Print

"سياسات عربية" 41.. المنهج في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

22 فبراير 2020
عروض
تضمّن العدد الحادي والأربعون من دورية "سياسات عربية" التي تصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا ست دراسات علمية، ناقشت مناهج العلوم السياسية والعلاقات الدولية ونظرياتها، في ملف خاص بعنوان: "قضايا المنهج في العلوم السياسية والعلاقات الدولية"، إضافة إلى ترجمة، ومراجعة كتاب، وتوثيق الصراع العربي – الإسرائيلي، والتحول الديمقراطي في العالم العربي، وتقرير صادر عن المؤشر العربي.

تناول عبد الوهاب الأفندي، في دراسة له بعنوان "عن السياسة والسياسي والنظرية: تأملات في السجال بين المنهج والنظرية في وظيفة العلوم السياسية"، إشكالات التسييس في البحوث السياسية، وخطر تحوّل السجالات المنهجية في هذه البحوث إلى مواجهات سياسية. وتعامل نقدياً مع الرأي الذي يسم "دراسات المناطق" في العلوم السياسية بالفقر النظري والدونية العلمية، والتي تميل إلى دعم الرأي القائل إن ما يسمى معالجات نظرية هو بدوره "دراسات مناطق" تنطلق من المركزية الأوروبية، وتسعى لتعميم تجاربها في شكل "نظريات" ذات صلاحية كونية. ورأى الأفندي أن التفرقة المصطنعة بين التخصصات لا تقوم على أسس علمية، بل على العكس. فالنظريات الصحيحة لا بد من أن تنطبق على الحالات كلها، أو تكشف عن متغيرات ذات طبيعة عامة حالت دون ذلك. وانتهت الدراسة إلى اقتراح صيغة معدّلة من تعريف عالمة السياسة حنه أرندت، تجمع بين فهم السياسة باعتبارها مجالَ التغالب (السلمي/ التواصلي) ضمن إطار من القيم المشتركة والضوابط العرفية، مع الإقرار بأن خيار العنف "المشروع" هو من أدوات السياسة، وربما إطارها الحاكم، ممثلاً في الدولة.
وناقش خليل العناني، في دراسة له عنوانها "مأزق علم السياسة بين الأيديولوجي والمعرفي"، المأزق الذي يعانيه علم السياسة، مع التركيز على تأثير الأيديولوجي في المعرفي، حيث تبدو العلاقة بين علم السياسة والأيديولوجيا جدلية وغير محسومة. وجادلت الدراسة بأن ثمة مأزقاً معرفياً يواجه علم السياسة؛ كونه أصبح علماً "غائياً" تتجسّد فيه بوضوح العلاقة بين القوة والمعرفة، لذلك يبدو واضحاً أن ثمة تأثيراً واضحاً للأيديولوجيا في البنية المعرفية والمنهجية لعلم السياسة. ويستنتج العناني أن قدرة علم السياسة على التحرر من طبيعته الأيديولوجية الغربية التي تعرقل الانفتاح على مدارس ومساهمات معرفية غير أميركية وغير غربية يمكنها المساهمة في تطوير طرائق مغايرة للبحث والتفكير في هذا الحقل المعرفي. ويرى أنه إذا كان من الصعب نزع الطبيعة المتحيزة لعلم السياسة، شأنه في ذلك شأن باقي الحقول المعرفية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، فإن تطوير منهجيات بحثية تتجاوز الاختلافات الاجتماعية والثقافية بين الشمال والجنوب، وتُلائم حاجات هذا الأخير، ربما يقلل من جرعة هذا التحيز وتأثيراتها السلبية، وهو ما يلقي بالمسؤولية على باحثي العلوم السياسية، خصوصاً خارج العالم الغربي، لاجتراح مفاهيم وأدوات منهجية وبحثية جديدة تلائم مجتمعاتهم وثقافتهم، ولا تكون بعيدة عن أجندتها وهمومها الوطنية.
