Print
هشام أصلان

مع رحيل جورج سيدهم.. عن مشوار "ثلاثي أضواء المسرح"

29 مارس 2020
مسرح
"عزيزي الضيف أحمد بسأل، عنك كل ما بضحك، بس ما بيجيش الرد، كل ما بلمح حد واصلك، أجري له ألقاه يتشد، بيني وبينك عندك أحسن. أروق، أنظف. لولا الرب علينا بيلطف، كنّا زمانا بناكل بعض. بس بنضحك. نزعل نضحك، نفرح برضه نضحك.. عزيزي الضيف أحمد، ما أعرفش إذا كنت سامعني ولا ما عدتش تسمع حد، فاكر لما كنا نغني، كنا نضحك طوب الأرض، بيني وبينك كل ما أدقق، أفكر، أمعن، بشعر إني خلاص هاتجنن، بس مافيش م المكتوب بُد. وآهي أيام بتعدي يا ضيف، وهانتقابل بلا تكليف، ونقعد نضحك، نضحك"- تلك كانت قصيدة كتبها شاعر غنائي فارق في كتابة الأغنية المصرية، رغم رحيله مبكراً، هو ابن جيل الثمانينيات عصام عبد الله. وضع لها خلفية موسيقية الملحن محمد هلال، وألقاها بصوت وأسلوب جميلين الكوميديان الكبير سمير غانم، في رثاء متأخر لرفيق الشباب الضيف أحمد. تذكرتها فور سماع خبر رحيل رفيقهما الثالث جورج سيدهم بالأمس.
ولا أعرف إن كان شيئاً جيداً أم يعتبر من سوء حظ الفنان، ألا تستطيع استدعاء اسمه منفرداً، ذلك أن الكلام عن سيرة جورج سيدهم، وبكل جماله، من الصعب أن يكون منفصلاً عن سيرة فرقة "ثلاثي أضواء المسرح"، التي هي عمود فقري لمشواره الفني، كما هي بالنسبة لمشوار الضيف أحمد، بينما كان الوحيد الذي استطاع استكمال مشواره منفرداً، بنجاح كبير، سمير غانم، الذي هو من ملوك الكوميديا المُفرغة من أي مقاصد سوى الضحك.

لم يمهل القدر الضيف أحمد عُمراً طويلاً، كما أصاب جورج سيدهم المرض منذ أكثر من عشرين عاماً ليختفي تماماً خلالها عن الأنظار، بعدما كان استمر في تقديم بعض الأعمال مع سمير غانم بعد رحيل الضيف، أشهرها مسرحية "المتزوجون".
من هنا، أنت لن تتذكر للضيف أحمد أعمالاً كثيرة خارج سياق "الفرقة"، كما لن تتذكر لجورج سيدهم أعمالاً كثيرة خارج السياق ذاته، أو خارج ثنائيته القصيرة مع سمير غانم. وقد يستطيع المهرة في الأرشيف الفني تقديم خطوط مختلفة في تتبع مسيرة جورج سيدهم، غير أن هذه السطور تترك نفسها لعفوية التلقي. عن نفسي لا أتذكر له بعيداً عن رفيقيه سوى دور جميل مع محمود عبد العزيز في فيلم "الشقة من حق الزوجة". مع ذلك، لم يمنع ضيق المساحة التي تحرك فيها جورج سيدهم أن يجلس في الذاكرة مرتاحاً، تاركاً مجموعة لا بأس بها من الابتسامات.



وفرقة ثلاثي أضواء المسرح، التي يعرف الجميع أن عقلها المدبر كان الضيف أحمد، أسسها في الستينيات المخرج التلفزيوني محمد سالم، الذي اكتشف الأصدقاء الثلاثة بعدما تعارفوا كزملاء دراسة في الجامعة، وقدمهم، قبل تأسيس الفرقة، في أول حلقات فوازير تلفزيونية كتبها الشاعر الكبير حسين السيد، وفق ما حكاه الفنان سمير صبري، الذي يتميز بكونه ذاكرة حية لتاريخ نجوم السينما والتلفزيون والإذاعة في مصر.

أسس محمد سالم الفرقة بعد نجاح الفوازير، وقدم معهم مجموعة من المسرحيات شاركتهم فيها سهير البابلي، بعدها سيشاركون بتميز في عدد من الأفلام، منها: "شاطئ المرح"، "30 يوم في السجن"، "القاهرة في الليل"، "الزواج على الطريقة الحديثة"، "رحلة السعادة"، "المجانين الثلاثة"، "شباب مجنون جداً"، وغيرها، قدموا فيها، فضلاً عن أدوارهم، عدداً كبيراً من الاسكتشات الغنائية المشهورة. وبينما استمر النجاح اللافت عشر سنوات، توقف مشوار الفرقة برحيل الضيف أحمد، حيث رفض سمير وجورج ملء فراغه بأي ممثل بديل. وبعد فترة قليلة سيأخذ سمير غانم منحى مختلفا، شكلاً وموضوعاً، عما اشتهر به في سياق "الثلاثي". وفي إحدى حلقات برنامجه المهم "الموهوبون في الأرض"، يتحدث الكاتب المصري بلال فضل باستفاضة عن هذه النقلة في حياة سمير غانم باستفاضة، وكيفية نجاحه في تكريس صورته الجديدة، ليصبح بعد قليل واحداً من ملوك ما يسمى بكوميديا "الفالص"، أو الكوميديا العبثية، وكيف أن الأجيال الجديدة وجدت لدى هذا النوع من الفن ملاذاً بعدما تحطمت لديهم المعاني العميقة والأهداف التي حرص البعض على أن يطعّم بها حالته الكوميدية كالوعظ وما إلى ذلك.



قد يكون ابتعاد جورج سيدهم عن التمثيل بسبب المرض، وحرمانه من استكمال المشوار، هو من أشكال سوء الحظ، وقد تقول زاوية نظر مختلفة إن الابتعاد أحياناً في لحظة النجومية، قد ينقذ الفنان من التهالك التدريجي أمام أعين المحبين، وربما كان مرض جورج سيدهم المبكر هو ثمن غال للصورة التي تستدعيها مخيلتنا كلما تذكرناه.

# ثلاثي أضواء المسرح: اسكتش كوتوموتو يا حلوة يا بطة: