Print
فيصل خرتش

السينما في حلب.. البدايات والمآلات

3 مايو 2021
سينما
في عام 1908، شاهد الجمهور الحلبي أول عرض للصور المتحركة، بواسطة جماعة جاءت إلى البلاد، وكان معهم آلة متنقلة تتحرك فيها الصور أفقيًا. أما أوَل دار سينما، فحملت اسم "الكوزموغراف"، لصاحبها ميشيل مريش، وكان موقعها في باب الفرج.

استولت الدولة العثمانية على هذه الدار، وأسمتها "سينما الاتحاد والترقي"، وأجرت عليها إصلاحات كثيرة.
أنشأ باسيل أرسان سينما، لكن حريقًا شبَ فيها فاحترقت هي والأفلام. كذلك، أنشأ ميخائيل مغربية سينما باسم "باتة". احترقت هي الأخرى في عام 1922.
وفي عام 1932، افتتحت سينما "رويال"، وسينما "الكوزموغراف الصيفي"، من قبل شفيق داود، وتوفيق الحجار.
توالى الإقبال على السينما، وشاركت عائلات عديدة في بناء الصالات، واستيراد الأفلام وعرضها وتوزيعها، مثل عائلة "أنتيبا"، و"أرسان"، و"حداد"، وغيرها.
ارتبط هذا الفن مع قوة اقتصادية توازت مع تنوّر ثقافي وانفتاح اجتماعي لبعض الأفراد، وأول فيلم كان "المتهم البريء" في عام 1928، من إخراج أيوب بدرية، وبطولة رشيد جلال.
كانت البداية من حلب، وحقق الفيلم 70 ليرة ذهبية، وهذا مبلغ لا بأس به في ذلك الزمان. تمت طباعة الفيلم في باريس، وهو من إنتاج شركة حرمون فيلم، وعُرض في صالة "الكوزموغراف" بحلب.



أنتجت الشركة السورية اللبنانية عام 1947 في استوديوهات مصر فيلمًا طويلًا باسم "ليلى العامرية"، من تمثيل: كوكا، ويحيى شاهين، وبعض الممثلين السوريين واللبنانيين. قام بإخراجه نيازي مصطفى. كلف حوالي 300 ألف ليرة، وهو مبلغ يفوق تكاليف الأفلام المصرية. خرج الفيلم ضعيفًا مهلهلًا، وخاصة في الحوار الذي تقلب بين الفصحى والعامية المصرية. ولم تعد الشركة للإنتاج بعد ذلك.
قام حلبي آخر، هو أحمد عرفان، بمغامرة عندما أسس مع صادق الحناوي شركة "الأفلام العربية المتحدة"، التي أنتجت فيلمها الوحيد عن الجيش السوري وسيطرته على مستعمرة "مشمار هيردن". ويُظهر الفيلم كيف طُرد الفلسطينيون من أرضهم، ووضعوا في مخيم النيرب في حلب. لاقى الفيلم نجاحًا معقولًا. وأسهم الجيش في هذا الفيلم من خلال المساعدة التي قدمها لأصحابه، والمساعدة في عرضه في كثير من دور السينما في دمشق وحلب. عرفان أسس مخبرًا سينمائيًا باسم استوديو عرفان ظل يعمل فيه مستقلًا.
التقى أحمد عرفان بمدير الفرقة المسرحية القومية في حلب، بشير جالق، وأسسا معًا شركة "عرفان وجالق"، التي قامت بإنتاج فيلم "عابر سبيل" في عام 1950. أخرج الفيلم أحمد عرفان، وقام ببطولته المطرب نجيب السراج، وهيام صلاح، وسلوى الخوري، وظريف صباغ، وتم تصويره بين سورية ولبنان. احتوى الفيلم على مناظر بديعة للقطرين معًا، وجرى طبعه وتحميضه في باريس، لكن ظهرت فيه أخطاء كثيرة في التمثيل والموسيقى والغناء والمحاورات، وكان الصوت غير واضح، ما تسبب في حل الشركة لنفسها، خاصة أن الشركاء كانوا يرغبون برؤية أنفسهم على الشاشة الفضية وهم يمثلون، كما صرح المخرج بذلك.
بعد ذلك، أمضى أحمد عرفان سنوات في باريس، تدرب خلالها على تقنيات السينما في معهد "إيديك"، وجلب معه عند عودته آلة تصوير سينمائية 35 ملم، واتجه إلى تأسيس استوديو خاص صوّر من خلاله كثيرًا من المواد الوثائقية والإعلانية، كما تابع عمله كمدير للتصوير في أفلام القطاع الخاص.
أنتج بعض الشركاء أول فيلم احترافي صور بكامله في حلب هو "المدينة الهادئة" عام 1973. أخرجه حسن رضا، وهو مخرج مصري من الدرجة الثانية، والشركة التي قامت بإنتاجه هي شركة "سردار وعيروض وسماقية". أنتج محمد السردار فيلمه الثاني "رحلة عذاب"، من إخراج رضا ميسر. وظهرت شركة ثالثة في حلب باسم "قبلاوي وزلط"، وأنتجت فيلمًا واحدًا أخرجه رضا ميسر، وكان باسم "امرأة من نار" عام 1975. كانت هذه الأفلام تجارية مسلية، وشارك فيها: يوسف شعبان، وعبدالمنعم إبراهيم، وصلاح ذو الفقار، وناهد شريف، وناهد يسري، وتوفيق الدقن، وآخرون. وظهرت في الفيلم معالم مدينة حلب، وشوارعها الخلفية، بشكل لا يمت بصلة لأحداث الفيلم، أو حياة المدينة.



أما فيلم "تراب الغرباء"، للمخرج سمير ذكرى، من إنتاج المؤسسة العامة للسينما عام 1997، فيرصد حياة المفكر المتنور، عبدالرحمن الكواكبي، في القرن التاسع عشر. ينتهي الفيلم برحيل الكواكبي عن بلده إلى مصر، مرورًا بالتعرف على رجل الدين ورجل العلم، المتنوّر، الذي وقف ضد الاستبداد، وكافح ضد التخلف والجهل والشعوذة، وفضح المتاجرين بالدين، رجل العلم والمدرس الذي يلقي مقاطع وعظية كادت تؤدي به إلى الإعدام.
مثل دور الكواكبي بسام كوسا، وأحرز الفيلم جائزة أفضل فيلم في مهرجان القاهرة الدولي عام 1997. والمخرج أراد التأكيد على أزلية الصراع بين قوى الشر وقوى الخير، بين النور والظلام، وقد أحسن الاختيار من خلال شخصية الكواكبي، مستنجدًا برواية "تراب الغرباء" للروائي فيصل خرتش.
أما آخر فيلم صور في حلب، فهو "باب المقام"، لمحمد ملص، عام 2007. ورغم القوة البصرية العالية للفيلم، فقد عانى من المادة الدرامية.
ولا تزال حلب تنتظر مزيدًا من الإنتاج السينمائي الذي يشبع نهم المتذوقين للسينما، ويعطي الصورة الكاملة عن المدينة.