Print
محمد جميل خضر

جديد السينما

9 مايو 2023
سينما
الفيلم السعودي "الخطّابة"

كتابة: فهد الأسطاء وعبد المحسن الضبعان

مشرفة النص: سلمى بوزِقرو

مستشار السيناريو: أحمد عامر

إخراج: عبد المحسن الضبعان

(81) دقيقة.

وسط أجواء سورياليّة (كابوسيّة) يصنع الفيلم الروائيّ السعوديّ "الخطّابة" سرديّته القائمة في المعنى على قضية الزواج الثاني (تعدّد الزوجات)، عتَمات الحيرة، وكوامِن المرأة المتربّصة تحت جِلْد صمتها وصبرها وصولًا إلى انفجارِ بَراكين غضبها. ويقوم الفيلم في المبنى على جماليات المكان وَأسراره، تدرّج اللحظة البصرية الأدائية المُعايَنة، تَفانين الإضاءةِ وَما تحمله لا محدودية علاقاتِها من حكاياتٍ وَدلالات، القوى الخفيّة المتوارية خلفَ رَمشة العين، تشْكيلات الصخر، بئر الماء، انْحناءة النّخلة، رموز الهندسة والجَبْر، وانْبثاق البدر من منازِل القمر.

سيمفونيةٌ مدروسةُ التفاصيل تجلّى عبْرها الفيلم بِمشاهده وتأويلاته، مشفوعةٌ تلك السيمفونية بِموسيقى حمزة بوشناق وَإيقاعات الغرائِزِ المكبوتةِ بإسهامٍ لافتٍ من فرقتيّ السّامري وَدار العُلا التراثيّتيْن ومحروسةٌ بعينِ المخرج النبيهة، وَمعه في لمّاحية الانتباه مدير التصوير طارق بن عبدالله.

الفيلم عن تحوّلات المجتمع السعودي في أقلّ من عشريةٍ ماضية، عن قِصص الجدّات (تضمّن الفيلم، تعليقات voice over بصوتيّ: بدرية الشقحاء وسارة السبيعي)، عن الخاتم المدسوس وصِبا المدسوسة (ريم حبيب، التي أدّت، إلى ذلك، دور الخطّابة)، عن ملل الأيام المتكرّرة، والعودة المتأخّرة لِربِّ الأُسرة، وتلصّص الرجال على بيوت غيرِهم. ليس بِحرقِ الرِجال تنْتزِعُ النساءُ حقوقهنّ، ربما أرادت سلمى (نور الخضراء) أن تقول في خَواتيم الفيلم، من دون أن تتنكّر لآلام صِبا (الخطّابة التي تقبض على مصائر الرجال الذين يفكّرون بزواجٍ سريٍّ بعيدًا عن عالمهم القائِم)، ومن دون أن تتبنّى منهجيتها التي تقود إلى عنفٍ جديدٍ في مواجهة عنفٍ قديم، فإذا بالدّوامة لا تنتهي.

فكرةٌ بسيطةٌ حدّوتة الفيلم، حوّلها عبد المحسن الضبعان إلى مشهديةٍ آسرةٍ تستحق التأمّل. 

لقطة من الفيلم السعودي "الخطّابة" 


الفيلم البولندي "لنقضِ الليلة معًا" 
Tonight You're Sleeping with Me

إخراج: روبرت ويتشرويسكي

ورشة تأليف نسائية شاركت فيها: آنا جانيسكي، كاترزينا بوغوكا وآنا سيزسزيبسزنسكا Anna Szczypczynska

(92) دقيقة.

يتناول الفيلم بأدواتٍ قليلة الإبْهار والتميّز قضيّة السّأم التي قد تصيب زوجةً وَتنال من إحساسها بالعلاقة بينها وبين زوجها. يتحدّث عن تداعياتِ افتقارِ العلاقة الخاصة بين شريكيّ حياةٍ للحُب والشغف وعن السلام الداخليّ الذي يمكن أن يسكن أعماق بائعة ورد.

هو فيلمٌ غير أسريٍّ (فوق 18)، رغم أن موضوعه أسريٌّ جدًّا. وفيه تتطرّق بطلته نينا (روما غاسيوروسكا) إلى مثلث برْمودا الإنسانيّ المتكوّن من: الجسد وَالعقل والحُب. في نقاشٍ بينها وبين خليلها الصحافي جانيك (ماسيج موسيال) الأصغر منها سنًّا، يقول لها جان إن الجسد لا يحدّد هويّتنا، فتردّ عليه: تعال، إذًا، نهرب إلى غابة الضياع ونعيش على الجنس والجذور. أمّا أُم نينا (إيوا وينسل) فتقول لها: "العائلة هي الأهم في الحياة"، وتزجرها بعد أن استشعرت اضطراب روحها بسبب تورطها بعلاقة غير مشروعة خارج إطار الزوجية وهي المتزوجة ولديها طفلتان بريئتان: "لا يمكنكِ أن تبني سعادتكِ على ألم الآخرين".

