Print
أحلام بشارات

"تمر ومسالا" وأدب اليافعين.. نهاية سعيدة

23 يونيو 2020
عروض

في حواري مع كاتب "تمر ومسالا"، محمد النابلسي، قلت له:
ــ لقد أعجبتني الرواية، بناؤها الفني قوي، ويبدو أنك اطلعت جيدًا، قبل أن تكتب روايتك الأولى لليافعين، على كثير مما كتب في أدب اليافعين.
وسألته:
ــ لكن، ما كل هذا العالم الطهري الخالي من الأخطاء؟
ثم تحدثنا أنا ومحمد طويلًا، وربما صدقته عندما قال إن هذا ما أراده فعلًا. أراد عالمًا جميلًا فيه أقل قدر من الأخطاء، بنهاية سعيدة لقصة "مايد"، شخصية الرواية الرئيسة، مع غلاف داخلي للرواية، بوصفات فهميدا التي كتبتها واحتفظت بها في دفتر صغير مزركش، عندما عرفت أنها ستسافر بعيدًا عن الهند، فأرادت أن تحمل معها كيرالا.
ــ لكنه لم يكن بأقل قدر من الأخطاء فقط؟
قلت له.
ــ كانت بأقل قدر، وكانت أخطاء تم الاعتذار عنها سريعًا حتى قبل أن تبرد، وأحيانًا بدا أنك كنت تحدج شخصياتك بواحدة من عينيك كي تعتذر عن خطأ بسيط ارتكبته قبل أن تتمادى! أليس هذا ما كنت تفعله مع مايد كلما حاول أن يتصرف على سجيته؟ تذكر اعتذاره لشرف في فندق السيد رشاد، إلا إذا كنت تقصد الفيضان في كوتشين؟ لا، لولا الفيضان ما كنت لتحصل على قصتك؟ لقد احتجت فيضانًا يغرق كيرالا، ويغلق مطار كوتشين الدولي حتى تؤخر سفر مايد، وحتى تجد له فرصة كي يمارس معنى اسمه: مايد، اسم إماراتي قديم يعني كثير النشاط والحركة.
ثم لتهيئ له الفرصة كي يلتقي بـ"فهميدا"، التي كانت خارج كيرالا، في زيارة لابنها في لندن، فيجد الفرصة للحديث معها عن الدفتر الذي وجده في أحد جوارير المطبخ، في البيت الذي

انتقلت إليه عائلته، حديثًا، في مدينة الشارقة، حيث كانت تعيش " فهميدا" قبل أن يفعلوا؟
سألني النابلسي إن كنت شاهدت الفيلم الهندي: kapoor and sons؟
وقد شاهدته فعلًا صباح هذا اليوم، حتى أقترب تمامًا مما قاله:
ــ هذا ما أردته فعلًا، نهاية سعيدة.
العبارة التي وردت في الفيلم، والتي أضاءت في قلب النابلسي.
يجري، في الفيلم، حوار بين الأخوين كابور، اللذين يعيشان في عائلة موزعة بين لندن ونيوجيرسي، ومدينة جبلية قريبة من مومباي ما زال كاتب "تمر ومسالا" يتوق لزيارتها لقضاء ثلاثة أسابيع في واحدة من العطل، هو الذي وجد نفسه في أحد العطل، قبل عشر سنوات، في شقته، مع مجموعة من الأفلام الهندية، لتبدأ من هناك حكايته مع الهند.
كلا الأخوين كابور يسعى لأن يصبح كاتبًا، حتى أن الأم، وكأنها تتوق للّعب بالمصائر كأي كاتب، تتدخل هي الأخرى لتعدل المصائر في حياة ابنيها، فتعطي الولد الذي تظنه مثاليًا، القصة التي يكتبها أخوه، الولد الذي وصفته العائلة على أنه فاشل على الدوام، فكفت عن أن تتوقع منه أي تقدّم في الحياة، سوى في مزيد من الفشل! يقول أرجون، في لحظة وفاق تكاد تكون الأوضح في الفيلم بين الأخوين، مخاطبًا شقيقه راهول، ومعللًا عدم قبول نصوصه لدى الناشرين:
ــ الجميع يريد نهايات سعيدة.
ــ وقصتك؟ يرد راهول متسائلًا.
ــ واقعية. ويكمل:
ــ وفي الحياة الواقعية لا تضمن نهاية سعيدة.
فيرد راهول متسائلًا، وهذا ما سيلخص الفكرة التي أراد النابلسي إيصالها لي عندما اقترح هذا الفيلم:
ــ أليس ذلك ما نبحث عنه في القصص؟
وهذا ما ينجح في الفيلم، فالعائلة التي ظلت تسعى، عبر الجد اللعوب كابول، للحصول على

