Print
عبد القادر ياسين

"صفقة ترامب- نتنياهو".. مطلوب إستراتيجية تحرر لا اقتراحات حلول

22 يونيو 2020
قراءات
خيرًا فعل د. عزمي بشارة، بإصداره هذا الكتاب السياسي، الذي يُحتِّم التعامل مع الكتاب بالمنطق السياسي، أيضًا (د. عزمي بشارة، "صفقة ترامب – نتنياهو/ الطريق إلى النصّ ومنه إلى الإجابة على سؤال ما العمل"، الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نيسان/ أبريل 2020). وهو كتاب سياسي، لأنه لم يكتف بتشريح خلفيات، وملابسات "صفقة القرن"، بل أسس عليها برنامج عمل. لذا، يتحتم إعمال المنطق السياسي في التعامل مع هذا الكتاب.

لكن هل كان من المغامرة أن يُخضع مفكِّر، في وزن عزمي بشارة، "صفقة القرن" للدراسة، حتى قبل أن تكتمل "الصفقة" فصولًا؟!

استعرض المؤلف تفاصيل "الصفقة"، كما أعلنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وخلفياتها، مبينًا خطورة هذه الصفقة. قسَّم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أقسام، بدءًا من التحليل النقدي للنص، لينتقل إلى معالجة سريعة للمسار، الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى هذا الوضع، مختتمًا بالسؤال ما العمل؟ وإن ألحق بشارة دراسته هذه بقسم رابع، حول الرأي العام العربي، ومحاولات تزييف وعيه. ولا أعتقد بأن ثمَّة خلافًا يمكن أن ينشأ، حول الخلفيات، أو الملابسات. وإن كان الأمر يختلف في البرنامج الذي يقترحه بشارة، محاولًا الإجابة على سؤال "ما العمل؟".
لقد استُبدلت بالقيادة المتنفِّذة لحركة تحرر وطني، سلطة دون دولة، ما أطلق الصراعات على "السلطة"، وتحصَّن المهرولون للتطبيع، من حكام العرب، وراء: "لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين"، "ولو لم يكن الرهان، بكامله، على البيت الأبيض، لما هزت هذه الوثيقة [الصفقة] السلطة الفلسطينية... [و] ولم تعد القيادة الفلسطينية تكترث لحركات التضامن... والتيار الإسلامي المقاوم لا يُعوِّل إلا على بعض الدول المسلمة؛ ما حوَّل قضية فلسطين، من قضية تحرر وطني... إلى قضية دينية. كما يرغب الكثير من الإسرائيليين... بهذه السياسات، المنطلقة، أساسًا، من حسابات (سلطتين) خسرت القضية الفلسطينية"، بكلمات المؤلِّف (ص 102 – 103).
حذَّر المؤلف من الأوهام، التي تقوم على سوء تقدير لمعنى صهيونية إسرائيل... عدا عن أن هذا الرهان يُشجِّع العرب على "الأسرلة". أضاف بشارة أنه "ربما كان الأمر الوحيد الإيجابي، جدليًا، في رؤية ترامب، هو الإجهاز على أوهام عملية أوسلو". ويصل بشارة إلى بيت القصيد، ومؤداه "أن من يمتلك القوة يفرض على الطرف الضعيف الممتنع عن المقاومة، ما شاء" (ص 104 – 105). ويستهجن المؤلِّف، مكابرتنا بعدم اعترافنا بـ "بانتوستاتاتنا" (ص 105).



