Print
محمود شريح

"أنا والكتابة".. سيرة أدبية بنفس نوستالجي

11 يناير 2022
عروض

 



محمود شقير في كتابه "أنا والكتابة: من ألف باء اللغة إلى بحر الكلمات" (دار لوسيل، الدوحة، 2019) يدوّن سيرته الأدبية في نفَس نوستالجي وأسلوب طليّ لمحتوى حياته حتى الساعة، أي علاقته باللغة، قصّة ورواية، منذ ظهرت أُولى قصصه في مجلة "الأُفق الجديد" المقدسيّة في 1962 فكان لظهورها أثر مدهش عليه، بحيث اندفع إلى كتابة قصص واقعية مستوحاة من علاقته بمدينة القدس وبقرى الريف الفلسطيني، فتحدّث في تلك القصص عن العمّال والمقاولين في المدينة، وعن الفلاحين في الريف، وجعل للمرأة حيّزًا ملموسًا، وكذلك للأطفال.

ثم يروي لنا شقير كيف اتّجه إلى قراءة الأدب الواقعيّ عند نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس وغيرهم، ثم انغمس في قراءة القصة القصيرة عند همنجواي وشتاينبك وبو وغيرهم، وتأثّر بفلسفة سارتر الوجودية وبكتاباته الأدبية، وكان لكتاب كولن ولسون "اللامنتمي" بريقٌ خاص عنده.

ومنذ صباه تقلّد محمود شقير مناصب ثقافية عديدة إلى أن كان مشرفًا عامًا ثم رئيس تحرير لمجلّة "دفاتر ثقافية" التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة الفلسطينية، ويرى في هذه التجربة أنها كانت لافتة للانتباه في الصحافة، من خلال الجهود التي بذلها إلى جانب زكريا محمد وليانة بدر ومنذر عامر ومريم الشروف وحسني رضوان. لكن لا يغيب عن باله سرد ما وازى سيرته من تقلّبات في وطنه، إذ جاءت هزيمة حزيران/ يونيو 1967 لتكسر أوهامه فرآها امتدادًا مرًّا لنكبة أيار/ مايو 1948.

وجد محمود شقير في المجلّات والكتب القادمة من بيروت والقاهرة ما عزّز عدّته الفكرية فجاءت مجلّة "الآداب" البيروتية و"الطليعة" القاهرية تشكّلان له مناخًا ثقافيًا راقيًا، مُقرًّا في آن أن الكتابة متّعتْه بقدر ما عذّبتْه، ومذكّرًا بأنه ينتمي إلى عشيرة الشقيرات التي ما زالت تتداخل في حياتها اليومية أنماط العيش البدوية والفلاحية والمدنية، فكانت معايشته للقرية الفلسطينية فترات طويلة أملتْ عليه الاهتمام ببيئة القرية وبالريف الفلسطيني عمومًا.

في المنفى عاش الأستاذ شقير من 1975 إلى 1993، وكان لحصار بيروت عام 1982 أثر بالغ على مشاعره ومزاجه. من القدس إلى عمّان إلى براغ وبيروت بقي مسكونًا بالهمّ الفلسطيني، لكنه صقل تجربته في شكل أدبي أدخله الريادة في القصة والرواية. ولا يهمل تفاصيل حياته اليومية حيثما حلّ، فيما بقيت القدس منارته.

سيرة محمود شقير الأدبية تشكّل نموذجًا رفيعًا في مزج رحلته الفكرية بتاريخ نضال شعبه، فلا فكاك بينهما.