Print
كانّ ــ محمد هاشم عبد السلام

جوائز دورة مهرجان "كانّ" الـ77: تنوّع فنيّ وجماليّ

27 مايو 2024
سينما

اختتمت مساء 25 مايو/ أيار فعاليات الدورة الـ77 لـ"مهرجان كانّ السينمائي الدولي". وأُسدِلَ الستار على دورة كانت تعد بكثير جدًا، قبل انطلاقها، نظرًا للأسماء الكبيرة المُكرسة في عالم الإخراج السينمائي، والتي جاءت بجديدها إلى "كانّ"، سواء داخل "المُسابقة الرئيسية"، أو غيرها، لتنتهي الآمال المعقودة إلى ردود أفعال مُتفاوتة جدًا، تراوحت بين الدهشة والإعجاب والانحياز، أو الرفض التام. ما يعني، أيضًا، أن "المُسابقة الرئيسية"، ودورة المهرجان هذا العام، بصفة عامة، اتسمت بكثير من الحيوية، وتنوع مستويات الإبداع، كما الابتكار في طرح الأفكار والرؤى. وقبل هذا، الاهتمام اللافت بالاشتغال البصري والجماليات الفنية والتجريب الشكلي. طبعًا، لا يعني هذا أنه ليس ثمة تكرار في ما يتعلق بالموضوعات، أو الحبكات، أو الخطوط الرئيسية، أو حتى الإحالة إلى أفلام سابقة. بالعكس، للتكرار حضوره، وعلى أكثر من مُستوى، فكريًا واجتماعيًا وإنسانيًا.
من بين 22 فيلمًا في "المُسابقة الرئيسية"، تنوعت مُوضوعاتها بين السياسي والاجتماعي والإنساني والخيال العلمي، نالت نصف أفلام المُسابقة، أو أقل، استحسان النقاد والصحافيين، وشبه إجماع للآراء على جودة وحُسن الاختيار. خاصة الدفع بأسماء جديدة شابة من الجنسين في أكثر من قسم. ورغم أن مُشاركة المُخرجات هذا العام لم تكن بحجم العام الماضي، وكان بإجمالي 7 أفلام، إلا أن الحضور النسائي، أو قضايا ومشاكل المرأة، بصفة عامة، كانت له أولوية في النقاش والطرح والتناول. ولذا، مثلًا، تميزت أكثر من مُمثلة في أدوار نسائية عدة، وفي أكثر من فيلم، وكان من المُحير فعلًا تخمين من ستنال جائزة "أحسن مُمثلة". وذلك، بعكس الأدوار الذكورية، وانتفاء الأداء اللافت من جانبهم على نحو ملحوظ.

جوائز مُنصفة
فيما يتعلق بالجوائز الرسمية للدورة الـ77، التي جرت مراسم توزيعها على مسرح "لوميير الكبير"، ومُنحت بناء على قرارات أعضاء لجنة التحكيم برئاسة المُخرجة والمُمثلة الأميركية غريتا غريويغ، وعضوية المُمثل الإيطالي بييرفرانشيسكو فافينو، والمُخرج الياباني كورييدا هيروكازو، والمُخرجة اللبنانية نادين لبكي، والمُمثل الفرنسى عمر ساي، والمُمثلة الأميركية ليلي جلادستون، والمُمثلة الفرنسية إيفا جرين، والمُخرجة وكاتبة السيناريو التركية إيبرو جيلان، والمُخرج الإسباني خوان أنطونيو بايونا، فقد جاء أغلبها في محله تمامًا. رغم أن المُنافسة لم تكن هينة بالمرة، وكان من الصعب فعلًا حسم كثير من الجوائز. لكن يبدو أن اللجنة كانت على قدر كبير من التفاهم وحتى الشجاعة في الإقدام على أكثر من سابقة ستُذكر لها. كان أبرزها خروج فيلم المخرج الأميركي الكبير فرانسيس فورد كوبولا من دون أي جائزة، أو منح أربع جوائز تمثيل نسائية دفعة واحدة، مُناصفة، في سابقة أولى؛ خاصة وأن الفيلم نفسه مُنِحَ أيضًا جائزة أخرى مُهمة للجنة التحكيم.




