Print
محمد الحافظ الغابد

"الشنقيطي".. مقاربة التاريخ الموريتاني/الشنقيطي المُعاصرِ من خلال رواية تاريخيّة

13 يناير 2022
عروض




"الشنقيطي" رواية جديدة صدرت مؤخرًا من تأليف الدكتور السيد ولد أباه، وهو أستاذ جامعي في الفلسفة، له العديد من المؤلفات حول الفلسفة ورجالها وموضوعاتها المتعددة، وله انشغالٌ كبيرٌ بمبحثِ الدين والسياسة ومسألة الأخلاق، وانعكس هذا الاهتمام بشكل بارزٍ في ثنايا فُصول الروايةِ التي خصّصها لشخصية هامة في الثقافة الإسلامية، في فضاء الصحراء الشنقيطية وامتداداتها في الصحراء الكبرى، ومنطقة غرب أفريقيا؛ إنّه القاضي والأديب والشاعر الرحّالة سيدي عبد الله بن رازكة العلوي الشنقيطي.
استعرضَ الكاتبُ قصّة رَاوِيهِ، في ثمانية فُصول في 216 صفحة من الحجم المتوسط مبرزًا شخصيةَ القَاضِي، الشاعرِ الأديبِ، الرحّالة "بن رازكة"، الذي كانَ صاحبَ طموحٍ قَويٍّ للعبِ أدوار سياسيةٍ، لم تُسعفهُ ظروفُ بلادِهِ للقيام بها على أكمل وجهٍ، نظرًا لانعدَامِ وظيفةِ الوزارةِ التي يطمحُ إليها، لكونِ السُّلَطِ الحسَّانِيّةِ ظلَّتْ باستمرار رئاساتٍ قبليةٍ وعشائريةٍ بدويةٍ، لا تحتفلُ بمراسم الملك وقوانينِ الوزارةِ.
وعلى الراجحِ فقد تحطَّمَت مجاديفُ "بن رازكة" وحالت بَيْنَهُ ظُروفُ عدم الاستقرار في المغرب الأقصى، عندما عاد للمغرب فوجد صديقه "الأمير محمد العالم" قد تمرَّدَ على "المولى اسماعيل"، الذي كان "ابن رازكة" يطمح في أن يقلّده وظيفةً كُبرى من وظائفِ مملكتِه التي انبَهرَ بها وأُعجِبَ بها أيَّمَا إعْجَابٍ.

