Print

"زهرة تحت القدم": نصفُ قرنٍ من القصص الروسية

22 سبتمبر 2024
صدر حديثا

صدر عن "محترف أوكسجين للنشر" في أونتاريو كتابٌ جديد بعنوان "زهرة تحت القدم: قصصٌ روسية، النصف الأول من القرن الـ 20"، اختارها وترجمها البروفيسور السوري المقيم في كندا نوفل نيّوف.
وتأتي هذه المختارات القصصية ضمن سلسلة "أوكلاسيك" (أوكسجين + كلاسيك)، التي يسعى من خلالها المحترف إلى تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف. وهو ما نلمسه في هذا الكتاب الذي جمعَ قصصًا عصّية على الزمن، بل منفلِتة من قبضته، خاصة وأن كتّابَها تحدّوا في موضوعاتهم فترة إشكالية في التاريخ الروسي في الخمسين سنة الأولى من القرن العشرين. نتاجٌ أدبيّ ولد من رحمِ عقودٍ من التمزّقات والتحوّلات الحادّة، حيث لا شيء في منأى عن تأثيرات الثورة والحرب والهجرة والاعتقالات والنفي.
ومن هم هؤلاء الأدباء الروس الذين نقرأ قصصهم في هذا الكتاب؟
البداية مع ليونيد أندرييف (1871 ــ 1919) أحد أعلام العصر الفضّي. مؤسِّس تيّار التعبيرية في الأدب الروسيّ، الذي لاقت أعماله الأدبية تقديرًا عاليًا من جانب كبار معاصريه الأدباء الروس: ليف تولستوي، أنطون تشيخوف، مكسيم غوركي، وألكسندر بلوك... فضلًا عن قصصه القصيرة، كتب ليونيد أندرييف 22 مسرحية، وعددًا من الروايات والقصص الطويلة المشهورة. ونقرأ له في هذا الكتاب أربع قصصٍ هي: "الهوّة"؛ "من قصة لا تنتهي أبدًا"؛ "زهرة تحت القدم"، و"هِرْمَن ومارتا". ولننتقل إلى عوالم يفغيني زامياتِن (1884 ــ 1937)، الكاتب والناقد الأدبي والسيناريست ومهندس السفُن الذي كان معاصروه الميّالون إلى الرمزية والحداثة: ليونيد أندرييف، وأندريه بيلي، وفيودور صولوغوب، أقربَ إليه من الكتّاب الواقعيين، روايتهُ "نحن" أسست لتقليدٍ أدبيّ جديد، ولكنها لم تنشر في الاتحاد السوفياتي إلا عام 1988، وهي المكتوبة والمنشورة بلغات عدة في سنوات العشرينيات من القرن الماضي. له في هذا الكتاب ثلاث قصص هي: "عينان"؛ عشر دقائق دراما"، و"السّاعة". ومع نيكولاي غوميليوف (1886 ــ 1921)، نحن أمام أحد أبرز أعلام الشعر الروسي في "العصر الفضي"، صدر له في حياته تسع مجموعات شعرية، وكان يتكلم خمس لغات. أعدم في سنٍ مبكرة بتهمة التآمر على السلطة السوفياتية، وبعد مقتله صدرت أول مجموعة قصصية له. وفي عام 1992، بُرِّئ وأعيدَ له الاعتبار. وما يزال مكانُ دفنه مجهولًا، وتستعيده المجموعة بأربع قصصٍ هي: "صعودًا عبر النيل"؛ "الأميرة زارا"؛ "الفارِس الذهبي"، و"الجنرال الأسود".
وفي مختارات هذا الكتاب خمسُ قصص لصاحب رواية "لوليتا" فلاديمِر نَابوكوف (1899 ــ 1977)، وهي: "عودة تشورب"؛ "حكاية"؛ "الجرس"؛ "بيلغرام"، و"الأرض المجهولة"، وهذه القصص لا تعدو كونها نماذجَ قد تكون، على قلّة عددها، بالغةَ الأهمية والتمثيل ربّما لفرادة أسلوب نَابوكوف، وتقنياته الفنية، وتشابك الحبكات وتوازيها أحيانًا، وكثافة اللغة وشفافيتها.
