ففي عام 1959 أقام تجاربه بمادة الحبر على الورق حيث عمل على مسحه بخطوط عمودية عشوائية سعيا إلى تشكيل موتيفات متتالية، وكتل مبتكرة مستخدما خصائص الحبر الهندي الشاحب غير الملون، والمساحات الكبيرة للأحبار الشرقية في دمج ابتكاري بين الكتلة والفراغ.
منذ ذلك الحين كثف سوه هذه التجارب وقادها عبر أنماط غير مألوفة من خلال الاشتغال على مادة الحبر الكوري لكن بصياغات واستلهامات المدرسة التجريدية الغربية الحديثة. فبالرغم من استخدامه لأدوات تقليدية من فرش وأحبار، والورق المصنوع يدويا، إلا أنه ابتكر لغة بصرية جديده للعناصر المستخدمة وبعدها الدلالي معتمدا فيها على صفات الحبر وخصائصه بين اللزوجة والكثافة، وتدفقه السائل، وعمق تأثيره.
Twitter Post
|
تبدو أعماله عفوية في تشكلها، بسيطة في تقنياتها، غير منحازة للقوالب التقليدية الصارمة التي كانت تسود تجارب الرسم التعبيري الكوري في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. كان يسمح للورق أن يمتص الحبر السائب وتمريره جنبا الى جنب الفضاءات التي ستحدد الأشكال والعلامات لاحقا. ثم يقوم بسحب الحبر إلى حواف الأوراق بينما يترك المركز ساكنا ليتشرب حدود الأشكال التي ستتسع أو تتلاشى حسب حركة الفرشاة وسماكتها. لذلك كانت أعماله سريعة وبسيطة، ولا تستغرق الكثير من الوقت. في الوقت نفسه كانت البساطة في أعماله خادعة فضربات فرشاته التي قد لا تتعدى العشر ضربات في العمل الواحد والتي تبدو غير منضبطة، تحيل المتلقي لعوالم مبتكرة، ولصور وطبقات تحث على التأمل الذي يكشف المزيد من التعقيد في المشهد الذي ينحاز للصورة الشعرية المكثفة والعميقة.
سعى الفنان لتأسيس جماعة فنية باسم "غابة الحبر" تشكلت من مجموعة من الفنانين الكوريين الذين نشأوا مثله تحت ظل الاحتلال الياباني فأرادوا التحرر من أسلوب الرسم الياباني التقليدي nimhoe الذي كان سائدا في ذلك الوقت. كذلك سعى أعضاء هذه الجماعة لتطوير مباحث جديدة ومناهج حديثة لرسم العلامات، وتكثيف نظام الرسم في مادة الحبر خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
في العقود التي تلت ذلك بدأ تجاربه في رسم الجسد البشري اعتمادا على النقر بالفرشاة المغموسة بالحبر، وتشكيل بقع أكثر دقة للرسم الذي يتشكل مجازا أو مجردا وبعدد قليل من الضربات وبألوان، وأطوال مختلفة تنساب فوق أوراق مصنوعة من الأرز أو التوت.
بشكل معاصر ومختزل كانت أجساده المرسومة تبدو كما لو أنها أثر لمتتالية بشرية سوداء باهتة خالية من التفاصيل أو الملامح. أجساد مكدسة مثل أبراج تنتظم فوق بعضها، أو أسلاك شائكة، ومثلثات متقابلة. أو أياد متماسكة بشكل هندسي عفوي منحوتة بخطوط تتفاوت في السمك. يساهم الحبر المنساب في منحها ديناميكية حركية. لهذا تبدو معظم أعماله على الجسد كما لو أنها جذوع ملتوية أو أطراف ممدودة يمكن النظر إليها بعين الطائر إلى فضاء متداخل يتسع لتشكلها.
على الرغم من تجاربه هذه في الرسم بقي سوه مهمشا في بلاده لفترة طويلة كما أقرانه من خلال تصنيفهم على أنهم خطاطون- "رسامو حبر"- بدلا من كونهم فنانين معاصرين خصوصا وأنهم نشأوا تحت الاحتلال الياباني وشكل الرسم بالحبر لهم نوعا من التحرر من هيمنة فن المحتل. كذلك لم يتم إيلاء اهتمام كبير في الغرب لظهور ممارسة مجردة نابضة بالحياة في شرق آسيا بعد الحرب، وهذا ما يفسر سبب تأخر شهرة رسام مهم مثله حتى جاءت دراسة متحف الفنون الجميلة في هيوستن الماسحة لتجاربه، والمشيدة بثرائها البصري والتعبيري ففتحت أعين النقاد والمتابعين لهذه التجربة الفريدة في زهدها وابتكارها.
Twitter Post
|
ولد الفنان Se suh ok عام 1929 لعائلة متعلمة في مدينة دايجو في كوريا الجنوبية. درس الفن في قسم الفنون الشرقية بجامعة سيئول الوطنية وتخرج منها عام 1950. شارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية في جميع أنحاء العالم وكذلك في البيناليات الدولية مثل بينال دي ساو باولو عام 1963، وأقام وشارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية، بما في ذلك المتحف البريطاني في لندن، ومتحف فوكوكا للفنون، والمعارض الجماعية المختارة لمتحف سامسونج للفنون في سيئول 2014، وكلية محفوظات الفنون الجميلة للرسم الشرقي، ومتحف الفن في جامعة سيئول الوطنية 2015. ولمساهمته الكبيرة في الفن الكوري المعاصر، حصل سوه على وسام الاستحقاق المدني في عام 1993 ووسام الاستحقاق الثقافي من الحكومة الكورية في عام 2012.
ونشير هنا إلى أن سوه هو والد الفنان الكوري ـ الأميركي المعاصر Do ho suh. وكنت محظوظا في مشاهدة معرض له في متحف Voorlinden في لاهاي قبل أشهر.