سيرة شخص ومكان

تدورُ أحداثُ الروايةِ حول شَخْصيةِ "ابن رازكة"، وهو شاعرٌ، وأديبٌ، وقاضٍ، ينحدرُ من أسرةِ فقهٍ، وقضاءٍ، ذو طموح، ونباهة، ووعي بالزمانِ، والمكانِ، يشعر بضرورةِ ربطِ مَصِيرِ مدينتِه، وبلادِه بأقرب الأقطار قوة، وأهمها تنظيمًا، وهو مَيَّالٌ للعب دورِ الوزارَةِ، والكتَابَةِ، لذلك رَبطَ علاقةً قويةً بـ"المولى إسماعيل"، عند مروره بالبلاد والإمارات الحسانية الشنقيطية، ثم اتجه إلى إمارة اترارزة، مستعرضًا قُدراتِه وعلاقَاتِه، محاولًا توظيفها لصالحِ هذه الإمارة، غير أنه اصطدم بضعف وعْـيِ أميرِها آنذاك بالزمان، والمكان، والإمكان؛ "أعمر آكجيل" الذي ينخرطُ في صراعاتٍ عديمةِ الجَدْوَى مع جيرانِه كما يخاطرُ بشجاعتِهِ واندفاعِ جَيْشِهِ دون أن يتدبر العواقبَ الوخيمةَ لمغَامرَتِه، وكان يشتكي من خصومه قائلًا: (أردت أن أقنع القبائل المغفرية بتوحيد الصف، وجمع الكلمة، لكنهم آثروا وَهْمَ الإستقلال، والحالُ أنَّهم فُرادى كالبعير الأجرب، كما أنه أراد أنْ يُقنع الزوايا، بتصفيَّة القلب من ضغائن الحرب، فاختار أغلبهم المهادنة، دون ثقة وإخلاصٍ، واختار بعض آخر خيار العزلة والإنكفاء... ص 81).
وما إن يدرك "ولد رازكه" محدوديةَ طُمُوحِهِ مع "عمر أكجيل" حتى يكتشف شقيقه الأمير الشَّابِ "اعْلِ شَنْظُورَةَ"، الذي سيكتشف أنه يشاركه نفس الطموحاتِ، والتَّصوراتِ، كافتقار الإمارات الحسانيةِ للتنظيم، ومراسم الملك، وقوة القدرات القتالية، وتأهيل الأمراء والقادةِ ويَتَجلى الخلافُ بينَ "عمر آكجيل" وشقيقِهِ "اعْلِ شَنْظُورَةَ"، في أنَّ هذا الأخيرَ أكثرَ تَؤُدَّةً وصَبْرًا وقُدرةً على التدبير بدهاءٍ: (انقضت رحلُة الجنوبِ فطلبَ منا الأمير "اعْلِ شَنْظُورَةَ" المكوث أيامًا في انتظار الأمير "أعمر آكجيل" ...إلا أنَّ رسولَ الأمير وصَلَ سَرِيعًا إلى المحصر: "المقر المركزي للإمارة" يطلب من "اعْلِ شَنْظُورَةَ" القدوم فورا، في كتيبةٍ مسلَّحَةٍ إلى أَكَادِيرْ دُوم التي اعتزم "عمر آكجيل" الاستيلاء عليها وإجلاء الهولانديين والبروسيين منها من أجل وضع شروط جديدة للأوروبيين، الذين يَرْغَبُون في الإقامةِ بها، لم يكن الموضوعُ سهلًا، ولم يكن "اعْلِ شَنْظُورَةَ"موافقًا على هذه الخطوةِ التي بدت له مغامرة غير محسوبة النتائج، في مرحلةٍ تُواجِهُ فيها الإمارةُ مَخَاطِرَ عديدةً في داخلها، حيثُ المجموعاتُ المُتَمَرِّدَةُ، الخارجةُ على الطاعة، وعلى أطرافها حيث قبائل العرب المنافسة، فضلًا عن خطر الشركة الفرنسية، التي هي الوكيلُ لتلك الدولةِ التي لا تُخْفِــي أطماعها في السيطرة على منافذ الصحراءِ البَحْرِيَّةِ والنَّهْرِيَّةِ، ص 93).
نَجَحَ الكاتبُ إلى حَدٍّ كبيرٍ في إِبْرازِ بطلِ روايته، وربما ساعدَهُ على ذلك، اصطياد التفاصيل الدقيقةِ لسيرتِه الشخصية، سواء من خلال استقصاءِ الرواياتِ الشفهيّة التاريخيةِ، أو من خلالِ العثورِ على ملاحظاتِ رحلاتِهِ مسجلةً، مما سَاعدَ بشكلٍ كبيرٍ على إبرازِ معالِمِ سِيرَتِهِ، مَكَانيًا، وزَمَانِيًا، بشكلٍ ساطعٍ، قَلَّمَا يتوفر في هذا النمط من السردِ الرّوَائي.




