Print
سارة عابدين

"قصة زواج".. مناقشة قضايا اجتماعية كالزواج والطلاق

16 يناير 2020
سينما
تدور قصة فيلم "قصة زواج" (Marriage Story) حول الزوجين تشارلي (آدم درايفر) ونيكول (سكارليت جوهانسون). مخرج مسرحي وممثلة يعيشان في بروكلين مع ابنهما هنري البالغ من العمر 8 سنوات. تبدأ القصة بنهاية الزواج والانهيار الفوضوي لواقعهما المشترك.

ويبدو من تفاصيل الحكي أن نيكول نجمة سينمائية سابقة تخلت عن مسارها الفني الواعد لتشارك في الأعمال التجريبية الخاصة بزوجها تشارلي. نتعرف على كل تفاصيل حياتهما في المشهد الافتتاحي الذي يحكي فيه كل شريك منهما عن شريكه بناء على طلب الوسيط الذي سيساعدهما على الانفصال. الفيلم عُرض للمرة الأولى في الدورة 76 من مهرجان فينيسيا السنيمائي في أغسطس/آب الماضي. وهو من إخراج الأميركي نوح باومباخ، في تقاطع مع تجربة الطلاق الشخصية التي مر بها شخصيا، بالإضافة إلى تجربة طلاق والديه، الأمر الذي جعل الفيلم تجربة درامية شديدة الواقعية والإنسانية.


التحول
يبدو من خلال القصة أن نيكول وتشارلي يتحول كل منهما إلى شخص آخر بداخل دراما لا يتحكم فيها أحد، ليبدأ كل منهما في سرد القصة من وجهة نظره كأحد أطراف النزاع، لتظهر الأجزاء الأكثر إيلاما في الفيلم، حين يبدأ محامي كل طرف في استخدام الهفوات الإنسانية العادية التي يفعلها الإنسان دون قلق أو تفكير بجوار محبيه، وتحويلها إلى جرائم محتملة، وكيف أن الذكريات حتى السعيدة منها تغطيها سحابة من الغبار الداكن، ليختفي الخيط الرفيع بين الحب والكراهية. في تلك اللحظات يتوحد المشاهد مع الحكاية، ويتمنى وجود الحد الأدنى من الود في الحكاية، ليس بالضرورة من أجل المصالحة، ولكن للحد من الخصومة.
لا تبدو الحكاية متناظرة في كلا الطرفين، إذ يبدو الأمر أصعب على تشارلي منه على نيكول لعدة أسباب، أهمها رغبة نيكول في الطلاق، بينما يشعر تشارلي بالمظلومية والشفقة على النفس.
إن تعقيد منظور الفيلم يأتي مما يكشفه باومباخ وما يحجبه، وكيف تواكب شخصيات الفيلم واقعها وظروفها المتغيرة، بالرغم من شعورها أنها عالقة في تلك النقطة من الزمن، وكيف اكتشف كل من البطلين أنه لم يعرف الآخر بعد بالرغم من مرور سنوات على زواجهما.


تشابك العلاقات
بالرغم من المحاولات المستمرة والمجهود المبذول لإتمام إجراءات الطلاق، إلا أن كلاً من الزوجين يحاول إبقاء الطفل في المنطقة الآمنة، حتى لا يفقد الاتصال مع أحد والديه على حساب الآخر، ويحاولان قدر الإمكان عدم وضع الطفل في موضع الاختيار بين أحدهما، ليؤكد الفيلم أن طريقة وآليات إنهاء الزواج تتسم بقدر كبير من الأهمية والحساسية التي ربما لا يدركها البعض.
عالج المخرج الفكرة بقدر كبير من الواقعية، وطرح تساؤلات تتعلق بتقاطع الخط المهني أو النجاح العملي لدى الأمهات مع فكرة الأمومة، والزواج، وكيف تتأثر المسيرة المهنية نتيجة المسؤوليات الجديدة، أو نتيجة رغبة الزوجة في الوقوف إلى جوار الزوج في مسيرته.
نجد من خلال السرد أن نيكول كان لها دور كبير في مسيرة زوجها، سواء بالعمل أو الملاحظات والآراء التي كان ينتظرها منها دائما ويعمل بها دون أن ينسب أي فضل في النجاح إليها، وفي الوقت نفسه لا يلتفت لمتطلباتها الإنسانية والمهنية أو الجنسية، لتتحول في النهاية إلى شخصية لا تعرفها، وتعيش حياة لا تتمناها، فقط لأجل رغبات زوجها وأحلامه. وبالرغم من وضوح هذه المعاني في حكاية نيكول لمحاميتها، إلا أن الأحداث نفسها لم توضح السبب الرئيسي وراء تفكك الزواج في ذلك الوقت بالذات. مجرد كلمات في مشاهد متفرقة دون بنية قوية في الدراما.


