تحتفظ رواية الأيرلندية البريطانية إيثيل مانين "الطريق إلى بئر السبع" بمكانة رياديّة في الأدب العالمي الذي تناول قضية فلسطين وما جرى في فلسطين عام 1948 ومن بعده في السنوات التي أعقبت عام النكبة. "الطريق إلى بئر السبع" هي شهادة الأدب العالمي على الحق الفلسطيني من خلال "السردية الحقيقية" للصراع وأبعاده الحقيقية والتي لم تزل مطلوبة ونسعى إليها في عالم بات منذ زمن طويل يغضّ عنها البصر والبصيرة ويحيل أي باحث عن الحقيقة إلى بعض نتائج الصراع وليس إلى الصراع الأصلي ذاته.
صدرت رواية "الطريق إلى بئر السبع" عام 1963، أي بعد خمسة عشر عامًا من النكبة العاصفة وما ترتَّب عليها من لجوء القسم الأكبر من الفلسطينيين وتشرُّدهم خارج وطنهم وداخل المناطق التي ظلَّت خارج سلطة الاحتلال (الضفة الغربية وقطاع غزة) والتي كان طابعها العام تمزُّق البنية المجتمعية وفقدان أدوات المقاومة أو حتى الإعداد الحقيقي للرد على النكبة وآثارها المدمِّرة، وهي صدرت مع بدايات تصدّي الرواية لنكبة فلسطين وأحداثها الكبرى ومآسيها غير المسبوقة في العصر الحديث.
تقوم الرواية على رصد ومتابعة رحلة عائلة فلسطينية من الطبقة الميسورة من مدينة اللد التي سقطت بيد المحتلين إلى مدينة رام الله لتنقسم بعد ذلك بين رام الله وأريحا، حيث تقدِّم الكاتبة سردًا حارًّا لتلك الرحلة على الأقدام وما واجهه "السائرون" من مصاعب لا توصف في مواجهة التعب والعطش وما عانوه من تشرُّد وانفصال أفراد العائلات الراحلة بعضهم عن بعض وحتى فقدان آثار آخرين منهم وخصوصًا الأطفال ومكابدة المرضى وكبار السن لمتاعب الرحلة بل أهوالها التي تفوق قدرتهم على السير في ظل العطش والتعب. هنا بالذات نلحظ البنائية الروائية المتماسكة والقائمة على توازن موفَّق بين عناصر بناء الشخصيات وقوة الحدث الروائي والتفوُّق في تقديم المناخ الروائي في سرد بليغ ويحمل كثيرًا من عناصر التشويق.
"الطريق إلى بئر السبع" هي بمعنى ما رحلة أنطون، الشاب الفلسطيني الذي ينتمي لأب فلسطيني وأم إنكليزية وتوزَّعت اهتماماته وأهدافه بين هدفين وعالمين، أوَّلهما التحصيل العلمي الأكاديمي والعمل الوطني بما فيه السعي العملي لفعل شيء عملي حقيقي لاستعادة الوطن المفقود والعودة إلى مسقط الرأس المدينة الأولى التي أصبحت تحت الاحتلال، وهو صراع ظلَّ طيلة الرواية ينمو ويشتعل فيه حتى اتَّفق أنطون مع صديقه وليد على تنفيذ حلم العودة بعد أن تفاهم الصديقان على أن تكون رحلة العودة هدفها مدينة بئر السبع، عاصمة النقب الفلسطيني ومدينة صديق أنطون وليد.
كل تفاصيل الرواية وأحداثها هي بعد ذلك طريق إلى تلك العودة المنشودة التي خطَّط لها الصديقان وأراداها بداية لعمل وطني فعلي يحقِّقانه في أرض الواقع: هي رحلة في ما وراء الحدود التي يحرسها الأعداء بجيش مدجَّج بالسلاح، وهي المواجهة الأولى مع خطوط الحدود التي لم تكن موجودة من قبل والتي أصبح وجودها إعلانًا صريحًا وواقعيًّا على تمزيق الوطن والحرمان من أجزاء واسعة منه. قبل الرحلة وخلالها تعصف أفكار أنطون بصراع لم يواجهه من قبل: الوطن والسعي لتحريره واستعادته في مواجهة الحب والحياة المفتوحة على العيش الرغيد الهانئ وتكوين أسرة في ظروف طبيعية واستقرار.