فيلم عن تلمُّس المعنى الحقيقيّ لِلفراغ. عن الدّرج المستحيل والحُبِّ المُستحيل. عن السبب والنتيجة، حيث السبب في حبكة الفيلم غير منطقيّ، فما المنطق أن يقضي، في كلِّ مرّة، ماشيك زوج نينا (ووجسييتش زيلينسكي) شهرًا كاملًا وحده من دون أسرته في آيسلندا؟! ولا النتيجة منطقيّة، فارتباط امرأة بشابٍ أصغر منها ليس شرطًا أن يقْتضي ذلك تركه والذهاب نحو خيار الزواج المناسب المنطقي. ثم، وبمجرد أن عاد الشاب المتْروك من سَفرةٍ طويلة دامت عشرة أعوام، فإذا بالمرأة التي تركته وهي عزباء، تُشعل علاقة محرمة مجنونة معه وهي متزوجة ولديها طفلتان منحتهما الاسمين اللذين كانت هي والشاب اختاراهما!

قد يخطر على بالكم، خلال مشاهدة الفيلم، السؤال الذي خطر على بالي: لماذا يذهب رجلٌ بالغٌ عاقلٌ إلى آيسلندا لتعقّب حجارة سوداء؟

فيلم حول كيف يمكن للعلاقات أن تنقلب رأسًا على عقب، وأن يكون الحب رهينة لظروف يصعب علينا التحكم فيها.

لا توجد خيارات سهلة في الزواج بسبب اعتباراتٍ كثيرة: الأولاد، العمل، الآباء وإرادة الزوجين لاتخاذ موقفهم و/ أو التنازل، أو حتى التضحية.

فيلم عن تحوّلات الجسد وَتقاسيم علاقتنا به، عن المسؤولية الفردية المتعلّقة بِاحترام أخلاقيات التّعامل مع أجسادنا، وَمدى تطْويعنا لحريّتنا المُنعتقة، ورُكوب انفتاحِ خياراتِنا لِتبرير ما لا يُبرّر، وعن الضوابط، و عن إعادة دُوزان الإِيقاع بين شريكيّ حياةٍ قبل أن يَسْتَفْحِلَ النُّفور، وتُلقي العاديةُ بظلالِها الثقيلةِ على ليلِ الأشواق.

 

الفيلم الجنوب الإفريقي "ملوك شارع مالبري: دَع الحُبَّ يسود" Kings of Mulberry Street: Let Love Reign

إخراج جودي نايدو وتأليفه

(109) دقائق.

كل ما يمكن قوله حول الفيلم الجنوب أفريقي "ملوك شارع مالبري: دع الحب يسود" أنه لا يريد أن يكون أكثر من مجرد فرجة أسرية ممتعة وخفيفة الظل في قالب كوميديّ مغامراتيّ، تصلح فكرته ومشهديته وحواراته ومختلف تفاصيله للفتيان الصغار تمامًا، كما تصلح لِباقي أفراد الأسرة.

لا توتّرات، ولا حبْكات مُتعبات، ولا قطْرة دمٍ واحِدة، ولا (فذْلكة) خارج السياق، كل ما في الأمر أن فتييْن في سنّ المراهقة هما تيكي (ليام دونباث) وهارولد (شان ناثو) يجمعهما التكامل: هارولد سمين قليلًا وتيكي نحيل، هارولد غني وتيكي فقير، هارولد بسيط وطيّب وتيكي ذكيّ ولمّاح وصاحب حسٍّ عالٍ بالمسؤولية، كما تربطهما معًا صداقة المُناكفة والتمرّد على السائد، وَمنح عُمريهِما ما يسْتحقانه من مشاكساتٍ ولهوٍ وانْطلاق. ولأنّهما يساعدان، في كلّ مرّة، شرطة منطقتهما وشارعهما بالقبض على الأشرار، فقد أصبحا أعلام الحيّ، وَنجوم الجوار، وملوك شارع مالبِري.

يُسجّل للشريط أنه يُضيء منطقةً قد لا تكون معروفةً عند كثيرٍ من الناس، وأنا منهم؛ ألا وهي مدى كثافةِ الوجود الهندي في جمهورية جنوب أفريقيا، وتأثير هذا الوجود على المكوّنات الثقافية اللغويّة والّلهجاتية للدولة التي حَلُمَ بها نيلسون مانديلا وتحقّقت أخيرًا، ليس بقوّة الحلم وحده، ولكن بقوّة الإيمانِ بِهذا الحُلم.

وجبةُ نهايةِ أسبوعٍ من الاستمتاع والضحك والارْتخاء، هذا ما يعدُ به الفيلم، وهذا ما يحقّقه بِأقل كلف الإنتاج وأبْسط مقترحاتِ السينما.