}

البحث عن حسين العبري

سيف الرحبي سيف الرحبي 2 يوليه 2025
آراء البحث عن حسين العبري
حسين العبري

 

لطالما، حين أقرأ رواية عربية، عُمانية خليجية خاصة، أتذكر حسين العبري، الروائي والطبيب النفسي، وأتساءل، أنا القارئ لمعظم نتاجه إن لم يكن جُلَّه: أين هو؟ فمنذ فترة طويلة لم أقرأ له عملًا جديدًا، عدا ترجمة هامة لكتاب "العاقل- تاريخ مختصر للنوع البشري" بمعية صالح بن علي الفلاحي. وهذا الحنين إلى قراءته يجعلني أعيد قراءة بعض رواياته التي عرفتها سابقًا مثل "الوخز" و"المعلقة الأخيرة"، هذه النوفيلا التي لا تتجاوز الثمانين صفحة، وتضرب عميقًا في معنى فن الرواية القصيرة. بعدها صدرت رواية محمود الرحبي الموفقة في هذا السياق بعنوان "المموّه".

"المعلقة"، في ظني، لم يصدر بعدها إلا روايته الأخيرة "سفينة الحمقى"، وهي الرواية الوحيدة التي يُقارب فيها المناخات والأجواء القاتمة لظروف مهنته كطبيب نفسي في مستشفى "المسرة" الحكومي، ومن ثم فتح عيادته الخاصة.

العبري، في إنجازه الروائي العربي الذي يحمله إلى طليعة أبناء جيله، لم يذهب إلى المعارف والشعارات الجاهزة والمسلمات تاريخًا ومعاصرة، عربيًا وعُمانيًا، بل استلَّ مبضع التشريح الصارم الحاد ليغرزه تحليلًا وتفكيكًا، بالمعنى السردي المتقن، في الجسد الذي يُعاني آفات وأوبئة كثيرة جرّاء سيرورة التاريخ القاهرة وتحولات العصر بحداثته المنقوصة ووعيه الزائف، الذي أنتج اضطرابًا في السلوك الاجتماعي والنفسي، وأنتج قيمًا وأنماطًا على جانب من التشوهات والأوهام والنفاق. لم يذهب العبري إلى المسلمات الجاهزة كالقضايا القومية والوطنية التي لم يبقَ جاهل أو مستبد إلا وزاود على حيازتها واحتكارها، ليدفع الصادقين في الوعي والسلوك إلى الهامش والعزلة.

حفر حسين العبري في الكابوس الذي يُقض مضاجع البشر في هذا المكان أو ذاك، مُعريًا ما يُخفيه السطح البراق من قيح ودماء متخثرة وعاهات.

كل هذا الثقل الكابوسي يتحول، في صنيعه الإبداعي، إلى قراءة لا تنقصها المتعة الجمالية الآسرة؛ الجمال المأساوي الذي يُلاحقه الروائي في تفاصيل حياة يومية رتيبة ومضجرة، لكنها تُخفي جراحًا تتعفن وسط الظلام والصمت. بعبارة أخرى، يمتلك تلك القدرة الفريدة التي لا يمتلكها إلا القلة من الساردين على تحويل الكابوس والمأساة إلى مسخرة. والمسخرة، في هذا السياق، هي ذروة المأساة الإنسانية، كما في كتابات التركي عزيز نيسِين، وعربيًا رواية "سعيد أبي النحس المتشائل" للفلسطيني الكبير إميل حبيبي، والأمثلة كثيرة.

في "المعلقة الأخيرة"، كمثلٍ سريع، نتابع صيرورة ذلك "المِصر" الذي يدخره صاحبه لمناسبة العيد، محتفظًا به بعيدًا عن الاستعمال اليومي، حيث تتوالى الأحداث "التراجِيكوميدية"، بلغة أهل الدراما، حتى تُفاجئ الصدمة القارئ، من غير شفقة، بأن "مِصر المناسبات السعيدة" يكون أداة انتحار صاحبه، متدليًا من أحد جسور العاصمة. وهذه الصدمة لم تأتِ جزافًا وافتعالًا، بل انبثت تدريجيًا، وبشيء من المكر الإبداعي، في السلسلة السببية الخفية والمعلنة لأفعال الشخصيات وسطوة المكان. "المعلقة الأخيرة"، هناك ذلك البعد الإيحائي الرمزي، البسيط والمحصن بالدلالات، حيث إن المعلقات في المعنى والسياق الثقافي العربي تدل وتشير إلى مجد الشعر والثقافة، مجد وعلو الهوية العربية في تلك العصور. على النقيض، في "سردية العبري"، تشير إلى ذلك الرجل الذي ينتهي به البؤس والعجز عن حل معيشته اليومية والاجتماعية إلى شنق نفسه بمِصر العيد.

أين هو حسين العبري في عمل جديد يُمتع ويكشف ويُثري؟! خاصة وأن الرواية والأدب العُمانيين أخذا في منحًى تصاعدي من الحضور العربي والإبداع.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.