الناقدُ والباحثُ السوري إبراهيم محمود في دراساته البحثية حول المصير المأساوي الذي آل إليه الإنسان حين تتغلَّب اللامعرفة على المعرفة ويختفي العلم، ولأنَّ ثوراتنا بدل أن تأتي بالحرية صارت مصدرًا للإرهاب والقمع وعلى الجسد، جسدنا، يحاول على الدوام التخفيف أو نزع تلك العدوانية التي نُشبِّح فيها على جسدنا. وقام بذلك في معظم دراساته على اختلاف عناوينها. وكذلك في بحثه "أركيولوجيا الوشم"، الصادر عن دار الحوار باللاذقية 2023، حيث يدافع عن الجسد لنعيشه وليس لنضطهده، فلا نعطِّل قوانينه التي تعمل على الحفاظ على التشريعات الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية التي تصون وتحمي كرامته.
ومنذ الصفحات الأولى يدفعك للتساؤل: هل نعيشُ جَسَدَنا، وإذا عشناه، فلماذا نُمارس عليه العدوانية، فنقوم بأفعال الوشم والتشطيب والختان في عودة إلى المجتمعات البدائية ونحن نعيش في القرن 21؟ وفي معرض إجاباته يكشف السِّتْرَ عن الخفي والدفين؛ عن الجسد- جسدنا وهو يتقنَّع بالتعاويذ والسحر والطواطم، ليبين عن أصوله؛ فيُحيلنا إلى البدايات حيث استخدمه اليونانيون للتواصل بين الجواسيس، والرومان لتمييز المجرمين والعبيد، واستخدمه شعب الأينو في غرب آسيا كمؤشِّر على الوضع الاجتماعي والدلالة الدينية، واليابانيون في مجال التصميم والفن، والبريطانيون الأوائل استخدموه في احتفالاتهم، وكانت العائلات المالكة في السويد والدنمارك تُوشِمُ أجسامها وما تزال كشعار يدل على النبالة.
وبعد انتشار الوشم والذي هو: تصميمٌ رمزي مُزخرف يتمُّ عن طريق حقن الحبر في الجلد، والذي كان في السابق يتمُّ بالحبر الهندي أو الفحم أو الأحبار القائمة على الشحم، والذي جاء اسمه من (التاهيتي تو) الذي يعني التحديد أو الرسم أو الضرب، تراه يحفر عميقًا ليُرينا كيف تطور الوعي الاجتماعي والسياسي بالوشم، ومن ثمَّ تحوَّل إلى علاقة بين مستَثمِر ومُستَثمَر. ذلك حين يُوشم الجسد برموزٍ معيَّنة؛ ليس احتفاءً به، بل رميه خارجًا، لا، بل والتشهيرَ فيه بالمفهوم السلطوي من منظور عقابي، ردعي، زجري أو تأديبي، وإذلالي، وبحسب نوعية العلامة. ومن ثمَّ استعادة الجسد وتحويل جلده إلى منصَّة ذاتية ومتحرِّكة، لِتَبُثَّ ما يعنيه إلى المحيطين به داخلًا. إذ يُحيلُ الوشمُ الجسدَ إلى كشَّاف معلومات على تماسٍ مباشر بالعالم الداخلي والكتيم "السري" للشخص.
ويتساءل الناقد محمود: أين يتموقع الوشم؟ إنَّه بالمفهوم البرزخي، يصل ما بين المجهول، حيث لا يعرف أي شخص عن هذا الكائن، طالما أنه يكون على مبعدة عن الآخرين، وليس فيه ما يصرح بذلك. سوى أنَّ الوشم يستغرق جسدًا عبر جلده في الوجه، أو في محيط الرقبة الدائري، أو الذراعين، وأبعد، حيث نكون إزاء نصٍ مرئي صامت، لكنَّه حاملُ هوية لها مرجعية التمايز. ما يعني أنَّ الوشم ذو اعتبار سينوغرافي، يُمثِّل الجسد في ما يحمله، ويشير الباحث إلى أن للوشم عند الأمازيغ ما يوسِّع وظيفة هوية تعبِّر عن الخصائص الثقافية والحضارية للإنسان الأمازيغي، وتلمح إلى وجوده القديم على أراضي (تامازغا) من خلال طقوسه وعاداته، وليس عقوبة كما عند بعض الشعوب، أو زينة جمالية كما في العصر الراهن، حيث يظهر الوشم وينتشر في مجالات حياتية مختلفة بصفته اللغة التي تفيض على الحواس، وعبر نافذة الإبصار سلطة التقويم، وحيث أنَّ الصورة التي باتت تُعرف سيدة الموقف في شتى مجالات الحياة؛ إعلانية، إعلامية، وحتى في بنية الثقافة، إذ يمكن للوشم أن يعبر عن حقيقة أمره، على أنَّه صورة من نوع آخر، الطبعة التي تكون لها بدعتها المميزة لدى كل شخص.