تأويل التاريخ روائيًا

مهمةٌ عَسيرةٌ نهض لها الأستاذُ المحاضر في الدِّراساتِ الفلسفيةِ؛ مقاربة التاريخ الموريتاني/ الشنقيطي المعاصرِ من خلال الروايةِ التاريخيّة، إنّه إسهامٌ خطيرٌ في تسجيلِ التاريخ، ومحاولة تركيب المرآةِ المُهشمّة لتشكيل رؤيةٍ تاريخيةٍ للزمان والمكانِ، والأشخاص، وهو عملٌ يحتاجُ كثيرًا من التَّقَصِّي، والبحث، والتنقيب المُتواصل، والتفكير العميق، والرَّبط المنطقيِّ، بين أحداثٍ ستلعبُ المخيلة الآفَاقيّةُ الوسيعة دورها في تكميل كثيرٍ من النواقص، وترميمِ حِكاياتها الأُسطوريةِ، لبناءِ صورةٍ حيَّةٍ، عبر سرديةٍ متتاليةٍ لعرضِ الخُطوطِ العريضةِ، لمسارِ ذاتِ السَّاردِ القاصِّ، حيثُ تَنْدَمِجُ ذواتٌ متعدّدةٌ، بَطلُها القَاصُّ صاحبُ الروايةِ، الذي يُسجل المؤلفُ على لِسانِهِ رَأْيَهُ، وموقفهُ، من القضايا المختلفةِ، وتبدُو أحيانًا بعض القضايا الفكريةِ متبلورةً على لسانِ السارد أكثر من الممكن المتخيل في الواقع التاريخي، مما يُؤَثّرُ على حِرَفِيّة المؤلفِ الروائي، ويُؤسطِرُ ألمعيةَ صَاحبِ القصّةِ، خُصوصًا عندما أقحم في بعض الأحيانِ في السّرْدِ التاريخيّ إشكالياتِ السُّلْطَةِ، والمجتمع، مُوحِيًا بِوَعيِ القاص بها رغم أنَّ كثيرًا من مفاهيمها لم تتبلور قطعًا بالشكل الذي يعرضها الكاتب بها، مقدمًا خلاصاتٍ فكريةٍ هي أشبه بالرأي الذي يُسجّلهُ الكاتب بشكل يومي في الكثير من الأحيانِ في قضايا عصره، ولن يعدم الكاتب نموذجًا لذلك، كموقف بطل الرواية من حرب "شَرْبُبَّهْ"، وموقفه من الدور السياسي للزوايا الصوفيةِ في المنطقة، إذ يؤكد أنّ تدخُلها المباشر في السياسة مفسدٌ لدورها الذاتي ولا يقودُ للإصلاحِ السياسي. (أنظر الصفحات :131/133/156).
خلالَ الفُصول الثمانيةِ، التي تخللتها رحلاتٌ عديدةٌ، لبطل الرواية أحيانًا للمغرب الأقصى، وأحيانًا للمشرق، مرورًا بتونس، والجزائر، تحسُّ وأنت تقرأ الروايةَ، بالوعي الجارِفِ للرَّاوي بشكلٍ مُلفِتٍ، بل وأحيانًا تقفزُ بك مفاهيمُه للعصر ِالراهن، في دمج لذِهنِيَّتَيْ القَاصِّ والكاتب، أحيانًا سيحدُث للقارئ إن كان لديه حس تاريخي، ارتباكة ورجَّة، أما إذا كان القارئ شخصًا عاديًا، فربما لن يلاحظ التناصَّ بين السارد والكاتب، وستلاحظ حتمًا أنَّ الموقف الفكري للمؤلف، أحيانًا يُقحم في ذهنِ السَّارِد كثيرًا من المفردات التي تبلورت بعد عصره بقرونٍ، نتيجة أحداث كبرى وقعت بعد عصره.

