Print

مهرجان برلين.. التمرّد على قمع الأنظمة الحاكمة

26 فبراير 2020
أجندة

في مهرجان برلين السينمائي، المنعقد هذه الأيام، تطرح أعمال عدة السؤال التالي: ما السلوك الذي ينبغي اعتماده في وجه قمع الأنظمة الحاكمة؟ ويبرز الفرار والمعارضة المباشرة كحلين اثنين وحيدين لا ثالث لهما.
يقول كريم أينوز لوكالة فرانس برس إن "التظاهر يعدّ وسيلة قوية للتعبير عن الاستياء. إنه مشروع اجتماعي بذاته يتطلّب إجراء الكثير من الاتصالات وبذل الجهود وتثبيت الحضور، بالإضافة إلى كلّ ما يجعلنا بشرا". في فيلم "ناردجيس آيه"، يرافق المخرج البرازيلي هذا الحائز جائزة فئة "نظرة ما" في مهرجان كان في 2019، ناشطة شابة لمدّة 24 ساعة خلال مشاركتها في الحراك الشعبي غير المسبوق الذي تشهده الجزائر منذ عام. ويصوّر الشباب الذين خرجوا إلى الشارع بثقة للاحتجاج ضدّ الفساد والنضال من أجل مستقبل ديمقراطي لبلادهم، التي ناضل آباؤهم وأجدادهم في السابق من أجل استقلالها عن فرنسا.
تبرز هذه المواجهة المباشرة مع السلطة في عمل آخر بعنوان "كومرادز" (الرفاق)، وهو فيلم قصير للمخرجة كاناس ليو من هونغ كونغ. تصف المخرجة الشابة (33 عاماً) التضامن العضوي في صفوف المشاركين في الاحتجاجات في هونغ كونغ المطالبين بالديمقراطية وبمزيد من الاستقلال عن بكين، منذ بداية صيف العام 2019. وتصوّر المتظاهرين الذين يهتفون "حرّروا هونغ كونغ. هذه ثورة عصرنا!"، فيما معظمهم يرتدون الخوذات والأقنعة الواقية من الدخان ويحملون المظلات في مواجهة القوى الأمنية المسلّحة. وهم يواصلون تحركهم على الرغم من أن كثيرين منهم يدفعون ثمن ذلك باهظاً، خصوصاً بعدما أوقف نحو 7 آلاف منهم منذ بداية التحركات.
في المقابل، يختار فيلم "ولكم تو تشيشنيا" (أهلاً بكم في الشيشان) الهروب كحلّ لا مفرّ منه في مواجهة قمع قد يكون دمويا. ويقول المخرج الأميركي ديفيد فرانس (حائز جائزة أوسكار أفضل وثائقي في العام 2013 عن "هاو تو سرفايف إيه بلايغ")، إنه يتناول العقاب الجسدي الذي يتعرض له المثليون جنسياً في الشيشان، ومن ضمنها الصعق بالشحنات الكهربائية وحلق الشعر والضرب في الساحات العامّة الذي قد يصل إلى حد الموت أحياناً. في هذه الجمهورية الروسية، شنّت حكومة الرئيس رمضان قديروف منذ العام 2017 "حملة وحشية على جميع المستويات" على ما يقول المخرج مؤكداً "إنها المرّة الأولى منذ أيام هتلر التي يتم فيها تجميع المثليين من أجل إبادتهم جماعياً". ويتابع فيلمه الوثائقي محاولات جمعية تعنى بشؤون المثليين في الشيشان ومقرها في موسكو، لإخراج مثليين شيشان من البلاد. وقد نجحت في إخفاء أكثر من 150 شخصاً بشكل موقّت في ملجأ سري قبل أن يتمكّنوا من الحصول على لجوء سياسي في الخارج.
لكن في ظل غياب التضامن الدولي، لا يمكن للبعض سوى الاعتماد على شجاعتهم، أسوة بمنى (26 عاماً) التي تمكّنت من خلال هاتفها المحمول توثيق هروبها السري من المملكة العربية السعودية عبر تصوير هذه المراحل من تحت حاجبها.
يقدّم فيلم "سعودي ران أواي" (الهاربة السعودية) مشاهد غير مسبوقة للحياة اليومية للنساء في السعودية. وتشهد المملكة تغييرات اجتماعيّة كبيرة وإصلاحات اقتصاديّة سمح في إطارها للنساء بقيادة السيارات، وبدخول ملاعب كرة القدم، لكن الرياض لا تزال تواجه اتهامات من منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان بقمع ناشطات قدن لسنوات حراكا يدعو لتغيير وضع النساء في المملكة. وتسأل الشابّة الشجاعة "هل أراد الله فعلاً أن نعيش، نحن النساء، كبشر من الدرجة الثانية ومن دون أن يكون لنا رأي خاص بنا؟". وفي محاولة للتخلّص من مصيرها المحتوم، استغلت رحلة شهر العسل في الإمارات العربية المتحدة، بعد زواجها المدبّر، للفرار.
وأحياناً قد تؤدّي حتمية مواجهة مجتمع متصلّب إلى فرار رمزي. في "نامو" يقرّر بختيار، وهو مدرس كردي في إيران، ألا يواجه المظالم اليومية إلى أن يخسر كلّ شيء. ويقول المخرج الإيراني نادر سوار (حائز جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان في العام 2018 عن "ثلاثة وجوه"): "في مجتمع حيث المواجهة مستحيلة، يكون الوقوف من دون الإتيان بأي حركة السبيل الوحيد للكفاح".
(فرانس برس)