في عام 1976، ومع إصداره كتابه المصور "القدس: إرادة البقاء"، الذي يضم الصور التي التقطها في أيار/ مايو 1948 في القدس الشرقية، حين كانت الحرب محتدمة ما بين الجيش الأردني والقوات الإسرائيلية مسيطرة على البلدة القديمة، أماط جون فيليبس عن وجهه الآخر، كمصور متخف بثياب ضابط بريطاني في الجيش الأردني، إذ كان قلبه في الوقت نفسه في الجانب المقابل، منحازًا للمشروع الصهيوني في فلسطين.
جون فيليبس: قصة مصور صحافي
فمن هو جون فيليبس، وكيف غطى معارك السيطرة على القدس الشرقية، ما بين الجيش الأردني وفصائل المدافعين الفلسطينيين عن القدس من جهة، وبين القوات اليهودية، في تلك الأيام الحاسمة من أيار/ مايو 1948؟!
ولد جون فيليبس في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1914 في البويرة، شمال الجزائر، لأب مهاجر من ويلز البريطانية، وأم أميركية. وفي عام 1925، انتقل مع عائلته إلى العاصمة الفرنسية باريس، ومن ثم إلى نيس في جنوب فرنسا، على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
في عام 1936، حين كان لا يزال في سن الثانية والعشرين من عمره، عينته مجلة لايف Life المصورة الأميركية مراسلًا لها، ونشرت المجلة في عددها الأول (2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1936) أولى قصصه المصورة، وكانت عن افتتاح ملك بريطانيا إدوارد الثامن للبرلمان، قبيل تنازله عن العرش وزواجه من الأميركية واليس سيمبسون(2). وخلال السنوات اللاحقة، غطى أحداث الحرب العالمية الثانية للمجلة ذاتها، ولا سيما في إيطاليا والنمسا. وكانت أبرز نجاحاته كمصور صحافي هو وصوله إلى المارشال تيتو، زعيم المقاومة اليوغسلافية حينذاك، والذي تولى رئاسة يوغسلافيا بعد الحرب، وحتى وفاته. فقد وصل جون فيليبس إلى المارشال تيتو الذي كان متحصنًا في كهف في أحد الجبال إبان قيادته للمقاومة من القوات الألمانية النازية، عام 1944، حينها التقط له صورًا حميمة عن قرب، ونشر مقابلة صحافية معه في مجلة "لايف"(3).
ومن المصادفات الثمينة التي وقعت معه أثناء مسيرته كمصور صحافي هو التقاؤه بأنطوان دو سانت أكزوبيري Antoine de Sant Exuprey الطيار الحربي والمؤلف، كاتب ورسام رواية "الأمير الصغير" الشهيرة، وغيرها من الأعمال الأدبية. وقد تصادف لقاؤه وتصويره لسانت أكزوبيري قبل أيام من اختفائه، وهو في مهمة جوية يوم 31 تموز/ يوليو 1944(4).
استمر فيليبس في العمل لصالح مجلة "لايف"، التي صنعت شهرته لمدة تنوف على ربع قرن، حيث استقال من وظيفته هذه في أوائل الخمسينيات من القرن المنصرم. وقد ساعده في مهنته كمصور تعدد اللغات التي كان يتقنها، ومهاراته الكتابية كمؤلف(5).
جون فيليبس في عمان
كان فيليبس عند صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين (29/11/1947) في روما، وقد تأثر حينها بحجم مظاهرات التأييد التي نظمها اليهود هناك لصالح القرار الدولي، وقرر كما يروي ابنه في ما بعد أن يقترح على مجلة "لايف" أن يذهب إلى فلسطين لتغطية الأحداث من هناك. وقد وافقت المجلة على إيفاده إلى هناك(6).
في أيار/ مايو 1948، وقبل توجهه إلى القدس لتغطية معركة السيطرة على القدس، مرَّ فيليبس بعمان، العاصمة الأردنية. من غير المعروف عدد الأيام التي قضاها فيليبس في عمان، لكنها كانت كافية، لأنه التقط خلالها عشرات الصور الفوتوغرافية للملك عبد الله، وولي عهده الأمير طلال، وحاشية الملك، وبعض أركان الحكومة، لا سيما رئيس الحكومة، توفيق أبو الهدى، وكذلك حرس قصري رغدان وبسمان بثيابهم الشركسية المميزة. وبالعودة إلى كتاب “Amman, May 1948” الذي ضم 35 صورة مختارة كان قد التقطها جون فيليبس إبان وجوده في عمان(7)، فقد شملت صوره أحياء عمان وشوارعها الرئيسية، وأسواقها ومقاهيها، وصور أيضًا أماكن النخبة المدنية والأجانب المقيمين فيها، مثل ملاعب التنس، والمسابح، وشرفات الفنادق.
