وقال أستاذ التاريخ في جامعة كنساس ديفيد فاربر: "يبدو أننا لربما وصلنا إلى نقطة مفصلية في إعادة سرد الرواية بشأن من نحن كشعب أميركي". وأضاف: "رأينا عشرات الملايين إن لم يكن مئات الملايين من الأميركيين يخوضون صراعا مع أسئلة جوهرية بشأن ما الذي علينا فعله مع جوانب ماضينا البغيضة".
وأثارت حادثة مقتل فلويد، الأميركي من أصول أفريقية، في 25 أيار/مايو، على يدي شرطي أبيض البشرة في مينيابوليس تظاهرات حاشدة للمطالبة بالعدالة العرقية وإصلاح جهاز الشرطة في أنحاء الولايات المتحدة، ودفعت كثيرين للعودة إلى التاريخ لمحاسبة الذات.
واستهدف متظاهرون في مدن أميركية عدّة نصبا تذكارية تعود لجنرالات وسياسيين من الجنوب المؤيد للعبودية خلال الحرب الأهلية، فأسقطوا تمثالا في ريتشموند لجيفرسون ديفيس، رئيس الولايات الكونفدرالية خلال النزاع الذي استمر من عام 1861 حتى 1865.
وقال فاربر إن "رموز الكونفدرالية باعتقادي هي الأكثر استقطابا بين هذه النصب التذكارية. لكن الأمر يشمل الولايات المتحدة بأسرها". وتابع: "في نيويورك، هناك تماثيل كولومبوس. في نيو مكسيكو هناك تمثال لفاتح يعد شخصية ارتكبت إبادات جماعية في نظر شعوب بويبلو (السكان الأصليون). وهناك مدارس ثانوية في كافة أنحاء الولايات المتحدة تحمل اسم جون كالهون"، وهو نائب رئيس سابق كان صريحا في دعمه للعبودية.
Facebook Post |
ونوّه فاربر إلى أن النقاش بشأن النصب التذكارية العائدة للحقبة الكونفدرالية يدور منذ سنوات وسبق أن أعرب المدافعون عن الحقوق المدنية الذين نظموا مسيرات خمسينيات وستينيات القرن الماضي عن غضبهم "للسير في شوارع تحمل أسماء عنصريين وشخصيات تؤمن بنظرية تفوق البيض". واكتسبت جهود إزالة النصب التذكارية العائدة للكونفدرالية زخما بعدما أطلق مسلحون يؤمنون بنظرية تفوق العرق الأبيض النار على تسعة أميركيين من أصول أفريقية وأردوهم في كنيسة في تشارلستون في كارولاينا الجنوبية عام 2015.
وقالت استاذة العلوم السياسية المساعدة في جامعة إيموري آندرا غيلسبي إن "وتيرة ذلك تزداد حاليا بسبب المطالبات والغضب الشعبي". وأضافت: "أعتقد أن ما نراه هو إعادة نظر في الكثير من فرضياتنا وتحد لأشكال عدة من التاريخ بحسب تأثيره على الأميركيين من أصول أفريقية". وأكدت أن "هذه لحظة تتسلط فيها الأضواء على العنصرية ضد السود لكن من دون استثناء أشكال أخرى من الاضطهاد العرقي".
بدورها أوضحت أستاذة التاريخ في جامعة "ديوك" لورا إدواردز أن "الناس بدؤوا يدركون أن لهذه الرموز معاني سياسية وأنها تتسبب بمشكلات بأشكال لم يكونوا يدركونها بشكل كامل". وأردفت: "لم يعد من السهل مثلا وصف ذلك بالتراث"، في إشارة إلى معارضي إزالة رموز الكونفدرالية الذين يرون في الأمر محوا لتاريخ الجنوب.
وأكدت إدواردز أنها فوجئت عندما قررت شركة "ناسكار" المنظمة لسباقات السيارات الأكثر شعبية في هذا المجال في الولايات المتحدة حظر رفع شعار الكونفدرالية خلال مناسباتها. وقالت "من بين جميع الرياضات، تبنّت (ناسكار) ما اعتبرته إرث الجنوب الأبيض". وأضافت: "كانت الرموز المرتبطة بنظرية تفوّق البيض والكونفدرالية جزءا من علامتهم التجارية".
