Print
كارلوفي فاري ــ محمد هاشم عبد السلام

كارلوفي فاري الـ58: أفلام مُتنوعة بين السياسي والاجتماعي

2 يوليه 2024
سينما

انطلقت مساء الجمعة 28 يونيو/ حزيران فعاليات الدورة الـ58 لمهرجان "كارلوفي فاري السينمائي الدولي"، وذلك بعد حفل موجز، كالعادة، على المسرح الكبير في فندق "تيرمال"، كان نجمه رئيس المهرجان الممثل يري بارتوشكا الذي احتفل وفريقه بمرور 30 عامًا على تولي مهمة تسيير أمور المهرجان. أثناء الحفل، جرى استعراض الأفلام المشاركة في المسابقتين الرئيسيتين ولجان التحكيم، والفقرة الفنية الاستعراضية السنوية، ولم تكن على المستوى المعهود سابقًا، وإن أضافت بعض البهجة على الحفل الذي جرى خلاله تسليم الممثل والمخرج الدانمركي فيغو مورتنسن، 65 عامًا، جائزة "رئيس المهرجان الشرفية". بدوره، شَكَرَ مورتنسن إدارة المهرجان على دعوته، وأعرب عن سعادته البالغة بالتكريم، وعن اختيار فيلمه الأخير "الموتى لا يُؤذون" كفيلم افتتاح دورة هذا العام والذي عرض مُباشرة فور انتهاء مراسم الافتتاح.

فيلم الافتتاح
في جديده، "الموتى لا يُؤذون" يعود مورتنسن إلى الإخراج بعد ثلاث سنوات انقضت على أول دراما أخرجها بعنوان "سقوط"، ليكتب موسيقى وسيناريو فيلمه، ويقوم ببطولته وإخراجه، أيضًا. يُعتبر الفيلم بمثابة مُغامرة غاية في الجرأة فعلًا، إذ ينتمي العمل إلى نوعية أفلام الغرب الأميركية أو "الويسترن"، وذلك في حبكة يغلب عليها الطابع الرومانسي الكلاسيكي. يقوم مورتنسن بدور المُهاجر والمُحارب الدنماركي "هولجر"، الذي يقبل العمل كرئيس لشرطة مدينة نيفادا الصحراوية، في مُنتصف القرن التاسع عشر. هناك، يتعرف على فيفيان (فيكي كريبس)، التي تجد فيه شريكًا وتوأم روح تسعى إلى عيش حياة كريمة معه في عالم من القتلة العنيفين. تتطور الأحداث، التي نشهد في بدايتها وفاة فيفيان. ثم تتكشف كل الخيوط ببطء، عبر تقنية الفلاش باك التي تُطلِعُنا أكثر على ماضي فيفيان منذ أن كانت صبية وحتى تعرفها على هولجر، مرورًا باغتصابها أثناء مُشاركته في الحرب. إثر عودته إليها بعد سنوات يفاجأ بما حدث، وبابنها الصغير، ويُحاول الانتقام لها، ورعايته للصبي كابن له. يبدأ التشويق وتزداد الإثارة بعد الربع الأول من الفيلم، تقريبًا، ويأخذ سير الأحداث في التصاعد الدرامي، رغم الفلاش باك المزعج أحيانًا، وغير الضروري في أحيان كثيرة، لينتهي الفيلم بخاتمة لم تكن الأفضل لهذه الملحمة المشوقة والجذابة، رغم بعض الهَنَّات.

مُسابقة الكرة البلورية
حتى الآن، عُرِضَ في مُسابقة "الكرة البلورية"، التي يُشارك في تحكيمها هذا العام المُنتجة كريستين فاشون، والممثل جيفري راش، والمخرج جابور رايز، والشاعر والروائي سيون، والممثلة إليشكا كرينكوفا، ما يقترب من نصف أفلام المُسابقة وكان من أبرزها.

"ثلاثة أيام من السمك"
في فيلم "ثلاثة أيام من السمك" للهولندي بيتر هوجيندورن، نتابع زيارة الأب "تون" (تون كاس) إلى هولندا، البلد الكئيب الذي ولد فيه، على حد وصفه، قادمًا من البرتغال المشمسة في زيارة سنوية معتادة لثلاثة أيام لإجراء فحوصاته الطبية الروتينية. يقوم "تون" بمهامه الروتينية المعتادة برفقة ابنه المحبط غريب الأطوار "ديك" (جويدو بوليمانز). العلاقة التي بدت جد متوترة وجافة وحتى عدائية بين الأب والابن تتطور في النهاية وتلين بعض الشيء، لكنها لا تصل لدرجة الوفاق والانسجام أو المشاعر الفياضة بينهما. يقدم الفيلم لمحة عن العلاقة بين رجلين لم يفترقا تمامًا بعد، ينخرطان بتحفظ في أنشطة تبدو عادية، ويحاولان العثور تدريجيًا على طريق عودة أحدهما إلى الآخر.