لم يكن اهتمام مصور مجلة "لايف" الأميركية، أثناء إقامته في العاصمة الأردنية، منصبًا على تصوير العائلة المالكة، أو على أحياء عمان، بالقدر الذي انصب على ترتيب غطاء مناسب لمهمة التصوير التي كان أعد نفسه لها في فلسطين، وبشكل خاص في القدس، التي كانت تشهد معارك محتدمة للسيطرة عليها، منذ صدور قرار التقسيم في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 1947.
في عمان، استطاع جون فيليبس أن يقنع القيادة البريطانية "للفيلق العربي"، أو الجيش الأردني، والتي كان يترأسها الجنرال جون بيجوت غلوب، بأن يقوم بمهمته كمصور من الجانب العربي، عن طريق التنكر بزي ضابط عسكري في الجيش الأردني، مستفيدًا من وجود عدد من الضباط البريطانيين على رأس الوحدات العسكرية الأردنية المتواجدة في مدينة القدس ومحيطها. ومبرر تنكره بهذا الزي هو عدم إثارة الشكوك حوله وهو يتحرك في مناطق القتال. ويتبين من حصيلة الصور التي خرج بها جون فيليبس إبان الصراع على القدس وداخلها، وهي بالعشرات، أنه قد تمكن من التحرك والتصوير بحرية، ودونما شبهات، انطلاقًا من الجانب الأردني للصراع.
فيليبس في القدس
متلفعًا ببزة ضابط في الجيش الأردني تحرك فيليبس بحرية تامة في أسواق القدس القديمة وأحيائها الداخلية، التقط ما شاء من الصور الفوتوغرافية التي نُشرت في حينها في مجلة "Life" الأميركية، ولاحقًا عن طريق وكالة Getty، والتي توثق المواجهات التي وقعت بين الطرفين العربي واليهودي. ولعل أشهرها صور استسلام سكان الحي اليهودي في القدس الشرقية، إثر فشل القوات الإسرائيلية في الاحتفاظ به، بما في ذلك استسلام مختار الحي، وأسر عدد من المقاتلين اليهود(8).
لم ير جون فيليبس في تلك المواجهات الوجه الحقيقي لمعارك القدس، باعتبارها قتالًا مشروعًا من جانب العرب لمنع احتلال القدس الشرقية وتهويدها، ولحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية من الدمار، وإنما رأى في تلك المعارك التي انتهت باستسلام المقاتلين اليهود وسكان الحي اليهودي، للجانب العربي، بمثابة "تطهير عرقي لليهود الذين أقاموا في ذلك الحي لقرون عدة"(9).
لم يكن الحي اليهودي في القدس الشرقية يضم مدنيين عزلًا فقط، وإنما قوة مقاتلة كبيرة العدد نسبيًا، قدرتها المصادر العربية بـ 500 مقاتل فيما يقول مناحيم بيغن، في كتابه "الثورة" The Revolt، إن الحامية اليهودية في ذلك الحي كانت مؤلفة من 300 مقاتل، مئتان منهم من الهاغانا، ومئة من الإرغون، وقد بنى قائد الإرغون في الحي اليهودي معملًا لصنع القنابل. كما أن الطائرات اليهودية كانت تمد السكان المحاصرين بصورة شبه يومية بالمؤن والأسلحة والذخيرة(10).
رؤية انتقائية
يقول فيليبس: "من مكان بالقرب من حائط المبكى كان بإمكاني رؤية كنيس بورات جوزيف، حيث يرتفع الدخان على مسافة عبر المنطقة الحرام، كان الكنيس والمدارس التلمودية والأكاديميات المجاورة تتفكك خلف أعمدة الدخان. وكانت الجدران الضخمة تنهار في سيل متصاعد من الحطام الحجري". ويضيف: "أذهلني مشهد التدمير الوحشي هذا، وتساءلت عن عدد الأطنان من مادة T.N.T التي بددها جيش التحرير العربي (من يقصد هنا الجيش الأردني أم "جيش الإنقاد"؟) لتحويل ذلك المكان التعليمي إلى غبار"(11).