ورأت إدواردز أن الإطاحة برموز الكونفدرالية وتماثيل كولومبوس "مرتبطة ببعضها بشكل كبير" إذ تشكل جميعها "الاستعمار العنيف للولايات المتحدة". وقالت: "يتمثّل الجزء الأول بقدوم الأوروبيين وادعائهم بحقهم في مكان كان للسكان الأصليين ومن ثم استهلال إبادة جماعية للقضاء عليهم".
وأعقب ذلك استيراد العبيد من أفريقيا وهو أمر وصفه أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية آلان كراوت بـ"الخطيئة الأساسية التي لن يكون بإمكاننا تجاوزها إطلاقا".
وقال كراوت: "ما نشهده الآن هو مراجعة للتاريخ ردا على لحظة سياسية" رغم أن "إعادة التقييم هذه كانت جارية منذ مدة". وأشار إلى أن "مناقشة أمر التماثيل وإزالتها كانت جارية في الأساس" لكن "مقتل جورج فلويد شكّل حافزا للقيام بالأمر سريعا وبشكل درامي".
ورأى الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية بجامعة "سيراكيوز" ستيفن وايت أن السكان "يعيدون التفكير بعنصرية التاريخ الأميركي بشكل أوسع. هناك محاسبة أوسع". وقال "أعتقد أنه بالنسبة لعدد متزايد من الأميركيين البيض، هناك المزيد من الاهتمام بالأسباب بعيدة الأمد لعدم المساواة العرقية في أميركا".
وأضاف: "أعتقد أن السؤال هو إن كانت هذه التغيّرات في الرأي العام ستدوم. وهل هذه هي بداية تحوّل ملموس حقا؟".
بوب ديلان: طريقة قتل فلويد أكثر من قبيحة
قدم المغني الشهير بوب ديلان لمحة عن أسلوب كتابة أغانيه وقال في مقابلة نادرة نشرت الجمعة إنه تمنى لو كتب أغنية (آنجي) التي قدمها فريق ذا رولينج ستونز.
والمقابلة التي أجراها ديلان مع صحيفة نيويورك تايمز، والتي تناولت مواضيع متنوعة، هي أول مقابلة رئيسية معه منذ عام 2017 وجاءت قبل أسبوع من إصدار أول ألبوم موسيقي له منذ ثماني سنوات. لكن الرجل الذي يعتبر واحدا من أكثر المغنين وكتاب الأغاني تأثيرا في العالم لم يكشف الكثير عن معاني الأغاني الجديدة المليئة بالإشارات إلى ثقافة البوب خلال العقود الخمسة الماضية.
وسيصدر ألبوم (راف آند راودي وايز) في 19 يونيو/حزيران. وأصدر ديلان (79 عاما) ثلاث أغنيات فردية في وقت سابق هذا العام، بما في ذلك أغنية مدتها 17 دقيقة بعنوان (ميردر موست فاول) وهي مستوحاة من اغتيال الرئيس الأمريكي جون إف. كنيدي عام 1963.
قال ديلان للمؤرخ الأميركي دوجلاس برينكلي في المقابلة إن الأغاني تأتي من التداعي الحر للأفكار. وقال "معظم أغنياتي الأخيرة هي من هذا القبيل. كلمات الأغاني هي الشيء الحقيقي الملموس، فهي ليست استعارات. ويبدو أن الأغاني تعرف نفسها وتعرف أنه يمكنني غناؤها، بصوت وإيقاع. وكأنها تكتب نفسها وتعول علي لأغنيها".
وفي إشارة إلى مقتل الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد الذي جثم ضابط شرطة أبيض بركبته على عنقه في مايو/أيار، قال ديلان: "راعني بشدة رؤية جورج يتعذب حتى الموت بهذه الطريقة. كان الأمر أكثر من قبيح. دعونا نأمل أن تتحقق العدالة بسرعة لعائلة فلويد وللأمة".
(وكالات)