Print
وائل سعيد

"تحيا المقاومة... لتحيا فلسطين": اليوبيل الذهبي لـ"مهرجان جمعية الفيلم"

23 يوليه 2024
سينما


استقبلت قاعة سينما "رينيسانس"، في 13 تموز/ يوليو الجاري، وقائع حفل إعلان نتائج الدورة الجديدة لـ"مهرجان جمعية الفيلم" السنوي بعد تأجيل طويل. حضر الحفل عدد قليل من الفنانين من بينهم أحمد بدير وإلهام شاهين، مع غياب ملحوظ للنجوم سواء من الصنّاع أو الممثلين حتى من فازوا بالجوائز. وضمّت لجنة التحكيم عددًا من السينمائيين والنقاد برئاسة المخرج هاني لاشين، ولم يرد في توصيات اللجنة سوى بند واحد يطالب صنّاع الأفلام "بالاهتمام بعنصر السيناريو مستقبلًا".

وكانت فعاليات الدورة الخمسين لـ"مهرجان جمعية الفيلم" انطلقت في مطلع حزيران/ يونيو الفائت، ودارت على مدار 12 يومًا، احتفالًا باليوبيل الذهبي للجمعية تحت شعار "تحيا المقاومة... لتحيا فلسطين". وقد تنافس على جوائز المهرجان هذا العام أربعة أفلام - أقل بفيلم واحد من العام الماضي- تم اختيارهم من بين ما يفوق أربعين فيلمًا حصيلة الإنتاج السينمائي آخر سنتين، فيما عرض فيلم "شماريخ" للمخرج عمرو سلامة خارج المسابقة. واُهديت الدورة إلى روح الفنان صلاح السعدني الذي رحل عن عالمنا في نيسان/ أبريل الماضي، وهو ما أعلنه مدير التصوير محمود عبد السميع، رئيس الجمعية والمهرجان. ولم يكن ذلك سوى البداية، لاحقًا تمت إضافة اسم المخرج والسيناريست عصام الشمّاع الذي رحل في نهاية نفس الشهر السابق، ثم أضيف إليهما اسم الناقد السينمائي نادر عدلي الذي وافته المنية قبل انتهاء الدورة بأيام قليلة، الأمر الذي لن يكون الأخير مع دورة اليوبيل الذهبي؛ وهو ما فاجأنا مع نهاية الدورة. حيث كان من المخطّط أن يتم إعلان الجوائز في اليوم الأخير للمهرجان، إلا أن رحيل المنتج السينمائي والسيناريست فاروق صبري حال دون ذلك؛ فقد وافته المنية قبل انتهاء فعاليات الدورة الذهبية بيوم واحد فما كان من إدارة المهرجان سوى إرجاء حفل الختام لوقت لاحق، بعد انتهاء العطلة الطويلة لعيد الأضحى.

وقد تكونت لجنة التحكيم واختيار الأفلام للدورة الأولى من 13 اسمًا سينمائيًا من بينهم المخرجون صلاح أبو سيف، وكمال الشيخ، وشادي عبد السلام، ومن النقاد: سمير فريد، وسامي السلاموني، ويوسف شريف رزق الله، وأحمد الحضري وهو صاحب أكبر عدد من المشاركات؛ حيث ترأس لجنة التحكيم لخمس مرات بالإضافة إلى 25 مرة كان عضوًا في لجان التحكيم. 
 


ويعتبر "مهرجان جمعية الفيلم" ثاني أقدم مهرجان سينمائي في مصر حيث سبقه "مهرجان المركز الكاثوليكي" وهو أقدم المهرجانات السينمائية. ولا شك في أن جمعية الفيلم قد لعبت دورًا هامًا منذ تأسيسها بمقتبل عقد الستينيات في تشكيل وصناعة الثقافة السينمائية في مصر، حيث شهدت الجمعية ومعها جمعية النقاد سنوات التكوين الأولى لكبار أسماء السينمائيين، سواء من النقاد أو المشتغلين بالصناعة، حدث ذلك ضمن حراك ثقافي في تلك الفترة مهّد الطريق لعدد كبير من الأفلام العالمية أقيمت لها العروض من خلال نوادي السينما، وكان من المتّبع أن يتم عقد نقاشات وندوات بعد الانتهاء من العرض، أسهمت في بروز أسماء هامة.