ومن المفارقة أنه في اليومين اللذين سبقا سقوط الحي اليهودي في القدس، كانت القوات اليهودية تقصف المساجد والكنائس والأديرة، وتلحق بها الدمار. وتقتل مزيدًا من رجال الدين والمصلين، وتصيبهم بجراح.
ففي 26 أيار/ مايو، راحت القوات اليهودية المتحصنة في عمارة نوتردام تقصف العمارات العربية بنيران مدافعها، وخلال ذلك أصابت قذائفها دير الأرمن الأرثوذكس، فجرحت تسعة أشخاص، كما أصابت بطريركية اللاتين، وحطمت الزجاج الملون في نوافذ الكنيسة.
جراء استهداف الكنائس في القدس، اجتمع يوم 27 أيار/ مايو 1948 رؤساء الطوائف المسيحية على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم في دار بطريركية الروم الكاثوليك بالقدس، وبحثوا ما أصاب الكنائس والأديرة والأماكن المقدسة من أضرار بالغة جراء استهدافها من قبل القوات الإسرائيلية، وقرروا رفع احتجاجاتهم إلى كل من له شأن من العالم، من مدنيين ورؤساء أديان. وفعل قنصل فرنسا في القدس المسيو رينه يوتفيل الشيء نفسه، حيث أبلغ زعماء اليهود احتجاجه لضربهم الكنائس والأديرة(12).
ويوم 28 أيار/ مايو، اختار رؤساء الطوائف المسيحية لجنة عهدوا إليها بوضع صيغة الاحتجاج، وهو ما فعلته في اليوم التالي، حيث وثقت جميع الكنائس والأديرة والأماكن المسيحية التي أُصيبت بأضرار جراء المدافع اليهودية، كما ذكروا أسماء الكهنة والرهبان الذين قتلوا جراء ذلك(13).
وكانت طائرة يهودية قد أسقطت بعض القنابل على الأحياء العربية، فسقطت إحداها بالقرب من كنيسة القيامة، فأحدثت خرابًا في سطحها. وبدورها، تعرضت ساحة المسجد الأقصى لقذائف مدفعية أوقعت فيها أضرارًا، فيما أصابت قذائف يهودية أخرى منبر صلاح الدين في داخل المسجد الأقصى، هذا عدا عن مساجد أخرى في المدينة (14).
سقوط الحي اليهودي بين فيليبس وعارف العارف
في كتابه المصور الذي حمل عنوان "إرادة للبقاء" (1976)، الذي ضم صوره عن القدس إبان حرب 1948، عاد فيليبس ليصف سقوط الحي اليهودي: "استمرت معركة السيطرة على القدس 11 يومًا وليلة. وفي 28 أيار/ مايو، سقطت القدس في أيدي العرب". ويضيف: "في النهار، شق العرب طريقهم إلى الحي اليهودي بمدفعيتهم، وفي 28 أيار/ مايو استسلم المقاتلون الإسرائيليون المنهكون، وفي نهاية المطاف دخل عمدة القدس مردخاي وينجارتن للتوقيع على وثائق الاستسلام(15).
وفي وصف الصورة التي التقطها فيليبس لتلك اللحظة، كتب يقول: "رئيس بلدية القدس مردخاي وينجارتن يرافقه مقاتلون عرب في نهاية أيار/ مايو 1948 لتوقيع وثائق الاستسلام للمدينة، وتحديدًا للحي اليهودي، حيث عاشت أجيال من العائلات اليهودية وأجبرت على الإخلاء"(16).
في روايته المصورة عن سقوط الحي اليهودي بيد العرب، يخلط جون فيليبس ما بين الحي المذكور ومدينة القدس القديمة، بما يوحي وكأن مأساة الحي اليهودي هي مأساة البلدة القديمة كلها، أو كأن القدس القديمة كانت بأسرها بلدة يهودية.
