Print
علي لفتة سعيد

فنانو العراق يستذكرون حامد خضر "راهب المسرح العراقي"

18 يوليه 2021
مسرح

أقامت نقابة الفنانين العراقيين احتفالية استذكارية لمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لرحيل الفنان العراقي، حامد خضر، الذي أطلق عليه لقب "راهب المسرح العراقي". وهو واحد من أبرز رجالات المسرح العراقي المعاصر، ممن وهبوا حياتهم بشكل كامل وفاعل ومؤثر للمسرح، فعلًا ومُمارسةً، بوصفهِ ميدان المعرفة الإنسانية الحقة. وهذه الاحتفالية كانت بالتعاون مع نادي المسرح في بابل، وأدارها الفنان مازن محمد مصطفى، وتضمنت تقديم مشهد مسرحي بعنوان (قيامة الراهب)، تقديم الفنان ثائر هادي جبارة، وكلمة نادي المسرح، للدكتور عامر صباح المرزوك، وكلمة نقابة الفنانين العراقيين للفنان ضياء الدين سامي، وكلمات عن الراحل من قبل الدكتور صلاح القصب، والناقد حسب الله يحيى، والكاتب شوقي كريم حسن، والفنان محسن الجيلاوي، والدكتور صميم حسب الله يحيى، ورياض كاظم، والدكتور صاحب جياد، والفنان مقداد مسلم، وعلي ناجي مظلوم، ومجيد العزاوي، والدكتورة سافرة ناجي، وكلمة العائلة لنجله أحمد حامد خضر، والدكتور عبد الرحمن التميمي. وشهدت حفل توقيع وتوزيع كتاب الدكتور بشار عليوي.



الولادة والمسرحيات
ولد حامد خضر عباس في الأول من تموز/ يوليو 1955، كما هو مثبت في هوية الأحوال المدنية، في مدينة المشخاب، وعاش حياة بسيطة جدًا كان الفقر مسيطرًا على أغلب ثناياها، ثُمَ انتقل هوَ وعائلتهُ وكان لهُ من العُمرِ بضعَ سنوات للاستقرار والنشأة في مدينة الحِلّة، مركز محافظة بابل، في بداية ستينيات القرن الماضي، لتتخذ العائلة من حي "الإسكان" وسط الحِلّة، مسكنًا لها. والانتقال من "المشخاب" إلى مدينة الحِلّة والاستقرار فيها، جاء بسبب نقل خدمات والده للعمل كمدير لقسم من أقسام مديرية الاتصالات والبريد في الحِلّة. أكمل دراستهِ الابتدائية في (مدرسة الإسكان النموذجية في الحِلّة)، والمتوسطة في (متوسطة الجمهورية للبنين) في حي الإسكان، وتخرج فيها عام 1972، ليلتحق بمعهد الفنون الجميلة في بغداد طالبًا في قسم الفنون المسرحية، وتخرج فيه عام 1977، ليكمل دراسته في قسم المسرح في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، ويتخرج فيها عام 1981. قَدَّمَ خلال مسيرة حياتهِ الفنية عروضًا مسرحية مُخرجًا في بغداد، هذا إلى جانب إسهامه في العديد من المسرحيات العراقية كممثل لأدوار محفورة في ذاكرة الجماهير، مثل دوره في مونودراما (المجنون)، من تأليف وإخراج المُعلم المسرحي الراحل، قاسم محمد، والتي قُدمتْ على خشبة مسرح الرشيد.

شهادة تخرّج حامد خضر في معهد الفنون الجميلة في بغداد 1977 




قدم العديد من المسرحيات، وعمل مخرجًا وممثلًا في عدد كبير منها، مثلما شارك ممثلًا في عدد المسلسلات والأفلام السينمائية. ومن هذه المسرحيات: (الدربونة 1974)، و(أنشودة مسافر من الضفة الغربية 1974)، و(النساجون 1975)، و(حجايات أمس)، وكذلك (رحلة حنضلة من الغفلة إلى اليقظة 1976)، و(المحاكمة 1976). وأيضًا مسرحية (أيها الناس أنتم يا عرب 1977)، و(مسافر ليل 1979)، و(الأغنية الأخيرة 1987)، وأيضًا مسرحيات أخرى من بينها (الذي لم يقل كلمة 1994). حصل على جوائز عديدة، من بينها جائزة أفضل ممثل في مهرجان المسرح الجامعي عام 1997، وجائزة أفضل مخرج عن مسرحية (عن علاقات الدائرة عام 1992)، وغيرها من الجوائز.