ويستعرض الباحث الأنواع الرئيسية للوشم، فيذكر: البولينيزية، والماوية بمدرستيه القديمة والجديدة، ووشم الزينة، والوشم الرسومي، وأنماط الوشم؛ كنمط القبيلة (البولينيزي، الماوري، هاويين) والنمط الياباني التقليدي، والوشم التوضيحي، ونمط الألوان المائية، والوشم التشريحي، والنمط البيوميكانيكي.
وشمٌ، وشمْ. أيَّ وشمٍ هو هذا الذي أُجيزَ له أن يتحوَّل إلى كتابة بصرية، ويتَّخذ من الجلد فسحة ظهور مؤبَّدة له؟ إنَّه الجسدُ نفسه، الذي يعرف بوجهه الخارجي الذي يغطيه كاملًا، حيث يبقى المثبت عليه، ما بقي حيًا. آراء عديدة في استبيان ميداني عن الوشم ودوره؛ إذ يصبح درعًا رمزيًا ضد تهديدات الحياة اليومية مثل رأي "ألكس، 26 سنة": الوشم مخصص فقط للأشخاص الأقوياء والمرئيين. أو طالبة، 20 سنة: إنَّه لأمرٌ غريبٌ ما يمكن أن ينتج عنه وشمٌ بسيط. لديَّ ثقةٌ أكبر في نفسي، كان أوَّل قرار كبير لي، هذا هو أكبر تغيير في حياتي. وكأنَّه عملية تدويل وتدوير لتحويل الوشم إلى رمزٍ للقوَّة والطاقة: إنَّها طريقة أتولى بها مسؤولية جسدي – سيلفان، 19 سنة، طالب. لقد تجرأت على إظهار نفسي- 23 سنة، فنان وشم. مع الوشم أشعر أنَّ جسدي يبدو أفضل، إنَّه أكثر أنوثة – ليز، 22 سنة، طالبة. إنَّها آراء لموشومين استقلوا بأجسادهم لكن بدون أن يعرفوا أنَّ للجسد ثقلًا وجوديًا، وَإِنْ أصبحت ممارسة الوشم على نطاق واسع ممارسة ديمقراطية، وشملت الخلفيات الاجتماعية والثقافية. فالجسد وَإِنْ كَتبنا عليه ما كتبنا، لكنَّه جسدٌ يُبنى - يذكِّرنا بالمَثَل (كلُّ شبرٍ بِنَدْرٍ)، وليس جسدًا للفرجة.
ومنذ الصفحات الأولى يدفعك للتساؤل: هل نعيشُ جَسَدَنا، وإذا عشناه، فلماذا نُمارس عليه العدوانية، فنقوم بأفعال الوشم والتشطيب والختان في عودة إلى المجتمعات البدائية ونحن نعيش في القرن 21؟ وفي معرض إجاباته يكشف السِّتْرَ عن الخفي والدفين؛ عن الجسد- جسدنا وهو يتقنَّع بالتعاويذ والسحر والطواطم، ليبين عن أصوله؛ فيُحيلنا إلى البدايات حيث استخدمه اليونانيون للتواصل بين الجواسيس، والرومان لتمييز المجرمين والعبيد، واستخدمه شعب الأينو في غرب آسيا كمؤشِّر على الوضع الاجتماعي والدلالة الدينية، واليابانيون في مجال التصميم والفن، والبريطانيون الأوائل استخدموه في احتفالاتهم، وكانت العائلات المالكة في السويد والدنمارك تُوشِمُ أجسامها وما تزال كشعار يدل على النبالة.
وبعد انتشار الوشم والذي هو: تصميمٌ رمزي مُزخرف يتمُّ عن طريق حقن الحبر في الجلد، والذي كان في السابق يتمُّ بالحبر الهندي أو الفحم أو الأحبار القائمة على الشحم، والذي جاء اسمه من (التاهيتي تو) الذي يعني التحديد أو الرسم أو الضرب، تراه يحفر عميقًا ليُرينا كيف تطور الوعي الاجتماعي والسياسي بالوشم، ومن ثمَّ تحوَّل إلى علاقة بين مستَثمِر ومُستَثمَر. ذلك حين يُوشم الجسد برموزٍ معيَّنة؛ ليس احتفاءً به، بل رميه خارجًا، لا، بل والتشهيرَ فيه بالمفهوم السلطوي من منظور عقابي، ردعي، زجري أو تأديبي، وإذلالي، وبحسب نوعية العلامة. ومن ثمَّ استعادة الجسد وتحويل جلده إلى منصَّة ذاتية ومتحرِّكة، لِتَبُثَّ ما يعنيه إلى المحيطين به داخلًا. إذ يُحيلُ الوشمُ الجسدَ إلى كشَّاف معلومات على تماسٍ مباشر بالعالم الداخلي والكتيم "السري" للشخص.