لقد استمرأ محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، التلويح بإلغاء كل الاتفاقات مع الأميركان، والإسرائيليين، وقطع ما يُسمى "التنسيق الأمني"، دون أن يُقدِم عباس على الفعل. وحسنًا فعل المؤلِّف، حين رأى بأن سلطة الحكم الذاتي "ضرورية، ولا مجال للتخلي عنها"، وإن استدرك "لكنها ليست قيادة سياسية للشعب الفلسطيني" (ص 107)، ما دعا بشارة إلى الإلحاح على إحياء منظمة التحرير، وعقد مؤتمر وطني جديد؛ مُغفلًا كون إسرائيل هي من تُحدِّد ملامح الرأس الفلسطيني، منذ دلف عرفات إلى قطاع غزة (4/7/1994)، بعد أن كان هذا التحديد ضمن مهام النظام السياسي العربي، منذ تأسيس "جامعة الدول العربية"، فبل نحو ثلاثة أرباع القرن.
يُشدِّد بشارة على أن الخطر الإسرائيلي ماثل على العرب، بوصفهم أمة، وعلى سيادة دولهم، التي يفترض أن تخضع لشروط إسرائيلية، في سياستها الخارجية، وتلك التي يجب أن تُفصَّل على مقاس إسرائيل، حين يعاد تقسيم المنطقة... (ص 108).
دأب حكام عرب على الزعم بأن عدم وقوفهم إلى جانب الشعب الفلسطيني، كونه منقسمًا على نفسه، بينما أصحاب هذه الذريعة تدخَّلوا، بحزم، في اليمن، وشعبها أشدّ فرقة من الشعب الفلسطيني! وشيئًا فشيئًا، هرول هؤلاء الحكَّام للتطبيع مع إسرائيل، ربما لأن مستوطنيها متحدون!
أما فلسطينيًا، فإن المؤلف يطالب باستراتيجية تحرُّر بأهدافه، و"ليس اقتراحات حلول" (ص 109)؛ إذ ليس للمهزوم أن يقترح حلولًا، من "الدولة الديمقراطية"، و"دولة واحدة لشعبين"، إلى "دولتين لشعبين"... إلخ. فالأمر رهنٌ بميزان القوى، المختل تمامًا لصالح إسرائيل، منذ عقود.
ربما أخذت أزمة العمل الوطني الفلسطيني في الاستفحال، منذ لهثت القيادة المتنفِّذة وراء تسوية مستحيلة، مع عدو لم يطرحها، أصلًا، لأنه لا يمتلك إلا مشروع تصفية القضية الفلسطينية، وحسب؛ فمارست تلك القيادة التكتيك على حساب تلك الاستراتيجية، وأسقطت، منذ صيف 1974، الهدف الاستراتيجي: "تحرير فلسطين".

على أنني أعتقد بأن المعركة هي أوسع بكثير من مجرد معركة "ضد نظام الأبارتهايد العنصري"، وإن كنت أوافق المؤلف على أهمية التمسك بخصوصية "كل تجمُّع فلسطيني، وطبيعة جبهة المواجهة، التي يخوضها" (ص 110، 111).
أما حين يقرِّر السيد محمود عباس بأن الكفاح المسلَّح كان خطأً، فلا يُرد عليه بأن المفاوضات، أيضًا، كانت خاطئة (ص 112)؛ فالكفاح المسلَّح أنهى صورة الفلسطيني كلاجئ، جائع، ينتظر مساعدات "وكالة غوث اللاجئين"، وأظهرته المقاومة مقاتلًا في سبيل حقوقه الوطنية المشروعة، بينما لم يكن التحرير الهدف من هذه المقاومة. إلى ذلك، لم نخسر أرضًا ونحن نقاتل، بينما أفقدتنا المفاوضات الكثير من الأراضي، والحقوق، وشتان ما بين الشكلين!
لقد عاش عباس حالة "من الإصرار على الفشل" (ص 114)، بينما المطلوب بناء المؤسسات، الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والتعليمية، والصحية (ص 115).
صحيح أن "مكمن القوة الرئيس في وجود الشعب الفلسطيني على أرضه، وعدم تسليمه بواقع الاحتلال" (ص 120)، لكن هذه الإيجابية آخذة في التآكل، تحت وطأة المجتمع المتسوِّل، والمفاوض المتوسِّل.
خيرًا فعل المؤلِّف، بملحق الرأي العام العربي، الذي أوضح مدى معارضة جماهير أمتنا العربية للتفاوض مع إسرائيل، أو الاعتراف بها.

وبعد، فأغلب الظن أن ترمب أسمى مشروعه "صفقة"، ليشي بأن ثمَّ حكامًا عربًا مثَّلوا الطرف الآخر في الصفقة. أما شُبهة المغامرة، فهي بعيدة عن المؤلِّف هنا، ذلك أن "الصفقة" اكتملت فصولها، ولم يبق إلا التنفيذ.