تطرق السلطانُ في ذلك اللقاء، إلى حالِ غربِ الصحراء فقالَ لي: "لقد طلبتُ من أم عبد الله، أن تكون معنا الليلةَ لسماعِ رأيها في ما شغلني من أمر بلادِ شنقيط وما بلغني من سوء وضعها.. وكنتُ قد زرتها قبل سنوات، قادما من السودان، والتقيت بكبار قادتها وعلمائها، وبدا لي أَوَانَها أنَّ خطرين يتهددانِها، أولهما: ما احتدم من صدامٍ بين أهل الشوكة وأهل العلم، وثانيهما ما أصبح للأوروبيين من أطماع في سواحلها، بعد أن تحولت مسالكُ التجارة من طرقِ القوافل إلى موانئ البحار.. ولقد بلغني أنَّ المملكة الفرنساوية، أصبح لها حضورٌ قويٌّ في قرية "اندر"، وراسلني بعض ملوك تلك المنطقة، مُطالبين بالوقوف معهم في وجه القائمين على الشركة الفرنساوية، الذين تحولوا إلى حكام فعليين، ينصبون الملوك، ويعزلونهم، ويستعبدون السكان، ويبيعونهم في أسواق النخاسة، ويرسلونهم مكبيلن بالحديد إلى الهند الجديدة"، ص 62.
وفي تقديري أنَّ هذا النصُّ حاول الحفرَ لوعي تاريخي مبكر لدى السلطنة العلوية بالمغرب الأقصى، بالإشكال الصحراوي الذي لم يبرز في الوعي السياسي للسلطنة إلا في العصر الحديث، وكجزء من الوعي الوطني المعاصر، ذلك أن تبعية الأقاليم الجنوبية المصاقبة للأطلس الأوسط، ظلت تحول دون هذا الطموح بعيد المنال، وغير الواقعيِّ، في السياسة والإدارة المباشرة للأقاليم، في تلك العصور، فحتى تبعية أقاليم تارودوانت، وواد نون، كانت شكلية وكثيرة التمرد على المركز، مما يجعل مُجرَّدَ التفكير في استتباع بلاد شنقيط، أمرًا بعيد المنالِ وغير ممكنٍ سياسيًا في ذلك العصر.
ومن دون شكٍ فإنَّ موقفًا فكريًا، ورسائل مباشرة للكاتب، بثت عبر السَّرد الروائي بشكل كان يفتقر للكثير من الحرفية، والتشفير، وإضفاء الصبغة الروائية الدرامية على الأحداث، فما أشارت له الرواية من افتقار الإمارات المغفرية مثلًا للإستقرار والتوحد، كانت تعاني منه نفس السلطنة، أو الإمارة الإسماعيلية العَلويّةِ، التي اعتبرها السَّارِدُ أو الكاتبُ، نموذجًا للاستقرار، والركن الذي يٌعتمد عليه ويُلجأ إليه، وخير مثالٍ على مشابهتها للوضع الحساني في البلاد؛ صراع أبناء "المولى إسماعيل" على ولايةِ عهد أمير المؤمنين، والصراع الذي سيقضي لاحقًا على "الأمير محمد العالم" ووثق الكاتب خلاصته (في الفصل الخامس ص 131).
وإليك نموذجًا آخر من إقحام الرأي المعاصر، الحاصرِ لدور الدين في الزاوية، وحدودها، بعيدًا عن الشأن السياسي: ".. كنتُ أخالف صاحِبَـيَّ، وأبين لهما أنَّ تجربتي في السفر، ومخالطة أهل الشوكة، والسلطة، أوصلتني إلى أن زوايا العلم لا يمكن أن تكون خيارًا بديلًا عن إمامة السيف، والقوة، وإن هي آثرت حمل السيف، وقررت مقارعة المتربصين، والمعتدين بالسيف، دخلت في منطق الإمارة والحكم، وهو ما حصل للزاوية الدلائية، وغير بعيد منا ما حصل لناصر الدين، وجمعه من الشمشويين والزوايا.." (الفصل السادس: ص 162).
والغريبُ أنَّ هذا الرأي مخالفٌ لما هو منقولٌ من حياةِ "بن رازكة"، الذي حكم هو نفسه، بقتل أشخاصٍ بسبب سبّهم لأبيهِ ويروى عنه قوله: "لم أفعل ذلك انتصارًا لأمي ولا لأبي وإنما فعلته انتصارًا للعلم الذي في صدري فإنهم استخفوا به". ويورد الشيخ محمد المامي عدة احتمالات لما فعله بن رازكة منها أنه ربما كان هذا من باب المصالح المرسلة وربما كان من باب أن ابن رازكة يعتبر نفسه واليًا من قبل سلطان المغرب إلى غير ذلك من الاحتمالات. (أنظر: محمد سعيد بن دهاه مقدمة "ديوان بن رازكة" ص22/23).




