Print
سناء عبد العزيز

مع وفاة مخرج أفلام باتمان.. محاولة التقاط روح العصر

29 يونيو 2020
سينما
بعد صراع دام عاما مع مرض السرطان، توفي مخرج أفلام الإثارة والخيال العلمي، جويل شوماخر، في مدينة نيويورك قبل أسبوع، عن عمر يناهز الـ 80 عاما. كان شوماخر قد بدأ مشواره الفني بتصميم الأزياء، وجلب خبرته في مجال التصميم إلى عالم الإخراج في سلسلة من الأفلام طوال الثمانينيات والتسعينيات منها فيلمان لباتمان، والتي وإن لم تكن دائمًا موضع استحسان نقدي، فما تزال تحظى بشعبية كبيرة لقدرتها على التقاط روح العصر.

باتمان في ثوب جديد
ظهرت شخصية باتمان أو الرجل الوطواط لأول مرة عام 1939، من ابتكار الفنان بوب كين والكاتب بيل فينغر، وهي شخصية تتمتع بالثروة والقوة البدنية والقدرات الاستنتاجية مع كثير من الهواجس، كان محركها الرئيسي لمكافحة الجريمة، جريمة قتل والديه. حظي باتمان البطل الخارق بشهرة واسعة، وأصبح رمزا للثقافة الشعبية، وظهر في عدة أفلام ناجحة شأن سوبرمان وسبايدرمان.
أُسند إلى شوماخر امتياز إخراج أفلام لـ"باتمان" 1995، بانسحاب تيم بيرتون الملقب بسيد الفانتازيا من شركة وارنر برذرز الترفيهية، فكان حريصا على الانحراف عن النهج الأكثر قتامة الذي ميز أفلام بيرتون. حقق الفيلم الأول "باتمان إلى الأبد" بطولة فال كيلمر وتومي لي جونز وجيم كاري ونيكول كيدمان أكثر من 300 مليون دولار في جميع أنحاء العالم. وكان فيلمه الثاني والأخير في الامتياز "باتمان وروبن" 1997، مع جورج كلوني في دور باتمان وأرنولد شوارزنيجر في دور الشرير فريز. بالرغم من نجاحه في شباك التذاكر، فشل في تحقيق أرباح أي من الأفلام السابقة وتعرض لانتقادات بالغة، إذ أضاف شوماخر حلمات أثداء للملابس التي يرتديها باتمان وروبن كإشارة إلى علاقة مثلية بين الشخصيتين، ما جعل شركة وارنر برذرز تلغي فيلم باتمان المنتصر الذي كان من المزمع أن يقوم بإخراجه وتوقف سلسلة الأفلام.



نجاحات وإخفاقات
بعد عدة سنوات من تراجع باتمان، أخرج شوماخر الفيلم الذي أنتجه الملحن أندرو لويد ويبر "شبح الأوبرا"، وعلى الرغم من المراجعات الفاترة، تلقى ثلاث جوائز أوسكار. في عام 1985، حصل شوماخر على الميدالية الذهبية بفيلمه الروائي الثالث "حريق سانت إلمو" الذي أخرجه وشارك في كتابته. ولعبت فرقة برات باكيرز (الاسم المستعار لمجموعة من الممثلين الشباب الذين ظهروا في كثير من الأحيان معًا في أفلام الثمانينيات)، بما في ذلك روب لوو وإميليو استيفيز وآلي شيدي بالإضافة إلى الشابة دیمي مور، دور البطولة في حكاية عن مجموعة من خريجي جورج تاون يشقون طريقهم في الحياة والحب. حتى الأغنية الرئيسية حققت ناجحا هائلا ولا تزال يتم تشغيلها لاستحضار روح العصر، قدم الفيلم نظرة ذكية جدًا على تعقيدات الحياة بعد التخرج.
فيلمه التالي، كوميديا الرعب "الأولاد المفقودون"، حقق بدوره نجاحًا كبيرًا، عن مجموعة من مصاصي الدماء الشباب يسيطرون على بلدة صغيرة في كاليفورنيا، بطولة جايسون باتريك، كيفر ساذرلاند، كوري فيلدمان وكوري حاييم، وفي وقت لاحق تم تحويله إلى مسلسل تلفزيوني. كان لدى شوماخر سيناريو ذو حبكة رائعة كتبه بيتر فيلاردي وطاقم تمثيل من نجوم الصف الأول جوليا روبرتس، كيفر ساذرلاند، كيفين بيكون، وويليام بالدوين لفيلمه الخيالي العلمي "خط فاصل" حول طلاب الطب المتغطرسين الذين يجرون تجارب مع الموت، بوقف قلبهم لثوان معدودة لمعرفة ما الذي يحدث عند الموت، نجح المخرج الكبير إلى حد ما مرة أخرى، في اجتذاب جمهور محلي وتحقيق إيرادات بلغت 61 مليون دولار.
مع تلك النجاحات، كانت هناك أفلام أخرى خلال تلك الفترة لم يحالفها الحظ، مثل إعادة الإنتاج للفيلم الفرنسي الناجح "Cousin / Cousine" عام 1989 بطولة تيد دانسون وإيزابيلا روسيليني، والفيلم العاطفي "الموت شابًا" بطولة روبرتس وكامبل سكوت. ولكن في عام 1993 أظهر ما كان قادرًا عليه من خلال فيلمه "السقوط" الذي حظي بترحيب كبير، بطولة مايكل دوجلاس وتم عرضه في مهرجان كان السينمائي. قالت عنه صحيفة نيويورك تايمز إنه "يجسد نوعًا أميركيًا بشكل مثالي من أفلام البوب التي تصنع، بمهارة وذكاء، مواقف نمطية تم استثمارها أيضًا بتأثير مغو. ويعتبر فيلم ’السقوط’ ساحرًا وقاسيًا وشرسًا، في بعض الأحيان يكون مضحكًا جدًا، وغالبًا ما يكون سيئًا في طريقة تعامله مع أحلك المشاعر".
حقق فيلم شوماخر التالي "العميل" نجاحًا كبيرًا، وهو مأخوذ عن رواية جون غريشام، كذلك فيلمه "وقت للقتل"، عن الكاتب نفسه، الذي أخرجه بطاقم عمل رائع (بما في ذلك صامويل ليروي جاكسون وكيفن سبيسي وساندرا بولوك وآشلي جود ودور الانطلاقة للشاب ماثيو ماكونهي)، وعلى الرغم من أنه لا يخلو من نقاط ضعف، إلا أنه طرح أسئلة مهمة حول قضية العرق.