لم يكن غريبًا غياب عنصر السيناريو عن قائمة الجوائز، التي لم تخرج في معظمها عن التوقعات العامة، بداية من الحصان الرابح "بيت الروبي" الذي حصد الجوائز الست ليحتلّ الصدارة، وقد شملت كافة عناصر العمل تقريبًا، كأفضل تصوير، أفضل مكساج صوت، أفضل موسيقية تصويرية وأفضل ديكور، إضافة إلى جائزتي التمثيل؛ أفضل ممثل دور أول وثان لكريم عبد العزيز وكريم محمود عبد العزيز. بينما جاء فيلم "ب 19" في المركز الثاني حاصدًا خمس جوائز، في مقدّمتها جائزة أفضل إخراج لأحمد عبد الله السيد الذي استطاع انتزاعها من بيتر ميمي مخرج "بيت الروبي" وكان من أكثر الأسماء المرشّحة للفوز، كما حاز الفيلم جائزة أفضل فيلم وأفضل مونتاج وتصوير، وذهبت جائزة التميّز في التمثيل للفنان سيد رجب.  

في ذيل القائمة يأتي فيلم "ڤوي ڤوي ڤوي" ليحصد ثلاث جوائز: أفضل عمل أول وذهبت للمخرج عمر هلال، أفضل ممثلة دور ثانٍ لحنان يوسف، وحصل الممثل الشاب طه دسوقي على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في التمثيل، فيما توّج الفيلم الاجتماعي "وش في وش" بجائزة الجمهور. وعلى جانب آخر، حصلت الأفلام العربية "وداعًا جوليا"، و"حمى البحر المتوسط"، و"علم" على شهادات تقدير.

خمسة أفلام وعروض استثنائية

استحدث المهرجان أيضًا في دورة اليوبيل الذهبي قسمًا للعروض الدولية تحت عنوان "عرض استثنائي" استضاف ثلاثة أفلام: "وداعًا جوليا" من السودان، ومن فلسطين فيلمي "حمى البحر المتوسط" و"علم" وقد وقع الاختيار على فيلم "ب 19" ليكون فيلم الافتتاح. الفيلم تأليف وإخراج أحمد عبد الله السيد وبطولة مشتركة لسيد رجب وناهد السباعي وأحمد خالد صالح. وقد عُرض لأول مرة في الدورة 44 لمهرجان القاهرة السينمائي مشاركًا ضمن المسابقة الرسمية، وحصل على جائزة الاتحاد الدولي للنقاد الفيبرسي، بالإضافة إلى جائزتي "أفضل فيلم عربي وأفضل إسهام فني". ويأتي "بيت الروبي" على رأس القائمة وهو من أكثر الأفلام المنافسة، الفيلم من إخراج بيتر ميمي وسيناريو مشترك لـ محمد الدباح وريم القماش، أما البطولة فلـ كريم عبد العزيز، وكريم محمود عبد العزيز، ونور، وتارا عماد، وتدور الأحداث حول أسرة صغيرة تختار العزلة عن العالم بالعيش في إحدى المناطق الساحلية مكتفين بالحياة البكر بديلًا للهوس الرقمي الذي يعيشه أهل العاصمة.     

كوميديا أخرى نتابعها في فيلم "وش في وش"، تأليف وإخراج وليد الحلفاوي، بطولة جماعية لعدد كبير من الأسماء (محمد ممدوح، أمينة خليل، أحمد خالد صالح، بيومي فؤاد، وسامي مغاوري)، أما آخر الأفلام المنافسة فهو فيلم "ڤوي ڤوي ڤوي" تأليف وإخراج عمر هلال في أولى تجاربه الروائية الطويلة، بطولة محمد فراج، نيلي كريم، وبيومي فؤاد، وقد اختير مطلع هذا العام من قبل جمعية نقاد السينما المصريين كأفضل فيلم مصري.