يوثق عارف العارف سقوط الحي اليهودي في كتابه "النكبة، نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود 1947/1955"، الجزء الثاني، ويصف استسلامه:
"في اليوم التالي، الجمعة، 28 أيار (مايو)، كانت الحرائق مشتعلة في كل ناحية من أنحاء الحي اليهودي، فجاء حوالي الساعة العاشرة صباحًا، اثنان من الحاخامين يحملان أعلامًا بيضاء علامة التسليم، وأخبرا قائد الموقع الرئيس محمود موسى أنهما يبغيان التفاوض في صدد شروط التسليم، فجاء على إثر ذلك قائد الكتيبة السادسة عبدالله التل، كما جاء اثنان آخران من اليهود، هما مختار الحي واي نمارتن، وقائد الحامية من رجال الهاغانا، وحضر المفاوضة عدد من القادة الآخرين ورؤساء المناضلين (...) واستمرت المفاوضة من الساعة الحادية عشرة صباحًا إلى الساعة الثانية من بعد الظهر (...) فرض العرب شروطهم، فحملها المندوبون اليهود إلى سكان الحي، وبعد قليل رجعوا قائلين إنهم يقبلون كل ما جاء فيها. وأمضيت إثر ذلك، وثيقة التسليم، وقد كتبت باللغة الإنكليزية، وشهد عليها السنيور أسكارني بوصفه ممثلًا لهيئة الأمم المتحدة(17)".
تضمنت وثيقة الاستلام الموقعة في يوم 28 أيار/ مايو 1948 ما يلي: تسليم الأسلحة والعتاد للفيلق العربي، كل المقاتلين من الرجال يؤخذون كأسرى حرب؛ كل كبار السن، من رجال ونساء، وبنات وأطفال، والمدنيين الجرحى، سوف يسمح بإخلائهم إلى الأحياء اليهودية خارج المدينة القديمة عبر الصليب الأحمر؛ الفيلق العربي سوف يحتل الحي اليهودي في البلدة القديمة(18).
بغض النظر عما كتبه جون فيليبس من واقعة سقوط الحي اليهودي بالقدس القديمة، فقد شكل ذلك حدثًا فاصلًا، إذ حرر البلدة القديمة من ذلك الجيب، الذي كان مكتظًا بالقوات اليهودية المقاتلة. قتل خلال تلك المواجهات، حسب المصادر اليهودية مئة، وأصيب سبعون بجراح. أما التقديرات العربية فتذهب إلى ضعفي ذلك العدد من القتلى.
وقع في قبضة القوات العربية 1249 أسيرًا، سرح منهم 913، وهم الشيوخ والنساء والأطفال، الذين أشرف الصليب الأحمر على تسليمهم إلى الهيئات اليهودية، وقد خرجوا حاملين أمتعتهم وكل ما يملكون. أما الباقون، وهم 332 رجلًا محاربًا، وأربع نساء محاربات، فقد اعتقلوا في قشلاق البوليس عند باب الخليل، وذلك قبل أن يرسلوا إلى معسكرات الجيش الأردني في الزرقاء(19).
هذا ولم تُسلم القوات اليهودية لهذه الهزيمة التي زعزعت معنوياتهم، إذ قام رجال البلماخ ليلة 29 ــ 30 أيار/ مايو بمؤازرة قوات أخرى بمحاولة مستميتة لاسترداد الحي اليهودي من العرب وفتح طريق الشيخ جراح للوصول إلى الجامعة العبرية ومستشفى هداسا على جبل الزيتون، إلا أنهم فشلوا وخلفوا وراءهم 35 قتيلًا(20).
ويعود فيليبس ليصف مشاعر أبناء الحي اليهودي: "شعر المدنيون (اليهود) بالذهول من جراء القصف، فجمعوا أمتعتهم وتوجهوا إلى ساحة أشكنازي". ويعلق على ما يصفه بالنهب الذي تعرض له الحي اليهودي، فيقول: "لقد جاء المدنيون العرب... يقفزون من فوق أسطح المنازل مثل سرب من الجراد لينهبوا، وفي طريقهم المسعور اشتعلت النيران، وتصاعد دخان أسود من النوافذ، في حين لعق اللهب الأصفر الشرفات الخشبية، وكان الحي يشتعل بأكمله، واختلطت رائحة الحريق برائحة الموت"(21).
كما سبق أن أشرنا فقد نشر جون فيليبس، بعد نحو ثلاثين عامًا عن سقوط الحي اليهودي في القدس الشرقية، كتابه عن القدس "إرادة للبقاء"، الذي تضمن صوره عن تلك الأيام التي شهدت سقوط الحي اليهودي في القدس، حيث عرضت في الوقت نفسه صوره في متحف إسرائيلي بالقدس. وقد كتبت مقدمة الكتاب غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل السابقة. وخلال زيارته للقدس، بمناسبة صدور كتابه، قابل فيليبس 51 شخصًا من أبناء الحي اليهودي الذين شهدوا سقوط ودمار حيهم في أيار/ مايو 1948(22).