بعد فيلم "باتمان" الثاني، أخرج فيلم الإثارة والغموض "8 مم" 1999، متتبعا خطًا من نيكولاس كيدج المحقق الخاص، وتم ترشيحه في مهرجان برلين السينمائي الدولي للحصول على جائزة الدب الذهبي، كما حصل على جائزة الصوف الذهبي 1999.
فيلمه التالي، "بلا عيب"، عن شرطي، لعب دوره روبرت دي نيرو، يصاب بجلطة في المخ، تجعله يحتاج إلى جلسات إعادة تأهيل، ولكنه يعاني من رهاب الشواذ، والمتحولين جنسيا، وتكمن المشكلة في أن من تمارين التأهيل ممارسة الغناء مع جاره المتحول جنسيا، فيليب سيمور هوفمان، لكنهما رغم هذا يكتشفان عبر سلسلة من الأحداث أن بينهما الكثير من القواسم المشتركة.
في فيلمه "تايجرلاند"، قام شوماخر بتبديل التروس بشكل مثير، فأسند البطولة للنجم الإيرلندي كولين فاريل في قصة لمجندين من الشباب يستعدون للذهاب إلى فيتنام. ولكن في حين رآه بعض النقاد جادا جدا، رآه آخرون محاكاة ساخرة. كذلك في "كبينة الهاتف"،‏ فيلم الحركة والإثارة الذي استغرق أقل من أسبوعين وبلغت إيراداته قرابة المئة مليون دولار وكان حديث النقاد والجمهور على حد سواء.
شملت أفلامه الأخرى "صحبة سيئة" بطولة أنتوني هوبكنز وكريس روك، الذي اكتسب شهرته لصلته بهجمات 11 سبتمبر الإرهابية، وهو آخر إنتاج رئيسي للتصوير داخل مركز التجارة العالمي السابق. و"فيرونيكا غيرين" بطولة كيت بلانشيت الصحافية المتهورة في محاولاتها لكشف تجار المخدرات الإيرلنديين. وجيم كارّي في فيلم التشويق "العدد 23". وفيلم "خطيئة" بطولة نيكولاس كيدج وليانا ليبيراتو ونيكول كيدمان.


مسيرة متنوعة
بدأ شوماخر طريقه إلى عالم المشاهير كمصمم أزياء، واكتسب سمعة طيبة في فيلم "إلعبها كما هي" في 1972 من إخراج فرانك بيري وتأليف جوان ديديون وجون جريجوري دون، استنادًا إلى رواية بنفس الاسم من تأليف ديديون.  وفي عام 1973 عمل مع هربرت روس في فيلم  The Last of Sheila""، وفي الفيلم الدرامي الكوميدي الرومانسي الأميركي عام 1973 من تأليف وإنتاج وإخراج بول مازورسكي "Blume in Love"، عمل كذلك مع وودي آلن في فيلمين، "النائمون" و"الدواخل". ومع نيل سيمون في "سجين الجادة الثانية". كما شارك كمصمم إنتاج في فيلم الرعب التليفزيوني "النحل القاتل" عام 1974.
بدأ في كتابة سيناريوهات، بما في ذلك فيلم "Sparkle" عام 1976، ونجح في كتابة "غسيل السيارات"، وفيلمه عن مسرحية برودواي الموسيقية The Wiz، من إنتاج شركة "يونيفرسال بيكشرز آند موتاون بروداكشنز"، وإصدار "يونيفرسال بيكتشرز" في 1978.
أول تجارب إخراج شوماخر كانت في التلفزيون: " فرجينيا هيل" 1974، التي شاركت أيضًا في كتابته وقامت ببطولته ديان كيتون، و"ليلة هاو في بار ومطعم ديكسي" 1979، من كتابته أيضًا.
دخل الساحة الروائية بالكوميديا العلمية "المرأة الخجولة المذهلة" عام 1981، بطولة ليلي توملين، تلاه في عام 1983 بـالفيلم الكوميدي "العاصمة الكابينة"، بطولة ماكس جيل وآدم بالدوين والسيد تي وتشارلي بارنيت وغاري بوسي ومارشا وارفيلد ويتمان مايو.
هكذا تميزت مسيرته التي توجت عدة مرات بالتنوع من حيث طبيعة العمل ومن حيث الموضوعات التي تناولها في الإخراج. كان من ضمنها حصوله من كاميرماج، المهرجان السينمائي الدولي لفن التصوير، على جائزة خاصة في عام 2010، وجائزة المتعاون المتميز من نقابة مصممي الأزياء في 2011.

# فيديو يستعرض مسيرة