Print
يوسف الشايب

يوميّات شاب فلسطيني خلال الحرب العالمية الثانية

19 يوليه 2024
عروض


كتب سامي عمرو يوميّاته في أواخر سنيّ مراهقته وبداية عشرينات عمره، وقد اختار لها عنوان "معركة الحياة"، جامعًا ما بين الأجواء السياسية في فلسطين خلال انجلاء الانتداب البريطاني، وما بين تلاطم الأفراح والمشاكل في حياة عائلته التي تعود جذورها إلى إحدى بلدات الخليل.
هذه التدوينات الصادرة في كتاب بعنوان "يوميات شاب فلسطيني"، متبعة بآخر فرعي "حياة سامي عمرو (1941 ــ 1945)"، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، تطفح على مدى السنوات الأربع التي كُتبت فيها، بتأملات شاب من الخليل، كاشفة تفاصيل الحياة اليومية في خضم تحوّلات كبيرة شهدتها بلاده. ففي وصفه العام والخاص، للحديث والتقليدي، يتفكّر سامي بعلاقاته، وبموقعه في الحياة، وبغيرها من التجارب الحياتية الكونيّة، وذلك من خلال إشراكه لنا بعدد من التفاصيل في لحظة زمنية راهنة.
أصدرت الأكاديمية والباحثة الأميركية كيمبرلي كاتز، وهي أستاذة تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تومسون في ميريلاند في الولايات المتحدة، الكتاب مقدمةً يوميّاتٍ نادرة احتفظ بها صاحبها لأكثر من ستين عامًا إلى قرّاء الإنكليزية بداية، قبل ترجمته للعربية من قبل ابتسام خضرا، بتحقيق وتحرير لكارول خوري.
وتحمل يوميّات سامي عمرو "مذكراتي في هذه الحياة" ميزة كونها مفعمة بعاطفة وصراحة سياسية، ووعي ناضج، بحيث تمثل السياق الأوسع لحياة هذا الشاب التي تتحدى البيئة الاجتماعية التقليديّة في زمن التغيّر الكبير خلال الاستعمار البريطاني على فلسطين.
وكتابة اليوميّات هذه دُوّنت على انتظام، خلال الحرب العالمية الثانية، ما مكّن سامي عمرو من كتابة أفكاره وتأملاته وملاحظاته، وتحليل حياته في مرحلة عنوانها التغيير والتحدي لسكان فلسطين، بغض النظر عن أصولهم.
وتنقل كتابات سامي مدى حبّه العميق لعائلته وبلدته، ومع ذلك فقد طغا ذلك الشعور بالقيود التي فرضتها البنى الاجتماعية والعائلية التي عاش في كنفها، فقد كتب عن طموحاته المهنية على الرغم من إدراكه العميق أن تعليمه المحدود قيّد حركته صعودًا.
تسجل اليوميات آمال صاحبها وتطلعاته، حبّه وحسراته، فرص حياته المهنية، والصعوبات التي واجهها، وعلاقاته مع جيرانه وأسرته والأصدقاء، وهي العلاقات التي ازداد حجم تعقيداتها على خلفية الحرب العالمية الثانية التي جاءت في أعقاب الثورة الفلسطينية (1936 ــ 1939)، وهي المقاومة الفلسطينية، التي يراها عدد الباحثين والساسة المقاومة الفلسطينية الأكثر صخبًا وعنفًا ضد الحكم البريطاني للبلاد وفيها، وهو الحكم الذي أدى بشكل مباشر إلى زيادة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين.
تنبأ سامي عمرو في إحدى التدوينات بيوميّاته هذه بما قد يحدث للعرب الفلسطينيين إذا ما استمر استيطان اليهود ونشاطهم الاقتصادي، فقد كان يشير باستمرار إلى اليهود الصهاينة القادمين من أوروبا، ليس فقط بسبب الاضطهاد الذي عاشوه وعايشوه هناك، ولكن لكونهم مسلحين بأيديولوجية الحركة القومية التي تمثلها الصهيونية، وخصوصًا في ما يتعلق باليهود الأوروبيّين أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، أي زمن تنامي الوعي القومي في أوروبا.
أجبرت العلاقة بين العرب واليهود في فلسطين صاحب اليوميّات على الإعلان عن وجوده ووجود رفاقه الفلسطينيين، بعد تغييب لكثير منهم لأكثر من عقدين من الاحتلال البريطاني، وزيادة الهجرة اليومية إلى فلسطين، وعدم وضوح الرؤية بسبب الحرب.