صور فيليبس كما يمكن قراءتها من وجهة النظر العربية
على الرغم من أن جون فيليبس التقط صور معركة السيطرة على القدس، مرتديًا زيًا عسكريًا أردنيًا، وكان في الوقت نفسه حاملًا قلبًا وعقلًا منحازين كليًا إلى الجانب الآخر، أي القوات الإسرائيلية، إلا إن الصور الفوتوغرافية التي أنتجها ظلت من الناحية الموضوعية تنطوي على حقائق موجعة للجانب الإسرائيلي، فهي تذكر بهزيمتهم المرة في تلك البقعة الحساسة، وبخروجهم المذل تحت شروط الجانب العربي، فهي توثق استسلام مقاتلي الهاغانا وشتيرن وهم يسيرون أسرى تحت حراسة الجنود الأردنيين والمقاتلين الفلسطينيين، وكذلك هي حال مختار الحي اليهودي (وما سمي بعمدة القدس في رواية جون فيليبس!!).
إن سردية جون فيليبس النصية لا تصمد في مواجهة سرديته البصرية، إلا من خلال واسطة إعلامية منحازة، كما هي حال مجلة Life الأميركية، أو ناشري كتابه المصور عن القدس: "إرادة البقاء" A Will To Survive .
التنكر كمهنة ثانية
بقي أن نقول إن جون فيليبس كان قد تفاخر يومًا، فروى كيف استأجر سيارة فاخرة، إبان احتلال ألمانيا النازية للنمسا، ووضع على جانبيها علمين نازيين يحملان الصليب المعقوف، من أجل التمكن من التصوير بحرية!!
وها هو يعيد الكرة بارتدائه الزي العسكري الأردني، بتواطؤ من الضباط الإنكليز الذين كانوا على رأس "الفيلق العربي" ووحداته المقاتلة في فلسطين عام 1948. وكتب: "ظنوا أنني ضابط بريطاني، وتركني العرب وشأني".
قد نتفهم سلوكه في الحالة الأولى، أي في حالة النمسا المحتلة من النازيين، لكن المراقب المحايد، وليس فقط الطرف العربي في الصراع، سوف يشعر بالاشمئزاز من سلوكه كصحافي أجنبي حين ارتدى ثيابًا ليست له، فقط لتمكينه من خداع أبناء القدس والجنود والمقاتلين الفلسطينيين، ويمضي قدمًا في ذلك لأسابيع. وهو لا يتورع عن طعن من سهل مهمته في التغطية الصحافية المصورة في البلدة القديمة للقدس، إذ يعترف "بإخفائه وتهريبها سرًا خارج الشرق الأوسط"، بعيدًا عما يصفه "بالرقابة العربية"(23).
* فنان بصري وباحث تاريخي.
هوامش:
(1) وصف جون فيليبس خلال حياته بعدة ألقاب منها أنه "العراب الأكبر للصحافة المصورة"، و"سيد العدسات"، و"رائد التصوير الحربي"، وغيرها من الألقاب، وقد عرف بقدراته الكتابية، حيث حرر ثمانية كتب مصورة هي:
ــ عالم غريب، قصة مراسل مصور (1959).
ــ نزيف حتى الحضيض، قصة مصور صحافي (1960).
ــ الإيطاليون: وجه أمة (1965).
ــ القدس، إرادة البقاء (1976).
ــ القصة اليوغسلافية (1984).
ــ هذا ما حصل في حياتنا (1985).
ــ الشاعر والطيار أنطوان دو سانت – أكزوبيري (1994).
ــ روح حرة في عالم مضطرب (1996).
(2) إدوارد الثامن (1894 ــ 1972)، ملك المملكة المتحدة، حكم بريطانيا لأقل من عام (20 كانون الثاني/ يناير 1936 ــ 11 كانون الأول/ ديسمبر 1936)، حيث تنازل عن العرش ليتمكن من الزواج من والس سيمبسون، دوقة وندسور الأميركية التي سبق أن طلقت مرتين، وقد عارضت الحكومة البريطانية هذا الزواج. وهكذا تنازل إدوارد الثامن عن العرش عندما تعارض مع رغبته بالزواج من السيدة سيمبسون.