وإلى صاحب أسلوبٍ أدبيّ فريدٍ آخر، وهو الأديب والشاعر، وكاتب المسرحيات والسيناريست، الصحافي والمراسل الحربي، والمهندس المختَرِع، أندريه بلاطونوف (1899 ــ 1951)، كانت حياته الأدبية شديدة التعقيد والصعوبة، كثيرٌ من أعماله الإبداعية لم يرَ النور في وطنه طيلة حياته. تكمن مأساته في تفرّد لغته واختلاف نظرته إلى العالم عن معظم الأدباء السوفيِات في عصره. ويتجلّى ذلك في القصتين المختارتين هنا: "معلّمة الرمال"، و"العودة". والختام مع الكاتب والشاعر فارلام شالاموف (1907 ــ 1982)، الذي اشتهر بكتابة سلسلة "قصص كوليما" عن حياة المعتقلين في معسكرات العمل التأديبية السوفيِاتية، لم تُنشَر له في حياته إلّا بعض المجموعات الشعرية، وإلى غاية أواخرَ العصر السوفياِتي في الثمانينيات، أي بعد وفاته، بدأ صدور تلك السلسلة في بلاده، ومن قصصه المترجمة هنا نقرأ: "بِالدَّين"؛ "شيرّي براندي"؛ "ثمارٌ برّية"، و"ربطة عنق".
وجاء في كلمة الغلاف: "الوجهة واضحة ومشرقة. الرحلة مترامية وساحرة. دعوا عنكم كل ما تعرفونه عن الأدب الروسي، وانطلقوا من هذا الكتاب! الدرب محفوف بأروع القصص الروسية التي اختارها وترجمها البرفسور نوفل نيّوف، لتلامس حيواتنا وآمالنا وهواجسنا ومشاعرنا الأشد عمقًا، في وفاءٍ مطلقٍ للدهشة والمفاجأة والسحر، ولذة القصِّ وتنويعاته اللا متناهية، ونحن نمضي من أندرييف، وزامياتن، وغوميليوف، إلى نابوكوف، وبلاطونوف، وشالامون، وقد استقرَّ نصفُ قرنٍ من أكثر القصص خلودًا في هذا الكتاب".
أمّا عن اختياره لعنوان الكتاب، فكتب المترجم نوفل نيّوف: "اخترتُ عنوان قصّة ليونيد أندريّيف "زهرة تحت القدم" عنوانًا عامًّا لهذه المختارات القصصية لظنّي أنّ في كلٍّ من شخصيّاتها، وربما في كلٍّ منّا، أو في أكثرنا؟ زهرةً/ أزهارًا ما تحت قدَم/ أقدامٍ ما". وليس غريبًا أن تتضمن الفقرة الافتتاحية من قصة "زهرة تحت القدم" عبارة هي بمثابة نافذة يشرّعها هذا الكتاب الذي جاء في 296 صفحة على عالمٍ المجهولُ فيه فرصة إبداعية للاكتشاف: "العالم بالنسبة إليه هائل، حيّ ومجهولٌ على نحوٍ بديع".

نوفل نيّوف: كاتب ومترجم وأكاديمي من سورية مقيم في كندا. حاصل على ماجستير باللغة الروسية وآدابها، ودكتوراة في نظرية الأدب من جامعة موسكو. درّس اللغة الروسية في جامعتي وهران وطرابلس الغرب، ودرّس اللغة العربية في "جامعة الصداقة" في موسكو. من أعماله: رواية بعنوان "أناجيل الخراب"، ودراسات، منها: "روسيا من الداخل"، و"آفاق الرواية، حدود القصة". من ترجماته: "الضيف الحجري" لألكسندر بوشكين، و"كتاب الجنون" لـ ليونيد أندرييف، و"كلُّ شيء عن الحب" لـ نَديِجدا طيفّي، و"بعض حياة وشعر" لمارينا تسفيتايفا، و"قلب كلب" لميخائيل بولغاكوف، وغيرها كثير من دراسات، مثل كتابي "الوعي والفن"، و"نظرية الرومانسية في الغرب".