لم تكن في سنة 2000 قد وُلدت بعدُ جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، وهي أهم جائزة عربية تمنح للرواية، إذ لم تتأسس إلا سنة 2007، وكان أول الفائزين بها الروائي المصري بهاء طاهر عن روايته "واحة الغروب"، وقد اقتُبس عنها المسلسل التلفزيوني المصري الذي يحمل نفس العنوان، وتمّ عرضه سنة 2017. ونفس الأمر مع رواية "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان التي زادها الفيلم المقتبس عنها "الكيت كات" سنة 1991 شهرة وساهم في تكثيف دلالاتها، حيث لعبت الصورة السينمائية دورًا أكثر في الاقتراب من المهمشين في الأحياء الفقيرة بالقاهرة.
والجائزة إلى اليوم لم تمنح لأي واحد من الذين عرضتهم قائمة اتحاد كتاب العرب لأفضل مائة رواية عربية، لكن من الروائيين من سبق أن فاز بجوائز أخرى مثل رواية "مجنون الحكم" لبنسالم حميش الذي اختارها الاتحاد، وقد سبق أن فازت بـ"جائزة الناقد للرواية" عام 1990، وصدرت عنها طبعات عديدة في المشرق والمغرب. أما ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) فقد سبق أن فازت بجائزة الجوائز العالمية، وهي نوبل للآداب سنة 1988.
أما أغلبية الروايات الأخرى في القائمة فقد نالت شهرة عربية، وبعضها نالها عالمية بفضل الترجمة، أو النقد أو الدراسات الجامعية، أو الاقتباس السينمائي والتلفزيوني، أو الاكتشاف العفوي للقُرّاء. وذلك أكبر دليل على أن موضة انتشار الروايات إذا فازت فقط بجائزة من الجوائز أمرٌ غير واقعي وبالتالي لا يمكن اعتماده كمعيار.
"رامة والتنين" هي الجزء الأول مما صار يُعرف فيما بعد بالثلاثية التي استكملها إدوار الخراط بـ"الزمن الآخر" و"يقين العطش". كما ظهرت في اللائحة رواية (رباعية) "مدارات الشرق" لنبيل سليمان، ففي هذه الرواية الرباعية، التي استحقت اعتبارها رواية متميّزة، وخاصة الجزء المعنون بـ"الأشرعة"، يعيدنا سليمان إلى البدايات الحقيقية لسقوط الإمبراطوريات، وتكوّن الدول وتشكل القوى. ودلالاتها أن تلك البدايات البعيدة أوصلتنا إلى هنا. فهي مرحلة مفصلية في حياة سورية أثناء نشوب الحرب العالمية الأولى وتفتّت الدولة العثمانية.
كما سنقف عند ثلاثية "سأهبك مدينة أخرى" للروائي الليبي أحمد إبراهيم الفقيه.
وقد نُشر الجزء الأول منها ضمن سلسلة رياض نجيب الريس بلندن سنة 1991. وإبراهيم الفقيه هو صاحب أطول رواية عربية وهي "خرائط الروح" التي تتكون من اثني عشر جزءًا، وتتناول تاريخ الاستعمار في ليبيا. ولم تغفل القائمة الرواية المغربية، إذ ظهر روائيون لهم بصمة خاصة في الرواية العربية، على رأسهم عبد الكريم غلاب في روايته المؤسسة "المعلم علي"، الصادرة في طبعتها الأولى سنة 1971. وقد فازت بجائزة المغرب للكتاب سنة 1974، كما قُرّر تدريسها بعدة مدارس وجامعات عربية. وهي رواية مهمومة بالواقع والمعيش اليومي وبالتاريخ الوطني، حيث يصور الكاتب من خلالها الواقع الاجتماعي في المغرب، وتحديدًا في مدينة فاس زمن الاستعمار. بالإضافة إلى أنها تؤرخ لظهور العمل النقابي وبدايات إسهامات النقابيين في نحت مشهد الاستقلال، إنها تجسيد لمعاناة العمال زمن الاستعمار وتأريخ لبداية الإرهاصات الأولى لتشكل العمل النقابي الوطني في المغرب. رواية أخرى في غاية الجمال والقوة هي "حكاية زهرة" لحنان الشيخ. و"حكاية زهرة" هي قصة فتاة تعرضت لاستغلال قاس وبشع من طرف أمها منذ صغرها والتي كانت تصحبها معها عند عشيقها، فكانت زهرة شاهدة على علاقة الأم الغرامية، ترى وتسمع كل شيء ولا تستطيع البوح بذلك. تنتهي الرواية بموت زهرة المأساوية على يد قناص بيروتي الذي كانت تربطها به علاقة حب والتي حبلت منه وتزهر روحها في انتظار حلم الأمومة أن يتحقق ولكن حياتها انتهت قبل أن تبدأ.
وإن شئنا الاستمرار في تقديم مضامين وأشكال هذه الرواية المصنفة بـ"الأفضل" لاندهشنا من قوة الصنعة فيها، ومتانة المضامين والدلالات التي عكستها، رغم أنه يمكن تسجيل عدة روايات عربية غابت عن القائمة في نفس مستوى المذكورة.
تُرى من المسؤول عن هذه اللّهفة المبالغ فيها للجوائز الأدبية؟ في المقام الأول نجد الأدباء الذين فازوا بجوائز معيّنة لم يكونوا يتوقعون الفوز بها. فجاءتهم مثل حلم جميل في ليلة حالكة. من هنا حيكت الأساطير عن الأدباء الذين فازوا بالجوائز وأصبحوا، في ليلة وضحاها كما يُقال، في غنى عن وظائفهم التي كانت تضمن لهم راتبًا شهريًا. وقد بلغت هذه الصبغة الأسطورية ذروتها مع غابريال غارسيا ماركيز الذي يكاد جل الأدباء يحفظون قصة أن زوجته مرسيدس باعت طاقم زينتها من أجل أداء تكلفة إرسال رواية "مائة عام من العزلة" من مكتب البريد إلى الناشر، إذ كانت التكلفة تُقدّر باثنين وثمانين بيزوسًا. وهكذا حين فازت الرواية بجائزة نوبل أصبح ماركيز كاتبًا مرفّهًا. وتلت هذه الأسطورة أخريات ترسم كيف تغيّرت حال الكاتب مباشرة بعد الفوز. وهذا ما صنع صنم الجائزة في أذهان الكتاب، وبدأ الجميع يحجّون نحوها كما لو أنها "مكّة الأدب".