إن هاجسه في ما يتعلق بالاستيطان، والأنشطة الاقتصادية لليهود في البلاد، قبل خمسة أعوام من استيلاء الصهاينة العسكري الفعلي على فلسطين، بالإضافة إلى الحياة في ظل الانتداب البريطاني، جميعها ساهمت في تشكيل فهم سامي لبيئته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
في عام 1948، أعلن القادة الصهاينة في فلسطين عن قيام دولة إسرائيل المستقلة، أي النهاية العملية لحقبة الاحتلال البريطاني للبلاد، والبدء بالتأسيس لإنشاء دولة يهودية في فلسطين، وديمومة قضية اللاجئين الفلسطينيين.
لم تقدّم كتابات سامي عمرو أي شيء تقريبًا عن حياته السابقة لتدوينه يوم 30 أبريل/ نيسان 1941، ولم يُشر إلى أي من الأحداث الكبرى في طفولته، ولم يقدّم أي تفسير للبنية السياسية في بلاده، فيما انتقد بالحد الأدنى القيادة السياسية العربية في فلسطين ضمن يوميّاته هذه.
نتيجة لذلك، يجد القارئ صعوبة في تصوّر أن عمرو انخرط في الكتابة الاستراتيجية المُعدّة سلفًا لجمهور واسع، وأن يوميّاته قد تكون أقرب إلى حالة تفكّر في الأحداث التي عاصرها، من خلال نقاش الأوضاع الأقرب إلى نفسه وبيته، ككيفية العثور على مفتاح مستقبله من خلال العمل والحب.
وفي هذا السياق، قدّم في تدويناته هذه تفاصيل غنية عن الناس الذين لا نعرف على الأرجح أي شيء عنهم أكثر مما ذكره الشاب الفلسطيني بشكل عابر في يوميّاته.
مع ذلك، نحن نتعلم كثيرًا منه، وعن تجارب مَن حوله: رؤساء وزملاء العمل، وأفراد عائلته، بحيث تسمح يوميات سامي عمرو للقارئ أن يتخيّل، أو أن يكوّن صورة ذهنية لحياة كاتبها، وحيوات المحيطين به، من خلال نقاشاته، هو المولود في صيف عام 1924، لسياسات التوظيف والأوضاع الاقتصادية، والولاء والمحبة، ما يضعنا في إطار صورة معرفية غير مسبوقة ترتبط بقضايا كانت راهنة، وقتذاك، وارتبطت بجدلية الحرب والعدالة.
وكتب سامي يومياته الشخصية باللغة العربية في دفتر من إنتاج إنكليزي، فكانت بالنسبة إلى الدفتر، تبدأ من الخلف (اليمين)، أي من الورقة المرقمة 92، وتنتهي في الورقة المرقمة 27، ولكن بالرغم من الاتجاه المعاكس في الكتابة لما يمليه تصميم الدفتر، فقد كان للتدوينات نظام مرتب للكتابة من اليمين إلى اليسار، بما في ذلك التدوينات التي لم يؤرخها صاحبها، فقد كانت متسلسلة وأنيقة.
في البداية، لم يكتب عمرو على الوجه الثاني من الصفحة لصفحات عدة من الدفتر، ثم عاد في ما بعد وملأها، عن طريق كتابة تدوينات طويلة في بعض الأحيان، من دون تكرار التاريخ، أو الإشارة إلى أن ذلك كان استمرارًا لصفحة أخرى.
إذا ما قرأ أي شخص اليوميّات من البداية إلى النهاية، كما وردت في الدفتر، من دون الاستفادة من التنظيم اللاحق الذي تم تطبيقه عليها، فسوف يجد إرباكًا في النص، ولن يكون قادرًا على المتابعة وفق الترتيب الزمني الطبيعي.
إن تنظيم اليوميّات بالشكل الوارد في هذا الكتاب يُبقي على التسجيل المتدرج لحياة الشاب الفلسطيني وملاحظاته، على الرغم من اختلاف الترتيب عن ذاك الوارد في اليوميات الأصلية، أما التدوينات التي لم يؤرخها سامي عمرو، فقد وُضعت بشكل يراعي سياق الموضوع قدر الإمكان، وفي حالات عدّة اتسق ذلك مع التسلسل الأصلي، وفق كيمبرلي كاتز، التي كشفت أن الكتاب هذا أبصر النور نتيجة مصادفة أتاحت لها الالتقاء بسمير عمرو، الابن الأكبر لكاتب اليوميّات، وزوجته، على متن طائرة متجهة إلى الأردن عام 1999، مؤكدة أن الكلمات القليلة التي تبادلتها بالعربية مع مضيفة الطائرة، أتاحت لها فرصة العمل على هذه اليوميّات التي وصفتها بالنادرة، باعتبار أن اهتمام ابن صاحبها باللغة العربية ساهم في إجراء محادثة بينهما على متن الطائرة، ثم إلى كثير غيرها عبر البريد الإلكتروني، على مدى سنوات عدة، حول التاريخ والسياسة في فلسطين، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قبل أن يدعوها إلى وليمة "منسف" مع عائلته، ما شكل فرصة لاطلاعها على يوميات والده التي تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية في فلسطين.