سينما مصرية... مصرية

ضمّ برنامج اليوبيل الذهبي عددًا من الفعاليات المصاحبة يأتي في مقدّمتها ما سنّته الإدارة هذا العام من تقليد جديد بعنوان "المئويات"، ومن خلاله تم الاحتفاء بمرور 100 عام على ميلاد ثلاثة من أشهر فناني الفن السابع وهم: فؤاد المهندس 1924-2006، سامية جمال 1924-1994، عبد المنعم إبراهيم 1924-1987، وفي خطوة جيدة تأتي من خارج الصندوق- كما يقال- لم تلجأ إدارة المهرجان لإصدار مطبوعات - كما هو معتاد- عن الشخصيات المكرّمة بل استعانت بثلاثة كتب صادرة خلال السنوات الماضية: "سامية جمال: الفراشة"، ناهد صلاح، دار مصر العربية للنشر، "وجوه لا تنسى"، محمود عبد الشكور، دار الشروق، "مهندس البهجة"، د. وليد الخشاب، المرايا للثقافة والفنون، وهو أحدثهم حيث صدر في العام الماضي. 

لا يتيح المهرجان حرية تقدم المخرج أو صناع الفيلم كأفراد، بل يتم التصويت من النقاد والسينمائيين وأعضاء الجمعية على اختيار سبعة أفلام من بين الأفلام المعروضة في العام السابق، على أن "تمنح شهادة تقدير لكل فيلم من الأفلام الفائزة في استفتاء أفضل الأفلام التي عرضت خلال العام الماضي". من هنا تتبدّى القيمة التكريمية لجوائز المهرجان والتي تختلف عن الجوائز الأخرى، فجميع الأفلام حصلت على شهادات تكريم في حفل الافتتاح قبل بدء التنافس، في جوّ من النوستالجيا لتاريخ الجمعية العريق، وقام الفنان حسين فهمي، الرئيس الشرفي للمهرجان للمرة الثالثة، بتسليم الشهادات لأصحابها أو من ينوب عنهم.

حدث ذات مرة أن واجهت جمعية الفيلم إشكالية في توفير قاعة مناسبة لعرض أفلامها، ويقول سامي السلاموني: "وعندما اتجه التفكير إلى قاعة النيل التابعة للمركز الكاثوليكي للسينما لم يكن أحد يتوقع موافقتهم على العروض الأسبوعية لجمعية الفيلم، فلقد كانت عروض المركز قاصرة على نشاطه الخارجي ومنه مهرجانه السنوي المعروف للأفلام المُناسبة". وفي حوار سابق أشار رئيس الجمعية والمهرجان، محمود عبد السميع، عن الدورة 2019/45 إلى أن شعار جمعية الفيلم والمهرجان هو "نحو سينما مصرية... مصرية"، بمعنى أن يكون للفيلم قيمة ومعنى تعبّران عن المجتمع المصري، مؤكدًا على أن ذلك هو الأساس في اختيار الأفلام المشاركة، وهو ما تتبعه الإدارة منذ ذلك الحين، وحتى الآن، دورة بعد دورة، في رحلة البحث عن سينما مصرية بطابع مصري. 

رغم أهمية المهرجان وتاريخه الطويل إلا أن النجوم كثيرًا ما يتّجهون صوب السجادة الحمراء لمهرجان القاهرة وبعض المهرجانات الكبيرة، وهو ما يستوجب الدعم من بعض النجوم بضرورة حضور مهرجان كهذا، وعدم تكلّف الأعذار لرفض الدعوات الموجّهة إليهم. على جانب آخر، نجد أن وزارة الثقافة هي الجهة الأولى المنوط بها زيادة الدعم والاهتمام بالمهرجان - حتى ولو للأهمية التاريخية- بداية من تخصيص قاعات المسرح الكبير أو الصغير بدار الأوبرا شأنه شأن مهرجان القاهرة السينمائي، خصوصًا في ظل سياسة الترشيد التي تتبعها الحكومة ووزارة الثقافة بالطبع، وإثرها تم تخفيض الميزانيات لمهرجانات عدة.