ذهبت أهم وأرفع جوائز المهرجان، "السعفة الذهبية" إلى فيلم "أنورا" للمخرج الأميركي شون بيكر، حيث قدّمَ دراما شبابية اتسمت بالجنون والصخب والحب وطيش الشباب والمراهقة والضحك والعنف، وغيرها كثير. ومن ثم، نتعرف على فتاة الليل الشابة "أنورا"، التي تحلم بالهروب من مستنقعها بعدما قابلت أحد المراهقين الروس الأثرياء وتزوجته، لتنقلب حياتها إلى جحيم.

لقطة من الفيلم الهندي "كل ما نتخيله كضوء"


أما "الجائزة الكبرى" فنالها فيلم "كل ما نتخيله كضوء"، للمخرجة الهندية الشابة بايال كاباديا. نجحت بايال ليس فقط في أن تُعيد الهند إلى المُسابقة بعد غياب عقود، بل في نيل الاستحسان العريض، وانتزاع جائزة كبرى بحق وسط عمالقة، بعمل روائي أول لها. وإن كانت أفلامها الوثائقية القصيرة، وكان آخرها قبل ثلاثة أعوام، حيث انطلقت من تظاهرة "نصف شهر المخرجين" بفيلمها الوثائقي، الشجاع والمهم جدًا واللافت "ليلة الجهل بكل شيء" (2021)، ما فتح الطريق أمامها وبَشَّرَ بولادة مُخرجة موهوبة وواعية. نجحت في مزج الأنثوي والإنساني ضمن إطار رومانسي حسي بالغ الرهافة والحزن والصدق.
جائزة "أحسن إخراج"، نالها المخرج البرتغالي ميجال جوميز عن ملحمته بالأبيض والأسود "الجولة الكبرى"، وهي قصة حب أو بالأحرى مُطاردة غرامية، حيث تُلاحق فتاة حبيبها في آسيا. وبينما يتنقل الحبيب، فارًا من بلد إلى أخر ومدينة تلو المدينة، وتتبعه حبيبته، نتعرف على مدن وعادات وتقاليد وفنون وثقافات، ونستمتع بسرد سينمائي وبصري وفني غاية في التشويق والجدة.
ذهبت جائزة "أفضل سيناريو" إلى فيلم "المادة" لكاتبة السيناريو والمخرجة الفرنسية كورالي فارجيت، ذات الخيال الجامح جدًا، سواء على مستوى الكتابة أو الإخراج الفني عامة، وأيضًا الجنون الإبداعي والشطح الخيالي والتوازن الخلاق والمُقنع والمُشوق لمُختلف جوانب الفيلم، الذي لا يُمكن وصفه، رغم كل شيء، بفيلم خيال علمي، أو مُستقبلي، أو حتى غير واقعي. يُنطوي هذا كله على وجبة دسمة غاية في العمق والسوداوية، فلسفيًا ونفسيًا وإنسانيًا، رغم كثرة الدماء والعدوانية والعنف.