ويتساءل الناقد محمود: أين يتموقع الوشم؟ إنَّه بالمفهوم البرزخي، يصل ما بين المجهول، حيث لا يعرف أي شخص عن هذا الكائن، طالما أنه يكون على مبعدة عن الآخرين، وليس فيه ما يصرح بذلك. سوى أنَّ الوشم يستغرق جسدًا عبر جلده في الوجه، أو في محيط الرقبة الدائري، أو الذراعين، وأبعد، حيث نكون إزاء نصٍ مرئي صامت، لكنَّه حاملُ هوية لها مرجعية التمايز. ما يعني أنَّ الوشم ذو اعتبار سينوغرافي، يُمثِّل الجسد في ما يحمله، ويشير الباحث إلى أن للوشم عند الأمازيغ ما يوسِّع وظيفة هوية تعبِّر عن الخصائص الثقافية والحضارية للإنسان الأمازيغي، وتلمح إلى وجوده القديم على أراضي (تامازغا) من خلال طقوسه وعاداته، وليس عقوبة كما عند بعض الشعوب، أو زينة جمالية كما في العصر الراهن، حيث يظهر الوشم وينتشر في مجالات حياتية مختلفة بصفته اللغة التي تفيض على الحواس، وعبر نافذة الإبصار سلطة التقويم، وحيث أنَّ الصورة التي باتت تُعرف سيدة الموقف في شتى مجالات الحياة؛ إعلانية، إعلامية، وحتى في بنية الثقافة، إذ يمكن للوشم أن يعبر عن حقيقة أمره، على أنَّه صورة من نوع آخر، الطبعة التي تكون لها بدعتها المميزة لدى كل شخص.
ويستعرض الباحث الأنواع الرئيسية للوشم، فيذكر: البولينيزية، والماوية بمدرستيه القديمة والجديدة، ووشم الزينة، والوشم الرسومي، وأنماط الوشم؛ كنمط القبيلة (البولينيزي، الماوري، هاويين) والنمط الياباني التقليدي، والوشم التوضيحي، ونمط الألوان المائية، والوشم التشريحي، والنمط البيوميكانيكي.
وشمٌ، وشمْ. أيَّ وشمٍ هو هذا الذي أُجيزَ له أن يتحوَّل إلى كتابة بصرية، ويتَّخذ من الجلد فسحة ظهور مؤبَّدة له؟ إنَّه الجسدُ نفسه، الذي يعرف بوجهه الخارجي الذي يغطيه كاملًا، حيث يبقى المثبت عليه، ما بقي حيًا. آراء عديدة في استبيان ميداني عن الوشم ودوره؛ إذ يصبح درعًا رمزيًا ضد تهديدات الحياة اليومية مثل رأي "ألكس، 26 سنة": الوشم مخصص فقط للأشخاص الأقوياء والمرئيين. أو طالبة، 20 سنة: إنَّه لأمرٌ غريبٌ ما يمكن أن ينتج عنه وشمٌ بسيط. لديَّ ثقةٌ أكبر في نفسي، كان أوَّل قرار كبير لي، هذا هو أكبر تغيير في حياتي. وكأنَّه عملية تدويل وتدوير لتحويل الوشم إلى رمزٍ للقوَّة والطاقة: إنَّها طريقة أتولى بها مسؤولية جسدي – سيلفان، 19 سنة، طالب. لقد تجرأت على إظهار نفسي- 23 سنة، فنان وشم. مع الوشم أشعر أنَّ جسدي يبدو أفضل، إنَّه أكثر أنوثة – ليز، 22 سنة، طالبة. إنَّها آراء لموشومين استقلوا بأجسادهم لكن بدون أن يعرفوا أنَّ للجسد ثقلًا وجوديًا، وَإِنْ أصبحت ممارسة الوشم على نطاق واسع ممارسة ديمقراطية، وشملت الخلفيات الاجتماعية والثقافية. فالجسد وَإِنْ كَتبنا عليه ما كتبنا، لكنَّه جسدٌ يُبنى - يذكِّرنا بالمَثَل (كلُّ شبرٍ بِنَدْرٍ)، وليس جسدًا للفرجة.