"الطريق إلى بئر السبع" هي مغامرة الإرادة الفردية التي تقع تحت طائلة ألم النكبة ولواعج الشوق إلى الوطن السليب الذي بات حلمًا محظورًا يحتلُّه مغتصبون يتحفَّزون بأسلحتهم لقتل أحلام كل من يفكِّر في العودة، والكاتبة إيثيل مانين في هذه الرواية تقدِّم سردًا روائيًّا أقرب إلى نشيد حزين تشعُّ من سطوره آمال الشخصيات بعذوبة تأخذنا إلى تلك الأحلام الوردية التي عاشها جيل النكبة وما أعقبها من سنوات كانت حبلى بالتمنِّيات والأفكار، وعاصفة بمشاعر التضحية وحكاياتها لاستعادة حيوية المجتمع أولًا، ثم لبدء طريق جديد نحو العودة المنشودة بالرغم من كل الموانع والمعيقات.
أهم ما في رواية "الطريق إلى بئر السبع" هو بالتأكيد تلك النهاية الفاجعة، الصادمة تمامًا حيث يسقط بطل الرواية أنطون شهيدًا في رحلته الأولى والتي أصبحت الأخيرة إلى تلك المدينة – الحلم بئر السبع وكأنّ الكاتبة شاءت أن تكون تلك الخاتمة التراجيدية إشارة رمزية إلى عبثية الركون للحل الفردي وعبثية الاعتماد على صفاء النية ونبل القصد لتحقيق أهداف كبرى كهدف التحرير واستعادة أرض سليبة.
قارئ رواية إيثيل مانين لا بدَّ أن يسجِّل إعجابه بهذا العمل الروائي المبكِّر والذي أعلنت من خلاله انحيازها في تلك السنوات إلى جانب الحق الفلسطيني، خصوصًا وأنها نجحت في تقديم رواية متماسكة فنيًّا وفكريًّا وتملك معرفة ضافية بالظروف الاجتماعية الفلسطينية وهي التي عرفت فلسطين عن قرب وعايشت أهلها وفهمت البنية الاجتماعية الفلسطينية على نحو جعلها تقدِّم روايتها على هذا النحو المتماسك والنابض بفنيَّته وبمقاربة الواقع على نحو جميل، سواء بالنسبة للشخصيات والأفراد بمستوياتها المختلفة، أو حتى الأفكار والعادات التي تحملها الفئات الاجتماعية المتنوِّعة والتي تحتفظ كل فئة منها بما يميِّزها.
هي رواية الرحيل الدامي ولهذا جاء حلم العودة على قامتها فكان حلمًا داميًا قتل الحالم وقتل معه حلمه كعاشق تنتظره حبيبة وتنتظره بلاد مزَّقتها أيدي السطو المسلَّح على بلاد الفلسطينيين في رابعة نهار العالم وفي عزّ يقظته، وسيظلّ لهذه الكاتبة الأيرلندية فضل الريادة في تقديم حكاية الفلسطينيين للعالم وبالذات أوروبا التي كان حكامها هم أول من دعم المحتلين وأول من قدَّم سردية مفبركة لما وقع لفلسطين وأهلها.
صدرت رواية "الطريق إلى بئر السبع" عام 1963، أي بعد خمسة عشر عامًا من النكبة العاصفة وما ترتَّب عليها من لجوء القسم الأكبر من الفلسطينيين وتشرُّدهم خارج وطنهم وداخل المناطق التي ظلَّت خارج سلطة الاحتلال (الضفة الغربية وقطاع غزة) والتي كان طابعها العام تمزُّق البنية المجتمعية وفقدان أدوات المقاومة أو حتى الإعداد الحقيقي للرد على النكبة وآثارها المدمِّرة، وهي صدرت مع بدايات تصدّي الرواية لنكبة فلسطين وأحداثها الكبرى ومآسيها غير المسبوقة في العصر الحديث.
تقوم الرواية على رصد ومتابعة رحلة عائلة فلسطينية من الطبقة الميسورة من مدينة اللد التي سقطت بيد المحتلين إلى مدينة رام الله لتنقسم بعد ذلك بين رام الله وأريحا، حيث تقدِّم الكاتبة سردًا حارًّا لتلك الرحلة على الأقدام وما واجهه "السائرون" من مصاعب لا توصف في مواجهة التعب والعطش وما عانوه من تشرُّد وانفصال أفراد العائلات الراحلة بعضهم عن بعض وحتى فقدان آثار آخرين منهم وخصوصًا الأطفال ومكابدة المرضى وكبار السن لمتاعب الرحلة بل أهوالها التي تفوق قدرتهم على السير في ظل العطش والتعب. هنا بالذات نلحظ البنائية الروائية المتماسكة والقائمة على توازن موفَّق بين عناصر بناء الشخصيات وقوة الحدث الروائي والتفوُّق في تقديم المناخ الروائي في سرد بليغ ويحمل كثيرًا من عناصر التشويق.