كما ذهبت جائزة "لجنة التحكيم الخاصة" إلى فيلم "إيميليا بيريز" للمُخرج الفرنسي جاك أوديار، في تجربة مُذهلة في جميع المُستويات. تدور أحداث الفيلم الغنائي المُوسيقي الراقص في المكسيك، وهو ناطق باللغة المكسيكية. ورغم عادية الموضوع والأحداث، حيث التحول الجنسي وحروب العصابات والمُخدرات وغيرها، إلا أن أوديار صنع من هذه الخلطة المعتادة رائعة ربما لن تُضاف إلى روائعه المحفورة في الذاكرة.
عن جدارة واستحقاق، ذهبت جائزة "أحسن مُمثلة"، إلى بطلات فيلم "إيميليا بيريز" كارلا صوفيا جاسكون، وزوي سالدانا، وسيلينا جوميز، وأدريانا باز، للمخرج جاك أوديار، الذي ظل مُرشحًا حتى اللحظات الأخيرة، وفقًا للتخمينات، لجائزة "السعفة الذهبية".
وذهبت جائزة "أحسن ممثل" إلى جيسي بليمنز عن أدواره الثلاثة المُختلفة التي أداها باقتدار لافت ضمن ثلاث حكايات مُختلفة ومُنفصلة تمامًا في فيلم "أنواع من اللطف" الناطق بالإنكليزية للمُخرج اليوناني الموهوب، يورجوس لانتيموس، العائد بقوة إلى عالمه الغرائبي المعهود، الخاص جدًا، والمُميز لمسيرته منذ انطلاقته في عام 2009 مع فيلم "ناب الكلب".
منحت لجنة التحكيم "جائزة خاصة" للمُخرج الإيراني الهارب مُؤخرًا من إيران محمد رسولوف عن فيلمه المُتميز جدًا "بذرة التين المُقدس". وهي جائزة تكريمية وسياسية وتشجيعية بالأساس. وكان الجميع على يقين من أن اللجنة ستمنحه جائزة بعد ذيوع أخبار فراره ووجوده في "كانّ"، وذلك حتى قبل أن يُعرض فيلمه في اليوم الأخير. وإن كان الفيلم بعيدًا عن كل شيء يُعد من بين أجمل وأقوى وأنضج أعمال محمد رسولوف.
في قسم "نظرة ما"، التالي في الأهمية بعد "المُسابقة الرئيسية"، والمُحتضن للتجارب الأولى للمُخرجين والمُخرجات، وتحظى جوائزه باهتمام كبير، وتنافس فيه 18 فيلمًا هذا العام، مُقارنة بـ22 فيلمًا العام الماضي، منحت لجنة التحكيم التي ترأسها المُخرج الكندي الشاب كزافيه دولان، الجائزة إلى فيلم "الكلب الأسود" للمُخرج الصيني جوان هوو. وهو عن علاقة غريبة جدًا، قوامها الوحدة، تجمع بين شاب خرج لتوه من السجن وكلب أسود ضال.

جوائز عربية
مُقارنة بالعام الماضي الذي نالت فيه الأفلام العربية أكثر من جائزة مُستحقة، لم تحصل الأفلام العربية المعروضة في أقسام المهرجان، وهي قليلة بالأساس، إلا على جائزتين شرفيتين تقريبًا. الأولى حصل عليها الفيلم المصري الوثائقي "رفعت عيني للسما"، أو "حافة الأحلام"، وفقًا للعنوان الإنكليزي، من إخراج ندى رياض، وأيمن الأمير. تدور أحداث الفيلم المُثير لكثير من التساؤلات والقضايا الشائكة والشديدة الحساسية، في أكثر من مستوى، في إحدى قرى مدينة ملوي بصعيد مصر، ومُحاولات مجموعة من المراهقات مُتابعة أحلامهن وتطلعاتهن الفنية غير المحدودة. الفيلم المعروض في تظاهرة "أسبوع النُقاد" في دورتها الـ63، فاز مُناصفة بجائزة خاصة تحمل اسم "العين الذهبية"، صارت تُمنح مُؤخرًا لأحسن فيلم وثائقي في مُختلف أقسام المهرجان، وذلك مع الفيلم الفرنسي "إرنست كول" للمُخرج راؤول بيك.
كما حصل الفيلم السعودي "نورة" للمُخرج الشاب توفيق الزايدي، وهو أول مُشاركة سعودية على الإطلاق في أي قسم من أقسام المهرجان، على "تنويه خاص" من لجنة تحكيم مُسابقة قسم "نظرة ما".