Print
فاتنة الغرة

"لا تصدقوني إن حدثتكم عن الحرب" بالهولندية..الحياة البشرية الضعيفة

15 يناير 2020
عروض
صدرت حديثاً الترجمة الهولندية لديوان الشاعرة الفلسطينية أسماء عزايزة "لا تصدقوني إن حدثتكم عن الحرب" عن دار يورغن ماس "Jurgenmass uitgeverij" للنشر في هولندا، وقامت بالترجمة الشاعرة والمترجمة الهولندية من أصل مغربي نسرين مباركي. وجاء في تقديم النسخة الهولندية أن "أسماء عزايزة تنفصل عن كل ما ينبغي أن تقوله عن الحرب، وفي الوقت ذاته تنثر الملح في الجروح، لا تصدقوني عندما أخبركم عن الحرب هو تمثيل للحياة البشرية الضعيفة في جميع جوانبها".

تنطلق عزايزة في كتابها من الحرب وعنها ومن الحب وعنه، هي التي تدرك جيداً أنها لو تحدثت عن الحرب وهي التي لم تعايشها على أرض الواقع فثمة شيء ما قد يأخذ القارئ بعيداً عن التقاطع الإنساني لنصوص الديوان، لذا جاء الكتاب معنوناً بتلك النصيحة أو التوجيه للقارئ بألا يصدقها إن تحدثت عن الحرب، وهذا كان كفيلاً بأن يضعها على جانب الحياد من الحرب وبعيدا عن التورط العاطفي فيها وبما تترك من أثر في المكان وفي الإنسان، وقد أكدت هذه الفكرة في جملتها التي وردت في قصيدة المفتتح "سايكو" حيث قالت:

 

إياكم أن تصدقوا أنني أعبر الآن عن ذاتي

إنّها بدعة لا تساوي قشرة بصلة

فذاتي قبو غائر في بطن الأرض

وسلالمُ اللغة إليه نَخرتْها فئران ٌضخمة

فهرهرت مثل خشب منشور

 

إذاً الشاعرة هنا قدمت كل مسوغات قبول قصائدها عن الحرب دون محاكمتها وفق مجريات الأحداث أو وفق حقيقيتها، فالشعر لا يمكن اعتباره أو التعامل معه على أنه كتابة موازية للحياة ويمكن للقارئ الحصيف أن يلمس أن هناك مسافة انفعالية أو عاطفية غائبة عن النصوص حيث تعي الشاعرة هناك ما تكتب عنه بل وتجاهر القارئ بوعيها هذا وبأن هناك فعلاً قصدياً وراء نصوصها حينما تقول في نفس القصيدة التي من الأرجح أن عزايزة اختارت أن تضعها فاتحة للديوان لتكون الفهرس الذي يمكن للقارئ أن يسير معه وعليه:

 

أكتب قصائد عن الإنسانية وبشاعة الحروب

وعن العزلة ومنظورها الوجوديّ

وعن الحب المجرور بعربة موتى

 

وجبة لغوية دسمة
تقدم عزايزة في ديوانها وجبة لغوية دسمة حيث ترتكز فيها على موروث لغوي ثقيل هو مرجعيتها الأولى التي تستند إليها في كتابة نصها كما أنها على تماس أيضاً مع الحياة اليومية بالتقاطاتها الشعرية وتفاصيلها التي تستند عليها لبناء نصوصها وهي تزاوج في تلك النصوص بين اللغة المعجمية الثقيلة وبين الهموم والانشغالات اليومية بشكل يقترب من السلاسة في كثير من الأحيان ويجافيها مرات أخرى:

 

لم أُصدق أنني سأتعلّم يوما أن أموت

إلا حين كانت حرب بيروت تُغرق تهليلة أمي في البئر

تفوح رائحة الغارات من فرن الطبخ

يدخل صوت الفدائي إلى كاسيت أم كلثوم

الجماجــم التــي عبّــدت طريــق المدينــة، تَخــرج مــن الملصــق المعلّــق

بجانـب السريـر، وتُهدهـدني، تقـرع فـوق رأسي الطّـري مثـل لطميّـة طويلة.