"الخياطة المجرية"
تدور أحداث الدراما السلوفاكية "الخياطة المجرية" للمخرجة إيفيتا جروفوفا في أربعينيات القرن الماضي. حيث تشهد الدولة السلوفاكية صعود القومية، والتحرش بالأقليات، ومطاردة اليهود وملاحقتهم. تنعكس الحالة الاجتماعية والسياسية على الأرملة "ماريكا" (ألكسندرا بوربيلي) التي فقدت وظيفتها في محل خياطة "آرياني". ونظرًا للمشاعر المتزايدة المعادية للمجر، انغلقت ماريكا على نفسها، خاصة وأنها تؤوي في بيتها صبيًا يهوديًا صغيرًا في مخالفة خطيرة للقوانين. وفي خضم هذا الخطر المُحدق، تجد نفسها مُستهدفة أيضًا من ضابط نازي ألماني يَتَقرَّب منها، وكذلك أحد الضباط السلوفاكيين المُعجب بها. يتسم الفيلم بلغة بصرية قوية وأداء مُحكم ولافت جدًا لبطلة الفيلم، وتطلعنا أحداثه على سلوكيات وأحوال وتصرفات مسكوت عنها خلال تلك الفترة الحرجة في تاريخ المنطقة.

"مذبحة خنازيرنا الجميلة"
في أول فيلم روائي طويل للتشيكي آدم مارتينيك، يجمع بين الدراما الاجتماعية والنفسية والكوميديا، نشاهد دراسة ثاقبة للمجتمع التشيكي. وهذا من خلال اجتماع عائلة كبيرة في أحد أيام مهرجان قتل الخنازير التراثي في مزرعتهم. إنها الفرصة الوحيدة لجميع أفراد الأسرة للالتقاء معًا، وقضاء بعض الوقت المُمتع وذبح وطبخ الخنزير، والاستمتاع بتحضير وتناول الطعام الرائع، لكن اليوم لا يمر من دون أن يخلو من المُنغصات والمُشاحنات والشجار، وغيرها من الأمور، بين أفراد العائلة، حيث يتبدى لنا بجلاء مدى تفسخ وانهيار العلاقات بين أفرادها.

من حفل الافتتاح (Getty)

"بانوبتيكون"
عندما يقرر والد ساندرو تكريس وجوده لله ويُغادر إلى أحد الأديرة، يجد المُراهق الانطوائي نفسه محرومًا في صراع بين الدين والدنيا، يُشتته ويُمزقه. وذلك بعد أن هجرته والدته للعمل في أميركا. ينطلق الشاب في رحلة لاكتشاف الذات، وينفتح على صداقة جديدة مُتطرفة، ولاستكشاف حياته الجنسية الخاصة. يبحث أول فيلم روائي طويل للمخرج الجورجي جورج سيخاروليدزه في مدى دقة الخط الفاصل بين المحافظة الدينية أو التزمت والالتزام والرغبة في الاستقلال والتحديث من جهة، وعن مصير المجتمع الجورجي المعاصر في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي، من جهة أخرى.

مُسابقة بروكسيما
في مُسابقة بروكسيما التالية في الأهمية لمُسابقة "الكرة البلورية"، ويُشارك في تحكيمها هذا العام المخرج السوداني محمد كردفاني، مخرج فيلم "وداعًا جوليا"، إلى جانب المنتجة بيانكا بالبوينا، ودانييلا ميشيل مديرة ومؤسسة مهرجان "موريليا" المكسيكي، والمنتج والموزع السينمائي فوتر يانسن، والمخرجة التشيكية أديلا كومرزي، تندرج الأفلام التالية:

"لابيلي"
في فيلمها الطويل الأول، تنطلق المخرجة السلوفاكية باولا دورينوفا للتجول بين التكوينات الصخرية المتنوعة. ونتابع على امتداد الوثائقي التيارات البحرية والكهوف المظلمة والأراضي القاحلة والصخور البركانية، بينما تحاول المخرجة الربط بين الذاتي والعام والآني والكوني، في مُحاولة لم تكن موفقة كثيرًا، رغم جمال المناظر الطبيعية وفرادة المشاهد الملتقطة.

"الذاكرة العابرة"
تحاول المخرجة السويدية الشابة فيكتوريا فيرسيو تقديم مذكراتها الوثائقية الحميمة، التي تعود فيها إلى تايلاند عام 2012، عندما خضعت لعملية تأكيد الجنس. وكيف انتظرت هذه اللحظة طويلًا، وقتها كانت ممزقة بين اليقين من الأمر وضرورة الإقدام عليه وبين الخوف والتردد وخشية التبعات، وذلك في فيلم شديد الحساسية والذاتية وعلى قدر كبير من الصدق وأهمية الموضوع.

