Print
سليمان بختي

"أصبح عندي الآن بندقية": دور الأغنية الأصيلة بحفظ التاريخ

3 أبريل 2024
أجندة

مثلما أعادت الحرب على غزة قضية فلسطين إلى صدارة القضايا في المنطقة والعالم أعادت معها أيضًا الأغاني القومية المتعلقة بفلسطين إلى القنوات الفضائية والإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي. ولعل الأغنية الأكثر تداولًا اليوم هي "أصبح عندي الآن بندقية" أو" طريق واحد" وهي من غناء أم كلثوم (1898-1975) وكلمات الشاعر نزار قباني (1923-1998) وألحان محمد عبد الوهاب (1902-1991).

ما هي قصة هذه الأغنية؟

بعد حرب 1967 انطلق الفدائيون يغيرون على الأراضي المحتلة. وكانت تحدث أحيانًا اشتباكات عنيفة ومعارك بين الفدائيين وإسرائيل. وأكبر معركة فيها كانت معركة الكرامة في 21 آذار/ مارس 1968 حين هاجمت إسرائيل قواعد الفدائيين في مخيم الكرامة شرقي نهر الأردن. ولكنها منيت بخسائر فادحة بالأرواح والعتاد. كانت هذه المعركة نقطة تحول في مسار حركة التحرر الفلسطينية "فتح" وأشعلت حماسة عالية ولافتة لدى الشعوب العربية. إثر هذه المعركة كتب الشاعر نزار قباني هذه القصيدة بمثابة تحية للنضال الفلسطيني. وقد غنتها أم كلثوم في العام التالي- أي 1969- بلحن حماسي ومميز من محمد عبد الوهاب والذي غناها بدوره على العود بعد وفاة أم كلثوم. ونُقل عن عبد الوهاب بعد أن قرأ القصيدة لأول مرة أنه قال عن نزار قباني: "ده شاعر بيكتب بعينيه". كان هذا التعاون هو الأول بين نزار قباني وأم كلثوم والذي قال قباني بعد أن سمع القصيدة بصوتها: "لا احد ينطق قصيدة الشعر مثل أم كلثوم". ويذكر أن التعاون الثاني معها كان في عام 1970 في قصيدة بعنوان "عندي خطاب عاجل إليك"، وهي الأغنية التي رثت الزعيم جمال عبد الناصر. سجلت الأغنية بلحن من رياض السنباطي وبقي انتشارها محدودًا. ويقال إن أم كلثوم بكت أكثر من مرة في أثناء التسجيل.


ماذا تقول كلمات الأغنية: "أصبح عندي الآن بندقية/ إلى فلسطين خذوني معكم/ إلى ربى حزينة كوجه المجدلية/ إلى القباب الخضر والحجارة النبية/ عشرون عامًا وأنا/ أبحث عن أرض وعن هوية/ أبحث عن بيتي الذي هناك/ عن وطني المحاط بالأسلاك/ أبحث عن طفولتي/ وعن رفاق حارتي/ عن كتبي عن صوري/ عن كل ركن دافئ/ وكل مزهرية/ أصبح عندي الآن بندقية/ إلى فلسطين خذوني معكم/ يا أيها الرجال/ أريد أن أعيش أو أموت كالرجال/ قولوا لمن يسأل عن قضيتي/ بارودتي صارت هي القضية/ أصبحت في قائمة الثوار/ أفترش الأشواك والغبار/ وألبس المنية/  يا أيها الثوار/ في القدس في الخليل/ في بيسان في الأغوار/ في بيت لحم/ حيث كنتم أيها الأحرار/ تقدموا تقدموا تقدموا/ إلى فلسطين طريق واحد/ يمر من فوهة بندقية".

ولكن في رحلة القصيدة إلى الأغنية حذفت منها هذه الأبيات: "أريد بندقية/ خاتم أمي بعته من أجل بندقية/ محفظتي رهنتها لأجل بندقية/ اللغة التي بها درسنا/ الكتب التي بها قرأنا/ قصائد الشعر التي حفظنا/ ليست تساوي درهمًا أمام بندقية". و"أريد أن أنبت في ترابها/ زيتونة أو حقل برتقال"، و"مشيئة الأقدار لا تردني/ أنا الذي أغير الأقدار/ فقصة السلام مسرحية/ والعدل مسرحية".

من غنى هذه الأغنية بعد أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب؟
غناها علي الحجار ومروان خوري وأميمة الخليل وذكرى ورشا رزق ومي نصر وجيانا غنطوس وكفاح زريق وإياد حنا وقمر بدوان ويوسف درويش وطارق حسين وشكري بوزيان وعمر جاد ومحمد ماهر وإبراهيم فايد. كما أنشدتها فرقة كورال القرية الصغيرة وترجمت إلى التركية.

قصيدة "أصبح عندي الآن بندقية" للشاعر نزار قباني وألحان محمد عبد الوهاب وغناء أم كلثوم من الأغاني التي تروي حكاية نضال شعب في صراعه نحو الحرية، وتشكّل إضاءة على دور الفن في مواكبة اللحظات المضيئة في تاريخ الشعب وعلى دور الأغنية الأصيلة في رواية التاريخ وحفظه.