راهب المسرح

الناقد بشار عليوي يوقع كتابه عن الفنان الراحل حامد خضر 


يقول الناقد المسرحي، الدكتور بشار عليوي، الذي ألف كتابًا عنه أطلق عليه (حامد خضر راهب المسرح العراقي)، ويقع  في 100 صفحة، وهوَ أول مطبوع عن الراحل يتناول حياتهِ وسيرتهِ الذاتية والإبداعية وولادتهِ ونشأتهِ ودراستهِ وعملهِ في السينما العراقية والتلفزيون ومرحلة التدريس في قسم الفنون المسرحية بمعهد الفنون الجميلة/ بغداد، وما رافقه من أحداث وأعمالهِ المسرحية التي قدمها حتى وفاتهِ "إن الراحل يعد راهب المسرح العراقي بكُل تبدياتهِ وتمظهراتهِ، كونه حالة فريدة واستثنائية من النقاء والسمو والنبوغ والمعرفة والعلم والمحبة وحُب المسرح حد التماهي".




وذكر أن للراحل مقولات عن المسرح منها (المسرح وطن ينبغي علينا ألا نخونه)، و(ليس لدينا غير خشبة المسرح نقول عليها ما يخافه لساننا من البوح به في الشارع، وعليها نمرح ونفرح ونفرح ونبكي، فكل ما نستطيع عمله نعمله على المسرح، والمسرح هو قضيتنا، ويجب أن تكون نظرتنا إليه على أنهُ قضية إنسانية). ويذكر الدكتور عليوي أنه تخرجت على يديهِ أجيال مسرحية وفنية شكلتْ لاحقًا أسماءً لامعة في سماء الفن العراقي، فضلًا عن علاقتهِ الفريدة الاستثنائية مع طلبتهِ، والتي شَكَلتْ علامة بارزة في حياتهم، وأثرتْ فيها، وأعادتْ تشكيل توجهاتهم على كافة الصُعد، وأصبح تأثيره فيهم واضحًا وبشكل ملموس، بالإضافة إلى طريقة تدريسه وتعامله اليومي، والتي كانت بمثابة دروس مجانية. وعن حياته، قال إنها كانت صعبة، وكان الحصار مؤذيًا له، مما اضطرهُ لأن يتخذ الغرفة المُطلة على الشارع الرئيس للمعهد المُقابل لحديقة الزوراء مسكنًا لهُ طوال أيام الأسبوع، فقد كان يعود إلى عائلتهِ التي تسكن "حي الإسكان" في الحِلّة عصر كل يوم خميس، ليمكث عندها إلى صباح السبت عائدًا إلى بغداد، وخلال رحلة العودة الأسبوعية توفي في حادث سير بعد اصطدام باص بالباص الذي يستقلهُ مساء يوم 3/8/1997.

ألقاب وجهاد

الناقد محمد حسين حبيب 

 




ويقول المخرج والناقد المسرحي، الدكتور محمد حسين حبيب، إن حامد خضر كان يطلق على مسرحه تسمية الجهاد العرفاني، وكان يهدف من خلاله إلى تقديم مشاهدة تعتمد قيم الجمال الفني بواقعية موضوعية. ويشير إلى أن الراحل كان يقول عن الجهاد: ليس المقصود فيه زاوية، أو جانبًا معينًا، إنما المقصود هو جهاد الروح وعقلها، وطاعة الجسد الذي لا يعرف المستحيل. ويتحدث عن العرفاني بقوله: إنه مستعار من الإشراقيين والمتصوفة والرواقيين، ونعني به المعرفة خارج نطاق الحواس الخمس. المعرفة الذوقية التي تعد الخيال أرضًا لها سبل خاصة، ومسالك روحية، والسعادة تكمن ليس في الوصول إليها، إنما في الطريق الذي نسلكه في اتجاهها. ويشير إلى أن هذه هي "مرجعية الراحل، وهذه هي مدرسته التي تربى فيها كثير من أبنائه الطلبة، كونه كان يعتبر أنه لا وجود للمسرح بلا قضية". ويزيد: "كان يعمل في تجريبية مسرحية وهو يدرك ويعي واجباته لتأسيس تقاليد لا مألوفة بغية استكشاف عوالم مجهولة". كما كان ضد الألقاب المحابية والبراقة المؤقتة، وضد المصالحية التي تتخذ من المسرح سلمًا هزيلًا لملء نواقصها الذاتية. كان يذوب في محراب المسرح روحًا وجسدًا. وأنهى حبيب بمخاطبة خضر: "أنت الباقي والألقاب زائلة".