريع وفائدتها تساؤل مشروع، خصوصًا عندما تتخطى حدود الورشة لتطرح كتجربة مطبوعة وتوزع في المكتبات، رغم التنويه بأنها تجربة البعض الأولى في الكتابة، إلا أن بعض القسوة أحيانا ضرورية لا سيما، كما أسلفنا، بما يخص الشعر، الذي يبدو كما لو أنه أكثر الفنون استباحة من قبل الجميع.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.