شخصيات الرواية

تطرقت الروايةُ لمجتمع بطل القصة، وحُدودِ نشاطِه، ورحلاتِه المتنوعة، ومن هنا رأينا أهميةَ الإشارة لأبرز الشخصيات المكونة لمجتمع الرواية حتى يفهم القارئ سياقَ الرواية التارخي:
1. سيدي عبد الله بن رازكة: هو بطل الرواية، شاعرٌ وأديبٌ اعتبره أحمد جمال ولد الحسن من أهم محطات نضج القصيدة الشعرية الفصيحة في موريتانيا، وانتقالها من طور النشأة، لطور الإبداع، وهو أديب ورحالة طموح، ولد حوالي 1060هـ وتوفي 1144هـ/.
قال عنه باب بن أحمد بيب في تاريخه:

والشيخ عبد الله سبط القاضي
سيف العلوم المشــرفي الماضي

بعام أربع وأربعينا
قد غادروه في الثرى دفينا

2. المولى إسماعيل: سلطانُ المغربِ، وقائدٌ، عسكريٌّ فَذٌّ، يُعرف في التراجم المغربية، بـ"إسماعيل بن الشريف"، حكم مع نهايات القرن السابع عشر (1672م –1727 م)، واستمر حكمُهُ حتى الثلث الأول من القرن الثامن عشر، جدّد ملكَ أسلافه بالمغرب الأقصى، ويعتبره العلامة المغربي عبد الهادي التازي، واحدًا من أبرز أربعة ملوكٍ حكموا المغرب عبر التاريخ، وكان داهية، وقاسيًا حتى على أبنائه. ونُسِجَ حولَ عددِ أبنائِهِ ما يُشبِهُ الأساطيرَ، فقيل إنَّه تسرى بأربع مائة جارية، وأنَّه أنجب ما يزيدُ على ألفٍ ومائةٍ من الأبناءِ. وقد كُتبت حول شخصياتِه عدَّة أعمالٍ، وكتب، وأنتجت حول شخصيتِهِ الأسطوريةِ أفلامٌ، فرنسيةٌ وغربيةٌ.

3. محمد العالم: وهو من كبار أبناء "المولى اسماعيل"، وكان متعلمًا بشكل جيد، عيَّنه السلطان نائبًا له على سوس، غير أنه أعلن الإستقلال بمنطقته، وسار نحو مراكش، واحتلها. عندما فشلت ثورته، انتهى به المطاف مقتولًا، فقُطعت يده، ورجله، وتُرك ينزف حتى مات.
4. أخناثه بنت بكار: وهي زوجةُ "المولى إسماعيل"، مغفرية، تزوجها "المولى إسماعيل"، قبل أن يكون أميرًا، وكانت نافذة، وقوية في البلاط السلطاني، وترجع أصول أسرتها، لإمارة البراكنة الحسانية في موريتانيا، وقد أنجز التلفزيون المغربي حول سيرتها مسلسلًا.
5. عمر آكجيل أميرٌ تروزيٌّ شقيقُ "اعل شنظورة"، وتولى الإمارة قبله لعدة سنواتٍ.
6. اعل شنظورة: هو "اعل شنظورة" بن هدي بن أحمد بن دامان، أمير حكم منطقة الجنوب الغربي لموريتانيا الحالية، في الفترة ما بين (1702مـ/1727مـ) وله رحلةٌ إلى المغرب صحبة بن رازكة بطل الرواية.
قال عنه أحمدو بن التاه بن حمين في نظمه لتاريخ أترارزة:
وهــو أول أمـــيــر نـــصــبا
لـدى الــقضاء قاضيًا مرتبا