(3) أعاد فيليبس نشر صوره لجوزيف بروز تيتو، إبان قيادته للمقاومة اليوغسلافية ضد قوات ألمانيا النازية (1941/ 1945)، وقبل توليه رئاسة الحكومة اليوغسلافية، ومن ثم رئاسته جمهورية يوغسلافيا، والتي امتدت ما بين 1943 و1980 ــ نقول أعاد نشر هذه الصور وغيرها في كتابه الذي حمل عنوان "قصة اليوغسلاف" وجاء في 255 صفحة من القطع الكبير.
(4) أنطوان دو سانت أكزوبيري (1900 ــ 1944)، هو كاتب وشاعر وصحافي فرنسي، وهو أيضًا طيار عسكري مغامر، عرف بأقصوصته الشهيرة "الأمير الصغير" The little prince التي قام بعمل رسومها أيضًا، والتي نال بفضلها العديد من الجوائز الأدبية، وقد طبعت أولًا بالإنكليزية والفرنسية في الولايات المتحدة الأميركية في نيسان/ أبريل 1943. وقد منع تداولها في فرنسا، إبان حكومة فيشي الموالية لألمانيا النازية، مثلها مثل بقية مؤلفات سانت أكزوبيري.
عمل سانت أكزوبيري أول الأمر طيارًا تجاريًا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وكناقل بريد جوي ما بين أوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، ومع اندلاع الحرب انضم إلى القوات الجوية الفرنسية، ومن ثم طار إلى الولايات المتحدة، محاولًا إقناع الحكومة الأميركية بالانضمام إلى الحرب ضد ألمانيا النازية.
وأمضى، حينها، 28 شهرًا في الولايات المتحدة، حيث ألف ثلاثة من أهم أعماله الأدبية، وانضم بعدها إلى سلاح الجو التابع لقوات فرنسا الحرة في شمال أفريقيا.
وقد اختفى أثناء أداء إحدى المهمات فوق جزيرة كورسيكا الفرنسية في 31 تموز/ يوليو 1944.
(5) أنظر موقع National portrait gallery/ hpg.org.uk
(6) ظهرت رواية الابن في الشريط الوثائقي الذي أنتجته محطة التلفزة البريطانية BBC تحت عنوان:
Uncovering The Unted Stories of War: The Legacy of War Photographer Jhon Phillips.
https://yount,belowj-jgal-xf4?si=z2tvxocgcqxhbxel
(7) أنظر كتاب: Amman, may 1946, Life/ Getty
Photos by John Phillps, compiled and presented by Raja Gargour.
(8) هذه الصور سوف تظهر لاحقًا في كتاب جون فيليبس "القدس، إرادة البقاء".
والمنشور عام 1976، كما سوف نوضح لاحقًا.
(9) يتمحور كتاب "القدس، إرادة البقاء" على هذه الرسالة: وقوع تطهير عرقي للحي اليهودي في البلدة القديمة للقدس. وعلى هذه الفكرة ركزت العديد من المقالات التي نشرت عن كتاب جون فيليبس "إرادة البقاء".
(10) عارف العارف، النكبة، نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود، الجزء السابع، (النكبة بالصور).
(11) أنظر مقالة Richard Pollock، https://www.thej.ca/2022/05/26.
(12) أنظر عارف العارف، النكبة - نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود، 1947 ــ 1955، الجزء الثاني، المطبعة العصرية صيدا، ص 483 ــ 484.
(13) المصدر نفسه، ص 484.
(14) عارف العارف، النكبة بالصور، مصدر سابق.
(15) أنظر مقالة ريتشارد بولك، الذي يعرض لكتاب فيليبس "إرادة البقاء"، مصدر سابق.
(16) الصورة منشورة في المصدر السابق، وهي منشورة أيضًا في هذه المقالة.
(17) عارف العارف، النكبة، الجزء الثاني، ص 486.
(18) عارف العارف، المصدر السابق، ص 487، نص وثيقة الاستسلام مكتوبة باللغة الإنكليزية.
(19) العارف، المصدر السابق، ص 487.
(20) المصدر نفسه. ص 489.
(21) ريتشارد بولك، مصدر سابق.
(22) المصدر نفسه.
(23) المصدر نفسه.