صورة سعيدة لأفرادها، تحصل عليها، لكن بعد أن ينكشف الجميع على حقيقته:
الأب الخائن يموت، فينوب عنه مجسم من مادة "الفوم"، محاط، حول عنقه، بقلادة من الورد. الأم التي عدلت في مصائر أبنائها، فأعطت فكرة قصة الأول للثاني. الأخ المثالي الذي لم يعد كذلك بعد الآن بمعايير العائلة، بعد أن اكتشف الجميع أنه مثلي الجنس، وأخيرًا أرجون الذي ظل فاشلًا معظم الوقت، وعندما وافق الناشر على قصته بعد محاولات عدة من التعديلات، حدث الأمر لأنه استمع إلى نصيحة أحدهم حول النهاية:
"لقد جعلها نهاية سعيدة"
وهكذا يبتسم، أخيرًا، الجميع أمام الكاميرا.
عام 2016، هبط محمد النابلسي في مطار كوتشين الدولي، وقبل أن يحجز تذكرةً في السفينة "رورو"، الاسم الذي أضحك مايد على الدوام، حتى يصل إلى الطرف الثاني من فورت كوتشين، كاد يفقد إحساسه بالمغامرة، لولا أن إحساسًا آخر بدأ يتدفق، فجأة، بعد أن أخذت الأمور تسوء، فتأخر المترجم، الذي عندما جاء لم يكن يتكلم الإنكليزية، ولا ما هو قريب منها!
وهناك، تشكلت المسودات الأولى للرواية، التي لم تعجب الثلاث الأولى منها الكاتب، حتى وصل إلى هذه النسخة التي صار اسمها: تمر ومسالا.
قلت لمحمد إنني ما زلت حائرة حول شكل المغامرة التي ستدفعني إلى الهند، التي أظن "تخييليًا"، منذ طفولتي، أنها موطني الأصلي، ما الذي سوف يحرك الملعقة في قِدري؟
وأخبرته: إلا أنه، كما يبدو لي، رغم جمال الفكرة، لن يكون دفترًا، كما في روايتك "تمر ومسالا"، بوصفات طبخات السلطعون على طريقة أهل كيرالا، وبرياني السمك على الطريقة الملبارية، وتشاكا بوزكا، والأفيال، ووصفة خبز الآبام، وطريقة تحضير لحم عجل الفيندالو،

وقبل كل ذلك، طريقة تحضير الكوزي كورما، التي انطلق مايد مع شرف ودليلتهم السياحية ذات الضحكة الصاخبة، إلى مطعم "المزارعين"، بحثًا عن مذاقها، وتحديدًا من تحت يدي فاروق نفسه، أحد أصدقاء فهميدا، ومن أحسنت الصنيع معهم، فأنقذت مطعمه، وسددت عنه ديونه، طبخة بالدجاج، والبصل، والطماطم، والفلفل الأخضر، والزنجبيل، والثوم، ومسحوق الكاجو! تمامًا كما طهاها فاروق لـ"فهميدا"، فسالت دموعه من تأثير البصل والذكرى وهو يصنعها.
ربما أذهب سعيًا وراء هذا العدد الهائل من آلهة الهندوس، أو للتعرف على التنوع اللغوي في الهند، وربما تحركني الرغبة في التعرف إلى الحيوانات من نمور الثلج، والفيلة الهندية، والدببة الكسولة، والأيائل المرقطة، والتسلق على أشجار جوز الهند، أو المانجو، أو المشي في أسواق الأقمشة، حيث تتضوع الألوان كما تتضوع الروائح.
أخبرته كيف أنني تأثرت برحلة خليل النعيمي في أدب الرحلة، وكتابه: "كتاب الهند"، وربما أريد رحلة بأقل مشقة، ظاهريًا، لاكتشاف غائر، كما فعل النعيمي، الذي وهو يسير في الهند، رأيت بطل كتاب آخر من كتبه، يسير معه، وهو كتاب: "قصاص الأثر"، وربما أستمع لنصيحة آرشنا، ناشرتي البريطانية من أصول هندية، فينتظرني فرد من أفراد العائلة في مطار كوتشين الدولي، وربما نذهب سوية مع صديق أحب أن يرافقني في رحلتي إلى كيرالا، فأنفصل قليلًا لأعيش تجربة تيسا في بحثها عن شارلي، وربما أجرب رقصة مهنيياتام، إحدى الرقصات الكلاسيكية الشهيرة في ولاية كيرالا، كما في فيلم: Charlie.

 

*كاتبة فلسطينيّة ومدرّبة متخصّصة في مجال الكتابة الإبداعيّة.