Print

"مياه صالحة للقتل".. لحسين الضاهر

21 فبراير 2020
صدر حديثا
صدر حديثاً عن دار موازييك للنشر والتوزيع في إسطنبول ديوان "مياه صالحة للقتل"، المجموعة الشعرية الأولى للشاعر السوري المقيم في تركيا حسين الضاهر.
تقترح المجموعة الصادرة في 146 صفحة من القطع المتوسط معادلاً حارّاً لقصيدة النثر، بوصفها حاملاً سردياً قادراً على تطويع منعطفات سيرة ذاتية، وقصص يومية، وشذرات مكانية، وتأملات وجدانية، لتصبح ممكنة التقطيع الشعري، والبناء المجازي. وبوصفها، من وجهة أخرى، فرصة جريئة لترويض موسيقى الشعر، وجرّها نحو الاستلاب المأسور لقدرات المحتوى على تفجير آفاق الدهشة.
حسين الضاهر، وفق ما تقدم، يحيل مختلف ما يحيطه قبل الرحيل عن الوطن وبعده، إلى مفردات يمكن تذويبها في أتون قاموسه الطازج الزاخر بأجواء القرية والحارة الشعبية والعلاقات المشعة بعنفوان العائلة الممتدة المتداخلة متلاطمة الأمواج.
في نص الديوان الأول، وعبر خديعة يوقعنا بها الشاعر، وتحت عنوان "عن المؤلف"، وفي اللحظة التي يتوهم المتلقي أنه أمام تعريف بالشاعر، ومختصر لسيرته الذاتية، وإذا به أمام نصٍّ مفخخٍ، باتع التجليات، صادح البوح، عميم الدهشة:

"أنا حسين الضاهر
الأكثر حزناً في حيّنا
والوجع الوحيد لأهلي
عمري الآن لجوءان وبضع ذكريات تالفة
في المدرسة: تعلمت كتابة الحزن على السبّورة وعلى وجهي
في صفّي: تعلمت الوقوف على قدم واحدة
قبالة الجدران
والتكلم معها أحياناً
في البيت: أدمنت رائحة ثياب أمي
ومشاهدة التلفاز
بألوانه الشاحبة وقناته الوحيدة
يقول خالي محمود "هذه قناة غصباً عنك" ويشتم
في المسجد: تعلمت إخفاء حذائي بعيداً عن أعين المؤمنين
في الشوارع: ركبت حماراً لا أذكر لونه، وسقطت عنه لألف مرة، حتى تمرست السقوط طيلة حياتي
في الصداقات الأولى: لم أتعلم سوى إطلاق سحب الدخان من أنفي
وابتداع شتائم جديدة تثبت رجولتي
في بيروت: طبعاً هي إحدى بداياتي المتعثرة أحببت فتاة قصيرة مثلي
وأهديتها شريطاً لمغنٍ تافهٍ فرمته من الطابق الثامن
وكنت أسرق معظم الصحف والمجلات من أمام المحال المغلقة هناك
بعد زواجي: تعلمت إبقاء صغاري على قيد الحياة، وارتكبت برفقتهم ما فاتني من لهو الطفولة
في الطريق إلى هنا: كنت أول الهاربين من بطش البلاد
وآخر العائدين إليها
في الثلاثين من عمري: أجلس أمام شاشة الحاسوب
تهرول أصابعي فوق أحرفه الخرساء
وأكتب".

تجدر الإشارة إلى أن الديوان صدر في سياق مبادرة أطلقها عدد من الشعراء والمبدعين السوريين في المنافي تحت عنوان "حواس"، إذ نشرت دار موزاييك مجموعة الضاهر الشعرية الأولى، بالتنسيق مع أصدقائه من خلال هذه المبادرة؛ وقدمتها كمفاجأة للشاعر.
حسين الضاهر شكر على صفحته الفيسبوكية الأصدقاء أصحاب المبادرة، مورداً أسماءهم:
"تانديار جاموس، رأفت حكمت، جوزيف كورية، محمد حذيفة العثمان، إبراهيم الحسون، عيسى الشيخ حسن، حيدر هوري، محمد الجبوري، محمد طه العثمان. أسماؤكم لوحدها تشي بماء صالح للحياة. لا تسعفني الكلمات لوصف السعادة التي أمطرتموني بها. لذلك سأقول أحبكم بمقدار الموت في عيون حربنا".