أما سيد أحمد قوجيلي، فبحث في دراسته بعنوان "ما قلّ ودلّ: مبدأ الشحّ والنزعة الميثودية في البحوث السياسية" تعريف القاعدة المنهجية المسمّاة "مبدأ الشحّ" التي تعني استخدام أدنى عدد ممكن من المتغيّرات من أجل تفسير أقصى عدد ممكن من الظواهر، وفحص أسباب غيابها عن البحوث السياسية. وجادل بأنّ سبب انعدام الشحّ في البحوث السياسية، وميل الباحثين إلى الإكثار من المتغيّرات، يعود إلى النزعة "الميثودية" الطاغية على حقل منهجية البحث التي تبرز في شكل من أشكال الثقة المفرطة بالمناهج والمبالغة في استخدامها. واستنتج قوجيلي أن لهذه الممارسة نتيجتين، كان لهما دور كبير في حجب مبدأ الشحّ في مسار البحث: أولاً، أصبحت البحوث فاقدة النظرية (جزئياً أو كلّياً)، وهو ما تسبّب في تولّي المناهج قيادة المسار البحثي بدلاً من النظريات؛ وثانياً، توجّهت تلك البحوث نحو اختبار النظرية بدلاً من بنائها، وهو ما نجم عنه انحسار لافت لدور النظرية بعامة في الحقول الدراسية. أخيراً، شدّدت الدراسة على أهمّية مبدأ الشحّ باعتباره أحد الحلول الناجعة لتخليص البحوث الاجتماعية من الميثودية، والسبيل الوحيد للقيام بذلك هو العودة إلى سياق الاكتشاف وجعل التنظير هو الهدف الرئيس للتحقيق العلمي بدلاً من الممارسة المنهجية في حدّ ذاتها.
وناقش محمد حمشي، في دراسته بعنوان "السببية مشكلة في حقل العلاقات الدولية: ما الذي يمكن تعلّمه من علم التعقّد؟"، إشكالية السببية في حقل العلاقات الدولية من حيث كونها إشكاليةً إبستيمولوجية، مفترضاً أن النقاش بشأن إشكالية السببية لا يمثل محوراً واعداً من محاور النقاش الراهن فحسب، بل يمثل أيضاً فرصة ملائمة لاستكشاف معالم الطريق نحو "رواية ثالثة" ممكنة بدلاً من الروايتين المتعارضتين اللّتين أسّس لهما النقاش الثالث وأخفق النقاش الرابع في بناء جسر بينهما. إضافة إلى ذلك، سعى حمشي في دراسته إلى إقحام نظرية التعقّد في النقاش بشأن إشكالية السببية، وشدّ الانتباه إلى الدروس الأساسية التي يمكن تعلُّمُها منها من أجل إعادة التفكير في التصور التقليدي للسببية الذي هيمن على غالبية النظريات السائدة. وركز أيضاً، على الكيفية التي تعيد بها نظرية التعقّد النظر في مفهوم الحتمية الذي لم تكن الفيزياء الكلاسيكية تقدّمه باعتباره مبدأً أنطولوجياً فحسب، لكن باعتباره مبدأً إبستيمولوجياً، أيضاً.
وركزت مروة حامد البدري في دراستها بعنوان: "نظرية الاختيار العقلاني وبدائلها في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية" على نظرية الاختيار العقلاني وتطبيقاتها في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، وما إذا كانت عملية الاختيار تخضع لمبدأ تعظيم المنفعة وفقاً لهذه النظرية، أم تخضع لمبادئ أخرى وعمليات نفسية وتحيّزات إدراكية. وتقوم الدراسة في بحثها نظرية المنفعة المتوقعة على افتراضات أساسية بأن الفاعلين يحاولون تعظيم المنفعة المتوقعة. ويوجد الكثير من الفرضيات الأساسية في إطار دراسة كيفية تطبيق نظرية المنفعة المتوقعة في إطار الاختيار الفردي، سواء للفرد العادي أم لصانع القرار. لذلك، انطلقت البدري من فرضية أساسية مفادها أن الاختيار العقلاني قد لا يؤدي بالضرورة إلى الرشادة وتعظيم المنفعة؛ ذلك أن الاختيار العقلاني قد يخضع لحسابات المكسب والخسارة. واستنتجت أن عملية الاختيار في واقع الأمر تخضع لعملية غير معيارية؛ ما يعني أنه لا يمكن الفصل بين المدرسة التي تركز على الجوانب النفسية لصانع القرارات وتلك التي تركز على حساباته العقلية، بل يمكن الدمج بين الاثنتين معاً في إطار نظريات بديلة ومكملة لنظرية الاختيار العقلاني، مثل نظرية التصور.