فأتوقّـف عـن البـكاء

أو يتوقّف أصحابها عن البكاء فيه.

 

تبدو عزايزة مشغولة هنا بالحرب وما تخلفه من خراب بكل ما تطاله يدها، مشغولة برصد أوجاع الناس في الدول التي تعنيها حتى لو كانت أوجاعاً قديمة، إلا أن الشاعرة هنا تستدعيها لأن كل هذه الحروب والخسارات، كل هذه الأوجاع والذاكرة المتغضنة ألماً، هي جزء من مكوّنها الإنساني الذي يعطي القارئ إحساساً بأن هناك عيناً ترصد كل ما حدث وتربط ما بين المجازر والخرابات من أجل إنتاج عدسة مكبرة تطلّ من كلماتها على واقعنا الهش وعلى لاجدوى إنسانيتنا:

 

وُلِدت ّ في الشهر السابع

بعد أن لطمتْني بوسنيّات ّ في رحم أمي

وانسحبت

لم أُصدق أنني سأتعلّم يوما أن أموت

إلا حـين ارتُكبَـت ُ مجـزرةُ الخليـل عـلى كعكـة عيـدي التاسـع

أشـعلت الشـموع عـلى سـجاجيد بيـت إبراهيـم

ذابت هناك وحيدةً، ولم يُغن عليها أحد

 

صوت خاص
ينادي عنوان الديوان القارئ للدخول إلى عالمه - بحكم انشغالنا جميعاً بالحرب سواء أكانت في بلداننا أم بلدان أخرى- وقد وجد طريقه إلى القارئ الهولندي المهتم بمعرفة ما يحدث في هذا الجانب من العالم عبر ترجمة أنيقة مخلصة للنص العربي قامت بها المترجمة والشاعرة الهولندية مغربية الأصل نسرين مباركي التي عبرت لـ"ضفة ثالثة" عن سعادتها بهذا الديوان حيث أنه "كتاب شعري يختلف بطبيعة لغته عن الشعر الذي قمت بترجمته من قبل لأن عزايزة تمتلك صوتها الخاص الذي أظن أنها تجمع من خلاله بين التاريخ والحاضر والمستقبل كما ترصد وضع الحياة والحروب في فلسطين والدول المحيطة من وجهة نظر امرأة،

وعلى الرغم من أنها لم تتجه لكتابة الأحداث شعرياً حيث أن ما رأيته مكتوباً كان أقرب للسرد إلا أنه حافظ على الشعرية أيضاً، ونظراً لما تقدم كان يجب عليّ أن أقوم ببعض الدراسة والبحث لأعرف عماذا تدور القصائد، لأن نصوصها معقدة اللغة، رغم أن الصور واضحة لكن المعاني كانت معقدة حيث هناك الكثير من المعلومات التي يجب تقصّيها، ما شكّل تحدياً خاصاً للوصول إلى أفضل ترجمة ممكنة، لذا تجاورت هذه الصعوبة مع المتعة في أثناء ترجمتي لهذا الديوان، وتلا ذلك تحد آخر تجلى أمامي في ترجمة قصائدها للجمهور الهولندي بلغة شعرية دون أن أضيع روح النصوص وهو الأمر الذي أفعله في الواقع مع كل الترجمات التي قمت بها".
جدير بالذكر أن الديوان بنسخته الهولندية يقع في 60 صفحة من القطع الوسط فيما صدرت نسخته العربية عن منشورات المتوسط في إيطاليا في عام 2019 وقد جاء في 96 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة "براءات" لعام 2019، التي تصدرها الدار. كما أن الشاعرة هي فلسطينيّة ولدت في قرية دبورية في الجليل الأسفل وتعيش في مدينة حيفا، وقد حصل ديوانها الشعريّ الأوّل "ليوا" على جائزة الكاتب الشاب في حقل الشعر من مؤسسة عبد المحسن القطان عام 2010 وصدرت لها لاحقا المجموعة الشعرية "كما ولدتني اللدّية" عن دار الأهلية في عام 2015.