"لقد حان الليل"
يرصد المخرج البيروفي باولو تيزون في الوثائقي الأول له، التدريبات العسكرية القتالية الشرسة لمجموعة من المغامرين، تعتبر الأكثر تحديًا في أميركا اللاتينية، بغية تحويلهم إلى محاربين أشاوس يعملون في مناطق عالية المخاطر، ومعروفة بانتشار العصابات المسلحة، العاملة في تجارة وتهريب المخدرات، وغيرها. يحاول المخرج تقديم صورة إنسانية لهؤلاء الشباب اليافعين، في رصد ثنائي للحساسية إلى جانب العنف، والجمال إلى جانب الضعف البشري.

"هادئ"
بعد سنوات من الابتعاد للعمل في إسبانيا، يعود كالويان (أوجنيان بافلوف) إلى وطنه بلغاريا لبيع شقة والده الراحل. تتطور الأمور تدريجيًا إلى رحلة في أعماق كالويان، تقوده نحو اكتشاف ذاته وعلاقته بوالده الراحل. برهافة وحساسية بالغين يقدم لنا المخرج بافيل فيسناكوف تأملات وجودية في طبيعة الروابط العائلية والهوية الشخصية. مع التركيز على بلغاريا المعاصرة، حيث يتم استبدال مقابر السكان بكازينوهات ومتنزهات وبنايات فاخرة، وتتلاشى الذاكرة الثقافية والاجتماعية في بلد يسير بقوة وراء سراب الازدهار الاقتصادي.

"من مارس إلى مايو"- "من آذار إلى أيار"
هي دراما اجتماعية سلوفاكية بالغة البساطة والحميمية نتعرّف فيها على عائلة مكونة من خمسة أفراد في منزل قروي قديم. يتقدم الوالدان في السن ببطء، في حين يكبر أولادهم وينضجون، ويمضون كل في طريقه الخاص. يضطرب إيقاع الحياة اليومية بعض الشيء بسبب الأخبار غير المتوقعة عن حمل الأم، وتؤثر فكرة الأخ الجديد تدريجيًا على جميع أفراد الأسرة.  يسرد مارتن بافول ريبكا في "من مارس إلى مايو" قصة متواضعة، لا يحدث فيها الكثير تقريبًا، لكنها أصلية للغاية، وعلى قدر كبير من العمق، وإجادة رسم الشخصيات.


المُشاركة العربية
سعى مهرجان كارلوفي فاري في دوراته الأخيرة إلى الانفتاح أكثر وأكثر على سينما الشرق الأوسط عامة، والسينما العربية خاصة، بغرض تعريف جمهور أوروبا الشرقية بسينما وأحداث منطقتنا. وعن هذا قال سابقًا المُدير الفني للمهرجان كاريل أوخ إن لديه رغبة في أن تتزايد مساحة المُشاركات العربية خلال الدورات القادمة، وإنه يتمنى مُستقبلًا عرض المزيد من الأفلام المُتميزة من المنطقة وتعريف الجمهور بها؛ ولم تعد تمر دورة من دون مُشاركة عربية واحدة على الأقل في أقسام المهرجان.




هذا العام، يُشارك في المُسابقة الثانوية، "بروكسيما"، المفتوحة للأفلام الروائية الطويلة والوثائقية والتجريبية من أنحاء العالم، والتي تميل لعرض الأفلام التجريبية والجريئة للمخرجين الشباب تحديدًا، الفيلم المغربي الروائي الطويل، "كابو نيجرو" وهو الأول للمخرج الشاب عبد الله الطايع، ومن المنتظر عرضه في الأيام القادمة.
في قسم "آفاق" الذي يهتم بأبرز الأفلام المعروضة في مُختلف المهرجانات الدولية الكبرى، يُعرض الفيلم التونسي "ماء العين" لمريم جعبر، المُشارك في مسابقة مهرجان برلين هذا العام، والفلسطيني "باي باي طبريا" للينا سوالم المُشارك في مهرجان فينيسيا العام الماضي، والفيلم الفلسطيني الفائز بجائزة "أحسن وثائقي" في مهرجان برلين الأخير "لا أرض أخرى" لباسل عدرا وحمدان بلال ويوفال أبرهام وراشيل شور.
وفي قسم "خيال" يُعرض الفيلم الفلسطيني القصير "يو إن دي آر" لكمال الجعفري. وفي قسم "أفلام قصيرة من براغ" يُعرض الفيلم اللبناني القصير "ملح البحر" للمخرجة ليلى بسمة. أخيرًا، يُشارك في منصة سوق الإنتاج السنوية، ضمن مشاريع منح إنتاج وتنفيذ الأفلام غير المُكتملة، الفيلم اللبناني "حتى بالعتمة بشوفك" للمخرج نديم تابت، والمُنتظر الانتهاء منه وعرضه في أيار/ مايو العام المقبل؛ كذلك، الفيلم الروائي الأول الطويل للمخرج الوثائقي المصري محمد صيام بعنوان "عطر أبي"، والمُنتظر عرضه في كانون الثاني/ يناير العام المقبل.