ورأى حسن الحاج علي أحمد في دراسته بعنوان: "القدرة على الاستدلال: إسهامات التحليل التتبعي في بحوث دراسات الحالة" أن منهج دراسة الحالة يلقى في الآونة الأخيرة اهتماماً وإقبالاً متزايدين من الباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وبالرغم من ذلك فإنه يواجه تحديات في مدى قدرتها على التعميم والاستدلال. ويرى الحاج علي أحمد أن مواجهة هذا التحدي كانت عبر قيام الباحثين بتطوير طرق تحليل "داخل الحالة"، تمكّن من الاستدلال، وتردّ على منتقدي دراسة الحالة، ومن بينها "التحليل التتبعي". ويستنتج الباحث أن دراسة الحالة تمكّن الباحثين من القدرة على تقديم استدلال يصلح استخدامه في حالات أخرى لم تكن محل الدراسة، لكن بطريقة مختلفة. ويمكن التحليل التتبعي أن يسد الفجوة التي تنجم عن البحوث الإحصائية في الدراسات المقارنة المتحكم فيها. ويمكن استخدامه، أيضاً، في مجالات اختبار النظرية وبنائها وتعديلها.
وتضمن العدد، أيضاً، دراسة مترجمة لفيليب شميتر بعنوان "العلوم السياسية: البحث بطرائق متنافسة في موضوع متشعّب" عرّبها علي حاكم صالح، وتطرح مجموعة من الركائز الأساسية التي يستند إليها علم السياسة، والتي لا تزال موضعَ بحثٍ ونقاش أكاديمي. وهذه الركائز هي: الفاعلون، والوحدات، والبواعث، والآليات، والأنظمة السياسية، والمناهج، والنظريات. وتجادل بأن علم السياسة علم متغير في طبيعته؛ وذلك لارتهانه بالسلطة من جانب، وتأثره بالعلوم الإنسانية والاجتماعية من جانب ثانٍ. فعلم السياسة علم مفتوح على باقي العلوم الاجتماعية والإنسانية، وليس كغيره من العلوم، في الحقل نفسه، الموصوفة بأنها "مغلقة" كالقانون، والفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الاقتصاد. وترى الدراسة أنّ انفتاح العلوم السياسية على غيرها من العلوم من جهة، وارتباطها بالسلطة من سياسيين وأعضاء برلمانات ومواطنين من جهة أخرى، ساعدَا في إفادة علم السياسة وتطويره في حد ذاته.
وفي باب المؤشر العربي، أعدّ نبيل حسين تقريراً عنوانه "القضية الفلسطينية في الرأي العام العربي". وتوصل إلى أن هناك علاقة إيجابية ذات دلالة إحصائية بين الاتجاه نحو تعريف السكان العرب أنفسهم بوصفهم ينتمون إلى "أمة" ومركزية القضية الفلسطينية عربياً.
واحتوى العدد أيضاً على توثيق "محطات التحول الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية"، لشهري أيلول/ سبتمبر - تشرين الأول/ أكتوبر 2019. ورصد أبرز الوثائق السياسية ذات الصلة بالتحول الديمقراطي في الوطن العربي، والخاصة بالحراك الاحتجاجي في الجزائر، خلال شهرَي شباط/ فبراير وآذار/ مارس 2019.
وتضمن باب مراجعات وعروض كتب مراجعة كمال بوناب كتاب "النضال من أجل الاعتراف في العلاقات الدولية: القوى الراهنة والتعديلية والصاعدة"، لميشيل موراي.