"الطريق إلى بئر السبع" هي بمعنى ما رحلة أنطون، الشاب الفلسطيني الذي ينتمي لأب فلسطيني وأم إنكليزية وتوزَّعت اهتماماته وأهدافه بين هدفين وعالمين، أوَّلهما التحصيل العلمي الأكاديمي والعمل الوطني بما فيه السعي العملي لفعل شيء عملي حقيقي لاستعادة الوطن المفقود والعودة إلى مسقط الرأس المدينة الأولى التي أصبحت تحت الاحتلال، وهو صراع ظلَّ طيلة الرواية ينمو ويشتعل فيه حتى اتَّفق أنطون مع صديقه وليد على تنفيذ حلم العودة بعد أن تفاهم الصديقان على أن تكون رحلة العودة هدفها مدينة بئر السبع، عاصمة النقب الفلسطيني ومدينة صديق أنطون وليد.
كل تفاصيل الرواية وأحداثها هي بعد ذلك طريق إلى تلك العودة المنشودة التي خطَّط لها الصديقان وأراداها بداية لعمل وطني فعلي يحقِّقانه في أرض الواقع: هي رحلة في ما وراء الحدود التي يحرسها الأعداء بجيش مدجَّج بالسلاح، وهي المواجهة الأولى مع خطوط الحدود التي لم تكن موجودة من قبل والتي أصبح وجودها إعلانًا صريحًا وواقعيًّا على تمزيق الوطن والحرمان من أجزاء واسعة منه. قبل الرحلة وخلالها تعصف أفكار أنطون بصراع لم يواجهه من قبل: الوطن والسعي لتحريره واستعادته في مواجهة الحب والحياة المفتوحة على العيش الرغيد الهانئ وتكوين أسرة في ظروف طبيعية واستقرار.
"الطريق إلى بئر السبع" هي مغامرة الإرادة الفردية التي تقع تحت طائلة ألم النكبة ولواعج الشوق إلى الوطن السليب الذي بات حلمًا محظورًا يحتلُّه مغتصبون يتحفَّزون بأسلحتهم لقتل أحلام كل من يفكِّر في العودة، والكاتبة إيثيل مانين في هذه الرواية تقدِّم سردًا روائيًّا أقرب إلى نشيد حزين تشعُّ من سطوره آمال الشخصيات بعذوبة تأخذنا إلى تلك الأحلام الوردية التي عاشها جيل النكبة وما أعقبها من سنوات كانت حبلى بالتمنِّيات والأفكار، وعاصفة بمشاعر التضحية وحكاياتها لاستعادة حيوية المجتمع أولًا، ثم لبدء طريق جديد نحو العودة المنشودة بالرغم من كل الموانع والمعيقات.
أهم ما في رواية "الطريق إلى بئر السبع" هو بالتأكيد تلك النهاية الفاجعة، الصادمة تمامًا حيث يسقط بطل الرواية أنطون شهيدًا في رحلته الأولى والتي أصبحت الأخيرة إلى تلك المدينة – الحلم بئر السبع وكأنّ الكاتبة شاءت أن تكون تلك الخاتمة التراجيدية إشارة رمزية إلى عبثية الركون للحل الفردي وعبثية الاعتماد على صفاء النية ونبل القصد لتحقيق أهداف كبرى كهدف التحرير واستعادة أرض سليبة.
قارئ رواية إيثيل مانين لا بدَّ أن يسجِّل إعجابه بهذا العمل الروائي المبكِّر والذي أعلنت من خلاله انحيازها في تلك السنوات إلى جانب الحق الفلسطيني، خصوصًا وأنها نجحت في تقديم رواية متماسكة فنيًّا وفكريًّا وتملك معرفة ضافية بالظروف الاجتماعية الفلسطينية وهي التي عرفت فلسطين عن قرب وعايشت أهلها وفهمت البنية الاجتماعية الفلسطينية على نحو جعلها تقدِّم روايتها على هذا النحو المتماسك والنابض بفنيَّته وبمقاربة الواقع على نحو جميل، سواء بالنسبة للشخصيات والأفراد بمستوياتها المختلفة، أو حتى الأفكار والعادات التي تحملها الفئات الاجتماعية المتنوِّعة والتي تحتفظ كل فئة منها بما يميِّزها.
هي رواية الرحيل الدامي ولهذا جاء حلم العودة على قامتها فكان حلمًا داميًا قتل الحالم وقتل معه حلمه كعاشق تنتظره حبيبة وتنتظره بلاد مزَّقتها أيدي السطو المسلَّح على بلاد الفلسطينيين في رابعة نهار العالم وفي عزّ يقظته، وسيظلّ لهذه الكاتبة الأيرلندية فضل الريادة في تقديم حكاية الفلسطينيين للعالم وبالذات أوروبا التي كان حكامها هم أول من دعم المحتلين وأول من قدَّم سردية مفبركة لما وقع لفلسطين وأهلها.