Print
محمد جميل خضر

"قمر عمّان" لغسان مفاضلة: تجدّد الوعد والشغف

6 أغسطس 2018
تشكيل

كما لو أن 16 عاماً، تلاشت بضربة من فرشاة ألوانه، يصل الفنان والناقد التشكيلي الأردني غسان مفاضلة، من خلال منجزه جدارية "قمر عمّان"، تقطعات الزمن.

جدارية انكب عليها عام 2002، عندما كانت العاصمة الأردنية عمّان، تحتفل باختيارها وقتها عاصمة للثقافة العربية، أنجز معظمها، لوّن مسارب أنفاق، وقواعد جسور، وجمّل صرامة تقاطعات مرورية مبتلاة بالدخان وإيقاع المدينة الهادر اللاهث السريع، غير المتروّي لتأمّلِ فعلٍ ما؛ لفتةِ إبداعٍ مثلاً، أو ومضةِ تجليات.

ثم وبعد 16 عاماً على جهده الأول، وبعد إماطة اللثام عن جداريته التي توالت عليها بعد تلوينها وتشكيل معالمها فنياً وبصرياً، الأعوام وعوامل الطبيعة والبيئة والمناخ، وبعد صمودها النسبي أمام تبدلاتٍ وحتٍّ وعواصفٍ وهديرِ مدينةٍ صاخبة، يعود إليها، يصعد وهو في الرابعة والخمسين (الصقالة)، ملامساً الحواف بشجاعة عاشق وطاقة شاب ، وإذا بالجدارية تُسْلمُ قيادها له، يغيّر ضربة لون هنا، يستعيد شباب واجهة من واجهاتها هناك. يمسح عنها غبار الوقت.

جدارية "قمر عمّان" الجاهزة الآن لأن تزهو بالمنجز المتجدد لصاحبها، تغطي مساحة وارفة من تقاطعات الدوار الثالث ليس بعيداً عن قلب عمّان النابض، وقاعها الصاخب، وعتاقتها الرابضة في نواحيها التي شكّلت بدايات الدولة، وخلال أعوام التأسيس والنمو والتوسع، روافع الجذور، ومغريات البناء ورصّ المدماك فوق المدماك.

التكوينات الفنية لجدارية "قمر عمان" التي تبلغ مساحتها نحو 350 متراً، تحاكي على نحو غير مباشر المشهديات الطوبوغرافية والعمرانية التي تتزيّن بها جبال عمّان، وهو ما يجعل من الجدارية مشهداً "بانوراميا" مفتوحاً على الفضاء العام للمدينة بمفرداتها البصرية والجمالية. وعلى امتداد الواجهات السبع  للجدارية، انتظمت العديد من الرموز والإشارات الدالة على علاقة الإنسان مع المكان، مثل البيت والطريق والجبل؛ لتشكّل فيما بينها، حواراً مُطلّا على النسيج البصري الذي تتفرّد به جبال عمّان.

الألوان الصريحة الساطعة التي كست واجهات الجدارية، مثل الأحمر والأزرق الأصفر والأخضر، جاءت لتأكيد أواصر العلاقة بين الشكل والحركة؛ فكانت حركة الحُزم اللونية على سطح الجدارية، واحدةً من تجليات تلك العلاقة.

ومن المفردات الرئيسية للجدارية، خاصة مفردات البيت والطريق والجبل، تم اشتقاق حروف كلمة عمّان التي توسطت واجهات الجدارية، وانتظمت معها في الإيقاع والتكوين.

فيما يشير اسم "قمر عمّان" الذي أطلق على الجدارية، إلى شاعرية المشهد البانورامي، وتتبع تحولاته وتنوعاته في فضاء الجدارية والمدينة على حدٍ سواء.

الحُلَّةُ الجديدة في التي اكتستها الجدارية بعد 16 عاماً، جاءت بوصفها إعادة تشكيل أو "إعادة انتاج" للمفردات المكانية التي تشكّلت منها بدايةً، وهي المفردات التي أفضت إلى معاينة العلاقة مع المكان بوصفه ذاكرة وهوية لا تنفصلان عن ذاكرة وهوية قاطنيه.

تنتمي جدارية "قمر عمان" إلى سلسلة أعمال "الإنسان والمكان" الجدارية والنحتية التي شرع مفاضلة في تصميمها وتنفيذها قبل نحو عقدين في عمّان وعدد من المحافظات الأردنية.

 وحول العلاقة بين المكان والإنسان والعمل الفني، يؤكد مفاضلة صاحب كتاب "خزائن المرئي- مشهد نقدي في التشكيل العربي المعاصر" أن المكان ليس حيّزاً مستقلاً عن الفضاء الحيوي للإنسان: "فحينما يشكّل المكان الفضاء العيانيَّ/ المجسّد الذي نمارس من خلاله جميع حيواتنا، لا بد أن يكتسب جزءاً من سماتنا الخاصة بنا. والمكان بفعل ذلك، يخرج من كونه حيزاً ساكناً ومحايداً، إلى كونه حاضناً لفاعليات الإنسان، وخاضعاً على الدوام للتأثر والتأثير".