إذ نصب المختار نجل أشفغا
مـوسى إمام الفصحا والبلغا

7. مسكه: مسكه بن باركل بن أحمد بزيد، فقيهٌ وأديبٌ، من بلاطِ إمارةِ اترارزة.
8. محمد سعيد اليدالي: فقيهٌ، وشاعرٌ، مبدعٌ، متمكنٌ، ولد (1096هـ/1685م) بعد "شربّب" بعشرِ سنواتٍ فعايش المشاركينَ فيها ونقل أخبارَها في كُتُبِه، وتُوفي :1166هـ/1753مـ.
9. مينحنا بن مودي مالك: 1151ه/1738م وهو فقيه، وأديب، وشيخ مدرسة علمية مؤثرة في الجنوب الغربي الموريتاني بأرض اترارزة.

ملاحظات

يُمكنُ الجزم بأن رواية "الشنقيطي" عمل أدبي متميز، لا يُقلِّلُ من أهميته ما أبرزناه عليه من ملاحظات تقنيّةٌ تسعى لإثراء قراءة هذا العمل المهمّ، ووضعِه في سياقه التاريخي، والأدبي، ومن أَبرَزِ ما يمكنُ أن نَستخلصُهُ من ملاحظاتٍ:
أ‌- أنَّ هذه الرواية من حيث اللغة والتماسك، تُعتبر في المستوى المقبول، كان يمكن أن تكون أكثرَ صورًا، وأشرقَ لغةً، ولكن غلب عليها الأسلوب الأدبيُّ، العلميُّ، وبرزت كما لو كانت سيرة ذاتيةً لكاتبها، وبرز فيها التحليل المنطقي، والفلسفي، تبعًا لخبرةِ كاتبها، وتجربتِه في التدريس، واللغة العلمية المتأدبة.
ب‌- أنَّها روايةٌ الْتَزَمَتْ بِقِيَّمِ الأدب المُلتزم بشكلٍ بارزٍ، فرغم وجود بذور في ترجمة "بن رازكة" تُغري بتناولُ الجوانبَ العاطفية الخاصَّة في سيرتِه، كحُبه الأول في وادان، وزواجه، وأجواء فترة المراهقة والشَّباب، فضلًا عن طموحِ الرّجُل الرحالة الأديب، لمباهج الحياة، إلا أنَّ الكاتِبَ غَلَّب سيرة الفقيه المُتَنَسّكِ، على سيرةِ الأديبِ والشاعِرِ، ذي الميولِ الإنسانية، والعاطفية الطبعية.
ت‌- أنَّ الكاتبَ قصَّر في استثمار تحليل "ابن خلدون" لما يَعتَوِرُ الدُّول المغربيةَ في الشمالِ الأفريقي، عند تعرُّضِه لقراءةِ "ابن رازكة" (للمُقدِّمة) في مخيمِ الأمير "عمر آكجيل". فلو أبرز الكاتب رأيه، لرُبّما كان ذلك سيـٌشكلُ فرصةً للكاتب لأخذ رأيٍ أكثرَ حصافةً، عن سبب اضطراب الإمارات، والسلط في بلادنا، وفي المغرب الأقصى بشكل عام.
ث‌- أنَّ ثَمَّةَ بعضُ الشخصياتِ في الروايةِ بحاجةٍ لكتابةِ رواياتٍ عنها، خصوصًا الأمير "اعل شنظورة"، والأميرة "اخناثة بنت بكار" الشريفة المغفرية، التي تعتبر شخصية هامة في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية، فقد كانت امرأةً، عاقلةً، عالمةً، تحتفظ الخزانةُ السلطانِيَّةُ، بهوامشَ من تعليقاتِها النِّفِيسةِ على الكتب الشرعيَّةِ والأدبيَّةِ، وغيرهم من أعلام البلاد، فالروايةُ تُوفِّرُ فرصةً لإعادة كتابة التاريخ، وربطِ الحاضِرِ بالمستقبلِ، والعملِ على إعادة تشكل الثقافةِ الوطنيةِ من جديدٍ.