سحر التفاصيل الصغيرة
يلتقط باومباخ التفاصيل الصغيرة المتعلقة بالصورة والأثاث والملابس والديكور بعين شديدة الذكاء والملاحظة، ويظهر ذلك في العديد من المشاهد أهمها مشهد مقابلة نيكول مع محاميتها المتألقة لأول مرة، والفارق الواضح في اختيار الملابس لكل منهما. اختارت المحامية ملابسها بعناية لتبدو جذابة وجميلة، بالرغم من ذكرها أنها كانت في مقابلة لأولياء الأمور، ولم ترتد أفضل ما عندها. بينما تبدو نيكول بوجه شاحب خال تماما من مستحضرات التجميل، وعيون منتفخة، وملابس أقرب للملابس الرجولية، دون أي اهتمام بإبراز أنوثتها أو جاذبيتها، الأمر الذي يناسب المرحلة التي تمر بها ويجعل مظهرها واقعياً دون افتعال. مع تطور الأحداث واقتراب نيكول من هدفها (الطلاق) تتراجع تلك الحالة من اللامبالاة بمظهرها بشكل تدريجي وتبدأ في الظهور بشكل أكثر جاذبية واختيارات أكثر جمالا.
المشهد الثاني في المشاهد المحورية هو مشهد الحوار الذي دار بين نيكول وتشارلي في شقته الجديدة التي انتقل إليها. تبدو الشقة مقفرة وبائسة، جدرانها فارغة، وأثاثها قليل مقارنة بمنزل نيكول وطابعه الحميمي.
يظهر أيضا في مشهد لقاء نيكول وتشارلي بمنزله عدم قدرته على تخطي الأزمة وحيدا، وبدا شديد التوتر والعصبية، بدأ في مهاجمة نيكول وتحميلها كل أسباب فشل الزواج، حتى أن عصبيته وتوتره انتقلا إليها، ليبدأ كل شخص منهما في تذكر أسوأ الأحداث والمشاعر التي مرت بهما خلال تجربة الزواج، ليصل المشهد إلى الذروة الدرامية عندما يسقط تشارلي على الأرض باكيا، وتذهب إليه نيكول لمواساته، فيتعلق بساقيها ويواصل البكاء في مشهد شديد الإنسانية يؤكد أن سنوات من الحياة المشتركة والحب وحتى المشاحنات لا يمكن تجاهلها ببساطة، لكن لا يحدث ما يتمناه المشاهد، وينتهي المشهد دون أي نية في العودة من جديد.

 سكارليت جوهانسون 


















من المُخطئ
     
على عكس المتعارف عليه في الأفلام السينمائية، لم تكن أغلب النقاشات الدائرة حول فيلم "قصة زواج" نقاشات حول الدراما، أو السيناريو أو التمثيل، لكن حول القضية الاجتماعية في محاولة للوصول إلى من هو المخطئ أكثر من الطرفين، وبذا تحول المشاهدون إلى قضاة أو أطراف في النزاع الدائر بين نيكول وتشارلي.
يمكن أن يكون التقبل غير الدرامي للفيلم ناتجاً من واقعية القصة التي تتقاطع مع الكثير من أحداث الحياة العادية في حياة المشاهدين والمشاهدات. نيكول التي تفعل أكثر مما تحتمل طاقتها المحدودة، تعمل وترعى الطفل، وتستمر في رعاية زوجها بالرغم من سعيها للانفصال عنه، بالإضافة إلى أنها ضحية كل الضغوط التي تمارس على الأمهات من المجتمع بشكل عام.
يمكن للمتعاطف مع تشارلي أيضا أن تكون له أسبابه المقنعة، فهو مخرج مسرحي ناجح وعصامي، ومدرب دؤوب يمكنه بث روح المحبة والدعم في فريقه بالكل دون أن ينسى أي شخص مهما كان دوره هامشيا أو صغيرا. يتحرك لمسافة 3000 ميل بعيدا عن عمله وحياته بالكامل ليقضي وقتاً مع ابنه. يمكن القول إن عيوب تشارلي قابلة للتسامح من وجهة نظر المشاهدين، ولكن ليس من وجهة نظر نيكول.
قليلة هي الأفلام التي تناقش قضية الانفصال من وجهة نظر الطرفين دون أن تنحاز لطرف دون الآخر في نهاية العرض، بالإضافة إلى أن باومباخ أدرك مبكرا أن الجمهور سيتعاطف مع شخصياته بشكل إنساني شخصي، فلم يتجاهل أبدا اللمسات الإنسانية حتى المشهد الأخير من الفيلم، عندما كان تشارلي يحمل طفلهما بين ذراعيه، وانفك رباط حذائه، فنادته نيكول وعقدت له الرباط في مشهد شديد الندرة، وهو إشارة إلى تلاشي المشاحنات وعودة الود من جديد، لينتهي الفيلم تاركا كل مشاهد يكمل السيناريو بالطريقة التي يفضلها.